|
ديوان المساءلة الكوردستاني غير دستوري ولكن؟! د. جرجيس كوليزادة / اربيل ـ العراق من الخطوات الايجابية التي يثنى عليها ضمن متطلبات عمليات الإصلاح السياسي والإداري والمالي المزمع إجراءها ضمن صفوف التنظيمات الحزبية والإدارية للاتحاد الوطني الكردستاني بقيادة جلال طالباني، هي تأسيس مؤسسة بإسم ديوان المساءلة للبحث وإجراء التحقيقات حول الأشخاص الذين تثبت عليهم الاستغلال غير المشروع للسلطة لمآرب شخصية كما تذهب اليه مقدمة المشروع، والتحقيق في ما يشاع بين المواطنين وفي وسائل الإعلام حول الفساد سواء كان بوجه حق أو غير حق ببعض مسؤولي الاتحاد وموظفي الحكومة، وللوصول الى حقيقة تلك الإشاعات والأقاويل ولمعاقبة المتورطين في قضايا الفساد، أقدمت قيادة الاتحاد الوطني على تشكيل ديوان المساءلة للقضاء على الفساد، وعلى ما يبدو ان هذه المبادرة جاءت الى ارض الواقع بضغوطات ومبادرات ومشاريع إصلاحية من قبل القيادي نوشيروان مصطفى والقيادي كوسرت رسول علي والتيار الإصلاحي في الاتحاد لإصلاح الوضع الإداري والمالي والتنظيمي للاتحاد الوطني والمؤسسات الحكومية في كوردستان الواقعة ضمن منطقته. ولكي نكون ملمين بمظاهر الفساد التي تستشري في الواقع الكردستاني على النطاق الحكومي والحزبي، فإننا سنعرض أكثر مظاهر الفساد شيوعا لنكون على صورة ميدانية للحالة التي تقع على هذه المؤسسة الإصلاحية القيام بها لمكافحة الفساد ومحاولة القضاء عليه بإجراءات حزبية وحكومية فعالة مستندة الى أرضية قانونية وتشريعية صلبة لكي تأخذ مجراها بصورة سليمة، وأكثر مظاهر الفساد هي كما يلي: 1. الثراء الفاحش للمسؤولين في الحزب والحكومة والقطاع الأهلي الناتج باستغلال الموقع والمنصب والسلطة على المستوى الحكومي والحزبي والعسكري، واستغلال الموارد المالية لهذه المواقع، وفق قاعدة الطفرات والقفزات السريعة التي تجعل من مسألة طرف العين الذي ورد في حكاية النبي سليمان عليه السلام بمثابة حركة ثقيلة للسلحفاة لا يقتدى بها قي عصرنا هذا أمام هذه الشريحة من رجال السلطة والحزب المنتفعين. 2. أعباء المصاريف العالية للمسؤولين والتي تشكل أحدى المنابع الرئيسية في هدر أموال الشعب والدولة، وهي تشكل مصدر من مصادر الفساد غير المحدود الذي يجنى منه أموال طائلة دون رحمة ودون شفقة، و تضم هذه الأعباء مصاريف جيش جرار من أفراد الحماية ورتل كبير لا نهاية له من السيارات الفارهة والمدرعة التي لا يحلم بها حتى أبناء الملوك وعدد كبير من الدور والقصور والمشتملات والدواوين شبيهة بقصور حكايات الف ليلية وليلة، ولا شك ان مجموع هذه المصاريف المترفة جدا تشكل أرقاما عالية، ويتوقع أن تكون قياسية وفريدة مقارنة بالدول المجاورة ودول العالم الثالث. 3. بروز عالم خاص من الشركات المرتبطة بالمسؤولين بصورة مباشرة وغير مباشرة، وهي تملك نفوذ وسلطة للسيطرة على الأسواق واحتكارها على حساب مصلحة الشعب، وتزويد المواطنين بمنتجات مستوردة تتسم بأردأ المواصفات حتى إن البعض منها مضرة وتحمل أضرار صحية على الصحة العامة في مجال المواد الغذائية، والجهات الصحية الحكومية الرقابية قد تحمل الكثير من هذه الهموم ولكتها غير قادرة على التصادم والمجابهة مع هذه الجهات. 4. سيطرة مجموعة من أصحاب النفوذ الكبيرة على أعمال المقاولات متسمة بنفوذ عالي وسلطة قوية في استغلال المشاريع والاستفادة منها بمساحة كبيرة على حساب الجودة والنوعية بدافع الفساد وجمع الثروات الطائلة، وغياب المعايير الفنية والمقاييس الهندسية عن المشاريع الحكومية والأهلية في أعمال المقاولات، وأكثر الشركات التي تسيطر على السوق، والمقاولات التي تنفذ المشاريع لها علاقة منفعية بصورة مباشرة وغير مباشرة بالمسؤولين في الحكومة والأحزاب المسيطرة على الساحة السياسية. 5. التنصيب الحكومي والوظيفي والحزبي والعسكري وفق حسابات المنسوبية والمحسوبية ووفق قوة ومكانة المسؤولين داخل الحزب دون الاعتماد على أية سياقات منطقية للكفاءة والاعتبارات المهنية والعملية، وإجراء التعيينات بتزكيات حزبية مفروضة، وحصر حلقات التعيين بين أبناء وأقرباء المسؤولين بزخم كثير، وكان فرص العمل الحكومية والحزبية مملوكة لمسؤولي الأحزاب المسيطرة على الساحة السياسية. ونتيجة مظاهر الفساد هذه التي فرضت نفسها على الواقع الحياتي والمعيشي والسياسي في اقليم كوردستان فان السمات التي فرضت نفسها على هذا الواقع هي رسوخ مظاهر التمايز الطبقي ووجود حالة من التمايز والفارق الطبقي بين شرائح فقيرة كثيرة النفوس وشريحة قليلة العدد تعيش في بروج عالية تحتضن أصحاب الرساميل الكبيرة من المسؤولين في الحكومة وفي الاحزاب المسيطرة على الساحة السياسية ومن أصحاب النفوذ الذين إستحصل البعض منهم على ثروات طائلة بين ليلة وضحاها مستغلين السلطة والمنصب على حساب الشعب، وإرساء حلقات معقدة التفكيك من الترابط المنفعي المبني على المصالح المادية الكبيرة بين المسؤولين في الحكومة والأحزاب وأصحاب المصالح التجارية والمادية والاقتصادية والجمع بين المصالح الحكومية والمصالح التجارية في آن واحد والواقع مليء بهذه الارتباطات التي تستغل المناصب والمواقع والمصلحة العامة من أجل المصالح الذاتية الضيقة والمنافع الشخصية، وصعوبة البحث عن المنابع التي تذهب اليها الثروات الطائلة المتجمعة بطريقة الثراء الفاحش لأن سبل توزيع الثروة بين أهالي المسؤولين وأقربائهم وأفراد حماياتهم وأصدقائهم وشركائهم تتم بطرق قانونية تصعب الكشف والثبوت عنها، وغياب الحالات المتسمة بالوطنية والنزاهة والإخلاص والمسؤولية والعصامية وتكرار نماذج التجارب الفاشلة في إسناد مناصب مهمة في هيكل حكومة دولة الاقليم على مستوى الوزراء ووكلاء الوزراء والمدراء العامون إلى أشخاص غير مؤهلين استنادا الى المحسوبية والمنسوبية والتزكية الحزبية التي اشرنا اليها. هذه هي الملامح الرئيسية لمظاهر الفساد الذي يعيشه الواقع الكوردستاني، وهي بلا شك مضرة ومدمرة لاقتصاد الاقليم والمجتمع، وهي تمثل منابع الاستنزاف للأموال العامة التي تذهب الى جيوب المسؤولين دون ضمير ودون وجدان. ولهذا فإن بادرة ديوان المساءلة التي اتخذها الاتحاد الوطني، تأتي كمحاولة جديرة جادة وقيمة في اتجاه الإصلاح وهي تشكل القاعدة الأساسية لتبني عملية صادقة لمحاربة الفساد استنادا الى مقومات حقيقية على المستوى المالي والتنظيمي والمؤسساتي، ولا شك ان مبادرات القيادين المذكورين وما تبعتها من طرح مشاريع ومقترحات وأفكار متلاحقة بغية اتخاذ إجراءات وخطوات إصلاحية داخل الاتحاد وداخل الادارة الحكومية التي كان الاتحاد يديرها، ساعدت على ان تقوم قيادة الاتحاد بإشراف السكرتير العام الرئيس العراقي جلال طالباني ونائبه في الاتحاد و المشرف العام الإداري للاتحاد وأعضاء المكتب السياسي بمراجعة ذاتية لتبني مسار الإصلاح وفق منهج متكامل لوضع الأسس والمقومات اللازمة لذلك، لتحقيق تغيير جدي وتجديد فعال في الاتحاد الذي يشكل مع الديمقراطي الكوردستاني الحزبين الرئيسين في الإقليم. والمبادرة القيمة بتأسيس ديوان المساءلة الذي كشف عنه الرئيس طالباني ضمن أعمال وبرنامج المنهج الإصلاحي، يشكل بادرة قيمة كما أشرنا اليه لإعادة ثقة الأغلبية من أبناء الشعب بالحكومة والحزبين التي أثرت عليها مظاهر الفساد الفاحش ونتجت عنها تقليص مساحة هذه الثقة التي كانت في السابق تتمتع بمساحة كبيرة. ولكن تبقى مسألة شرعية هذا الديوان الذي طرح تأسيسه على شكل مؤسسة تحقيقية حزبية تبحث عن الجوانب المالية للمسؤولين والكشف عنه بشفافية ومسؤولية، وعن أحقية هذا الديوان للبحث في أمور معقدة وشائكة، لأن الفساد المتفشي قد خلق حالات متنوعة من الذكاء الشيطاني المفرط في توزيع الثروة وإخفاء منابعها وتوزيعها على مجموعات وفق طرق قانونية ملتوية بصورة مباشرة وغير مباشرة. ولغرض بيان هذا الأمر من جوانبه القانونية والشرعية والدستورية، نبين ما يلي: 1. استنادا الى النصوص المتعلقة بالأقاليم في الدستور العراقي الدائم، والنصوص المتعلقة بالمسائل المالية، فإن حق الرقابة والتدقيق المالي تقع على عاتق هيئات مستقلة وشكلت لهذا الغرض مفوضية النزاهة المستقلة، لهذا كان من المفروض تقوية الشرعية الدستورية لديوان المساءلة المشكل وفق صياغة حزبية، ويعتبر الشكل المعلن عنه غير دستوري. 2. عدم الإشارة في نص المشروع الى أي سند او بند او مرجعية متعلقة بتأسيس الديوان من النظام الداخلي للاتحاد الوطني او وثيقة المباديء الأساسية للاتحاد الوطني ان كان يمتلكها. 3. عدم طرح المشروع بصياغة وشكلية شبيهة بصيغة القرارات والقوانين الرسمية بالرغم انه مسالة حزبية، لعدم احتوائه الأسباب الموجبة، وشكل المقدمة الوارد لم يكن لم يكن بحجم الهف الذي يسعى اليه المشروع. 4. عدم ظهور بصمات المستشارين القانونيين والماليين والخبراء في الإدارة الحكومية والحزبية على صيغة وشكل المشروع ، والصيغة المطروحة لا يعبر عن تنسيق استشاري للرأي والاستعانة بالخبرة اللازمة لاستخراج المشروع بشكل متكامل موفي لجميع الأركان المادية اللازمة توفرها من الناحية القانونية والمالية والإدارية والحسابية. 5. الربط غير القانوني بين عمل ديوان المساءلة وعمل ديوان الرقابة المالية التي تعتبر مؤسسة رسمية وهو المرجع في هذا الأمر، وعدم فعالية هذه المؤسسة الرقابية لدولة الإقليم تعود الى أسباب خارجة عن هذا المقال. 6. إسناد لجنة الديوان الى تشكيل ثلاثي مكون من عضو في المكتب السياسي كرئيس للديوان وخبير قانوني وخبير مالي لا يفي بأغراض عمل الديوان، وحسب التجربة الإدارية في ادارة مثل هذه الأمور فإن هذا التشكيل غير عملي، والمفروض تشكيل مجلس للديوان من 5-7 أعضاء من ضمنهم عضو المكتب الذي يرأس المجلس، لان أعمال الديوان ستكون كبيرة وستكون بحاجة الى عدد مناسب من الأعضاء متفرغين لإدارة أعمال وبرامج الديوان. 7. تغير رئيس الديوان كل شهرين يمثل نكسة كبيرة لأهداف وأعمال الديوان، لان مثل هذه الأمور بحاجة إلمام ومتابعة مستمرة بدقة وأمانة عالية، والمؤكد ان فترة شهرين لا تفي لتناول أية قضية والخروج منها بنتائج وتوصيات وأحكام، لذا المفروض او لا تقل الفترة عن ستة أشهر بأقل الاحتمالات. 8. ورود عبارة "يمكن للشخص المعاقَب الاحتكام الى المكتب السياسي, وبمقدور المكتب السياسي بأغلبية الأصوات ايقاف القرار دون إبطاله" في النص تشكل صدمة لأهداف مشروع الديوان ولا يتناسب معها بأي شكل من الأشكال، لأن التمييز والتعامل مع شريحة بشدة والتعامل مع شريحة أخرى بمرونة تشكل انتكاسة للمشروع، لذا من البديهي إلغاء هذه الفقرة لأنها تنافي أهداف المشروع والأسباب الموجبة التي أقيم من أجلها. بعد بيان هذه الملاحظات على الصيغة التي أعلن بها ديوان المساءلة، لا بد لنا من القول أن المشروع بحاجة الى إعادة النظر فيه و تقويته وتعديله من الناحية القانونية لكي لا يشكل تنفيذه أية تعقيدات قد لا يقدر الديوان على حلها فيما بعد، لذا نأمل أن تعاد صياغة المشروع لكي يخرج الى حيز التطبيق وهو مسند بشرعية قانونية وقوة تنفيذية كاملة. وهنا لا بد من الإقرار بأنه بالرغم من الملاحظات التي أوردناها بهذا الخصوص، فإن المشروع يشكل بادرة إصلاحية كبيرة، وهو بادرة مبنية على الثقة والمصداقية التي تملكها قيادة الاتحاد لمجابهة هذا الداء الخطير على الشعب والسلطة في الإقليم، وهي جديدة على الساحة الكوردستانية والعراقية والإقليمية، لذا نأمل أن يحقق المشروع أهدافه المرجوة منه، ونأمل ان يتخذ الرئيس مسعود بارزاني رئيس الديمقراطي الكوردستاني خطوة مماثلة شبيهة بهذا المشروع للبدء بإصلاح في صفوف حزبه على الصعيد الحزبي والإداري والعسكري، وفي الختام لا بد أن نوجه بتحية التقدير الى قيادة الاتحاد الوطني لاتخاذها مثل هذا الإجراء العملي لنيل ثقة الكوردستانيين والعراقيين وتحقيق التغيير والتجديد لصالح المصالح العليا للاقليم الفيدرالي وللعراق الإتحادي.
|
||||
© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |