|
من سيكون القادم الجديد إلى المسرح النووي؟ د. عبدالله المدني باحث و محاضر أكاديمي في الشئون الآسيوية يشير تاريخ الانتشار النووي في العالم الثالث إلى أن نجاح إحدى الدول في تحقيق طموحاتها النووية كان على الدوام حافزا لغريمتها المجاورة على انتهاج الطريق نفسه. فنووية الهند لم تكن إلا صدى لنجاح الصينيين في دخول النادي النووي في عام 1964 . وسعي الباكستانيين لامتلاك القدرات النووية لم يكن إلا رد فعل لنجاحات الهند النووية منذ عام 1974. و بالمثل فان الطموحات النووية للنظام الفقهي الإيراني لها علاقة بنووية باكستان "السنية" و الهند "الهندوسية" و إسرائيل "العبرية". و في كل الأحوال كان جسر العبور إلى امتلاك الصفة النووية ابتداء هو التمترس خلف الاستخدامات السلمية للنووي. وفي مكان آخر من العالم الثالث، فرضت نووية الصين على خصوم الأخيرة في تايوان ضغوطا للتفكير جديا في دخول السباق النووي الذي يملكون جل إمكانياته العلمية و التكنولوجية باقتدار، وان لم يترشح حتى الآن ما يفيد قيامهم عمليا بتلك الخطوة. وفي الإقليم الجغرافي نفسه، تتوالى ضغوط بعض القوى و الجماعات القومية على حكومات طوكيو و سيئول لاستثمار ما بلغه البلدان من قدرات علمية و تكنولوجية في امتلاك القوة النووية كرد فعل رادع لنووية جارتهما المشاغبة الكورية الشمالية. على أن القادم الجديد إلى الميدان النووي، قد لا يكون هذه أو تلك و إنما فيتنام، التي أعلنت الشهر الماضي عن قرب البدء في أول مشروع لإنتاج الطاقة النووية في تاريخها بل في تاريخ منطقة جنوب شرق آسيا. أما التبرير فكان لا يختلف كثيرا عن التبرير الكلاسيكي المعتاد و هو حاجة البلاد المستقبلية إلى المزيد من الطاقة. و المعروف أن معدلات استهلاك الطاقة الكهربائية في فيتنام شهدت صعودا كبيرا في السنوات الأخيرة بفضل النمو الاقتصادي المتسارع و متطلبات الاستثمارات و المشاريع الاجنبية المضطردة، مع توقعات بتنامي الطلب إلى حدود يصعب معها الاعتماد على مصادر الطاقة التقليدية الحالية، علما بأن فيتنام تعتمد حاليا بنسبة 50 بالمئة على المصادر الهيدروليكية و 25 بالمئة على النفط و الغاز و 20 بالمئة على الفحم. و أشارت بعض الدراسات التي أجريت قبل مدة إلى أن حاجة البلاد للطاقة ما بين عامي 2015 و 2020 ستكون في حدود 140 – 180 بليون كيلو وات، في الوقت الذي ستكون الطاقة المتاحة من كافة المصادر التقليدية المحلية مجتمعة في حدود 100 بليون كيلووات. و هذا يعني حدوث عجز في العقد القادم لا يمكن سده عبر التوسع في الاعتماد على الفحم المستورد بسبب الصعوبات الفنية والبيئية المرافقة للعملية، أو عبر التوسع في الاعتماد على النفط و الغاز المستوردين بسبب الكلفة الاقتصادية العالية. و بالمثل فان التعويل على إمدادات كهربائية اكبر من الدول المجاورة مثل الصين أو لاوس ، اللتين تساهمان منذ عام 2003 في مد فيتنام بما مجموعه 20 بليون كيلو وات من الطاقة سنويا بموجب اتفاقيات خاصة، لن يحل المشكلة فضلا عن أن استمرار العملية غير مضمون. و من هنا اتجه الفيتناميون منذ عام 2002 إلى التفكير جديا في الطاقة النووية، وصولا إلى قرارهم الأخير حول المشروع المنوه عنه، و الذي لئن كان مكلفا و يحتاج إلى حوالي 3.4 بليون دولار لإنجازه، إلا انه سيوفر وقت تشغيله المتوقع في عام 2017 طاقة قد تصل في حدودها القصوى إلى نحو 4000 ميغا وات. هذا فضلا عن الجوانب الايجابية الأخرى مثل زيادة تنويع مصادر الطاقة والحفاظ على البيئة و المساهمة في تنمية قدرات