|
متى سينتهي فلم الإرهاب؟ فينوس فائق إتصل بي أكثر من صديق صبيحة نشر خبر مقتل الزرقاوي، فإنتابني إحساس غريب، كان يشبه ذلك الإحساس الذي شعرت به يوم نشر خبر مقتل قصي و عدي نجلي الدكتاتور صدام، و حتى إحساسي يوم إلقاء القبض على صدام حسين، حينها و بشكل لا إرادي قلت و هل كان الزرقاوي موجوداً حتى يقتل؟ فحين شاهدت صورته و هو قتيل على شاشة التلفاز تذكرت صورة عدي و قصي، و هما عبارة عن جثة عفنة منتفخة، بحيث أنني لم أصدق أنها صورتهما، و حتى عندما إلقي القبض على صدام حسين، تذكرت قولاً كان يتردد كثيراً و هو أن لصدام حسين خسمة أشباه، فقلت عندما ظهرت صورته و هو بين يدي الجنود الأمريكان يسحبونه من الحفرة مثل الجرذ، فقلت و من قال أنه صدام حسين الحقيقي.. هكذا كانت أحاسيسي تتغير مع توالي الأحداث و مازالت حتى بث خبر مقتل الزرقاوي، فمنذ أن تعودنا على الأكاذيب السياسية، و لأنه لم يحكمنا حاكم صادق، و لأن المآسي تتوالى على رؤوسنا، فإننا بتنا في حالة من اليأس و عدم الإطمئنان و إنعدام الثقة، كأننا صدقنا أن المحن أبدية و المآسي تغللغلت في دماءنا.. أتذكر بصعوبة حين كنت صغيرة جداً، أتذكر جماعة (أبو طبر) التي إخترعها أزلام صدام حسين في بداية إستيلاءهم على زمام الحكم في العراق، فقامو بفبركة قصة عصابة سموها (عصابة أبو طبر)، كل أفرادها الحقيقيون كانوا أعضاء بعثيين بدرجات مختلفة توزعت الأدوار بينهم بعناية، هذه العصابة كانت تداهم البيوت نهاراً و يقتلون الرجال و يغتصبون النساء، و يرهبون الأطفال و أحياناً يقتلونهم، و يستولوا على ممتلكات الناس و يسرقونهم في وضح النهار، بحيث أنه نجح لفترة في زرع الرهبة و الخوف بين صفوف الشعب، لكي يصنع منه شعب جبان مخذول، لأنه كان يحتاج لمثل هذه الأساليب لإخضاع الشعب، فهو لم يكلف نفسه للبحث عن أساليب إنسانية تجعل الشعب يحبه و يحترمه، لكي يتمكن من بسط سيطرته على رقاب الشعب بالحديد و النار، شغل النظام الدكتاتوري العراق حينئذ فترة من الزمن الشعب العراقي بهذه القصة، حتى جاؤوا في نهاية الفلم و قبضوا على أفراد العصابة و نالوا جزاءهم العادل، حيث مثلت أجهزة أمن النظام دور البطل الذي تمكن في نهاية الفلم من القضاء على العصابة، و هكذا لشغل الشعب و صرف أنظاره عن أمور أخرى كانت تجري في العلن و الخفاء، بهدف أن يؤمن تعاطف الشعب و يقول أن النظام يسهر على راحة المواطنين.. هكذا لكن بطريقة أكثر تطوراً تمت فبركة قصة الزرقاوي و زرعوه بين صفوف الشعب المسكين و طبعاً كان القتل و الذبح و الإعتداء على الأعراض من الفصول المهمة و الحية للحكاية، حتى حانت النهاية و كان مقتل الزرقاوي بداية فصل آخر من فلم الإرهاب، لا لشيء و إنما لكي تقول الحكومة العراقية الجديدة أنها تسهر على راحة المواطنين، و الغريب في فلم الإرهاب هو أن المشاهد الخطرة التي تتخلله كلها حقيقية و أبطالها يلعبون الأدوار بحقيقة و حتى أن الضحايا يقعون شهداء بشكل حقيقي..و المفاجأة الكبرى كانت المكافأة التي أعلن عنها لقاء من سيدلهم على مكان الزرقاوي.. فهذه القصة حتى و إن كانت من تأليف أمريكا إلا أن الحكومة العراقية على علم بكل و أدق تفاصيلها منذ البداية، لذلك اللوم الأكبر يقع عليها قبل الأمريكان.. لكن السؤال الأهم هل أن رأس الزرقاوي كان حقاً يساوي خمسة و عشرين مليون دولار؟ أو هل بموت الزرقاوي سينتهي الإرهاب؟ لكن ربما سيتحول الإرهاب إلى قدر، أو هو قد تحول بالفعل.. لأن الإرهاب لم يكن يتمثل في شخص الزرقاوي فقط حتى يستحق هذا المبلغ الضخم، فلو كان الإرهاب رجلاً كم كانت ستكون المكافأة لمن يدل الأمريكان على مكانه؟ لكن من يدري أين يخفي الإرهاب ملامحه؟ أين يختبيء الإرهاب، اين ينام ليلاً، و متى يصحوا صباحاً؟ و ماهي خططه اليومية؟ و ماذا يفطر صباحاً و ماذا يتناول في الغذاء و العشاء؟ أخشى أن الإرهاب قد تحول إلى ثقافة، مثل أماكن الدعارة التي تتفاخر بها الكثير من الدول الأوروبية و يقولون أنها جزء من ثقافتهم و يسنون لها قوانين خاصة، مثل هولندا، حيث أن الحكومة تمنح الرخص لفتح تلك الأماكن و ممارسة الدعارة و جني الأموال بشكل قانوني، فهذه شرعنة للفساد و تقنينه.. فخوفي أن يأتي علينا يوم يتم فيه شرعنة الإرهاب و تثبيته بموجب القوانين، بحيث يتم سن قانون يسمح بمقتضاه فتح محال الترويج لبضائع إرهابية، أو إقامة منظمات مرخصة من قبل الحكومة تقيم دورات إرهابية فتخرج دفعات و تمنحها شهادات، فنتباهى أمام العالم بالثقافة الجديدة التي خلفها لنا الزرقاوي و غيره، فلا تنفع لا المكافآت المالية و لا أي شيء في قلع جذوره..
|
||||
© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |