|
لف ودوران ومحاولات سافرة لسرقة النفط العراقي حمزة الجواهري كان الرئيس الأمريكي قد دعا الحكومة العراقية بمنح حصة لأبناء الشعب من إيرادات النفط على غرار قانون ألاسكا المعروف والذي يمنح سكان تلك المنطقة حصة من إيرادات النفط المستخرج منها، لكن الدكتور إبراهيم بحر العلوم وزير النفط السابق قد طور الفكرة في حديث له مع صحيفة الوطن الكويتية هذا اليوم، بالرغم من أن الفكرة ليست جديدة لكن يمكن اعتباره موقفا سياسيا ناضجا يحسب له، وذلك بقوله ""من الممكن توظيف الأموال المودعة في صندوق الائتمان واستخدام عائداتها وأرباحها في مساعدة العوائل العراقية المحتاجة وتمويل ميزانيات التقاعد والضمان الاجتماعي في العراق"". في الواقع كانت الحكومة الانتقالية السابقة قد عملت بالفعل في هذا المجال وقد أقامت صندوقا للتكافل الاجتماعي يستفيد منه نحو مليون عائلة عراقية، ولكن ما يقدمه هذا الصندوق مازال قليلا ولا يسد احتياجات العائلات المشمولة به، لذا يجب أن يكون الصندوق أوسع وتخصص له مبالغ أكبر ليشمل أكثر من مليوني عائلة، وأن يتم رفع مستوى حد الفقر في العراق من خلال البرلمان العراقي، وكذلك رفع الحد الأدنى للأجور، ومن يبقى يتقاضى أجورا أقل من ذلك الحد الأدنى يمنح دعما ماليا من هذا الصندوق يوصلهم لذالك للحد. إن مشروعا من هذا القبيل يمكن اعتباره مشروع ناضج ويمكن اعتباره على غرار صناديق التكافل الاجتماعية التي نراها في البلدان الأوربية وأمريكا وغيرها من الدول المتحضرة، وأجد أن المجلس الوطني هو الجهة التي يجب أن تتبنى هذا المشروع وتطوره بما يضمن حياة كريمة لأبناء الشعب. وفي الحديث نفسه، دعا الدكتور إبراهيم بحر العلوم إلى إعادة تشكيل شركة النفط الوطنية العراقية، وهذا الأمر أيضا ليس جديدا وقد تم طرحه من قبل العديد من المختصين في الصناعة النفطية، حيث يكتسب أهميته من الظروف التي يمر بها العراق في هذه المرحلة. لكن الذي جلب انتباهي هو دعوة وزير النفط السابق إلى طرح أسهم شركة النفط الوطنية للاكتتاب العام!! لكنه ترك لعموم الشعب حصة بنفطهم الذي يريد له أن يخصخص جزئيا من خلال امتلاك أسهم لهذه الشركة!! بحيث يتمكن العراقيون من شراء نسبة معينة من أسهمها، مع بقاء الشركة مملوكة للحكومة، على حد قوله!!! لكن بحر العلوم تراجع، ربما بعد حوار ذاتي مع نفسه، ليصحح بعض الشيء ما ذكره، حين قال ""ومن اجل ألا تكون الأسهم حكرا على الأغنياء من العراقيين، فان أسعارها يجب أن تكون معقولة، وان توضع ضوابط أخرى لمنع هيمنة الأغنياء فقط عليها""!! قبل كل شيء هذا مناقض للدستور، لأن الفقرة أوضح من الوضوح، وهي أن النفط والغاز ملك عام للشعب العراقي، ولا يجب أن يشاركه أحد بهذه الملكية مهما كان، حتى لو كان عراقيا بشخصه، لأن مثل هذا التملك يعني خصخصة للنفط وهو ما رفضه الشعب وقد كرس له الدستور كما ذكرنا. أضف إلى ذلك أن شركة النفط الوطنية التي يدعوا إلى إعادة إنشاءها ليست بحاجة إلى أموال الاكتتاب وشراء الأسهم، لأن عمليات التطوير ليست بحاجة إلى أموال طائلة قياسا بالإيرادات التي ستجلبها الصناعة الاستخراجية، وذلك لأنها ستكون متخصصة فقط في الصناعة الاستخراجية ولا علاقة لها بباقي الصناعات المتعلقة بالنفط والغاز، حيث تسمى هذه الصناعات بالداون ستريم وهو من حيث الأساس خارج عن اهتمام هذه الشركة، كما عرفناها أيام كانت موجودة وتملك حقوق ملكية النفط وفق قانون رقم ثمانين المعروف. من ثوابت التطوير المعروفة بالصناعة الاستخراجية هي أن كلفة التطوير لاستخراج برميل واحد هو خمسة آلاف دولار، وهذه الكلفة متضمنة كل شيء من مصاريف الاستكشاف والمنشآت والخطوط وتوابعها وأحواض التخزين في الموانئ والموانئ العميقة، وهذه النسبة تقل كثيرا في الحقول التي آبارها ذات إنتاجية عالية أو فيها مخزونات نفطية عالية جدا كما هو الحال في الحقول العراقية. أي بمعنى أن كلفة تطوير حقل نفطي بإنتاج مئة ألف برميل يوميا تحتاج إلى خمسمائة مليون دولار وفق التقدير العالمي العام، لكن في العراق قد يكون أقل من ذلك بكثير، وقد يصل إلى النصف من هذا الرقم لأن الحقول العراقية عملاقة بحجمها وإنتاجية آبارها، خصوصا تلك التي ستطرح للتطوير في المراحل الأولى، أي على مدى الخمسين عاما القادمة على أقل تقدير. لكن لو سلمنا بالرقم العالمي المعروف وهو خمسة آلاف دولار لتطوير إنتاج برميل واحد، فإن الشركة سوف تسترجع كلف التطوير بحدود سبعين يوما فقط من بدء الإنتاج، على أساس سعر النفط عالميا لهذه الأيام. على هذا الأساس نقول لا يوجد مبرر لتخصيص للصناعة النفطية من خلال بيع أسهم شركة النفط الوطنية العراقية للاكتتاب؟؟؟؟؟؟ ومن هذا المنطلق أيضا نؤكد على ما ذكرناه في مقالات سابقة أن على المشرع العراقي من ممثلي الشعب أن يقفوا بالمرصاد لكل المحاولات التي تدعوا إلى انتهاج أسلوب المشاركة بالإنتاج مع الشركات العالمية الذي كثر الحديث عنه في الآونة الأخيرة. من نافل القول هنا أن نشير إلى أن عقود المشاركة بالإنتاج التي وقعتها حكومة كوردستان على أساس المشاركة بالإنتاج، تعتبر هدرا للثروات الوطنية واستباحة لحقوق العراقيين أينما كانوا، والمثير للغضب حقا هو وأنها مازالت نافذة والشركات مستمرة في جهود تطوير الحقول المكتشفة وفق تلك الاتفاقيات بالرغم من أننا والكثير من أبناء الشعب وحتى مؤسسات عالمية متخصصة قد تحدثت عن مدى الإجحاف بمثل هذه العقود. أضف إلى ذلك أن حكومة كوردستان لم تنشر تفاصيل تلك العقود مع شركة "دي أن أو" الدنماركية أو غيرها وتجاهلت كل الدعوات الصادقة لوقف العمل بها ومراجعتها قبل فوات الآوان. فقد ذكرت بعض المصادر الصحفية، أن هذه العقود تمنح شركة ""دي أن أو"" النرويجية حصة تبلغ أربعين بالماءة من النفط المستخرج بكلف زهيدة لهذه الشركة مقابل تطوير حقل في جوار زاخو، حيث هذا النوع من العقود قد شمل حقولا أخرى دون أن يمنح الشعب العراقي حق التعاقد لهذه الحكومة، لا دستوريا ولا عرفا. ولكي يكون القارئ على بينة أكثر من حجم الأرباح الفاحشة والمجحفة، علينا حسابها لكي تكون ذات بعد حسي: فلو أرادت حكومة كوردستان تطوير حقول نفط بإنتاج نصف مليون برميل يوميا، وهذا ما ذكرته الكثير من المصادر، فإن هذه الشركات سوف تستثمر ما قيمته مليارين ونصف مليار دولار خلال ثلاث أو أربع سنوات، وذلك وفق أعلى التقديرات العالمية، لكن الشركات سوف تحصل على كميات نفط مقدارها مائتي ألف برميل يوميا، أي تجني من خلال هذا التوظيف بعد ثلاث سنوات من الآن ما مقداره خمسة مليارات ومئة مليون دولار سنويا، أي أنها سوف تسترجع في السنة الأولى ضعف ما أنفقته على عمليات التطوير، وسوف تبقى الشركات تجني ما مقدراه خمسة مليارات سنويا لمدة أربعين عاما متواصلة، أو ما مقداره مئتي مليار دولار فترة التعاقد التي رشحت عن هذه العقود المجحفة وذلك فيما لو بقيت أسعار النفط على ما هي عليه الآن، وهذا مستحيل طبعا وغير وارد، كل هذا بدون مقابل. لذا، مرة أخرى، أدعو حكومة كوردستان مراجعة هذه العقود والتوقف عن التعاقد بهذه الطريقة التي تعتبر بكل المقاييس نهبا غير مشروع لثروات الشعب. ربما يتصور البعض أن ليس هناك بديل لهذا النوع من التطوير المجحف، أبدا هذا ما يحاول البعض تبريره لنهب ثروات الشعب المسكين الذي عانى ما عاناه بسبب هذه الثروة التي منحتها له الطبيعة. وربما أيضا يتصور البعض أني متحامل على الحكومة الكوردستانية وهذا موقف سياسي مني، لكن في الواقع أنا من أشد الناس تأييدا للحقوق الكوردية، وأنا واحد من مؤسسي لجنة دعم حقوق الشعب الكوردي مع نخبة من السياسيين الوطنيين الكبار والمعروفين، أضف إلى ذلك أنه موقفي الثابت والذي لا يمكن أن يتبدل بدعم حقوق هذا الشعب ورفع المظلومية عنه، وأدعمه حتى بحق تأسيس دولته والانفصال عن العراق إذا وجد الشعب الكوردي أن ذلك من صالحه، وهذا ما يمكن أن يلمسه أي إنسان من خلال كتاباتي التي نشرتها في كل مكان. عودة إلى تصريحات الدكتور بحر العلوم التي نشرتها صحيفة الوطن الكويتية هذا اليوم والتي أوردها محمد عبد الجبار الشبوط، وفي الحقيقة لا أعرف علاقة الشبوط بهذه الصحيفة، فهو رئيس تحرير جريدة الصباح الواسعة الانتشار، عموما هذا ما قرأناه في الخبر، فربما كان الدكتور بحر العلوم يقصد بتصريحه تلك الشركات التي سوف تعمل في مجال الداون ستريم، أي الصناعات البتروكيماوية أو التكرير، وهذا الالتباس لطالما وقع فيه الصحفيين لعدم إطلاعهم على تفاصيل هذه الصناعة، فإذا كان الأمر كذلك، فإن الدعوة مبررة تماما، بل يجب أن تكون السمة الأساسية التي يتسم بها الاقتصاد العراقي في العراق الجديد، وهي مشاركة القطاع الوطني الخاص بتطوير الصناعة العراقية لكن بعيدا عن الصناعة الاستخراجية من خلال ملكيتها أو المشاركة بملكيتها. نعم يمكن أن نطور قطاع خاص يعمل بتقديم الخدمات النفطية للصناعة الاستخراجية وهذا ما يجب أن يكون والذي لم يعمل عليه أحد لحد الآن، حيث مازال القطاع الخدمي للصناعة النفطية بمختلف مستوياتها فقيرا بل وغير موجود في معظم تفاصيله، في حين أن حجم العمل فيه قد يصل إلى عشرات المليارات من الدولارات سنويا في المستقبل القريب. ولنا حديث آخر عن النفط العراقي في المقالات القادمة، كما وأرجو من كل المتخصصين في هذا المجال الكتابة عن اقتصاديات النفط بشكل مبسط وتوعية أبناء الشعب العراقي بحقوقهم لكي نسد الطريق على سوء الفهم أو النوايا السيئة.
|
||||
© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |