|
متى يخرج العراق من النفق المظلم ؟ سليمان الفهد / كاتب وسياسي عراقي منذ الانتخابات الفائتة (15 كانون الأوّل ـ 2005) أخذت الساحة السياسيّة العراقية تتفاعل أكثر ضمن عمليّة شدّ وجذب في الاتجاهات المتعاكسة كلّها، فنشأت خطوط حمر وخضر وصفر جديدة وضعتْها الكتل السياسية المتنافسة خلافا لقوانين اللعبة السياسية الديمقراطيّة بأبسط أشكالها، وهذه الخطوط يتحسّسها أي مراقب لما يجري في العراق منذ سقوط "هُبَل" بتصاعد مستمرّ تشنّجاً وتزمّتاً بإشراف مايسترو الاحتلال ذاته، فتعمّق الانقسام بين الأحزاب المهيمنة ذاتها، وتعدّدت الولاءات ، وانزاحت أكثر فأكثر نحو الخارج على حساب العراق ووحدة شعبه وترابه. فمن الولاءات تلك التي تدعو إلى قيام العراق على أسس غابرة لا تأخذ بعين الاعتبار واقع العراق المعاصر، ومن الولاءات تلك التي تدفع بالفيدراليّة أكثر فأكثر نحو المصير المحتوم ألا وهو التقسيم، ومن الولاءات تلك التي لا يهمّها سوى مراكمة أرصدتها الماليّة في المصارف المحليّة والأجنبيّة، ومن الولاءات تلك الموتورة التي لا تعرف سوى القتل والتمثيل بالضحايا، ومن الولاءات تلك التي تطلب السلطة طلباً لذات السلطة لا طلباً لتحقيق عدالة، فتغدو السلطة من جديد عنواناً لديكتاتوريّة بائدة بلبوس آخر. والمراقب يرى بأمّ العين وأبيها كيف صار ولاء الكثرة المتكاثرة للطائفيّة المنغلقة على ذاتها كأنّها هي البداية وهي النهاية، وصار ولاء الكثرة المتكاثرة لهذه المنطقة أو لذلك الإقليم على حساب العراق ككلّ، وصار ولاء الكثرة المتكاثرة للعبث بعينه الذي يبلغ حدود الجنون والإفناء الذاتي لعشرات السنين المقبلة. وهنا تخطر للمراقب الأسئلة التالية: أفعلاً تخلّص العراقيّون المقهورون منذ تكوّن العراق الحديث من الديكتاتوريّة والظلم والقهر والعسف والطغيان؟ أفعلاً يتّجه العراق نحو مستقبل مشرق وضّاء أخضر مزدهر ومنارة للحريّة والديمقراطيّة والإخاء والمساواة؟ أحقّاً يسير العراق نحو أن يكون بلداً يُحتذى باتّجاه معاكس لأنظمة محيطة ديدنها الجمود والتخلّف أو ديدنها العدوان بكافّة أشكال العدوان عسكريّاً واقتصاديّاً وقضماً للأراضي ونهباً للتراث ومحواً للذاكرة والتاريخ؟. وأخطر ما يواجهه المراقب هو تعمّد أكثر قيادات الصفّ الأوّل العراقي تجاهل خبائث أميركا ذاتها في العراق ماضياً وحاضراً، أليست أميركا هي التي زيّنت للصنم البائد أن يغزو إيران وزوّدته بكافّة أشكال الدعم المعنوي والعسكري؟ أليست أميركا هي التي حضّت دول الخليج التي غزاها صدّام حسين في ما بعد على دعم الغزو؟ أليست أميركا هي ذاتها التي تتماهى سياساتها الخارجيّة وسياسة رأس حربة العدوان في المنطقة ـ إسرائيل؟ أليست أميركا ذاتها التي تجتاح المدن العراقيّة الواحدة بعد الأخرى على نحو لا يقلّ إجراماً عمّا كان يفعله هُبَل العراق المقبور؟ أليست أميركا ذاتها هي التي تنظر إلى النفط في المنطقة ككلّ ومنه النفط العراقي على أنّها هي سيّدته لا الدول "المضيفة" له؟. لنقرأ ماذا يقول الرئيس الأميركي الأسبق نيكسون في كتابه المعروف باسم "الحرب الحقيقيّة" الذي صدر عام 1980: " ... النفط مادّة حيويّة يتقوّم بها الغرب، وملكيّته هي بيد الغرب لا فرق بين أن تكون تارةً بيد الشركات المتعدّدة الجنسيّات أو بيد البلدان المضيّفة للنفط". ويضيف: "ستكتسي منطقة الخليج العربي أهميّة إستراتيجيّة بالغة أثناء العقود المقبلة". ويضيف: "علينا اليوم أكثر من أي يوم مضى أن نعلم مَنْ يسيطر على ماذا في الخليج العربي والشرق الأوسط ... لأنّه المفتاح الذي يسمح لنا بأن نعرف مَنْ يسيطر على ماذا في العالم". ويتابع: " لقد انتقلت السيطرة على النفط الشرق أوسطي من أيدي الشركات المتعدّدة الجنسيّات إلى البلدان المضيّفة". ويضيف: "إنّه من الضروري أن تقيم الولايات المتّحدة قواعد لها كفيلة بأن تعكس صورة مقنعة لقوّتها في المنطقة ... فقد يجازف الأميركيّون حين يهبّون للدفاع عن مصالحهم في الخليج لكنّهم سوف يعرّضون أنفسهم لمخاطر أكبر إذا ما اختاروا عدم الدفاع عن هذه المصالح". وبعد، متى يعي العراقي في الداخل والخارج ماذا يُحاك له لنهب ثروته النفطيّة؟ ومتى يعي العراقي أنّ هُبَل القديم ليس أكثر من نكتة سخيفة بالمقارنة مع هُبَل الرأس القابع في البيت الأبيض في واشنطن؟ ومتى يعي العراقي أخيراً أنّه بوحدته، وبنبذ الطائفيّة والتعصّب، وبفضح الأذناب الجدد يكون خلاصه من النفق المظلم الطويل.
|
||||
© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |