|
النخلة العراقية المباركة د. مراد الصوادقي النخلة العراقية المباركة التي عانت مثلما عانى العراقي من آثار الحروب والحصار والطغيان, وأصابها ما أصابها من الإهمال والإذلال والتدمير بقطع الرؤوس بالشظايا والصواريخ في رحلة الحروب الطاحنة. النخلة العراقية التي أحبت العراق وترعرعت في أرضه منذ آلاف السنين وعاشت رمزا للاكتفاء الذاتي والنعمة الربانية التي أسبغها الله على وادي الرافدين. النخلة التي ذكرها الله تعالى في محكم كتابه وأشاد بها على أنها شجرة مباركة. النخلة العراقية التي أكل من عطائها أبو الأنبياء وأجلها وقدرها خاتم الرسل والأنبياء. النخلة التي لا يخلو منها كتاب تراث أو حديث قوم من الأقوام وعلى مر الأزمان. النخلة هي ركن أساسي في حياتنا العراقية ومحور للكثير من النشاطات والفعاليات الاقتصادية والحرفية. فهي أمنا الحنون ورمزنا الثابت ومن في بيته نخلة لا يجوع ومن في بلده ملايين النخيل لا يجوع ولا تصيبه الحاجة والعوز. النخلة العراقية على مر العقود الماضية دخلت حربا ضروسا لمدة ثمان سنوات احترقت فيها بساتين شط العرب وتهاوت مجاميع النخيل حيث تم حصدها بالقنابل والشظايا والصواريخ. وصارت بساتين البصرة الفيحاء عبارة عن جذوع نخل خاوية بلا رؤوس. وسقط من النخيل بسبب الحرب أضعاف ما سقط من العراقيين, إضافة إلى حملات تجريف بساتين النخيل الشعواء في مناطق مختلفة من أرض العراق بحجج أمنية مختلفة. النخلة العراقية عاصرت ويلات العراق من بدئها واستمرت إلى يومنا هذا في عنائها وخوفها من الاقتلاع والقتل, فهاجرت مثلما هاجر العراقيون إلى أصقاع الدنيا المختلفة وعبرت المحيطات وحاولت أن تترعرع في المناطق التي تشابه في بيئتها موطنها العراقي. وتأسست بسبب ذلك بساتين نخيل شاسعة في مدن الأرض ذات الظروف المناخية الملائمة لحياتها. لكن النخيل المهاجر عاش غريبا في البلاد التي هاجر إليها, مثلما عاش العراقي غريبا وفي حنين إلى بلاده أينما حل وأقام. وصار يتعقب عطاء النخلة العراقية لأنه لا يمكنه أن يتصور الحياة من غير التمر. وهكذا تراه يأكل التمر من نخلة عراقية ترعرعت في أرض غير عراقية وأعطت تمورا ذات نكهة عراقية. حيث هاجرت معه نخلات الزهدي والبرحي والأشرسي والبربن والعديد من أنواع التمور العراقية الجيدة الأخرى لتجد لها أماكن جديدة في الأرض تحقق فيها حياتها بأمن وسلامة مثلما فعل العراقي الذي ابتدأ رحلة وجوده في بلاد الدنيا المختلفة ليشارك النخيل عناءه ووطانه! هذه قصة النخلة العراقية باختصار مقتضب والسؤال الذي يجب أن نسأله اليوم هو ماذا نفعل؟ كيف نعيد للنخلة العراقية اعتبارها؟ وكيف نحترمها؟ إن من الحكمة والعقل والسياسة أن نقوم بحملات واسعة ومتواصلة لزراعة النخيل وإعادة الحياة إلى جميع البساتين التي تم تجريفها وأن تساهم الحكومة بفعالية وجد واجتهاد في قيادة وتمويل حملات زراعة النخيل العراقي وإحياء البساتين العراقية للنخيل من جديد لأن في ذلك فعل وطني صحيح ونشاط اقتصادي مثمر ينفع الأجيال ويدفع مآسي الجوع والعوز عن العراقيين إلى الأبد. إن التباكي واللوم والغضب لا يفيد العراقي ولا يحقق ما هو إيجابي للعراق. إن الذي يحقق سعادة العراقي هو أن تبدأ حملات وطنية واسعة في أنحاء العراق لزراعة النخيل وأن يكون شعارنا في كل بيت نخلة , وفي كل الشوارع يجب أن تشمخ النخلة العراقية لتكون معبرا حيا على الإصرار والحياة والحب والأمل والعطاء. وأن يتم زراعة نخلة أو أكثر في كل مكان فيه صورة لشخص أو أشخاص. علينا أن نزيل الصور ونزرع مكانها نخيلا. فالنخلة أنفع للعراقي والعراق من أية صورة. أيها الناس اشغلوا الناس بزراعة النخيل والعناية به ووفروا لهم فرص عمل ومشاريع صيرورة وحياة لكي يبتعدوا عن مشاريع الموت والخراب فيكونوا عرضة للهلاك. أيها الناس لا بد من تمويل مشاريع بساتين النخيل العراقية والعناية بالنخلة العراقية المباركة ومنحها شيئا من الكرامة والهيبة. فلو كانت النخلة العراقية في بلد غير العراق لأقيمت لها مهرجانات واحتفالات ومناسبات ولتحولت إلى شعار ورمز عظيم للبلد والعطاء والحب والخير والحياة. أيها الناس احترموا النخلة العراقية أعيدوا لها اعتبارها. فالنخلة العراقية ثروة وقوة وركن اقتصادي يضاهي النفط ويبقى إلى ما بعد زمن النفط. أيها الناس النخلة العراقية تدعوكم للنهوض والتفاعل مع الأمل والمستقبل وتنهاكم عن الندب والنحيب والعويل. أيها الناس النخلة العراقية تناديكم أن هيا للعمل هيا إلى زراعة النخيل فكل نخلة أمل ورسالة امتداد ما بين الأجيال العراقية تحمل ذكريات الزمان ولمسات الأجداد وأفكارهم وتعرفهم فردا.. فردا. النخلة العراقية رمز العراق ولا بد أن يكون لها عيد وأن يكون لها مهرجان, وأن تكون عندنا صناعات متنوعة مشتقة من عطاء النخيل. أيها الناس عودوا إلى النخيل احترموا النخيل وتعاملوا مع النخلة العراقية بحب وعطف وحنان ورعاية, فان ذلك سيحقق الأمن والأمان ويمنحكم الرفاه والتقدم ومزيدا من القوة الاقتصادية والانطلاق الصحيح في الحياة. فالتقدم يعني أن نعتني بالنخيل وأن نبتكر الصناعات المتنوعة التي لها علاقة بسعف النخيل وتمر النخيل وكل ما تدره هذه الشجرة المباركة الطيبة. التقدم لا يعني قتل النخيل بل أن ذلك هو الجهل والتخلف ومن يعرف التقدم والقوة الاقتصادية لا يمكنه أن يقتلع نخلة واحدة لأنه يكون قد تسبب بأضرار اقتصادية كبيرة لوطنه. ترى هل سنعرف قيمة النخيل العراقي مثلما عرفها أجدادنا وحرموا الإضرار بها أثناء الحروب والمنازعات؟ وهل سنرتقي إلى شموخ وثبات النخيل العراقي الذي ينقل رسالات الأجيال إلى حاضرات الأزمان؟ يا نخيلا في بلاد الرافدين يا حزينا وكسير الخاطريْن أنت معطاء وتبقى بالعراق شامخا تأبى عذاب الساجريْن
|
||||
© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |