كنتم غنم من إرث أب هذا الجلف الجافي - الوثيقة

محسن ظافر غريب / لاهاي

algharib@kabelfoon.nl

في مثل هذا الشهر تموز من عام 1982 ألقي القبض على مهندس الطاقة حسين ع.م واقتيد إلى رئاسة المخابرات عند خروجه من دائرته واختفى الرجل عن زوجته وطفله الوحيد وعائلته الكبيرة، والده ووالدته وأخوته الذين أدركوا أنه موقوف لسبب ما ووسطوا من بحث عنه هنا وهناك في الدوائر الأمنية مقابل الكثير من الأموال فلم يتسلموا إلا الوعود ولم يستطع أحد من أفراد العائلة الحصول على خيط أمل، فقد كان الجو مشحوناً والسؤال عن موقوف يعد أمراً صعباً ويتطلب الكثير من البراعة والذكاء وحسن التصرف والمال. وسكت الأبوان والأخوة عدة أشهر تاركين الأمر إلى الباري عز وجل.
كان بيت المهندس حسين منفرداً عن أهله وكانت زوجته الشابة سليمة عبد معلمة في إحدى المدارس الابتدائية فقررت صباح أحد الأيام أن تذهب إلى رئاسة المخابرات في الحارثية فرئيس المخابرات رجل بعثي مثلها والأخ غير الشقيق لرئيس الجمهورية ولا يمكن لبعثي – في رأيها – أن يكون غير حقيقي مع رفيقة مثله تريد أن تشكو له همها، وحدها قامت سليمة بكتابة عريضة استرحام إلى برزان إبراهيم حسن رئيس المخابرات وطلبت منه المساعدة في العثور على زوجها المهندس حسين ولم تخبر إلا جارتها وصديقتها المعلمة (ن) بذلك قبل يوم ونصحتها (ن) بعدم الذهاب وقالت لها إن هذا الدرب موحش وخطر وأن برزان لا يؤتمن فهونت سليمة عليها الأمر وقالت لها أنه سؤال وأن الرجل سيصارحها بالحقيقة فهو الأقدر من غيره على معرفة مصير زوجها الذي لم يفعل شيئاً ربما قال كلاماً أو نقد شيئاً ولكنها تعرف أنه بريء من أي شيء ولا سبيل لها غير السؤال عنه عند رئيس المخابرات فهو حامي الوطن والمدافع عن المواطنين وقد كتبت له هذا وناشدته باسم رسالة الأمة العربية الخالدة.. المهم سليمة ذهبت إلى دائرة التشريفات صباح أحد الأيام بعد ثلاثة أشهر من اختفاء زوجها ووقفت بالباب ومعها طفلها الصغير ذو العام الواحد الذي يفترض بلوغه سن الرشد مواطنا صالحا في عزّ العراق(محمود) هنا مرت سيارة برزان بالباب وفتح له الحارس البوابة الكبيرة فلمح المرأة واقفة فأشار بيده وأدخلت سليمة بسرعة إلى التشريفات وجلست مرحباً بها فقد أمر برزان بإدخالها وأخذوا منها طلبها بكل احترام وأسرعوا به إلى السكرتارية، وما أن جلس برزان على كرسيه وقبل أن يقلب الأضابير والوثائق التي أمامه سأل عن المرأة "لماذا تقف منذ الصباح بباب الدائرة"؟! هنا كان السكرتير قد عرف كل التفاصيل فأوجز لسيده حكايتها فقال له برزان: "هل زوجها لدينا الآن؟ تأكدوا فوراً وأرسلوا لها بارد وأخبروني" بعد أقل من ساعة جاء السكرتير لسيده بتقرير مفاده أن المهندس حسين متهم بالإساءة إلى شخص السيد الرئيس وأنه قد أعدم منذ أكثر من ثلاثة أشهر، عند ذلك قال برزان دون يرفع رأسه "ألحقوها بزوجها الآن وأعلموني" ذهب السكرتير إلى المجموعة المختصة من المنفذين واقتيدت سليمة بكل (لطف) إلى الداخل وتركت طفلها الصغير محمود في دائرة التشريفات. بعد دقائق كانت سليمة تواجه بارئها ضحية جديدة فقد أعدمت برشاشات كاتمة ورفعت جثتها من مكان الإعدام السري عادة إلى حيث دفنت مع من سبقها.
هنا علا بكاء الطفل في مكان التشريفات فحمله أحدهم إلى مكتب السكرتارية حائراً وقال للسكرتير "سيدي هذا ابن المرأة التي دخلت قبل قليل وهو يبكي الآن ولا أدري ما أفعل" أشعل السكرتير سيجارة حائراً والطفل يعلو بكاؤه، هنا خرج برزان إلى مكان السكرتير ليستفهم عن سبب هذا البكاء فأشار السكرتير إلى مكان الطفل الرضيع وهو خائف فقد شعر بأنه ارتكب حماقة كبرى بالسماح للطفل بالوصول إلى مكتب السكرتارية، نظر برزان إلى السكرتير واجماً للحظة وقال له: "مطي" ثم سحب مسدسه وأطلق رصاصته على جسم الطفل فتناثرت قطع من لحمه وانتشر دمه في المكتب الذي تركه برزان خارجاً وهو منزعج يردد "مجرم أبن مجرمة ومجرم" هكذا حل برزان إشكالية وجود طفل يتيم وترك لخدم مكتبه عملية التنظيف ورفع الأثاث ودفن جثة الشهيد الدامية وإبدال الستائر وغسل الأرضية. كان عمل السكرتير والخدم بعد ذلك مهيناً تماماً وكان خوف السكرتير والتابع الذي جاء بالطفل شديداً من مدير مخابرات صدام لأنهما اضطراه إلى قتل الطفل بنفسه لكن برزان عاد إلى مكتبه مساء ليمارس (عمله) بكل اهتمام دون أن يتحدث عن جريمتين بشعتين ارتكبتا خلال دقائق من ذلك الصباح المشؤوم.

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com