البلاد العلمية والتكنولوجية و الهندسية. و هكذا فان مبررات فيتنام للجؤ إلى الطاقة النووية تبدو مفهومة، بل و تلقى قبولا من بعض الدول المانحة مثل اليابان و فرنسا، غير أن المخاوف من احتمال اتجاه البلاد رويدا رويدا نحو التسليح النووي تبقى قائمة على نحو ما حدث في أماكن أخرى. و حتى إذا ما أهملنا مثل هذا الاحتمال المستمد من فرضية رغبة هانوي في امتلاك سلاح رادع لمواجهة أية طموحات توسعية مستقبلية من جانب الصين التي كانت لسنوات طويلة خصما لها و مصدر إزعاج، فان هناك مخاوف أخرى. منها ما يتعلق بضعف قدرة الفيتناميين على إدارة منشآتهم النووية السلمية بكفاءة ذاتية عالية و وفق معايير الشفافية العالمية، في ظل تخلف البلاد تكنولوجيا و علميا قياسا بالنوويين الكبار، و غياب المؤسسات الديمقراطية الرقيبة. أضف إلى ذلك أن المعارف و التقنيات التي سوف تستخدم في إقامة المشروع الفيتنامي مصدرها روسيا التي يقال أن تكنولوجياتها النووية باتت قديمة و متخلفة. و هنا نضطر إلى فتح هلالين كبيرين للحديث عن الدور الروسي في المشروع الفيتنامي المذكور. فموسكو المتهمة من الغرب بالوقوف جزئيا خلف تسرب التكنولوجيات النووية إلى دول في العالم الثالث هي تحديدا من يعول الفيتناميون عليها لإنجاز مشروعهم من الناحيتين الفنية و التقنية. و من جانبهم فان الروس ، الذين لم يعد خافيا استخدامهم للورقة النووية إضافة إلى ورقة النفط و الغاز كأداة من أدوات علاقاتهم الخارجية و لاسيما مع الغرب و دول الاتحاد السوفيتي السابق، يبدون متحمسين لهذا التعاون مع حليفتهم السابقة زمن الحرب الباردة، و ينظرون إليه كمدخل لتعزيز نفوذهم في منطقة جنوب شرق آسيا و كوسيلة لجني المزيد من المكاسب و الصفقات الاقتصادية، بدليل مبادرة رئيس حكومتهم ميخائيل فرادكوف في فبراير الماضي إلى تقديم عرض متكامل لبناء المشروع النووي الفيتنامي من الألف إلى الياء بدءا من عام 2010 مع تدريب الفيتناميين و تزويدهم بالخبرات الضرورية. هذا على الرغم من الضجيج المثار راهنا حول دورهم المعلن و الخفي في برامج إيران النووية، و تحفظات واشنطون حول إصرارهم على تصدير التكنولوجيا النووية إلى دول مارقة أو ذات أنظمة شمولية، على نحو ما تسرب مؤخرا من أنباء حول وجود تعاون روسي – بورمي لبناء محطة للطاقة النووية في ماينمار. و يشار في هذا السياق إلى أن فيتنام تنظر إلى روسيا كشريكة استراتيجية، الأمر الذي يجسده ارتباط البلدين باتفاقيات عديدة و تعاونهما في مختلف الحقول بما في ذلك حقول البحث العلمي و الهندسة النووية و التدريب التقني و أعمال التنقيب عن النفط و المعادن. بل أن هناك لجنة مشتركة شكلت منذ أكثر من عام خصيصا لبحث الأمور المتعلقة بالطاقة والأبحاث و المعارف النووية، يتمثل الجانب الروسي فيها بوكالة الطاقة النووية الاتحادية المعروفة اختصارا باسم " روساتوم". و يبدو أن حرص هانوي على التواصل نوويا مع موسكو من اجل مشروعها المذكور، و خوفها من تدخلات دولية قد تعرقل مساعيها، هو الذي جعلها تتخذ موقفا متشددا في اجتماعات الأمم المتحدة في نيويورك في مايو 2005 حول معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية. حيث عارض مندوبها بشدة تبني أية إجراءات أو قيود دولية ضد تصدير المواد و التقنيات اللازمة لتطوير البرامج النووية السلمية لدول العالم النامي، متهما القوى الغربية و الأمم المتحدة بتطبيق مباديء غير عادلة على هذا الصعيد.
|
||||
© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |