|
لحية العنزة .. والسروال الشرعي ..!
هادي فريد التكريتي الإرهاب الذي يجتاح العراق ، لم يبق للمواطن ، مساحة حياة اعتيادية يمارسها ، فيها بعض فرح أو سرور ، فجرائم القتل على الهوية ، والتفخيخ والتفجير ، تجري على قدم وساق ، في كل مكان ، وفي كل وقت ، بحيث لم تترك مجالا للشك ، من أن القائمين بهذه الجرائم ، قد فقدوا كل إحساس بالقيم الإنسانية ، ناهيك عن قيم الدين والمذهب الذي ينتمون إليه ، فهؤلاء القتلة ، تجردوا من كل مشاعر بشرية تربطهم بالمحيط الذي ينتمون إليه ، نتيجة غباء وجهل ذاتي من جهة ، وتوجيه ديني منحرف ، متخلف ومضلل من جهة أخرى ، فاختلطت على هؤلاء القتلة باسم الدين والشرع ، مفاهيم وقيم الحياة ، ومفردات السلوك اليومي مع الآخرين ، فما عادوا يفرقون بين الإنسان والحيوان ، في فرض وإلزام أحكام شرع الله على الآخرين ، بدعوى مسؤولية تنفيذها نيابة عن الله ونبيه ، ففي خبر مؤكد نقله صديق تلفونيا ، بأن فراش مدرسة ابتدائية للبنات ، في إحدى القرى التابعة لمحافظة ديالى ، قتل من قبل عناصر إسلاموية ـ طائفية بعد أن أنذروه ، لسوء سلك متعمد وفاضح .لعنزتين يمتلكهما .! والقضية كما روتها مديرة المدرسة كالآتي : \" الفراش من سكنة القرية ، متزوج وله طفلتان ، يعيش هو وعائلته بالقرب من المدرسة ، لحماية وخدمة المديرة وأحدى المعلمات ، هذا الفراش يمتلك عنزتين جميلتين ، يسد بحليبهما حاجة بنتيه والمعلمات ، يطلق سراحهما ترعيان في المنطقة القريبة من المدرسة ، وفي أحيان كثيرة يلهو الصغار معهما ، وكان سعيدا بمرح ولعب الأطفال وهو يرقبهم مع عنزتيه . قبل قتله بأربعة أيام ، جاءني مرتبك الحال ، بين ضاحك ساخر ، ومرتبك خائف ، وهو يحمل رسالة ترتجف في يده ، قائلا : هل تصدقين أم ستسخرين مني ؟ قلت ما الأمر ؟ قال وجدت هذه الرسالة معلقة برقبة إحدى العنزتين ، وفيها تهديد بقتلي إن لم ..؟ قلت أكمل إن ماذا ؟ قال لا أستطيع ...أمر مخجل أن أتحدث معك به ..أخذُت الرسالة من يده وبدأت بقراءتها ، تسمرت عيناي على كلمات تهدد بالقتل \" ننذرك خلال ثلاثة أيام ، عليك إن تتدبر حفظ عورة العنزتين وتلبسهما سراويل شرعية ، وإلا سنقتلك .\" ضحكت من هذا الطلب ، وقلت إن في الأمر مزحة من تلاميذ المدرسة ، فهل من المعقول أن يصل الهوس الديني إلى الحيوانات ..؟ فقلت له ماذا أنت فاعل ؟ قال وهل من المعقول أن أفعل هذا ، إن فعلت ، سيقول الناس عني أصابه مس من الجن ، وسأكون موضع سخرية واستهزاء رجال القرية ونسائها ، وحتى الأطفال سيعتقدون بأني قد جننت ..! بعد أربعة أيام تسللوا ليلا لفراشه وقتلوه ، فهل من يصدق هذا ..؟ \" البارحة كنت أتصفح ما تكتبه المواقع الألكترونية من أخبار ومقالات على مواقعها ، وقرأت مقالا طريفا للسيد مهدي قاسم ، بعنوان \" ومضات خاطفة ، العقلية العربية ولحية العنزة \" المقال باختصار ، حوار حول العقلية العربية وإمكانية تطورها ، يدور بين فيلسوف وحكيم ، يتمخض عن رهان بينهما ، فالفيلسوف يراهن على إمكانية التغيير ، منطلقا من قدرة العقل على استيعاب المعلومات المعرفية عن طريق التعليم \" ومنجزات المعارف والعلوم والثقافة والفن ..\" والحكيم قد أصدر حكما بعدم قدرة العقلية العربية على التطور لمواكبة ما يجري في العالم ، منطلقا من مبدأ الواقع والمعايشة ومدى تقبل العقلية العربية ، أو رفضها ، للآخرين والتفاعل معهم \" بحكم خبرته وتجاربه وثقب نظرته العميقة والنفاذة ، قد أبدى شكه الكبير في إمكانية حدوث تلك المعجزة ، معجزة تغيير العقلية العربية الراسخة بثوابتها المتكلسة ..\" في نهاية المطاف تتحقق شكوك الحكيم ، المبنية على التجربة ,ومتابعة الواقع ، الموسوم بتخلف العقلية العربية وعدم مسايرتها للتطور ، ويخسر الفيلسوف الرهان ويقر بهزيمته لانشداد العقلية العربية لماضيها ، المتمثل ب \" بلحية العنزة \" ، وعاطفيتها ـ العقلية العربية ـ المتمثل بالبكاء بحرقة على فراق عنزته ، وعدم قدرة \" تلميذ الفيلسوف \" على تجاوز ماضيه أو نسيانه للفترة التي قضاها مع عنزته ..! سبحان الله ، هل تبقى \" العنزة \" قدر هذه الأمة ، التي يقال عنها ( خير أمة أخرجت للوجود ) ..! فإذا كانت العقلية العربية ، بحد ذاتها ، ميؤوس من تطورها ، رغم كل القدرات المادية والعلمية المتاحة لتطورها ، وإمكانيات العصر المتوفرة لانتقالها إلى مواقع انسانية أفضل ، فكيف الحال إذا ما أضفنا لهذه العقلية ـ العربية ـ ما أسبغه وأشاعه حملة الفكر الإسلاموي ـ التكفيري المضلل ، والعقلية الطائفية التي ترفض العيش والحياة ، إلا بالعودة لما قبل أكثر من 1400عام ، بكل ما في هذه الحقبة من ممارسات شائنة ، على عقلية المجتمعات العربية والإسلامية ، من شعوذة وضلالات وتزوير وبهتان وكذب وتزييف وتدليس ، ليست لأجيالنا ولعصرنا يد في صنعها ، ولسنا قادرين على التخلص منها ، لأن القائمين على هذه العقلية المتخلفة ، بيدهم مقاليد الأمور ، ويصرون على معاكسة منطق الحياة والتطور ، ويجهدون أنفسهم ، بإصرارهم على تغيير حياة الناس وقناعاتهم ، ومحاولة غسل أدمغتهم ، وإقناعهم بالقوة والإكراه ، أن التحرر سبة ، وحرية العقل جريمة لا تغتفر ..! هل من المعقول ، أيها القائمون على الدين ومذاهبه وطوائفه ، أن ُيقتل إنسان لأن عنزته ، تسير مختالة ، كما خلقها الله وأراده لها دون \" سروال \" شرعي ، والبشرية تغذ السير نحو مستقبل دون حدود لتحرره وحريته وديموقراطيته ، ما يريده منا الإسلاميون والتكفيريون وطوائفهم من دعاة \" الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر \" في \" بلاد العرب أوطاني \" أن ننحدر إلى مهاوي التخلف والانحطاط ، أكثر مما نحن عليه وفيه في ظرفنا الراهن ، لتسود عقلية الراعي المتخلف الذي تستفزه جنسيا \" عنزة \" في مجتمعه،خلقهاالله حرة ! ولله في خلقه شؤون ..!
|
||||
© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |