|
فلسفة الغزاة الجدد
كان الغزو في جاهلية العرب ثقافة جمعية فرضتها طبيعة القيم السائدة و أصلتها الحاجة وقلة الموارد وغياب العلائق الحضارية بين القبائل المتناثرة في بيداء الجزيرة العربية . وتطور العقل العربي ليجسد في الغزو حالة من الثورة على الفقر وخروجاً على الظلم الاجتماعي السائد ، فظهرت حركة الصعاليك وحولت غاية الغزو إلى سعي لتحقيق التوازن بين الأغنياء و الفقراء . وجسد شعراء الصعاليك كعروة بن الورد تلك الغايات في قصائدهم. جاء الإسلام ليتم مكارم الأخلاق التي رآها سائدة وأعطى لمفهوم الغزو صفة قدسية وأبعاد جديدة ، حيث عده جهاداً في سبيل الله وطلباً للشهادة في سبيله وسعى لإعلاء كلمة الحق وإزالة الطغيان والظلم الجاثم على رقاب العباد. انطلقت الغزوات الجهادية في عهد النبوة في اتجاهين ، دفاعاً عن النفس وفتحاً للأرض. واستمرت في عهد أبي بكر حفاظاً على الدولة الفتية وبقاءها واستمرارها فكانت حروب الردة التي أودت بعشرات الآلاف من الطرفين . استمر الفتح الإسلامي ( الغزو ) ودخل قلب أوروبا غرباً وحدود الصين شرقاً. ولم يهدأ إلا بسقوط الدولة العثمانية المعقل الأخير لدولة الخلافة التقليدية. وباستقراء فلسفة الغزو أو الجهاد في الأصول الإسلامية، نلحظ ثلاث رغبات رئيسة قام عليها العقل والفكر ألجهادي قديما. 1- استباق العدو وغزوه في داره لإظهار القوة ومنعه من المبادرة بالحرب ـــ غزوة مؤتة ، صراع هارون الرشيد مع الدولة الرومانية ــ كنماذج . 2- الرغبة في هداية الأقوام الضالة وتشمل كل الخارجين من دائرة الإسلام أو من دائرة خضوعه. 3- الحلم باختصار الطريق إلى نعيم الجنة وشهواتها وملذاتها من جنس وطعام وشراب. مقترنة بروحانية القرب من الخالق عز وجل ولذة النظر إلى وجهه الكريم ومجاورة النبي والأولياء الصالحين . من بين ثنايا النصوص ونبشاً في أطراف قصص التراث، والتقاطاً لإيحاءات وتفاسير وتأويلات متطرفة، استطاع جيل جديد من نخبة المثقفين الإسلاميين تأسيس تيار جديد للغزو حشدوا له الأدلة والبراهين النصية والتراثية. وأسسوا لمفهوم جديد وفلسفة مبتكرة للجهاد والغزو. تلك الفلسفة الجديدة التي هيأت تربتها مفكرون اخوانيون ـ سيد قطب ـ معالم الطريق، تلقفها أساتذة جامعيون ـ محمد عمارة ـ وخصبوها وأزكوا نار الانتقام في باطنها فتلقفها شبان ــ حينها ــ من مختلف الجنسيات .عبد الله عزام، أسامة بن لادن، أيمن الظواهري، وحولوا حالة الغليان الفكري إلى عمل وحركة نشطة على الأرض ووضعوا المبادئ والأفكار موضع التطبيق وعاثوا في البلاد فساداً وبالعباد قتلاً وإرهابا. وفي غمرة الصراع المحتدم بين الأفكار جذبت الأحداث المأساوية والهزائم المتوالية في بلدان العرب والمسلمين إلى تيار الغزو نوع جديد من الجهاد يين تحولوا من الإجرام التقليدي والخروج المرفوض على المجتمع والقانون ( أبو حمزة المصري وأبو مصعب الزرقاوي ) إلى الانطواء تحت رايات الجهاد المزعومة للجيل الأول وأسس فلسفة جديدة ومفاهيم خطيرة لفكرة الجهاد والغزو قامت على : 1- الاستهتار المبالغ في الحياة الإنسانية واعتبار الحياة موهوبة في الأصل لإزهاقها بأسرع وقت ممكن. 2- عدم التفريق في القتل بين المسلمين وغيرهم فإذا اقتضى الموقف قتل آلاف المسلمين من أجل القضاء على كافر واحد فليس هناك مشكلة. 3- تحويل الغزو إلى صراع داخل منظومة الطوائف الإسلامية . واعتبار قتال وقتل المخالف في المذهب أو الطائفة من المسلمين جهاداً في سبيل الله ارتكازاً على نصوص مأثورة عن الفرقة الناجية وتفسيرات وتأويلات للآيات مجتزأة من القرآن الكريم عن تلك الفرقة التي تتصف بقلة عددها مقابل سبعين ضعفاً أو أكثر من مخالفيها أبناء الأمة الآخرين . هي الفرقة المنصورة المنطوية تحت قيادة أمير من الغرباء تبايعه على السمع والطاعة في المنشط والمكره في السلم والحرب تواليه وتعادي كل ما خلاه . الفرقة التي ترفع راية الهجرة و الجهاد إلى قيام الساعة . نسوا الله والإيمان والروح والنبوة والأخلاق والرحمة والعفو والصفح والتسامح والإحسان واللين وحصروا كل تعامل إنساني وأخلاقي بين أتباعهم ومواليهم دون غيرهم من البشر. سلكوا سبيل الشيطان وأحلوا قيم الثأر والانتقام الجاهلية محل مفاهيم العدل والحق والمساواة ، تفاخروا بشرب الدماء وتقطيع الأجساد وجز الرؤوس وغدا الموت غاية وسفك الدماء شعاراً وسعار الحرب والحرق والتدمير غذاءً لعقولهم وأرواحهم المهووسة بالجنس والملذات والشهوات المؤجلة والموعودة مكافأة على القتل والانتحار. روعوا الآمنين بدون إنذار ــ غزوة مانهاتن 11/9/ ــ اغتالوا المسلمين من نساء وأطفال وعمال ــ غزوة بالي في إندونيسيا ــ . انتقاماً لموت قائدهم المؤمن المجاهد فجروا المساجد والمطاعم والأسواق في بغداد، قتلوا وجرحوا المئات من المسلمين الأبرياء خلال أيام، فجرو أجساد النائمين في مسكنهم ـ غزوة الرياض ، لم يشفي غليل حقدهم أشلاء الأجساد وسواقي الدماء . إن المسؤولية عن دعم وتنشيط وتأسيس والدعاية لتيار الغزو في راهننا المؤلم ليست أخلاقية أو تاريخية فقط، بل هي مسؤولية جنائية وقانونية وخرق لكل القيم السماوية والأرضية التي تعارفت عليها البشرية قبل الديانات السماوية ومعها وبعدها . كل عالم أو كاتب أو مفكر أو خطيب أو إعلامي يدعم الإرهاب تصريحاً أو تلميحاً بأقواله وكتاباته وخطبه ودروسه ينبغي محاكمته والاقتصاص منه ولم يعد مقبولاً الوقوف عند حالة الشجب والتنديد والاستنكار ، فمسؤولية المحرض على الجريمة في القانون لا تقل عن مسؤولية الفاعل وفي بعض القوانين الجنائية العربية ــ سوريا مثلاً ــ تعد جريمة التحريض على فعلها أو ارتكابها جرماً أخطر وأكبر من الفعل ذاته لأن المحرض الواحد يدفع بمئات المجرمين لارتكاب آلاف الجرائم وهو قابع في كرسيه خلف لحيته أو مكتبه ، فوق منصة المنبر ، أو تحت فضاء إعلامي مأزوم .
|
||||
© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |