يا خراف الله استذئبي

علي آل شفاف

Talib70@hotmail.com

أرادت الخراف يوما السلم مع الذئاب, وهي تعلم أن ليس للذئاب إلا افتراسها وأكلها, لكنها رأت أن الغابة واسعة وكافية لهما معا, وأن هناك من الطعام ما يشبع جشع تلك الذئاب ونهمها, فقررت الصلح.

فرحت الذئاب بتلك الغفلة, وهذا الغباء الذي أبداه الخراف, فقرر بعضها استغلال الفرصة, والتظاهر بالموافقة, لغرض التقرب أكثر من الفريسة, فيسهل التهامها دون عناء المطاردة والتربص, ولتنعدم بعد ذلك فرص نجاتها أو إفلاتها. دخل هذا البعض من مجاميع الذئاب بين قطعان الخراف, التي رحبت به, وكأن ما كان بالأمس ـ من مطاردة وافتراس وإبادة ـ لم يكن.

سرعان ما وجدت الخراف أنها تنهار وتضعف أكثر مما سبق, بعد أن مهدت الذئاب المتغلغلة في أوساطها الطريق, ويسرته لأخواتها المتربصات. ازداد الافتراس والقتل والإبادة بين الخراف, فيما تتظاهر الذئاب المتغلغلة بينها بالحزن والألم, وتعتذر عن أخواتها الذئاب المفترسة, بأنها لم تكن تقصد الخراف, ولكنها تقصد الكلاب التي تملأ المكان؛ كما أن الافتراس والجشع هو طبع فيها, وتحتاج إلى وقت وصبر طويل من الخراف, حتى يحين موعد تطبعها على حياة السلم معها . . 

وهكذا كلما تكرر الأمر, وامتلأت الغابة بدماء الخراف, يتكرر كذب الذئاب, بأن الكلاب هي المقصودة, وعلى الخراف أن تبعدها عن المكان, فيتنادى زعماء الخراف بالصبر وضبط النفس, من أجل الوصول إلى حياة سعيدة هانئة كريمة مع (إخوانهم) الذئاب!! ناسين أن لا عداوة ولا تنافس بين تلك الكلاب وهذه الذئاب, إذ لا يأكل أحدها لحم الآخر بطبعه, فلا خوف منه عليه. لكن الخوف . . كل الخوف . . على الخراف.

غطت دماء الخراف كل شبر من أرض الغابة الجميلة الخضراء, فتحول لونها إلى الأحمر القاتم المظلم, وتناثرت الأشلاء في كل بقعة منها,  فتصاعدت رائحة الأجساد المتفسخة, ولم يبق من الأشجار الباسقة والثمار اليانعة إلا أعمدة سوداء, يتصاعد من بقاياها دخان مظلم, تجمع فوق الغابة الحزينة ليحجب عنها أية بارقة ضوء من شمس الحياة. 

ضج الأسد الحبيس في جسده, واضطرب وتعالى زئيره, حتى فز "علي" من فراشه, مطلقا صرخة مدوية, أذهلت كل من سمعها . .

يا خراف الله استذئبي . .

يا خراف الله استذئبي . . وإلا, أكلتك الذئاب.

 في لوحة حمراء . . تملؤها الدماء . .

قوافل تسري . . من العبيد والإماء

في صورة الإنسان . .

لكنها الحملان

تسوقها خرافها الخائرة الخاوية

تتبعها سحائب سوداء

تظل قطعانا من الذئاب

تنذر بالدمار والخراب

وها هنا . . يختلط الزمان بالمكان  . .

وتختفي الألوان . .

في هوة سحيقة

تبتلع الحقيقة . .

وتنشر السراب

ذاك هو العراق

في كل آن غصة . . ودمعة تراق

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com