|
ثلاثية الانتقام .. التأميم والسمُ الأسود والسحت الحرام (2) كفاح محمود كريم لقد أدرك البعثيون بعد تصفيتهم لمعظم القوى المضادة بعيد انقلابهم في تموز 1968 بأقل من سنتين، وعجزهم الكامل عن تصفية الثورة الكوردية في كوردستان العراق، أنهم قد سرقوا دولة خاوية لا تكاد تفي بمعاشات موظفيها وعسكر جيشها المنتشر في أنحاء كوردستان، والبدء بتنفيذ برنامجهم القومي الكبير من المحيط إلى الخليج وذلك بتوحيد الأمة تحت راية حزب البعث ومن ثم تحرير فلسطين والاسكندرونة والأندلس وعربستان ناهيك عن تعريب كوردستان. وإن ذلك يستدعي الهيمنة على الثروة النفطية بكامل مراحلها وتمزيق العلاقة التوأمية بين الشيوعيين العراقيين والسوفييت ومن ثم مصادرة كوردستان وشعبها، وبدأت اللعبة الميكافيلية القذرة التي انتهجها النظام السابق وعقده السيكولوجية منذ تموز 1958 مع كل القوى العراقية الوطنية التي كانت سائدة في الشارع العراقي ومكوناته، ولم ينسى هذا النظام عقده ومركبات نقصه إزاء الآلاف المؤلفة من جموع المقهورين والجياع والمستلبين والمهمشين وملايينهم في كل أنحاء العراق الذين خرجوا من دهاليز الملكية المستوردة إلى المالك الأصلي الآتي على صهوة (زعيمنا الأوحد) في صبيحة الرابع عشر من تموز 1958 أو نصف بغداد الذي خرج لاستقبال القائد الكوردي الكبير مصطفى البارزاني بعد عودته من منفاه في الاتحاد السوفييتي. لقد أدرك الرفاق من فرسان الخيمة والصحراء وجوب تطهير العراق من هذه الملايين من أعداء الحزب والأمة، وأكثر ما أغاضهم وفجر مكامن عقدهم وضعفهم أولئك السكان الكورد من الفيليين وغيرهم من العراقيين ( أب عن جد ) الذين ملؤا بغداد زهوا وحبا، تاريخا وأصالة، عشقا وتعلقا، عنوانا وملامح. وكما ذكرنا كان لابد لكل هذه المعارك القومية من أموال وعسس وسلوك لا مثيل له لا في أقصى اليمين ولا في أقصى اليسار، وسرعان ما جمعوا حولهم أقرانهم من الشوفينيين ومرضى الهوس القومي والثقافة القروية وبقايا حرسهم القومي وبدأوا برنامجهم في بناء دولة البعث. وبدأت مهرجانات الدماء وكرنفالات الإعدامات في الساحات العامة منذ الشهور الأولى( للثورة البيضاء) لتحصد المئات وربما الآلاف من الذين لم نسمع أنينهم أو عويلهم فاختفوا في أعظم مدرسة من مدارس الإرهاب في العالم ( قصر النهاية )، وكانت تلك أولى عمليات تطهير العراق من سكانه وإسقاطا لتلك المركبات الرهيبة من الحقد والكراهية، وما أن انتهت تلك الحمامات الدموية حتى التفت الرفاق إلى كوردستان فأمطروها بقنابل النابالم وعبوات البنزين ليحرقوا الأخضر واليابس وتدور معارك وحروب دون ما أن يحقق الرفاق ما كانوا يحلمون به من ابتلاع العراق والانطلاق صوب الأشقاء. لقد أجبرتهم قمم هندرين وكاره وهورمان وبارزان وسفين ورجال الشمس من بيشمه ركة كوردستان والعراق إلى التقهقر إلى الحل السلمي والاقتناع بأن برنامجهم لن يتحقق في ربى كوردستان وجبالها، وان ما لديهم من موارد لاتتلائم مع مشاريعهم في تأسيس إمبراطورية الرئيس والحزب القائد فبدأوا تكتيكا من نوع آخر لاحتواء الثورة الكوردية والتغلغل من خلالها إلى مبتغاهم إلى الرأي العام وتغطية حملاتهم في التطهير العرقي التي تعرض لها مئات الآلاف من الكورد الفيليين وغيرهم من العراقيين من الأصول غير العربية وحمامات الدم التي أقاموها للقوى الوطنية العراقية في بغداد وبقية المحافظات. ولم تكن اتفاقية آذار عام 1970 بين قيادة الثورة الكوردية والحكومة العراقية إلا تكتيكا استخدمته قيادة حزب البعث متمثلة بالرئيس السابق صدام حسين تمهيدا للعبور إلى المرحلة الثانية من برنامجهم السياسي والاقتصادي والمتمثل في تحسين سمعتهم عالميا والتحالف مع السوفييت وإغرائهم بالتقرب من المياه الدافئة في الخليج وإحداث تغييرات اجتماعية واقتصادية سطحية وإيمائية تصرف النظر عن إمكانية إعطاء أي دور للشيوعيين العراقيين وبرامجهم في نفس المضمار، بل والعمل من تحت خيمة التحالف مع السوفييت على سحق الحزب الشيوعي العراقي وبقية الأحزاب الوطنية وفي مقدمتها الحزب الديمقراطي الكوردستاني من خلال مسخ وتفريغ مشروع الحكم الذاتي بما يؤدي إلى إنهاء الوجود الوطني الكوردي. وهكذا أعطت اتفاقية آذار متنفسا للنظام ينطلق من خلاله إلى موضوعة السيطرة على الثروة النفطية مع وجود حليف مهم هو الاتحاد السوفييتي ومجاله الحيوي في أوروبا الشرقية بما يشكل عمقا استراتيجيا لمرحلة الانقضاض على الثروة النفطية ومن ثم الالتفاف على القوى الوطنية العراقية وسحقها ابتداءً بالحزب الديمقراطي الكوردستاني الذي تعرض بعد أشهر قليلة من اتفاقية آذار عام 1970 إلى مؤامرة اغتيال رئيسه الزعيم الكوردي مصطفى البارزاني وشروع النظام بسياسة سلخ وتشتيت وتعريب إقليم كوردستان وعملية تمزيق التحالف الاستراتيجي بين الشيوعيين العراقيون والثورة الكوردية بالتحالف الذي أجرته قيادة البعث آنذاك تكتيكيا ومن ثم الاستفراد بالقوى الفاعلة في الساحة السياسية العراقية تاريخيا وسحقها تماما كما حصل لاحقا للشيوعيين ولحزب الدعوة وبقية القوى الوطنية. على هذه الخلفية التأمرية والدكتاتورية أعلنت حكومة حزب البعث السيطرة على الثروة النفطية في حزيران 1972 لتوهم الشعب والرأي العام بقرارها الوطني، خصوصا ما كان يعاني منه العراقيون من فقر وبؤس وتخلف مريب في البنى التحتية والحضارية لدولة مهمة في الإنتاج النفطي. وللبحث صلة ...
|
||||
© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |