|
اعتراضات واقتراحات للحكومة الكوردستانية الموحدة
د. جرجيس كوليزادة / اربيل ـ العراق من خلال قراءة مشهد الساحة السياسية الكردية لتشكيل الحكومة نجد إن الاستحقاقات الحزبية للقوتين الرئيسيتين في إقليم كوردستان بقيت ضمن الأولوية الرئيسية للقيادة على صعيد السلطة التنفيذية والبرلمان الوطني عند الإعلان عن التشكيلة الجديدة للحكومة الموحدة، و التي أفرزت مكوناتها في التشكيلة التي تم الاتفاق عليها برئاسة القيادي نيجيرفان بارزاني ونائبه عمر فتاح حسب اتفاق توزيع سياسي للسلطة بين الحزبين لأربع سنوات قادمة ينص على إسناد رئاسة الحكومة الى الحزب الديمقراطي لسنتين وإسناد البرلمان الى الاتحاد الوطني لمدة سنتين، وتبديل الموقعين في النصف الآخر من مدة الاتفاقية. بموازاة هذا الاتفاق السياسي، وإسناداً الى الواقع الميداني الذي يعاني من مشاكل وأزمات خانقة تركت أثرها على المجالات الحياتية والمعيشية للمواطن الكوردستاني، فإن استغلال السلطة من قبل البعض على المستويات الحزبية والحكومية والعسكرية للثراء الفاحش كانت السمة السائدة المرتبطة بمسؤولي الحزبين وبالتشكيلات الحكومية السابقة حتى باتت كلمة الفساد غير قادرة على التعبير عن مظاهر هذا الخلل الكبير بحق الشعب الكوردستاني وبحق دولة الإقليم وبحق حاضر ومستقبل الكرد وبحق الوطنية الكوردية التي سجلت صفحات بيضاء في تاريخ نضالها وكفاحها ضد الاستبداد والظلم والجور وبحق زعامتها التاريخية وقيادتها الحاضرة، ونتيجة مظاهر هذا الخلل تعرضت ثقة المواطن الكوردستاني بالحزبين الرئيسين وبالحكومة الى الاهتزاز وتولدت ردود ومواقف سلبية تجاه السلطة، وما كتب وتكتب في الصحافة الكردية في هذا المجال غيض من فيض، وتشكيل ديوان المساءلة ضمن البرنامج الاصلاحي للاتحاد الوطني برهان كبير على النتائج السلبية الكبيرة التي آلت اليها استفحال مظاهر الفساد في الحالة الكوردستانية. ونتيجة تراكم آثار مظاهر الفساد وتراكم الأزمات والمشاكل واستفحالها، بالرغم من الجهود الوطنية للقيادة الكردستانية على الحفاظ على الكيان الكردي السياسي توازيا مع الحرص الشديد للحفاظ على العراق الموحد الاتحادي وإبعادها عن شبح الارهاب والتدخلات الضارة للدول المجاورة للاقليم وانشغالها بهذه الأمور المصيرية لفترة طويلة، ألا أن مسؤولية الحكومة والقيادات الكردية أصبحت كبيرة في مواجهة مظاهر الخلل والمشاكل التي يعاني منها المجتمع، ولهذا فان توفير مقومات النجاح لأية عملية حكومية بهدف تلبية مطالب الشعب تعتبر قاعدة اساسية لضمان النجاح والتوفيق للحكومة والبرلمان. ولكن فيما يبدو للعيان أن الحكومة الموحدة في اقليم كردستان التي اعلنت عنها قبل فترة لا تحمل بوادر مميزة لمعالجة الحالة التي يعاني منها المواطنون خاصة منهم الأغلبية الكبيرة من الشعب التي تعاني من مشاكل اقتصادية وصحية ومعيشية، بدليل أن اختيار الشخصيات لم يكن موفقا في تشكيل حكومة تكنوقراطية فعالة تأخذ على عاتقها ضمان وإيجاد حلول جذرية بمجابهة مظاهر الحالة ومعالجة الأزمات بشفافية، لأن أساس التشكيل استند الى تمثيل حزبي بالدرجة الأولى وليس الكفاءة والاقتدار وهو ما سمح بإعادة وتكرار شخصيات حكومية سابقة في التشكيلة الجديدة لم تقدر ان تقدم شيئا ملموسا في مواقعها ضمن التشكيلات السابقة. ومن هذا المنطلق نجد انه من الضرورة الوطنية أن نعرض بعض الاعتراضات والإقتراحات على القيادة ورئاسة الحكومة الكوردستانية للإفادة منها والعمل على تقليل آثارها السلبية على الواقع السياسي والإداري، لان العمل الحكومي في الواقع الراهن يتطلب جدية وفعالية والية متميزة في برامجها وأعمالها أكثر من أي وقت مضى، لأن الكيان الكردستاني أصبح واقعا معترفا به من قبل الدستور العراقي ومن قبل الاطراف الإقليمية والدولية، وهذا ما يحفز الحكومة والبرلمان والأحزاب في الإقليم على ان تكون بمستوى المرحلة وأن تكون بمستوى ثقة الشعب وبمستوى الثقة الانتخابية التي منحها الكوردستانيين لزعيمي الحزبين الرئيسين. لهذا وبعد رسوخ الواقع السياسي الجديد بفضل حكمة القيادة السياسية الكردية وبفضل حكمة وصبر وتحمل الشعب للمعاناة والمآسي الكبيرة التي تعرض لها من أجل تحقيق المطالب السامية في الديمقراطية ونيل الحقوق القومية وضمان الكيان السياسي، فإن ما يقع على كاهل الحكومة يعتبر مدخل جوهري لقطف ثمار نضال الشعب الكردستاني في المرحلة الراهنة لتحقيق آماله وطموحاته من أجل تحقيق حياة حرة كريمة ومعززة بالكرامة الإنسانية. استنادا الى هذه الرؤية فإننا نجد من الضرورة ان نسجل بعض الاعتراضات على الحكومة الكوردستانية الموحدة من باب الإسهام والمشاركة في توفير أسباب النجاح لأعمال الحكومة، والاعتراضات تنحصر بما يلي: · كثرة الحقائب الوزارية، خاصة منها الحقائب الوزارية لدولة الاقليم دون مراعاة للأعباء المالية والمصارف الإدارية التي تترتب على الدولة من هذه الحالة، وحتى في حالة توفير إمكانيات مالية فهذا لا يعني التصرف بها بطريقة اليد المبسوطة كل البسط التي قد تجعل من الأموال أن تذهب هباءا منثورا، لان المفروض ادارة واردات الشعب ومصاريف دولة الإقليم بمسؤولية حريصة متسمة بالحكمة الرشيدة والأمانة العالية المستندة الى حكمة المثل الأمريكي القائل لكل دولار أجندة. · تكرار الشخصيات الوزارية في التشكيلات السابقة لاعتبارات حزبية، وكأن مساحة الاختيار للشخصيات التكنوقراطية الكردستانية الكفوءة ضيقة وقليلة المساحة لا تسمح المرور عليها لإختيار شخصيات حكومية من صنف رجال الدولة بمواصفات مؤهلة عالية نحن بأمس الحاجة اليها في واقعنا الراهن لتسهيل ادارة دولة الإقليم أمام القيادة السياسية وأمام رئاسة الإقليم ورئاسة الحكومة، وعلى الصعيد العراقي فإن نائب رئيس الوزراء العراقي الدكتور برهم صالح ووزير الخارجية هوشيار زيباري يمثلان نموذجين قديرين لصنف رجال الدولة من الطراز الأول على مستوى إدارة الدولة. · تفضيل الحسابات الحزبية للحزبين والمحاصصة السياسية للأحزاب الكردستانية كالموجودة في بغداد، على الاعتبارات والمصلحة العليا للشعب وعلى الاعتبارات العملية والمهنية والتنفيذية الخالصة في مجال الكفاءة والاقتدار لاختيار شخصيات تتسم بالقدرة العالية في تنفيذ أعباء مرحلة البناء التي نمر بها والتي فرضت نفسها بعد مرورنا بمرحلتي الحرب والسلام لسنوات عديدة. · إسناد الحقائب الى الشخصيات المستوزرة دون النظر في أضابيرهم الشخصية والطلب منهم بإعداد برنامج أو ورقة عمل أو خطة للوزارة المعنية أو تقديم سيرة ذاتية موثوقة بالوثائق الرسمية المعترف بها لشخصياتهم العلمية وتحصيلات شهاداتهم وكفاءاتهم، والقول القائل كما أشارت اليه الصحافة الكوردية بمعرفة البعض من الشخصيات المستوزرة باختيارهم قبل ساعات قليلة من الاعلان عن التشكيلة في البرلمان دليل على عدم طلب أو النظر الى اضابيرهم الشخصية أو الى سيرهم الذاتية. · بقاء دور المكاتب السياسية للحزبين الرئيسين والأحزاب الأخرى في تشكيل الحكومات في الاقليم على حاله وبفعالية أكثر وابقائهم كأصحاب القرار الفعلي، لان اختيار الشخصيات في الحكومة الموحدة بقيت تعود بالدرجة الأساسية والرئيسية لاعتبارات حزبية مبنية على حسابات جانبية قد تكون غير مراعية للمصلحة العليا للاقليم وللشعب الكردستاني، وكان المفروض ان يتم الاختيار وفق آلية سياسية وتكنوقراطية اكثر فعالية واكثر ايجابية من قبل المكتبين السياسيين. أمام هذه الاعتراضات، وإقرارا منا مسبقا بما تم من إنجازات سياسية كبيرة وعمرانية على الساحة الكوردستانية بفضل جهود الخيِّرين من الحزبين ومن أبناء الشعب الكوردستاني، فإن الإقرار بهذه المسألة لا يعني أن نغض الطرف عن الجوانب السلبية في الواقع الكوردستاني حتى وإن كان على الصعيد الحكومي أو القيادي، وانطلاقا من هذا الأمر فإن الواقع الذي نعيشه المليء بمظاهر الخلل والأزمات الخانقة والمعترف بها من قبل الجميع، يفرض علينا أن نقول بكل مصداقية ان التشكيلات السابقة للحكومة رافقتها حالات من الخلل المرتبطة بمشاكل إدارية ومالية كبيرة معترف بها من قبل القيادات السياسية للحزبين الرئيسين منها استغلال السلطة وفقدان معايير النزاهة وغياب أي شكل من أشكال الرقابة والمراقبة العامة على أموال الشعب والدولة وغياب البرامج الوطنية لحل أزمة السكن ومصادر الطاقة والمساواة في التعيين وفرص العمل وفقدان الخدمات عن مناطق كثيرة وحرمان مناطق كبيرة من اهتمامات ورعاية دولة الإقليم وغيرها من المشاكل التي يعاني منها الشعب. وبغية طرح رؤية عملية لمساندة الحكومة الموحدة بطروحات حكيمة لتفعيل دورها على الصعيد الخدماتي والاقتصادي والاجتماعي والصحي والتربوي والمعيشي لخدمة المجتمع الكوردستاني بأعمال وبرامج ملموسة في الواقع، اعتمادا على كوادر عليا مقتدرة في العمل بمهنية عالية وموضوعية مقتدرة ونزاهة مكتسبة وبرؤية وطنية خالصة، فإننا نطرح الطروحات والاقتراحات التالية على سيادة رئيس الحكومة نيجيرفان بارزاني ونائبه فتاح عمر وعلى المكتبين السياسيين للحزبين للاستفادة منها في تقوية وتدعيم الحكومة في تخطيط وإنجاز أعمالها وبرامجها، والمقترحات هي: 1. إختيار شخصيات مقتدرة لمواقع وكلاء الوزراء للوزارات الحكومية على ان يكون الاختيار وفق باب الاختصاص لكل وزارة، وأن لا يقل سنوات الخدمة الفعلية عن خمسة عشر سنة، وان لا يقل شهادته عن درجة البكالوريوس وأن يكون من خريجي الجامعات العراقية أو الكوردستانية، وأن يكون لديه سيرة ذاتية موثوقة بالوثائق الرسمية الحقيقية وبالنشاطات المهنية والإنجازات الخدمية. 2. إختيار شخصيات مقتدرة كمدراء عاميين للوزارات الحكومية على ان يكون الاختيار وفق باب الاختصاص لكل قطاع من قطاعات الوزارة، وأن لا يقل سنوات الخدمة الفعلية عن خمسة عشر سنة، وان لا يقل شهادته عن درجة البكالوريوس وأن يكون من خريجي الجامعات العراقية أو الكوردستانية، وأن يكون لديه سيرة ذاتية موثوقة بالوثائق الرسمية الحقيقية وبالنشاطات المهنية والإنجازات الخدمية. 3. أن يكون المرشح لمنصب وكيل وزارة أو المدير العام أو المدير، ملما باللغة الكوردية والعربية والإنكليزية إلماما كاملا، وأن يكون ملما بالنظام التطبيقي للبرامج الكومبيوترية. 4. أن يكون المرشح لمنصب وكيل وزارة أو المدير العام، ملما بالقوانين والتشريعات الحكومية حسب مجال عمله واختصاصه، وأن يكون ملما بصورة كاملة بالقوانين والأنظمة والتعليمات الإدارية والمالية والحسابية والخدمية والوظيفية. 5. إختيار كوادر مقتدرة كمدراء لدوائر الوزارات الحكومية على ان يكون الاختيار وفق باب الاختصاص لكل قطاع من قطاعات الوزارة، وأن لا يقل سنوات الخدمة الفعلية عن عشر سنوات، وان لا يقل شهادته عن درجة البكالوريوس وأن يكون من خريجي الجامعات العراقية أو الكوردستانية، وأن يكون لديه سيرة ذاتية موثوقة بالوثائق الرسمية الحقيقية وبالنشاطات المهنية والإنجازات الخدمية. 6. إقرار الوزراء والوكلاء والمدراء العامون والمدراء، بأن تكون ساحة عملهم الوظيفي الحكومي والمهني بعيدة بصورة مطلقة عن الأعمال والتوجهات الحزبية، وأن تكون ساحتهم ساحة كوردستانية مطلقة وأن تكون ورشة عمل للعمل الوطني الحقيقي لضمان خدمة المجتمع ودولة الإقليم وفق معايير مهنية صرفة بموضوعية متجردة من أية بواعث حزبية أو شخصية. 7. العمل بشفافية بخصوص موارد الشعب ودولة الإقليم والعمل معها بدقة عالية وحرص مسؤول والاعلان عن البيانات المتعلقة بها للشعب بحكمة وشفافية عالية، وكشف البيانات عنها في وسائل الإعلام وتحديد موقع الكتروني حكومي بهذا الخصوص لبيان كل ما يتعلق بهذا المجال. 8. إلزام الوزارات بتقديم تقارير شهرية وفصلية ونصف سنوية وسنوية عن خططهم المنفذة بتفاصيل دقيقة مع كشف البيانات المالية والميزانية المخصصة بدقة ومسؤولية كاملة، والاعلان عنها لوسائل الاعلام الكوردستانية. 9. اعادة هيكلة بعض الوزارات حسب الضرورات القصوى، واعطاء الاهتمام بالقطاعات الانتاجية المحلية كالزراعة واليطرة والثروة الحيوانية وتوفير الدعم اللازم لهذه القطاعات المهمة لتوفير الغذاء وضمان الأمن الغذائي، ومنح أهتمام أكبر بهذه القطاعات لتطويرها وتحسينها لخدمة الاقتصاد الكوردستاني. 10. توفير الاهتمام بالقطاعات الصحية البشرية والحيوانية كالقطاع الصحي والقطاع البيطري وتوفير الدعم اللازم لهذه القطاعات المهمة لحماية المواطنين من الأوبئة المرضية الفتاكة التي تصيب الانسان والثروة الحيوانية. 11. تفعيل دور البرلمان الكوردستاني بشتى الأساليب لمراقبة أعمال الحكومة بفعالية وتسهيل المهام الحكومية كسلطة تنفيذية ممثلة لرغبات الشعب والمجلس الوطني. 12. تفعيل دور الهيئات المستقلة كمفوضية النزاهة المستقلة وديوان الرقابة المالية وحقوق الإنسان وتسهيل المهام الحكومية كسلطة تنفيذية بشفافية ومسؤولية عالية. هذه باختصار أهم الاقتراحات العملية التي نجدها ضرورية ان تكون متاحة أمام رئيس الحكومة وقيادتي الحزبين، لتقوية وتدعيم الحكومة بمقومات فعالة قادرة على تقديم فعل وعمل خلاق للشعب ولدولة الإقليم وللقيادة السياسية الكوردستانية، والحقيقة التي يجب أن نشير اليها بأمانة أن النية الصادقة الموجودة لدى القيادتين لعمل الأفضل والأحسن هو الدافع الذي حفزنا لتقديم هذه الاعتراضات والاقتراحات، بغية تغيير الواقع المتسم بالمشاكل والأزمات، لا سيما وأن هذا الجهد الوطني يتطلب الجدية في العمل لإزالة أسبابها عن طريق تأمين جهود حقيقية مخلصة على مستوى الشعب والقيادات الحكومية، وهذه الجهود تطلب عملا استثنائيا نأمل أن تقوم به الحكومة الموحدة في الآتيات من الأيام بالرغم من الاعتراضات التي طرحناها بصددها في هذا الموضع، ولا شك ان صدور القائمين على هذه الحكومة واسعة ورحبة لاستقبال هذه الاعتراضات والاقتراحات المطروحة برؤية واقعية مستخلصة من المعايشة الحقيقية لواقعنا الكوردستاني، نأمل أن تكون مفيدة لخدمة الحكومة والكوردستانيين والعراقيين على السواء.
|
||||
© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |