|
الأعلام والسياسة الخارجية الشيخ عبدالكريم صالح عبدالله الربيعي باحث ومفكر سياسي إن دراسة الإعلام على اعتباره أداة ووسيلة من وسائل السياسة الخارجية لم تكن موضع اهتمام كبير لدى علماء العلاقات الدولية إلا في عقد الثمانينات وخصوصاَ في العالم العربي وتبدو العلاقة بين الإعلام والسياسة الخارجية هي علاقة متلازمة ووثيقة ومن غير الممكن فصل الإعلام عن السياسة الخارجية حيث يعتبر الإعلام همزة الوصل بين السياسة الداخلية والسياسة الخارجية. أن التطور الواسع والكبير في العمل السياسي ومفاهيمه في نطاق الأسرة الدولية تجعلنا ملزمين بتطوير العمل الإعلامي الخارجي وبما يتلائم والتطورات الهائلة في مجال العلاقات الدولية وأسلوبها وأدواتها وفي البداية يجب أن نسلط الضوء على معنى ومفاهيم وأدوات السياسة الخارجية ونستطيع تعريفها على أنها نشاط حكومي في نطاق الأسرة الدولية وان السياسة الخارجية تعتمد على مستويات ثلاث وهي وضع وصياغة القرارات (سواء أكانت استرتيجية أم تكتيكية في مجال أربعة محاور رئيسية وهي الأمن العسكري،الدبلوماسية السياسية،النمو الاقتصادي والمكانة الثقافية والحضارية )والمستوى الثاني هو صنع القرار السياسي والذي يشمل (البيئة الواقعية ،شبكة الاتصالات،نخبة صنع القرار،البيئة النفسية لصناع القرار)والمستوى الثالث هو عملية تنفيذ السياسة الخارجية ومعناه تنفيذ القرارات من خلال الأجهزة المتعددة والمؤسسات المختصة بذلك (كرئيس الدولة،رئيس الحكومة ،المسؤولين بوزارة الخارجية...الخ)وان عملية تنفيذ السياسة الخارجية هي من أساسيات مستوى النشاط في نطاق العمل الخارجي وان جميع هذه المستويات ترتبط ارتباطاَ وثيقاَ بالمستويات فيما بينها فصنع القرار يجب أن يكون في صميم وضع وصياغة السياسة الخارجية وأسلوب تنفيذ السياسة الخارجية يكون نابعاَ من طبيعة وخصائص النظام السياسي الخارجي وطبيعي هنا يبرز كيف أن الأعلام هو احد عناصر الموقف وان وضع وصياغة السياسة الخارجية ينبع من ثلاث عمليات غاية في الأهمية وهي تحديد الأهداف التي تسعى الدولة الى تحقيقها في النطاق الخارجي وتنظيم الأولويات فيما يخص تلك الأهداف من حيث علاقة الهدف بالهدف الأخر وبناء واضح ومحدد لإطار مفهوم الأمن القومي من حيث مقوماته وعناصره ،أن حركة المجتمع السياسي في علاقاته الخارجية تحدد بالتاريخ والتجربة فالموقع الجغرافي ومصادر القوة الذاتية لابد وان تحدد الإطار الذي يحدد الحد الأدنى لأهداف الحركة والحد الأقصى لتلك الأهداف والحد الأدنى هو الذي يعني الضمانات اللازمة للحماية الذاتية وهذا هو مفهوم الأمن القومي ويجب على الحاكم السياسي أن لايتخطاه أو يتجاوزه في أي لحظة من لحظات حركته في النطاق الخارجي وإلا عرض دولته للتهديد والخطر وطبعاَ هذا المفهوم يتغير بتغير الظروف وتطور العالم لأسلوب وعملية الاتصال بين المجتمعات السياسية وان كل مجتمع سياسي ناضج ومتقدم لابد وان يكون تحددت بالنسبة له مجموعة من الأهداف الواضحة تبعد عن مجرد الدفاع عن الكيان الذاتي لذلك المجتمع ولابد أن تكون أهدافه واضحة في تحركه الخارجي من حيث علاقات تلك الأهداف بقدراته الذاتية والطاقة التي يملكها وهنا لابد من ننظر الى انه مهما تغيرت الحكومات وتنوعت النظم السياسية فمقومات وعناصر السياسة الخارجية هي واحدة وهنا نشير الى العلاقة الصميمية مابين السياسة الخارجية والإعلام حيث أن الإعلام يعتبر أداة من أدوات السياسة الخارجية وان للعمل الإعلامي الدولي قواعده وأسس ممارسته وهي بالأساس ضرورة التخطيط العلمي المنظم للأعلام الخارجي وضرورة تلوين الأعلام الخارجي بالعمل والأسلوب الدبلوماسي وكذلك فأن الأعلام الخارجي يجب أن ينبع من لغة المصالح ولابد أن يبتعد ابتعاداَ شاسعاَ عن لغة العواطف والانفعالات ،وان علاقة التداخل المستمرة بين العمل السياسي والعمل الإعلامي يجب أن تخضع لعملية تخطيط أساسها التنظيم والتنسيق بين السياسة الخارجية والسياسة الإعلامية بل وبشكل خاص فأن خبير الأعلام الخارجي يجب يجمع بين الثقافة الإعلامية المتخصصة من جانب والثقافة السياسية من جانب أخر بالإضافة الى التدريب الدبلوماسي وان هذا يقودنا للقول أن طبيعة عمل رجل الأعلام في المجال الخارجي (الملحق الصحفي أو الإعلامي )ليست وظيفة الإقناع بسياسة حكومية انه أكثر من ذلك فهو رسول دولة ومنفذ سياسة وان نجاحه كمنفذ للسياسة يتوقف على نجاحه كرسول لدولته وحضارته وهو وسيلة اتصال بين مفهومين من مفاهيم الحركة الخارجية وهنا يجب أن يتمتع بإلمام واستعداد وقدرة وصلاحية على فهم وليس فقط أبعاد الحركة السياسية التي يعيشها المجتمع الذي هو مدعو لآن يتحرك في نطاقه بل وقبل كل شيء أخر يجب أن يملك القدرة والحساسية التي تسمح له بان يكون مرآة تعبر عن تلك التقاليد وتعكس طبيعة تلك الحضارة وهو بهذا يجب أن لاينسى دائماَ بأنه ينتمي الى الدولة والحضارة التي يمثلها وان نجاح رجل الأعلام الخارجي يتوقف على مقدرته لفهم الأبعاد الحضارية للمجتمع الذي يعمل فيه دون أن ينسى امتداده وجوهره وولائه لدولته ويجب أن نوضح بان الإعلام الخارجي هو خلق علاقة المنفعة وإيجاد أدوات الارتباط بالمصالح والأعلام الخارجي هو توثيق لرابطة المصلحة كما يستند الأعلام الخارجي الى أدوات أخرى خلفية مساندة ومكملة لابد وان تتجانس معه في خندق واحد من حيث التنسيق والتكامل ونستطيع أن نوجز هذه الأدوات وهي السياسة الثقافية وعملية التبادل الثقافي والسياسة السياحية وعملية الانفتاح وسياسة المعونات الاقتصادية وتقديم الخبرات الفنية كل هذه الأدوات يجب تنفيذها من خلال السياسات الإعلامية،كما تجدر الإشارة الى أن الأعلام الخارجي يحتاج الى تخطيط "ونستطيع أن نعرف معنى التخطيط بأبسط أنواعه هو التحكم في الحركة"وان الرسالة الإعلامية بمجرد انطلاقها تستقل في الأعلام الخارجي عن شخص مستقبلها بحيث يصبح أمر تصحيحها أمر مرهق إذا لم يكن مستحيلاَ ولكي نتمكن من تجنيب ذلك فمن الضروري أن يوجد جهاز يتولى عملية التخطيط بحيث يضمن نوعاَ من التنسيق والتناسق بين مختلف عناصر الرسالة الإعلامية من جانب وبين مختلف الأجهزة الإعلامية بالنسبة لنفس الرسالة من جانب أخر وبين مختلف أدوات تنفيذ السياسة الخارجية بحيث لايكون الأعلام في واد والسياسة الخارجية في واد أخر من جانب ثالث وكذلك يجب أن يكون هناك توافق أذا لم يكن هناك عدم تعارض بين نفس الأعلام الداخلي والأعلام الخارجي خصوصاَ وان الدبلوماسية المعاصرة هي ليست مجرد نقل وجهات نظر وإنما هي تفاعل بين الدول والمجتمعات وهي عملية التقابل والعناق بين المفاهيم المختلفة للوجود الإنساني تقودنا هذه النتيجة الى نتيجة أخرى تدور حول طبيعة ولغة الاتصال الدولي وهنا تبرر بشكل واضح أوجه التباين بين الأعلام الداخلي والأعلام الخارجي.
|
||||
© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |