|
التفاوت الاقتصادي وفجوة الثروة بين الشيعة والسنة في العراق ـ دراسة مقارنة
قيس الزبيدي خلفت الممارسات الاقتصادية الهوجاء والغير متوازنة، وبعد ان استُند في تنفيذ خططها وصياغة قواعد تشريعاتها على الاعتبارات الطائفية والتمييز المذهبي والقومي والعنصري، تفاوتا كبيرا في توزيع مصادر الثروة والدخل بين ابناء الشعب العراقي،وافرزت تباينا اجتماعيا وطبقيا غير عادل من حيث المستوى المعاشي والظروف الحياتية بين مكوناته الرئيسية، وهذا التفاوت الفاقد للاستحقاقات الديموغرافية والحسابات الاقتصادية الدقيقة والاعراف الانسانية ، اتاح للسنة العرب فرصة لتعزيز مركزهم المالي وتقوية نفوذهم الاقتصادي على حساب الشيعة الذين يمثلون اكثرية الشعب العراقي والذي اخذ يتصاعد كلما حمى وطيس الحروب الطائشة واشتدت حدة الازمات الاقتصادية الخانقة التي افتعلوها لامتصاص دماء الطبقات الفقيرة من الغالبية الشيعية وابتزازهم ونهب مقدراتهم. ، وبطبيعة الحال فان هذا الامر ادى وعلى مدى عقود من الزمان الى تمركز خيرات الشعب وثروته الهائلة بيد الاقلية السنية التي عمدت وبكل الوسائل الغير مشروعة من نهب وسلب وفساد مالي واداري وتحايل وتجاوزات فاضحة الى استغلال نفوذها في السلطة وتسيير مصالحها الاقتصادية الخاصة من خلال تملقها الى الحكام السنة الطائفيين الذين شكلوا معها طبقة راسمالية حاكمة هي في حقيقة الامر مافيا عملت وبكل ما لديها من طاقات الى افراغ جيوب الشيعة وحرمانهم من نيل حقوقهم الاقتصادية والمالية والتمتع بها اسوة بحيتان السنة بصغارها وكبارها التي لا تشبع ابدا ولا تعرف حد الكفاية في الاستئثار بحقوق الطبقات المسحوقة من ابناء الشعب، وخلخلة حركة وآليات النشاط الاقتصادي لتعظيم موارها وضمان ديمومة مكاسبها. وبما ان العراق دخل مرحلة جديدة من التحولات الجديدة والنظم الاقتصادية الحرة بعد سنوات عجاف من الهيمنة الشمولية للاقلية السنية المترفة، الا اننا والى يومنا هذا ما زلنا نلاحظ ان الدورة الاقتصادية العامة في العراق وبكل مرافقها ما زالت خاضعة لاهواء ومزاجات ابناء تلك الطائفة يسيرونها لخدمة مصالحهم الضيقة من دون ان يولون أي اعتبار لشركائهم في الارض والموارد وما زالوا يتعاملون معهم، وبكل خسة ونذالة واستعلاء واستكبار طائفي مقيت، وكانهم فقراء مساكين يستجدون الاكف منهم على استحياء، وهذا الامر الفادح والخطير العواقب يستدعي من المسؤولين الشيعة الى اعطاء تلك القضية حيزا واسعا من دائرة اهتماماتهم من اجل اعادة تصحيح مسار التدفقات المالية الى ابناء المناطق المحرومة ذات الاغلبية الشيعية والذين عانوا ما عانوا بسبب التصرفات المالية الغير منصفة للحكومات الشوفينية السابقة والتي جردتهم هم ومدنهم من فرص البناء والتطور وابسط مقومات الحياة الكريمة ومن اجل ضمان التوزيع العادل للثروة دون تمييز او اجحاف لفئة على حساب الاخرى. وعلى الرغم من قلة الاعتماد على الاحصائيات الرسمية، التي توثق وبشكل دقيق تلك الحقائق، وان كانت في حقيقة الامر نادرة الوجود في ظل الظرف الراهن، الا اننا التجأنا في تفسير ظاهرة التمايز الطبقي الشاذ بين المجتمع الشيعي ونظيره السني في العراق، وما لحقه من تفاوت عجيب وخطيرفي الاحوال المعيشية والترف الحياتي والممتلكات المادية والمؤهلات المالية بين الفريقين، على الشواهد الدامغة والواضحة التي تلمسناها من ارض الواقع، وعلى وفق التصنيف الآتي :
1. معدلات البطالة ونسب التوظيف وعقود المشاريع: حرصت الحكومات السابقة التي تولت حكم العراق، وبكل وقاحة وانعدام شعور بالمسؤولية الوطنية، على حصر اختيار جميع كوادر مؤسسات الدولة من ابناء السنة فقط دون بقية الطوائف المكونة للمجتمع العراقي، حيث بلغت نسب توظيفهم الى معدلات مطلقة في المؤسسات العسكرية والاعلامية والثقافية والاقتصادية من وزارات وسفارات ومديريات وهيئات وجامعات وغيرها، ولم يقتصر هذا الامر عند فترة زمنية محددة بل استمر على مدى عشرات السنوات عمدت خلالها تلك النخب الطائفية الى استنزاف كل موارد الدولة لخدمة اغراضها الخاصة وعاثت فسادا لم يالفه التاريخ الاقتصادي للعراق وصل الى حد التخمة والاثراء غير المشروع والصفقات المشبوهه والتي كان اخرها وفضيحة برنامج النفط مقابل الولاء وما تخلله من كوبونات تهريب النفط ومارست تلك الكوادر مستغلة الغطاء الطائفي البغيض شتى اصناف الاقصاء وابشع الوان الحرمان للكوادر العلمية والمهنية الشيعية التي تفوقها ذكاءا وحبا لعملها واخلاصا لوطنها عشرات المرات. واقع الحال يشير الى ان نسب التوظيف وخلق فرص العمل ما زالت كفتها تميل للاقلية السنية وما تزال غالبية العطاءات والمناقصات والعقود تجري ترسيتها لصالح عناصرها، في حين ما يزال الملايين من ابناء وبنات محافظات الوسط والجنوب خارج سوق العمل، حيث نجد ان ابناء الطائفة السنية يبذلون كل ما بجعبتهم من وسائل خبيثة للتشبث والاستئثار بكل فرصة جديدة للتوظيف او العمل اوالتجارة ... الخ، ويسيل لعابهم عندما تعلن الدولة او المؤسسات الخاصة أي عقد او مناقصة، حتى وصل الامر باتباعها الى شن حرب شعواء على الذين يتنافسون معهم عليها من ابناء المناطق الشيعية، ووصلت منافستهم غير الشريفة في احيان كثيرة الى حد قتل او اختطاف او حفر الحفر ونصب المكائد لمنافسيهم من اجل ابعادهم عن الظفر بها، وخير دليل على ذلك هو ما يحدث ومنذ سقوط النظام السابق في سوق المقاولات الانشائية والتعاقدات التجارية للقطاع الخاص، حيث تلاحق الزمر الارهابية المتعاقدين والمقاولين الشيعة حصرا حتى وان كانت مقاولاتهم او تعاقداتهم لا تتعدى دراهم معدودة، في حين نجد ان الصفقات التجارية الضخمة وعقود المقاولات والانشاءات الكبرى والتي تصل الى مليارات الدولارات ما زالت حكرا على الطارئين والمحسوبين على المهنة من البعثيين والطائفيين السنة وغالبا ما تذهب تخصيصات تلك العقود والمناقصات لدعم النشاطات والجماعات الارهابية في مناطقهم، فتتحول من عقود للبناء الى صفقات مشبوهه للتخريب والتدمير.
2. درجة الرفاهية والمستوى المعيشي : ويمكن الحكم على تلك الحالة من خلال النظر الى ما بحوزة اثرياء الاقلية السنية (وهم كثر يصعب عدهم) من املاك لا تقدر بثمن تشتمل على المصارف الخاصة التي تقارب الاثني وعشرين مصرفا والعمارات الشاهقة والمصانع ذات الالات والمكائن التي تعرف السكون والاراضي الزراعية الواسعة ذات الانتاج الموسمي الوفير والشركات المساهمة والمختلطة ذات الامكانات الراسمالية الهائلة، ولمن يريد التأكد والاطلاع بنفسه على حقيقة هذا الامر ما عليه الا الحضور الى احدى جلسات التداول في سوق العراق للاوراق المالية في العرصات التي تعقد يومي الاحد والاربعاء من كل اسبوع ليرى بام عينه من هم حملة اسهم عشرات الشركات التي تُتداول في البورصة العراقية، فضلا عما تمتلكه الغالبية العظمى من ابناء الطائفة السنية في العراق من دور سكنية فارهه ( دبل فاليوم ) وبمساحات لا تقل اصغرها عن 400 متر مربع وهم يحرصون دائما على اختيار مساكنهم في المناطق الراقية من بغداد كحي المنصور وضواحيه، اما السيارات الفارهه والباهضة الثمن فتكاد تكون نسبتها كبيرة جدا بالنسبة الى عدد افراد الاسرة الواحدة وهو امر اتاح لهم سهولة تغيير موديلاتها بكل يسر وسهولة ليستعيضوا عنها باحدث الطرازات المطروحة في معارض واسواق السيارات بين فترة واخرى، هذا من غير ان نضع في الحسبان ما للاقلية السنية من ثروات واملاك لا تقدر بثمن في خارج العراق سواء كانت على شكل اموال منقولة او غير منقولة، وهو ما يفسر سهولة تنقلهم الى شتى بلدان العالم بكل حرية وبمنتهى البساطة دون قيود سواء على صعيد الاقامة او سهولة حصولهم على فرص العمل في الخارج، واخيرا وليس اخرا تهافت اقطاب تلك الاقلية وخصوصا بعد الانفتاح الكبير الذي اعقب الاطاحة بالطاغية صدام واعوانه على الاستثمار في مجال وسائل الاعلام والقنوات الفضائية الخاصة التي باتت تقريبا امتيازا حصريا للاقلية السنية تدر عليها ملايين الدولارات بالتعاون والشراكة مع اقطاب الاعلام العربي الشوفيني العنصري التحريضي التي لا تعرف غير نشر ثقافة العنف والقتل والدمار مستعينة ببعض الابواق الحاقدة والمريضة من ازلام النظام السابق ليكونوا ابواق لها في الترويج للعمليات الارهابية وخلق حالة من الاحباط في نفوس ابناء هذا الشعب الذين تنفسوا لتوهم صعداء الحرية. ومقابل كل ما ورد في الفقرة اعلاه نجد ان العكس تماما هو حال الاكثرية من ابناء المذهب الجعفري، حيث القرى الخربة والمدن البالية والمنازل الخاوية المكتظة بالسكان حد الاختناق وافواج البطالة الاخذة في التصاعد الى معدلات قياسية وغياب مشاريع التنمية والرعاية الصحية وانعدام مستويات التحضر والرفاهية ومستويات الدخول المتدنية الى ما تحت خط الفقر المدقع والظروف الحياتية والاحوال المعيشية البالغة الصعوبة،التي لا تجد لها نظيرا حتى في اكثر الدول الافريقية فقرا، كونهم لم ينالوا من ثرواتهم المستلبة اية املاك او اموال لا هم ولا اباؤهم اواجدادهم ولربما حتى احفادهم غير الفقر والبؤس والمرض والجوع والتخلف في شتى الصعد وعلى مدى سنوات هيمنة السنة على الحكم في العراق لاسباب عديدة ذكرناها في مقدمة الدراسة يقف في مقدمتها سياسات الافقار الظالمة واستراتيجيات التهجير والتهميش والاقصاء والاستبعاد الاقتصادي الطائفي التي تفننت الاقلية السنية المسيطرة على مقاليد الحكم والقرار الاقتصادي وعلى مدى قرن من الزمن في احكام قبضتها الحديدية على مواردهم وحقوقهم المالية والاقتصادية فكانت النتيجة هي حرمان ابناء الشيعة من أي دور مؤثر وفعال في ساحة الفعل الاقتصادي ومنعهم من الدخول او المشاركة في المشاريع الاستثمارية والبرامج التنموية التي تؤمن لهم مصالح موازية للاقلية الحاكمة في السابق.
3. تعدد مصادر الدخل من خلال الملاحظات والاستطلاعات والمشاهدات العامة وجدت ان السواد الاعظم ان لم يكن الجميع من ابناء السنة لا يرضون بمصدر محدد او واحد للدخل بل انهم دائما يجوبون ليل نهار من اجل تضييق دائرة مصادر الرزق على الاخرين، حيث تجدهم يضعون قدم في مؤسسات الحكومة واخرى في المؤسسات الخاصة ( يا مسعده وبيتك على الشط، ومنين ما ملتي غرفتي ) مركزين نفوذهم وعلاقاتهم المتشعبة مع رجال الاعمال ومؤسسات القطاع الخاص في سبيل تعظيم مصادر الثروة لديهم، وانا شخصيا لست ضد هذا التوجه في الكسب فهو حق مشروع للكل، ولكن بطبيعة الحال وبحكم الظروف المعيشية الصعبة التي تمر بابناء شعبنا لا يعقل ان يتمتع احد الاشخاص بوظيفتين يمارسها في ان واحد فيما يجاهد ملايين الشيعة العراقيين من اجل الحصول على مصدر دخل ولو بسيط في مردوده من اجل مواجهة متطلبات الحياة المريرة. وازاء كل ما تقدم والذي بالكاد لا يرتقي الى مستوى المسح الشامل والدقيق لحالة التباين والتفاوت بين الاوضاع الاقتصادية ومستويات الرفاهية بين الشيعة والسنة في العراق، نجد ان الحكومة العراقية الجديدة ولكي لا تكرر الاخطاء الجسيمة والجرائم الاقتصادية الفادحة التي ارتكبتها الحكومات الطائفية السابقة ضد الاكثرية من ابناء هذا البلد ولكي لا تقع في الفخ مرة اخرى يجب عليها تبني استراتيجيات اقتصادية جديدة تعيد الى الطبقات المحرومة امتيازاتها وحقوقها الاقتصادية المسلوبة كافة وتعويضهم عن كل ما فقدوه طيلة سنوات الحكم الدكتاتوري والتسلط الطائفي وبما يتيح لهم التمتع بخيرات وطنهم وثروته الهائلة و يضمن لهم العدالة في توزيع الدخل دون منة او حسد من احد، وبلا تفضل عليهم من سراق ولصوص الحقبة البائدة.
|
||||
© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |