|
المصالحة مع المجهول فرات المحسن في العرف العام فأن مفهوم المصالحة والحوار بين الخصوم تبدو منافعه كثيرة رغم تشعب وتنوع مسالكه وهو في نهاية المطاف مجلبة للاستقرار على المستوى الشخصي والعام لذا فأن جميع الأطراف ذات الأهداف العقلانية البرغماتية تحبذ الذهاب نحو طاولة المفاوضات والتخلي عن لغة السلاح وهذا النهج يمثل الخيار الحضاري لمن يريد الحياة الآمنة المستقرة والرفاهية والتقدم لشعبه. طرح السيد نوري المالكي رئيس الوزراء العراقي مفردة المصالحة الوطنية التي أرفقها ببندين تمثل بمجموعها أهداف وزارته الحاضرة والمستقبلية، وتلك الأهداف بالإضافة لنقطة المصالحة الوطنية تتمثل أولا بتوفير الأمن والقضاء على الإرهاب والظواهر المسلحة وتفكيك المليشيات والنقطة الثانية التسريع في تقديم الخدمات عبر إعادة الأعمار للبنى التحتية وبالذات حل أزمتي الكهرباء والوقود. المطروح أمام السيد المالكي والقوى القريبة منه وبالذات الائتلاف الشيعي والكتلة الكردستانية حزمة من خيارات لأجل محاولة التوصل لتعريف الطرف الذي تتوفر فيه صفات المحاور والقابل للاشتراك في العملية السياسية.وإذا كان هناك اختلاف وخلاف داخل القائمة الوطنية العراقية في التوصيف فأن قائمتي جبهة التوافق وجبهة الحوار الوطني تملكان التصور الكافي عن الجهات التي يمكن لا بل يجب أن تتحاور معها حكومة السيد المالكي أو بالأحرى ودون هرطقات سياسية، قائمتي الائتلاف الشيعي والجبهة الكردستانية كونهما يمثلان اليوم الثقل الأساس في إدارة السلطة. لقد وضحت الصورة وبشكل جلي بعد الانتخابات الأخيرة للبرلمان العراقي ومشاركة أبناء المناطق الغربية العراقية فيها والتي ساعدت على جلب أطراف كانت تعارض العملية السياسية.وقد قبل هؤلاء المشاركة ولكنهم بقوا ماسكين بخيوط متشابكة تمتد عميقا مع حاملي السلاح من معارضي العملية السياسية. واعتبرت مشاركتهم نصرا للأطراف القيادية في السلطة وللإدارة الأمريكية أيضا ولكن مع تشعب الأهداف وتماهي تلك الأطراف مع بعضها فأن عقبات كأداء تقع في طريق من يريد توصيف أطراف النزاع ومكامن الاختلاف والخصومة بدقة. لازالت بعض الأطراف وبالرغم من مشاركتها في العملية السياسية، تؤمن بشكل جازم بأن المقاومة المسلحة ضرورة لابد منها وأن من يريد أنجاح العملية السياسية عليه أن يفسح المجال لتلك القوى لتأخذ طريقها في تقويم العملية السياسية عبر إحراج المحتل ووضعه في طريق مسدود لا مفر معه من تسريع خروجه وتسليم البلد لها أو لمن تفصح عنه تراجيديا الأحداث بعد خروجه.وتتمثل تلك القوى بمجاميع من بقايا الجيش العراقي وكذلك بعض البعثيين المعترضين على ما أفرزته سياسات صدام حسين. وأغلب هؤلاء تمتد روابطهم وتتداخل مع جبهة التوافق المؤلفة من ( الحزب الإسلامي، مؤتمر أهل العراق، مجلس الحوار الوطني) وأيضا مع جبهة الحوار الوطني بزعامة صالح المطلك. ونستطيع القول ان هاتين الجبهتين تمثلان الجناح السياسي لتلك القوى المختبئة والضاغطة بقوة التهديد اليومي بالسلاح. تستطيع حكومة السيد المالكي أيجاد منفذ للوصول الى خطة حوار مع هؤلاء عبر شركائه في السلطة من جبهتي التوافق والحوار الوطني ولكن ما سوف يواجه المفاوضات من صعوبات يتمثل بمقدار ما يقدمه المالكي من تنازلات لمحاوريه والتي تتمثل في أهم نقطتين تصر عليهما تلك القوى، الأولى إلغاء قانون أجتثاث البعث وما ترتب عليه من وقائع والثانية عودة الجيش السابق. وفي هذه المحاولة أو التفاوض سوف يلاقي السيد المالكي التشجيع والمؤازرة من التحالف الكردستاني والقائمة العراقية ولكنه سوف يواجه صعوبات جمة من بعض الجهات داخل ائتلافه وكذلك من قبل أطراف إقليمية.وبالمقابل يفترض أن يقدم هؤلاء تنازلات لإنجاح المفاوضات وربما من أولى تلك التنازلات، أنهم سوف يسقطون من مطالبهم شرط جدولة انسحاب المحتل ويقبلوا بوضع آلية مناسبة لعودة ضباط أو وحدات من الجيش السابق للعمل وهناك قرائن ودلائل تشير لمثل هذا الاحتمال لا بل تؤكده. المشكلة الحقيقية تتمثل بأن هؤلاء لا يشكلون وزنا يعتد به في قوائم من يحمل السلاح ويمارس القتل والقتال في العراق.لذا فأن على السيد المالكي وحلفائه البحث عن مجاميع أخرى يمكن استدراجها الى العملية السياسية من خلال الحوار. وفي هذه الحالة فأن جهود السيد المالكي وملامح مبادرة صلحه سوف تضيع في دهاليز البحث المضني عن أطراف ترغب بالحوار، والسبب في ذلك هو أن لا وجود لطرف يريد التفاوض والمصالحة وكل ما يعلن عن وجود مثل تلك الأطراف يقع في باب التخمينات والتقولات وصناعة الشخصيات وفي الجانب الأخر من الالتباس،فأنه لم يظهر الى العلن ولحد الآن ذلك الطرف السياسي ليقدم برنامجا وطنيا ورؤية سياسية لما وقع من أحداث قبل سقوط البعث الفاشي أو بعد وقوع الاحتلال. يمثل الكثير من حاملي السلاح الذين يقعون في خانة التوصيف بين إرهابيين أو مقاتلين عدة أنواع تتنافس بمقدار الإيذاء أو القسوة التي يوجهونها لمخالفيهم بالرأي، ويمكن اختزال توصيفهم دون تجني لنحو أربع جبهات الأولى هي جبهة العصابات والحواسم وهم اللصوص والقتلة المحترفون والعصابات على مختلف تنوعاتها ومشاربها والجبهة الثانية هم المليشيات الحزبية بمختلف مسمياتها والتي تنفذ سياسات حزبية ولا تتورع عن تصفية الخصوم ومخالفي الرأي بأقذر الوسائل وأخسها.أما الجبهتان الباقيتان فهما صاحبتا الفعل اليومي المؤثر على مجمل الوضع وهما العمود الفقري لجبهة الإرهاب في العراق ويعزوا لهما جميع التفجيرات وعمليات القتل التي يتعرض لها المدنيين وكذلك الشرطة والجيش العراقيين وأحيانا قوات الاحتلال. تمثل بقايا حزب البعث وتفرعاته وكذلك القوى المرتبطة به من مثل بقايا الجيش الجمهوري وسرايا القدس وتنظيمات الحرس الخاص وفدائي صدام والمخابرات والاستخبارات وأجهزة الأمن السابقة، يمثلون مجتمعين القوى الأساسية التي تخوض القتال ضد السلطة ومجمل العملية السياسية.وتعتمد تلك القوى على إستراتيجية أعد لها منذ زمن ما قبل سقوط سلطتهم وتنفذ اليوم بحرفية عالية وتعتمد نهج سياسة الأرض المحروقة، حيث لا تدع مجالا لا لقوى الاحتلال وكذلك الحكومة ومؤسسات الدولة لنيل قسط من الراحة والوصول الى حالة تتمكن معها من بسط نفوذها وتقديم ما يمكن تقديمه من خدمات الى الشعب لتتمكن من التقرب أليه وكسب رضاه.وتلك المجاميع تمد أذرعها داخل مؤسسات السلطة وصولا الى مواقع الجيش والشرطة وهي تعمل بتنسيق عال ودقيق لتهشيم ما تقوم به الحكومة ليس في المجال السياسي فقط وإنما تركز عملها التخريبي في مجالات الخدمات والبنى التحتية وقتل الخصوم والعاملين في مجال الخدمات العامة وكل من له علاقة بالحكومة أو قوات الاحتلال حتى وأن كانوا من رفاقهم السابقين.وأيضا فأنهم يقدمون الإسناد والتشجيع لعصابات الجريمة لتعميم الفوضى في جميع مناح الحياة. هذه القوة الضارية والمتوحشة ترفض رفضا قاطعا أي نوع من أنواع الحوار مع أي طرف سياسي مشارك في العملية السياسية وتستند على اعتقاد جازم بأنها القوة الوحيدة القادرة على إدارة دفة الحكم في العراق وأن المحتل وحلفائه قد انتزعوا منها السلطة عنوة وغدرا ولن ترضى بغير عودة الأوضاع الى ما قبل 9 نيسان 2003 أي قبل يوم من سقوطها وهزيمتها.ولذا فأن تلك القوة لن تقبل التفاوض مع السيد المالكي إلا في حالة واحدة وهي موافقته الطوعية على تسليمها مفاتيح الحكم وخلعه وأصحابه وحلفائه عن وطن أسمه العراق. أما القوة الأخرى فهي الأكثر شراسة ووحشية وتتمثل بالمسلمين من أتباع أهل السنة وفروعهم مثل الحنابلة الوهابية والخوارج وأتباع أبن تيمية وأبن حجر العسقلاني وغيرهم.وهؤلاء يكفرون جميع مخالفيهم بالرأي ويبنون قاعدتهم الجهادية على تصفية الخصوم وإباحة دمائهم وأموالهم وأعراضهم وفي منهجهم هذا يسعون لبناء دولة الأمارة الإسلامية وإعادة هيكلة الحياة بما يشبه ما كان يعيش عليه السلف في عهد النبي محمد والصحابة والخلافة الإسلامية, ويؤكد أصحاب هذا الفكر بأن أشد أعدائهم يتمثل بالصليبيين واليهود والروافض والمقصود بذلك قوات الاحتلال والمواطنين من الديانات غير الإسلامية وكذلك أصحاب المذهب الشيعي الذي يطلقون عليهم تسمية الروافض. ويبيح فكر هؤلاء السلفيون سفك دماء مخالفيهم ويعتبر قتلهم أكثر المسائل شرعا ويعد تقربا الى الله ونوع من أنواع الجهاد الأكبر. ويستغل السلفيون قربهم المذهبي وقرابتهم من عشائر المناطق الغربية في العراق والتي توفر لهم الحماية والمكامن والإسناد المعنوي واللوجستي وتعد تلك المناطق وعشائرها مصدر تموين ورافد فعال للقوى السلفية من خلال رفد حركتهم بالأشخاص والعتاد.ويعمل البعثيون أيضا على تنسيق مواقفهم مع هؤلاء ويقومون بتسهيل مهماتهم وتزويدهم بالمعلومات والمعدات ويعتبر أكثر هؤلاء السلفيين من الذين خرجو أساسا من صلب تنظيمات حزب البعث ولا زال لبعضهم ارتباطات به بشكل أو أخر وبحكم اختلاط المفاهيم العشائرية بالحزبية بالمذهبية. يرفض هؤلاء الإسلاميون وبالأخص منهم مجلس شورى المجاهدين المتكون من ستة مجاميع ترتبط بتنظيم القاعدة، أي نوع من أنواع الحوار لا مع الحكومة ولامع قوى الاحتلال ولا يرتضون بغير تحقيق النصر والسيطرة على السلطة بعد طرد المحتل وتصفية المسلمين من أصحاب المذهب الشيعي ومن ثم بناء الأمارة الإسلامية النقية. بعد هذا الاستعراض الموجز للقوى العاملة على الأرض والتي يحلو للبعض تسميتها بالمقاومة ويصر البعض من أمثالي على تسميتها بالإرهاب مهما تعددت الدوافع، أجد أن مبادرة السيد نوري المالكي لن تجد طريقها الى النور ولن تحصل على الفرصة المناسبة للتنفيذ ما تصبو له على أرض الواقع إذا لم تبنى المبادرة على قدر من القراءة الدقيقة لواقع الأحداث ووزن القوى المؤثرة داخليا وتحاول في البداية القيام بسلسلة من الإجراءات الحاسمة تبدأ أولا بعزل الإرهاب عن حواضنه المتمثلة بعشائر وأهالي المنطقة الغربية وكذلك تضييق الخناق عسكريا على مصادر التموين والتجنيد، يرافق ذلك معالجات جادة لتنقية أجهزة الجيش والشرطة من أزلام البعث واللصوص والقتلة وأبعاد تلك الأجهزة عن المحاصصات الطائفية ومن ثم تقديم الخدمات السريعة في مجال الكهرباء والوقود ولتبدأ بمشاريع كبرى ومختلفة تمتص البطالة وتستفاد من الخبرات، وأن تعمل الحكومة وعبر مبادرة واقعية على الوقوف بجدية وتحد حقيقيين في مواجهة الفساد الإداري وسرقة المال العام.أن تلك المهام هي الضمانة الكفيلة لإنجاح العملية السياسية أما التمنيات بنجاح خطط للمصالحة أو للقضاء على الإرهاب فتبدوا مستحيلة وسط متاهة الخراب العام في أسس بناء الدولة العراقية الجديدة وما يصدر عن مؤسساتها الحكومية ومليشيات ومنتسبي أحزابها المشاركة في الحكم وما يعانيه المواطن العراقي من أفعالها التخريبية القسرية والتي توازي في أكثر الأحيان أو هي أشد وقع وإيذاء من الإرهاب البعثي والإسلامي السلفي.
|
||||
© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |