|
صدمة الإعلام العربي د. جرجيس كوليزادة / اربيل ـ العراق من المفارقات الغريبة التي حظيت بها مسالة مقتل الزعيم الإرهابي لتنظيم القاعدة في بلاد الرافدين يوم التاسع من حزيران بضربة جوية أمريكية وبتعاون من قبل الشرطة العراقية والقوات المتعددة الجنسيات العاملة في العراق، هي حالة الصدمة التي حصلت للإعلام العربي خاصة الفضائيات منها لعدم توقعها مثل هذا الحدث بسبب عدم اتسامها بالموضوعية والحيادية في تناولها للخبر والحدث وتعليقها على الأحداث وفق أهداف وتصورات بعيدة عن منهجية ومهنية الإعلام والصحافة. ولهذا جاءت التغطية العربية لمقتل الزرقاوي مشوشة وغير مهنية عدا فضائية العربية والموقع الألكتروني إيلاف، حيث تم تغطية الحدث وكأنها مأتم للعرب وكأنها رحيل لأحد القادة المعتبرين للعرب، خاصة على فضائية الجزيرة، حيث حاولت بكل قوة من خلال أساليبها غير المهنية وغير المحايدة تقليل الآثار السلبية للحدث على مشاهديها على الشارع العربي وعلى أنصار الحركات الإسلامية المتطرفة والمنظمات الإرهابية التي أخذت من الإسلام حجة لقطع الرقاب الإنسانية ونحر الرؤوس البشرية أمام أعين الكاميرات. ولا شك أن ابلغ اعتراف لقصور الإعلام العربي ودورها السلبي في دعم وإثارة الإرهاب جاء على لسان الأمير السعودي نايف بن عبدالعزيز قبل فترة، حين أقر في مؤتمر صحفي أن الإعلام العربي لا يعلب دورا ايجابيا لمكافحة الارهاب تزامنا مع المواقف العقلانية التي تقف بوجه هذه الآفة السرطانية التي سببت التنخر في أبدان المجتمعات الشرق الأوسطية والإسلامية، والتي أدت الى طبع صورة متوحشة عن الإسلام لدى الانسان غير المسلم في أوربا وأمريكا وبقية قارات العالم، حتى وصل الأمر ببعض المسلمين في الدول الديمقراطية والمتحررة الى الانقلاب على دين فطرتهم واتخاذ اتجاه آخر، استنكارا منهم لموقف الإرهابيين ومواقف الحركات الإسلامية الجامدة التي تنطلق من الصخور الحجرية السالفة لتفسير آرائهم ونظرياتهم المتخلفة المتسمة برجعية القرون الوسطى. أمام هذا الحدث الجليل لتحقيق العدالة الربانية وإنزال عقوبة الشعب بحق أقصى وأعتى مجرم إرهابي لاسترداد حق اليتامى والنساء الأرامل والثأر لهم، فإن القضاء على إحدى أهم الرؤوس المنظمة للإرهاب والإجرام في العراق وفي منطقة الشرق الأوسط تعتبر بحق ضربة قاصمة للأطراف الإسلامية المتطرفة والحركات الإرهابية التي فتكت بأرواح العراقيين أشد الفتك، وتأتي كرد حاسم وحازم من قبل الحكومة العراقية الجديدة لبداية مشوارها وعملها لخدمة العراقيين لتأمين الأمن والاستقرار والعمل على اعمار العراق لتوفير الخدمات والحاجات الأساسية للمواطنين. انطلاقا من هذه الزاوية، فإن الشحنة الزائفة التي حاولت فضائية الجزيرة رفدها في أنصار الزرقاوي لتخفيف هول الصدمة عليهم من خلال طرح واجهة إرهابية مقيتة قريبة له، لتقديم هالة مبجلة على شكل ظاهرة أسطورية ملفتة للاستهجان والاستخفاف للشخصية الإجرامية الزرقاوي، جاءت كخطوة يائسة منها ردت عليها بسلبية غير متوقعة، ومن محاسن القدر ان الشخصية التي قدمتها القناة لم تسيطر على نفسها فأطلق كلاما عجافا غير مهذب بحق دولته ومملكته وبحق الدول المجاورة لمملكته وبحق شعوب المنطقة، وهذا ما نبه الجهات المعنية في الأردن إليها وإلى أن تلجأ الى اتخاذ إجراءات احترازية بحق الشخص المعني وبحق مراسل ومكتب الجزيرة في عمان تزامنا مع لحظة بث اللقاء، وجاء الإجراء الحكيم المتخذ من قبل تلك الجهات في المملكة كخطوة صائبة وسليمة بحق مثل هذه الشخصيات المشبوهة التي تملك عقلية متعفنة لا تملك الحق لمخاطبة جمهور بالملايين بهذه اللهجة الفاسدة التي تعبر عن دهاليز الأفكار المريضة والمقيتة. وجاء الإجراء بحق الخط الإعلامي المتعجرف لفضائية الجزيرة لتنبيهها في موقف سليم لتبني القناة هذا النهج التخريبي وتبنيها لشخصيات غير سوية من أصحاب الاتجاهات الارهابية والدعوات المتطرفة المتسمة بالعنف والعمل الإجرامي والإرهابي على الساحة الفكرية والميدانية في المنطقة وفي الدول الإسلامية. أمام هذا النهج غير السوي لجهاز إعلامي فضائي يحاول بكل قوة معاداة طموحات مجتمعات المنطقة في تحقيق القيم الإنسانية والمدنية، ومنها الأمة العراقية التي تعاديها بشدة من أجل تحقيق أهدافها التحررية والإنسانية والديمقراطية والدستورية التي تحققت بفضل تحرير العراق من قوى الظلام والاستبداد والطغيان في يوم التاسع من ابريل بعملية عسكرية مشتركة للقوى الوطنية العراقية المعارضة والقوى الدولية المساندة للانفتاح الديمقراطي وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا. وتأتي تلك المحاولات البائسة من خلال طرح تحليلات وطروحات متشائمة الى أبعد الحدود بحق الحالة العراقية وهي متقصدة لنيات مبيتة سيئة وشريرة لدفع الإمور في العراق إلى واجهات طائفية حاقنة وأوضاع غير سليمة للعراقيين لتحقيق أغراض استخباراتية وسياسية مقيتة بحق أبناء الامة العراقية لدول مجاورة للعراق ولدول بعيدة عنها، لا تريد لهذه الدولة المتحررة والمنطلقة بنموذج ديمقراطي فريد في المنطقة أي خير بل على العكس تريد لها الشر والخراب والدمار. أجل هذه الحقائق المريرة التي يعرفها كل عراقي، هي الأمور السيئة التي تجابه بها العراقيين من خلال الأفعال الإجرامية والأعمال الإرهابية في حياتهم اليومية والعملية والميدانية، وكان العراق هي ساحة المدخل الرئيسي لأبواب الجنة المزعومة التي تركض ورائها العقول المجنونة الممسوخة والمفرغة بفعل العمليات المخابراتية لغسل عقول الشباب العربي والمسلم البائس واليائس في حياته الشخصية بسبب استبداد وطغيان الأنظمة العربية والإسلامية وبسبب جمود الفكر الإسلامي والتخلف الديني المذهبي وجمود الحياة الاجتماعية والاقتصادية للمجتمعات في المنطقة ووجود تناقضات متباعدة ومتنافرة بين أقليات تتسم بالفرعنة تسيطر على مقاليد الأمور وأغلبية بائسة ترضخ وتعاني تحت حكم الأقلية المستبدة. أجل هذه الحقائق المريرة لا تسلط الإعلام العربي الضوء عليها، ولا تتجرأ أن تتناول أي منها بجرأة وشجاعة لطرحها أمام المشاهد والجمهور لتغذيته بحقائق واقعية مسندة بالأدلة والأرقام لكي يتم تكوين رأي حكيم وسليم للشارع العربي مبني على الحقيقة والمعلوماتية لتلعب دوره على الساحة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية الفكرية لإحداث تطوير وتحسن في نمط حياة الانسان الشرق الأوسطي، وتشكيل موقف إيجابي للرأي العام لتلعب دورها المؤثر بشكل إيجابي في الحياة السياسية والعقائدية في المنطقة. لهذا واستنادا الى هذا التحليل الواقعي والميداني للإعلام العربي الذي أصيب بصدمة سياسية وإعلامية بمقتل الإرهابي الزرقاوي، فإن الوقت قد حان لإعادة النظر، فقد حان الظرف لهذا الأعلام المشوه ان يعيد حساباته وأوضاعه ليطرح نفسه بمهنية وموضوعية وحيادية، لكي يلعب دورا إيجابيا في مكافحة الإرهاب والأجرام المنظم، وأن يتعامل بجدية مع الواقع لكي لا يعيد دوره السلبي والمدمر بحق الفرد والمجتمعات في المنطقة وبحق القيم الإنسانية المعترف بها وفق المباديء والمواثيق الدولية، من خلال تبني تلك الأجهزة الإعلامية وجهات النظر الإرهابية وتوفير وسائل الدعم الصحافي والإعلامي للحركات والمنظمات والشخصيات الإرهابية لطرح طروحاتهم وارائهم المسمومة بحق الانسانية وبحق الأعراف والتقاليد الإيجابية لمجتمعات المنطقة. أجل هذه الرؤية السوداوية التي يتبناها الإعلام العربي شكلت خنجرا مسموما على الدوام للعراقيين تطعن بها ظهورهم باحترافية ومهنية مخابراتية عالية لوقف مسيرة النموذج العراقي الذي طرح نفسه على الساحة في المنطقة كنموذج ايجابي متحرر إيمانا منه ببناء الإنسان على أسس جديدة للقيم الإنسانية مبنية على الحرية والكرامة والعدالة والمشاركة، وهي قيم أخذت تجد لنفسها مساحات جديرة في واقع وحياة الإنسان والمجتمع العراقي للنهوض بأمة عزيزة قديرة على البناء وتحقيق الرفاهية لأبنائها. من هذا الأساس تأتي عملية القضاء على رمز الإرهاب في المنطقة، من الخطوات الجديرة بالاهتمام، لأن هذه العملية برهان ساطع على نجاح النموذج العراقي ونجاح خطة المجابهة العراقية لمكافحة الارهاب والقضاء عليه، وهي أكبر دليل على نجاح الاختراق العراقي الوطني لصفوف الإرهاب وخاصة القيادات العليا منها لتوجيه ضربات قاصمة لها وبالتالي القضاء عليها في العراق بمراحل متلاحقة سريعة تعمل على اختصار الزمن المطلوب، ولا شك فإن مقتل الزرقاوي سيكون البداية الحاسمة والعامل الفعال في اختصار هذا الزمن لأستباب الأمن والاستقرار في العراق. ولهذا فان دعوتنا للإعلام العربي للتغيير جادة وتأتي في ظرف هو بأمس الحاجة اليه لإحداث تغيير جذري في البنية التحتية للثقافة والفكر السائد في المنطقة ومحاولة التأثير عليها بصورة إيجابية لتحقيق المطالب الإنسانية والسياسية للمجتمعات المتواجدة في الساحة بصورة سلمية ومدنية لتخليص المنطقة من براثن العنف الدموي الذي لم يحقق للانسان الشرق الأوسطي غير الدمار والخراب. وتأتي مهام وواجبات الأعلام والصحافة في هذا المجال من أهم المهمات الإنسانية والاعلامية القيمة والجديرة التي ستلعب دورها الحيوي في تحقيق هذا التغيير الايجابي بحكمة، وأملنا كبير بتحقيق هذه الأمنية لأننا نؤمن من خلال تجربتنا العراقية المتأصلة والمرتبطة بحكمة الإيمان المتواصل بالأمل المنتج من معاناة الألم، أن واقع المنطقة سيتغير مهما طال الزمن لأن أبنائها أخذت تترسخ لديها بجدية الإيمان بالتغيير والتجديد لصالح تحقيق عالم متمدن مبني على القيم الإنسانية المؤمنة بالحرية والكرامة والعدالة والمشاركة، وهي نفس القيم التي تحاول الرسالة الإعلامية تحقيقها من خلال تعاملها بواقعية ومسؤولية وموضوعية مع الحقيقة والخبر والحدث، وهذا ما نأملها وننتظرها بجدية من الإعلام العربي.
|
||||
© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |