الجمهور العراقي حائر

من مطبخ السياسة إلى مطبخ العائلة والرزق على الله

طارق العادلي / كاتب من العراق

tarik_aladliy@yahoo.com

اسمحوا لي، ان اكتب ما لم اتعود أن أكتبه في كل مرة خلت، فقد كانت المواضيع السياسية ومطبخها الانجازي او التحضيري جزءاً من تفكيري وعملي وتوجهي، ولكن الذي حدث وطيلة احتجابي خلال الشهر الماضي لا بسبب شغل شاغل، بقدر ما هو ذلك الضياع والتشتت والتيه امام هذا الحجم الهائل من المواضيع المطروحة التي باتت لها بداية اتقاد وليست لها نهاية خمود او خمول في الاقل،

 فقد بات طباخونا المكلفون باعداد وجبات ذلك المطبخ الذي يبدأ دائماً بالتلويح بحمل القذائف والقاذفات مما حدا بالكثير منا إلي جمع وطي أغراضه وحاجياته أو التهيوء للفرار خشية رذاذها ومع رهبة الخوف سرعان ما تتحول القذائف إلي بنادق ثم إلي مسدسات الية يليها التلويح بالسلاح الابيض وهكذا ينتهي الامر بتبادل التراشق بالمناديل الورقية، والتي ما نخشي ان تنجرح مشاعر بعضهم من هذه المناديل، وبالتالي فان تلك الجروح المناديلية الورقية المعطرة ستنعكس علينا حيث سيصعب ادخاله عليهم ويسهل تمريره علينا نحن الضائعين!!!
غريب وعجيب امر سياسينا، فالاقتتال اللفظي بينهم سمة لا يمكن التغاضي عنها والا لفقد السياسي هيبته وابتلي بالضعف، لذلك فهذا الاقتتال التدريجي عبر آلية وكأنها متفق عليها، سرعان ما بدأ التراضي والتوافق وتحول العنف الكلامي إلي ارق الالفاظ واحلي الكلمات واجمل العبارات والاعتذارات والاطراء والمديح وووو..... الخ، ناهيك عن تلك الابتسامات التي تملأ الافواه، ومن يعلم ان تكون تلك الابتسامات هي تلك النوادر والتندر والنكات التي تطولنا نحن الضائعين!!!
جمهور مسكين وحائر وضائع وتائه... فبعد ان كان عبدآ مسير لفكر معين، ونظام معين، وقيادة معينة، تصور وبعد السقوط او ربما تهيأ له ان يتصور سيكون له (رأي وموقف ومشاركه)، فأعتقد بصحبة هذا او ذلك، ومن اجل ما آمن به وخيل اليه، تحمل العناء والمشقة والتهديد والوعيد، وانتخبهم، فعسي ان يحققوا له ما يؤمن به وما يحلم به، وعسي ان يعبد له (مرشحه) الطريق بالزهور، ويضيء له المشاعل في الدهاليز التي كان يعيش في زواياها،

 صفق بحرارة، ودافع بحرارة، وهتف بحرارة ثم......... ندم بمرارة!!!
وآسف- لما صدق.. وبما اعتقد.. ولكنه عاد وحلم كما تحلم الاطفال والجياع والظمأي والضائعون!!!
ومرت الايام وهي حبلي بكل ما يتصوره الجمهور من طرف وقياداتهم من طرف آخر، وخيط الامل ما زال, وان كان اوهي من خيط العنكبوت... ولكنه امل وهذا شأن البسطاء وذوي الوداعة واصحاب الطموحات التي لا تعدو حصولهم علي الامن والاستقرار والضمان الاجتماعي ولقمة العيش وحرية الحركة والكلمة والانتساب.. طموحات الحق الانساني المشروع...

 طموحات اقل بكثير وكثير جداً من طموحات مرشحيهم، قادتهم، املهم، ازلامهم، منقذيهم ذوي البلاغة الفائقة وتقلبات الاهواء والانواء والاجواء، رجالات التسويغات والحجج المقنعة وراقصي السيرك علي حبال الاحداث والمستجدات والطموحات التي لا تكبحها او تصدها تلك الكتل الكونكريتية التي استقطعت اثمانها من رزق المواطن لحمايته من شر بعضهم للبعض ولحمايتهم من الحاح وطلبات مواطنيهم البكائية.
طموحات تنمو، طالما البسطاء موجودين، والوداعة باقية فيهم، وطالما فنون الثعلبة تتطور والاحداث تصنعها وتصنعهم والمستفيد تغذيهم وشتان بين من تصنعه الاحداث او هو صانعها!!!
وفي الموقع الوسط... حيث من يتابع ويشاهد ويكتب احياناً او ما يسمي محللا، يعد جزءا من تلك الشريحة، يكتوي بنارها ويعيش مأساتها ويتألم بألمها، واذا ما اصبح من صنف المتقاعدين او الممتنعين من الكتابة او التعبير او الوصف او النقل، فتهديد بعضهم له يختلف عن ذلك التهديد المرسل منهم واليهم، ولعل اخطر ما فيهم انهم رجال اعلام، والويل كل الويل لمن وقع في فم و عقل من لا يفهم معني (الاعلام)، لذلك فان هذه الشريحة ضاعت مرتين مرة مع الجمهور ومرة عندما ارادت ان تقف على الحقيقة!!!
لذا اسمحوا .. ان أغير نمط كتاباتي واسلوبي واهدافي التي كنت عليها ومازلت ولكن سأكون بأضعف الايمان...

 سارفق بهن- سأدخل عالم (المراة) من خلال هوايتها او هويتها

 سأدخل من باب المطبخ..

 ولا أعتقد انني سأتغير كثيراً.. فبعد ان كنت في مطبخ السياسة سأذهب وان كنت مجبراً لا بطلاً إلي مطبخ البيت-

 وفي الحالتين هناك من هم الضائعون!...
اليوم.. سأبدأ الكتابة الجديدة (غير المسؤولة).. عن اعداد (سلطة الغذاء) وسأقول لك سيدتي..

 لغرض اعداد هذه السلطة ، عليك سيدتي قبل ان تعرفي مقادير اعدادها.. ان تعرفي اولاً.. كيف تستقبلين زوجك عندما يعود سالماً غانماً وقد نجاه الله لهذا اليوم من سيارة مفخخة أو حزام ناسف أو سباب أو شتام او اطلاقة تائهة لحماية المسؤول الفلاني او الفلتاني،

 استقبليه اولاً بالحمد والشكر لله لسلامته وارسمي ابتسامة عريضة وعريضة وعريضة علي وجهك واعلمي سيدتي ان زوجك ان نجا مما ورد. وعاد فلا اعتقد انه قد سلم من عتاب مدير جديد له او قديم نصف ارجله في القبر وهو يطالبه بالحضور بالتمام والكمال وفي الوقت المحدد ولا يقبل تسويغ قطع الطرقات، او تغير المسارات او خروج المسؤول او دخوله والذين لا تروق لهم الحركة الا مع اوقات الدوام، والا فكيف سيعرف انه مسؤول!!!...
لذلك سيدتي ابتسمي وابتسمي ثم ابتسمي،

 فزوجك- ان عاد- فهو يستحق فعلاً تلك الابتسامات بعد ذلك العناء والشقاء، ثم واصلي سيدتي بالابتسامات المتلاحقة والمتوالية والمتعددة واستفيدي سيدتي من التصريحات المتلاحقة والمتوالية والمتعددة لارباب بيتنا العراقي..

.وبعد استراحة قليلة تقدمي بطبق (سلاطة الغذاء) المكونة من الخيار المبروش رغم ارتفاع سعره مصحوباً بقليل من (حجي بصل)، هذا الحاج الذي نسينا حقه علي مر العقود التي مضت وكنا نتهمه بأنه اكل كل فقير، فها هو اليوم بات حلم الكثير من الضائعين!!! ولا تنسي سيدتي ان تخلطي المخلوط من الخيار والبصل بقليل من الطماطة وان تعذر احضارها ولنفس الاسباب اعلاه فقليل من الشوندر الاحمر وان كان هو الاخر من المتعذر احضاره،

 فقدمي الطبق كما هو مصحوباً بقصة مأساوية من حياتنا اليومية، خطف، مداهمة، اعتقال، اغتيال، تسليب، فاذا تعذر ذلك وهو امر شبه مستحيل اذا لم يكن هو المستحيل بعينه

، فاذكري سيدتي حديث الساعة- ورقة الكهرباء، ورقة التلفون، اجور المولدة، اجور الدروس الخصوصية او اي شيء من هذا القبيل، حينها سيدتي ستنغلق شهية زوجك وبذلك سوف تضمنين عدم احتجاجه او لومه او عتابه او صراخه الذي اصبح سمة تلازمه منذ ثلاث سنوات شأنه شأن كل الرجال الضائعين!!!
سيدتي، بعد ان يتحقق لك كل ذلك، راسليني وسأكون جداً جداً سعيداً..

 لأن مراسلتك سوف لن تحمل لي أي تهديد أو وعيد بسبب اختلاف في وجهات النظر لا اكثر..

 اذن التقي بك في عدد جديد وطبخة جديدة، ابيضها ابيض وأسودها أسود، وما بينهما مئة واربع درجات من التونات اللونية الخليطة بينهما والتي تسمي الالوان الرمادية...

 فوداعاً يا من كان اسودهم عندكم أبيضا وأبيضكم عندهم أسودا واتفقتم معاً لشطب عائلة الالوان الرمادية من قواتم الالوان في بلادي.

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com