|
ثورة العشرين .. وواقعنا الراهن..!
هادي فريد التكريتي / عضو اتحاد الكتاب العراقيين في السويد احتلال العراق من قبل القوات البريطانية، أثناء الحرب العالمية الأولى، كان نتيجة لاندحار القوات التركية وتراجعها أمام القوات البريطانية، وطيلة فترة الحرب وتواجد قوات الاحتلال البريطانية على الأرض العراقية، كانت الحكومة البريطانية تنشر وعودها، على مختلف المستويات الوطنية والدولية، بتصميمها على تشكيل حكم وطني للعراق، ومنحه استقلالا سياسيا. بعد انتهاء الحرب، نكثت كل دول الحلفاء، ومن ضمنها بريطانيا، بعهودها التي قطعتها لشعوب المنطقة العربية، فكانت ثورة العشرين هي الرد الحاسم على قوات الاحتلال البريطاني.. إن الميزة التي تميزت بها ثورة العشرين، كون قادتها رجال دين وشيوخ عشائر، لم يعلنوا عن هوية لهم، غير الهوية الوطنية العراقية، وساهم في إدارة الصراع، قبل الثورة وبعدها، شخصيات عراقية وطنية، مساحة حركتها مثلت العراق كله، بكل أطيافه وتقسيماته، القومية والدينية والمذهبية، وعندما فشلت الثورة، كان جزاء الثوار والداعمين لها السجن والنفي والإبعاد، دون تفريق أو تمييز بين شخصية وطنية وأخرى دينية، على أساس قومي ـ عنصري، أو ديني طائفي، فالكل عراقيون ووطنيون، ساهموا من اجل حرية واستقلال الوطن. فشل ثورة العشرين وعدم تحقيق أهدافها الوطنية التي قامت من أجلها، لم يكن سببه عدم كفاءة الثوار وقيادتهم، مقارنة بعدد ومقدرة، ما كان عليه جيش الاحتلال الإنكليزي، من تسليح وتجهيز، فرغم أهمية هذا الواقع على أرض المعركة، إلا أن الثوار كانت لهم انتصاراتهم على جيش الاحتلال، في مواقع كثيرة ومتعددة، تشهد عليها الرارنجية وأرض الدليم، التي جسدتها أهازيج الثوار، من بعضها \" الطوب أحسن لو مكياري \" و \" جلينا من ذبح الصوجر \" كما فشلها لم يكن نتيجة خطابها السياسي، فعلى العكس من هذا تميز خطاب الثورة والثوار الموجه للعراقيين بالوطنية، دون أدلجة فكرية وسياسية، ولم يكن معبرا عن توجهات قومية ـ عنصرية أو دينية ـ طائفية، وهذا ما حقق للثورة إجماعا وطنيا تفتقر إليه الكثير من ثورات القرن الماضي، الخلل ونقطة الضعف التي أدت إلى الفشل، هو عدم قدرة الثوار على صياغة برنامج وطني ـ سياسي يؤسس لتشكيل دولة حديثة، يكون بديلا عما تريده وتفكر به إدارة الاحتلال. التاريخ يسطر ما جرى في الماضي، ويترك الدراسة والتحليل لعبره ونتائجه للأجيال اللاحقة، وما يحصل لنا في عراق ثورة العشرين، من مآس رهيبة، وجرائم فضيعة، وويلات خربت البلد ودمرت الشعب، بعد أكثر من ثمانين عاما من تلك الثورة الواعية والحكيمة، رغم فشلها، قادت الشعب إلى وحدة حقيقة، أذهلت إدارة الإحتلال وقيادته، فتجاهل التاريخ، وجهل قراءته، قراءة واعية، أو عدم قراءته أصلا، يفسر الفشل الذي أحاق بالقوى السياسية العراقية المتصدرة لحكم العراق ومعالجة التردي الحاصل، فما غاب عن ثورة العشرين وقيادتها الوطنية آنذاك، تغيبه قسرا دولة المحاصصات الطائفية والعنصرية، إلا وهو المشروع الوطني البديل لحكم النظام الفاشي، وبديله المنفذ حاليا، هو مشروع طائفي متخلف يحقق للمحتل كامل أهدافه التي توخاها من احتلاله العراق، وحقق للعراق وللعراقيين، فتنة طائفية سوداء، عجزت عن تحقيقه قوات الإحتلال البريطانية، أثناء احتلالها للعراق، وحتى بعد فشل ثورة العشرين. وليس مصادفة أن تناط مهمة بدء احتلال العراق وحماية جنوبه بالقوات البريطانية، فهي لتذكير العراقيين، بأن أسباب فشل الاحتلال البريطاني للعراق، ما عادت هي الأسباب نفسها التي تؤرقهم، فالطائفية التي عجزت قوات الاحتلال البريطاني عن إشعال أوارها آنذاك، تؤججها اليوم وتغذيها، وتنفذها، قوى قومية ودينية عراقية، ومشاريع المصالحة الوطنية يجري تفريغها من محتواها الوطني، وهدفها الإنساني، فبين العراقيين تاريخيا ـ وثورة العشرين شاهد على هذا ـ لم يكن هناك تناحر طائفي، بل على العكس، سلم ووئام ومحبة، وإلا ما كانت هناك علاقات حب وزواج عادية، وصداقات وشيجة، وعلاقات إنسانية أخرى كثيرة ومختلفة، تحققت بين شيعة وسنة، ولما كان هناك من سكن وتنقل مواطنين للعمل، جري آنذاك، وفي كل العهود من الحكم الوطني، بكل حرية في كل المناطق المختلفة من العراق دون تمييز، يجري ترحيلهم اليوم إلى مناطق اغتراب إنسانية، وفق مخططات طائفية مصحوبة بفتاوى لقيادات غبية وجاهلة.العراق وشعبه لا يحتاج لمصالحة بين مواطنيه، المجبولين، بداهة، على المحبة وعمل الخير، ما يحتاج المصالحة ويفتقر إلى صحوة الضمير، هم قادة الحكم الطائفي بشقية، السني والشيعي، المتعطشة للسلطة وللجاه وللإثراء السريع، وهي نفسها تقود هذه المليشيات المتناحرة باسم القومية ـ العنصرية والدينية ـ الطائفية، المتسببة في الحالة البائسة والمتردية التي يشهدها العراق، والضحايا هم أبناء الشعب العراقي الذين يقع عليهم القتل والدمار. السيد المالكي، رئيس الوزراء، يفرغ مبادرته من أي إطار لتحقيق نجاح ما : ـ أولا، بسبب معارضة أغلب عناصر كتلته البرلمانية على هذه المبادرة، أسوة بما هو عليه الحال من مؤتمر الوفاق، الذي عقد في القاهرة، وثانيا : لم تطرح هذه المبادرة على مؤتمر عراقي، يضم مختلف القيادات السياسية والكتل العراقية الوطنية والقومية والدينية، بمختلف طوائفها، والقوى المستقلة الأخرى، المساهمة في السلطة أو من خارجها، لمناقشتها وللإستماع إلى ردود أفعال الحضور والمشاركين، إنما أوكل الأمر وفق ما أعلنه المكتب الإعلامي لرئيس الوزراء : ( \" للهيئة الوطنية العليا \" لإدارة مشروع المصالحة والحوار الوطني وللقوى السياسية أن تقدم وجهات النظر والآراء والمقترحات للمساهمة في إنجازها ) دون أن يعلمنا عن قوام هذه الهيئة وتشكيلتها، سوى اسم السيد أكرم الحكيم، الذي هو لا يخرج عن طور ومقاسات الطائفية، ورؤيتها للمصالحة وفق منظور يتماشى مع الكتلة التي جاءت بالسيد المالكي إلى رئاسة الحكومة، والسيد أكرم الحكيم إلى الوزارة، ورئيسا لهذه الهيئة. وثالثا : التعتيم على القوى التي ترغب بالمصالحة ومكوناتها، وهذا ما يلحق ضررا كبيرا بمصداقية المبادرة، ويجعلها حوارا بين شياطين وأشباح لتهديد الشعب العراقي وإلحاق الرعب في قلبه، من أجل تنفيذ مخططات طائفية لاحقة. كشف الحوار ورفع اللثام والأقنعة عن المتحاورين ومطاليبهم والأهداف التي يرمون إليها هو السبيل إلى مصالحة حقيقة وليس العكس.. رابعا، ما يجب ان تبدأ به \" المصالحة \" وقبل كل شيء، هو إنهاء أي دور وأي قدرة لنشاط المليشيات الطائفية، من أية جهة كانت. فالسيد المالكي، وضع يده على الجرح الحقيقي الذي يعاني منه الشعب العراقي، وشخص بوضوح وشجاعة، الدور الذي تمارسه المليشيات في عدم استقرار الأوضاع الأمنية في العراق، فهو خير من يخبرنا، لأنه من أهلها، عندما قال \" لا نتصور استقرارا أمنيا مع وجود المليشيات..\" فعلينا أن نصدقه، وهي فعلا العقدة الحقيقة لاستقرار الوضع الأمني والمعاشي للشعب العراقي، وبدون هذا يبقى الحديث يدور في حلقة مفرغة، عن كل المشاكل التي تحيط بالعراق وأهله، والتي تجاوزتها ثورة العشرين بدهاء وفطنة، ونفاذ بصيرة، وعمق وطنية قادتها الأبرار، رضوان الله والخلق عليهم..
|
||||
© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |