|
نمذجة جلال الطلباني مهند حبيب السماوي يعلم الجميع _ممن يعيش في الوطن العربي المحتل_ أن اغلب هذه البلاد تُحكم من قبل عساكر دكتاتوريين لا يجيدون السياسة ولا فنها , بل وبينهم وبين السياسة وأصولها وستراتيجياتها بون شاسع و وفجوة سحيقة. ولو أن الأمر اقتصر على ذلك لكان هين ألا أن قادة العرب وحكامها المهزومين يحاولوا أن يظهروا ويتصنعوا ويلبسوا أقنعة الصرامة والوقار والسمو بحيث يبدو الواحد منهم وكأنهم إمبراطور أو ملك مقدس لاتطاله الظنون ولا خطرات العيون,ولولا أن الأمر فوق المعقول بدرجات عدة لادعى بعضاً من هولاء النبوة أو ربما الألوهية... ولكننا نلاحظ أن هنالك رئيساً واحداً ( بالمعنى الحقيقي للكلمة) بين حكّام العرب من خرق هذه القاعدة وكسر هذا الطوق وظهر في مقابلاته التلفزيونية ومؤتمراته الصحفية بسيطاً جداً يتكلم معك وكأنه صديق أو أخ تربطك معه علاقة أفقية لا عمودية إذا جاز لي استعمال مصطلحات سوسيولوجية في هذا المجال , بحيث يزيل بنفسه بينك وبينه أي حجاب أو حاجز سيكولوجي ترسب لديك بفعل الصورة التقليدية للحكّام العرب الأشاوس... هذا الشخص هو جلال الطلباني الرئيس الحالي للعراق والذي يعد برأيي القائد الوحيد المنتخب بطريقة ديمقراطية في ممارسة انتخابية لم يشهد الوطن العربي بل والعالم اجمع نظيرها في الاستبسال والشجاعة العراقية ولا مثيلها بالإصرار والتفاني ومواجهة فلول الإرهاب التكفيري الذي كانت ترفض هذه الانتخابات.. وفي الواقع أن بساطة وأريحيه وتواضع الرئيس جلال الطلباني أو مام جلال كما يحب البعض أن يسميه, تعد غريبة بالنسبة للعربي عموماً والعراقي على نحو الخصوص, وتعتبر غير مألوفة على الفضاء السياسي العربي الذي تُنسج فيه أوهام وحكايات خرافية حول قادته تنفع كقصص ألف ليلة وليلة . فهذه البساطة التي يتمتع بها مام جلال لا تنبع _ وهذه نقطة مهمة_ من سذاجة ذاتية أو هزالة في الشخصية أو ضعف في السلوك ولا حتى من قلة خبرة هذا السياسي المخضرم بأصول اللعبة الدبلوماسية والتعاملات السياسية, وهو الذي يشهد له ألقاصي والداني والعدو والصديق بأنه من أعمدة المعارضة العراقية التي جاهدت الدكتاتورية وناضلت سنوات عديدة لعلها تفوق بعض أعمار حكّام العرب . وإنما تعود هذه البساطة _ في رأيي _ إلى محاولة جلال الطالباني كسر التقاليد السياسية المتهرئة التي جعلت من رئيس الدولة العربية اله أو نبي أو أمام معصوم لاياتيه الباطل من بين يديه ولامن خلفه.... فجلال الطالباني يشير إلى نفسه بقوله (اغاتكم) وهي كلمة عامية تقال في الجلسات الشعبية ويروى بنفسه أمام عدسات الكاميرا وعبر الأثير وتحت ومرأى ومسمع الملايين أخر نكتة سمعها تتهكم به والتي تقول بأنه قد سئل عن عدد صور القران فقال بان القران لا يحتوي صور ابد وإنما كتابات وخطوط ....بل ويردد البيت الشعري الساخر الذي يقول فوك القهر والظيم ريسنا كردي... أنا اعتقد أن لجلال الطلباني أهداف متعددة وغايات متنوعة في ظهوره على هذا النحو البسيط الذي يحس المواطن العراقي به أكثر من غيره لكونه عاش زمن الدكتاتوريات, وعصر الفاشيات التي امتصت حرية الإنسان وسحقت ذاته وأذابت قدراته, ... هذا الشخص يحاول تأسيس أو أعادة صياغة علاقة جديدة بين الحاكم والمحكوم أو بين الرئيس والمرؤوس قائمة على البساطة والكياسة في التعامل , ويريد إيصال رسالة إلى المتلقي العراقي على الصعيد المحلي والعربي على الصعيد الإقليمي والعالمي على الصعيد الدولي على حد سواء بأنه مجرد موظف في الحكومة وليس مقدساً أو قائداً ضرورة.. فياليت الحكام العرب ينظرون أليه ويتخذونه نموذجا في التعامل والعلاقات مع الشعب حتى يتخلصوا من الأقنعة الزائفة والنرجسية الفارغة التي يحبون أن يظهروا بها على الملأ والتي تصورهم كمن عز أن يجود بمثلهم الزمان .....
|
||||
© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |