لك الله يا بغداد من خيانة الأمانة!

حمزة الجواهري

hjawahri@yahoo.com

لك الله يا بغداد يا مطلع القصيدة الملحمية للحضارة في التاريخ الانساني، ولازمة القصيدة! لك الله يا أول سطر في مسلة حمورابي! لك الله يا أخت الفراتين! لك الله يا أول من أختاروك على أسس علمية، في سابقة لم تعرفها البشرية قبل بغداد، حيث كان الاختيار لأنك المكان الذي لم يتعفن به لحم الطير، بل جف دون أن يترك رائحة، لأنك الأنظف والأنقى بين الأماكن! لك الله يا أول وآخر المدن، وأول وآخر الزمان من خيانة الأمانة والأمين.

 

مباريات من نوع جديد:

في مباريات غريبة دخلت أمانة العاصمة المباريات مع الإرهاب، أيهما اكثر إيلاما إلى بغداد، جيفة المانة أم وجع الإرهاب، حيث اختلطت سحب دخان المفخخات مع سحب دخان من نوع ثاني، فقد أنشأت الأمانة، بل الخيانة للعاصمة العريقة، محرقة للأزبال وسط الحياة وبين الناس مقابل نصب الشهيد وساحة الاحتفالات لتطلق روائحها الكريهة نحو أحد أجمل أحياء العاصمة الشهيدة، حي زيونة، ويحيط بالمحرقة أحياء أخرى ومواقع لا تقل أهمية عن الموقع، فالمحرقة تقع على ضفة  القناة بالقرب منها موقع الأمم المتحدة الذي قضى به صديق الشعب العراقي السيد دوميلو وفريقه بتفجير إنتحاري، حيث أني كنت أتوقع أن تقيم الدولة نصبا تذكاريا لهذا الشهيد الذي ضحى بحياته من أجل العراق بالرغم من أنه كان برتغاليا، وإذا بالأمانة تختار موقعها لتجميع الزبالة والمحرقة هناك، بالقرب منها مقر هيئة الهلال الأحمر العراقية ومستشفى ابن القف التخصصي وحي البلديات وليس بعيدا عنها وزارات النفط والري والشباب ومدينة الألعاب ويصل تأثيرها ألى ملعب الشعب وما يحيط به من أحياء سكنية!!!!! أما الحي الأكثر تضررا هو حي زيونة السكني، هذا فضلا عن أحياء اخرى فقيرة تحيط بها من الجانب الآخر.

 

شر البلية ما يضحك!

العديد من مبدعي العراق المهاجرين، طبعا جميعهم مفلسين كالعادة، قد اشتروا قطعا سكنية في حي تسعة نيسان، بعد أن زادوا اثنين للسبعة قسرا وجعلوها تسعة، ذلك الحي الجديد الذي اكتسب اسمه من مخازن السمنت التي كان تدعى مخازن سبعة نيسان، لتأويهم بعد هجرة طال أمدها عن الوطن الحبيب، كانوا قد اشتروا قطعهم السكنية في هذا الحي الجديد لأنهم لم يستطيعوا توفير تلك المبالغ الخيالية لشراء أو تأمين سكن آدمي لهم في العراق الذي لا يعرفون سواه وطنا مهما طالت سنوات الهجرة والاقصاء، عادوا فرحين لأنهم سوف يبنون لهم سكنا بعد أن ترصف الطرق في الحي ويجهز ببعض الخدمات حتى لو كانت ناقصة، فإنهم كانوا على استعداد للسكن هناك، لكن الأمانة خانتهم خيانة عظمى، فجمعت القمامة على الطريق الواسع، ذو المسارين المنفصلين أمام جنتهم الموعودة، حيث كان هو الطريق الوحيد المرصوف في المنطقة، وجمعت قمامة العاصمة الهائلة بحجمها فوق ذلك الطريق، وخربت، عن عمد، الأجزاء الأخرى منه تماما، لتنهي آخر أمل للحي هناك، حيث أنه كان أفضل الطرق في تلك المنطقة لتجاوز الاختناقات المرورية التي تحدث أحيانا على جانبي القناة، ولم تكتفي الأمانة، بل الخيانة، بذلك بل اختارت أجمل قطعة من ضفاف القناة مقابل نصب الشهيد لتقيم محرقتها!!

 

مقاييس هندسية جديدة:

صحيح أنا لست مهندس في التخطيط الحضري للمدن ولكن لي بعض الحس الإنساني والمعرفة بأوليات البيئة والسلامة العامة وأنظمة إدارة شؤون البيئة والسلامة العامة كانت قد تطورت من خلال تجوالي في دول المهجر على مدى ثلاثة عقود، هذا فضلا عن تعاملي اليومي مع ملفات السلامة والبيئة في عملي، فأنا لم أقرأ ولم أسمع ولم أرى محطة مركزية لتجميع القمامة تقع داخل مدينة! أما مسألة حرق القمامة بذات المكان فهو أمر ترفضه جميع الأعراف الهندسية والعلمية وخارج حدود الذوق والحس الإنساني. أضف إلى ذلك فهو شأن عام ومحاربته لا تقل أهمية عن محاربة الإرهاب أو الفساد المالي والإداري، والجهل بضوابط البيئة وقوانين حمايتها بالنسبة لمن يعمل في هذا المجال لا يمكن تبريره بأي حال، حيث مجرد التغاضي عنه يعتبر جريمة، فما بالك بمن يقترف الجريمة؟

وهنا نسأل، من الذي قرر أن تكون هناك هذه المحطة الغريبة العجيبة؟ ومن الذي قرر حرق القمامة بذات المان؟ ومن الذي صرح بكل هذه المخالفات للذوق العام وللعلم؟ ألم يشاهد المسؤولين هذه الكارثة البيئية في وسط العاصمة؟ ألم يشاهد هذا المنظر مسؤول واحد ذو حس أبعد من المحاصصة الطائفية ويقول كلمة؟! ألا يخشى الله من يقرر أن يكون هذا المكان محرقة للقمامة وهو يضر بصحة البشر!؟ وبقي سؤال أخير أجده الأهم من كل تلك الأسئلة، وهو أن كيف عرفت أمانة العاصمة أن مبدعي العراق المشردين سيعودون ليسكنوا في هذا المكان بالذات لتغتال الأمانة آخر أمل لهم بالعودة ولقاء الحبيب؟! سؤال محير حقا! فمن الذي وشى للأمانة، بل الخيانة، بهذا السر من أن بعضا من مبدعي العراق العائدين من المهجر ينوون السكن في هذا الحي لأنه الحي الوحيد الذي يؤمن لهم قطعة أرض بسعر معقول يستدينوا الجزء الأكبر منه لكي يبنوا عليها أعشاشهم؟! ليتني أعرف هذا الواشي القذر.

 

بحثا عن السبب:

وأنا أبحث عن سبب بين تلافيف دماغي التي تهرأت طرقاتها من كثرة النبش والتفكير بعجائب بغداد الأزل وعن أساب مقنعة لهذه الكارثة البيئية بكل المقاييس الهندسية التي لا يعرفها أصحاب المحاصصة، تذكرت أن هناك مشروعا طبيا عالي التخصص وعملاق بكل المقاييس سوف يقام في بغداد بالقرب من هذا المكان، حيث تقرر أن تكون مدينة الطب الجديدة والمستشفى الجامعي الطبي العملاق والمختبرات المرضية عالية التخصص وسكن للأطباء والمنتسبين بالقرب من هذا المكان، أقصد المحرقة ومركز تجميع القمامة، وقد تم تخصيص الأموال الازمة لهذا المشروع الخدمي الرائع، كما وسمعت أن مخططات المشروع الأولية جاهزة والكثير من الأعمال الهندسية التفصيلية قد انتهت. ربما يكون هو السر وراء هذه المجزرة البيئية بإقامة نصب للقبح والتلوث والجراثيم والقذارة لتتعايش مع المرضى والأطباء والمستشفى الجامعي الذي سيكون الأقرب من هذه المحرقة على حد علمي المتواضع! هل المسألة مقصودة ودوافعها صراعا محاصصاتيا سياسيا؟

ألا يكون السر في ذلك وكما أراه هو نصب الشهيد القريب جدا من المكان؟ إذ ليس غريبا على من يفجر نصب أبو جعفر المنصور أن يقيم موقع لتجميع قمامة العاصمة ومحرقة لها عند نصب الشهيد، لأنه نصب، والنصب في الدين حرام، وربما السبب هو أن الجمال يعتبر مثيرا للغرائز، أو انهم يعتبروه عورة، وربما لا هذا ولا ذاك، بل هو مجرد جهل أعاذنا الله من شدته وقوة اسحكاماته على عقول بعض العاملين في الأمانة، بل الخيانة، للعاصمة الحبيبة بغداد.

 

يا أم عوف عجيبات بلاوينا:

الآن فقط، وبعد عمر طويل، أدركت أن الجواهري كان يقصد البلاوي تحديدا بتلك الليالي التي كان يحدث أم عوف عنها، لذا أنا لا ألوم أحدا في حكومات المحاصصة، لإننا اليوم نرى مسؤولين، عجيبات حكاياتها، حيث تسمع عن وزير محاصصاتي، لا يعرف عن البناء سوى بناء زريبة للحيوانات الداجنة، لكنه يدير وزارة فنية للبناء وذات أكبر تخصيصات مالية لبناء مشاريع هندسية عملاقة تهتم بالبيئة والسلامة العامة، وفي الوقت الذي لا يعرف به السيد الوزير ما الفرق بين شبكة المجاري وشبكة تجهيز المياه! لذا ليس غريبا أن تضع أمانة العاصمة محرقة وسط العاصمة بدلا من استثمار المساحات الواسعة على ضفتي القناة لتقيم عليها أجمل الحدائق العامة والمتنزهات، لأن الأرض والماء والعاطلين العمل جميعهم متواجدون بنفس المكان! لمن المشتكى يا رب؟

 

سبعة زائد سبعة:

حين كنت أتحدث عن هذه المحرقة بوصف ميلودرامي، كان محدثي يضحك هو الآخر، ويردد عبارة "سبعة زائد سبعة"، طبعا غير عجائب الدنيا السبعة، وغير سبعة نيسان التي مر ذكرها، هم سبعة وزراء من وزراء المحاصصة فاقدين للأهلية، حيث ثلاثة منهم لا يملكون المؤهل المطلوب لوظيفة الوزير، وثلاثة قد تأخر اجتثاثهم بعد أن اندسوا بين "اللطامة" فصاروا وزراء، أما السابع فإنه يخاف لو استلم وزارة!!!! وسبعة آخرون يحملون حقائب وزراية لا يعرفون محتواها، فإذا كان رب البيت على الدف........ فلم كل هذا العجب؟! صحيح لم يفعلها حتى سيء الذكر طلفاح، ولم يجرء أن يضع محرقة للنفايات بين البيوت وسط العاصة وفي أجمل ركن منها!!!!!! أمر لا تدري أتضحك منه أم تضحك عليه أم تبكي دما بدل الدموع؟!

 

لك الله يا بغداد!

لك الله ياعراق!! وهل بقي من العراق شيء مازال صالحا لكي يسلطوا عليه رهط من معوقي المحاصصة وتابعيهم لمدة اربعة اعوام اخرى؟ الله أكبر!

 

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com