نساء العرب وخيبة الآمال

نضال نعيسة

sami3x2000@yahoo.com

تحاول اليوم كثير من الدول التي فاتها قطار التقدم، والحضارة، والعولمة، وتبني سياسات اجتماعية واقتصادية سليمة، وتخلفت عن الركب الحضاري البشري قروناً ضوئية كثيرة، أن تلحق بذاك الركب عبر خطوات تبدو سلحلفاتية، وشكلية، ولكن لم يكتب لها النجاح في غالب الأحوال. ولعل أهم الجوانب التي التفتت إليها بعض من النخب السياسية في هذا، هو موضوع إشراك المرأة في الحياة العامة، بعد أن بلغ سيل الاضطهاد زباه. المرأة التي ظلت محبوسة، وعلى الدوام، في شرانق فكرية، وإيديولوجية، وعلى الهامش الحياتي العام، وعبر قرون الظلام المديدة التي تخيم على هذه الجغرافيات. ويلاحظ أن بعض الدول التي تدعي العلمانية، والريادة في هذا المجال، والتي وصلت فيها المرأة إلى مناصب عامة عليا، أو وزيرة متحدثة فهلوية تهرف بالحديث عن الاستراتيجيا الدولية، بنفس البراعة، والطلاقة التي تتحدث فيها عن تكنولوجيا صناعة الفتوش الثقيلة، وتحليل آلية انتاج البابا غنوج، وحقوق الإنسان، في الصبحيات مع الجيران. لكنها هي ذاتها، لا زالت بحاجة لموافقة "بعلها"، أو ولي أمرها الذكوري، حتى لو كانت بحاجة للذهاب إلى الدكان لشراء مسحوق غسيل تغسل به الشادور، والحجاب.
وفي حقيقة الأمر لم يتعد موضوع تحرر المرأة في كثير من هذه الدول تلك الشكلانية المعهودة التي تمارس يومياً، ونراها ظاهرة في كل مكان. وتعتبرها بعض الدول بروظة، وممارسة إعلامية تتبجح بها أمام الغرباء، أما الواقع فيحفل بالكثير من السواد. فأية وزيرة، وليس مجرد امرأو عادية فقط، وفي أية دولة من هذه الدول، ما تزال رهينة، وأسيرة للكثير من القوالب الفكرية، والتشريعية الجامدة، والتي لا تعطيها اية حرية للحركة أوالكلام، كما أن دورها السياسي والاجتماعي لم يتعد كونه دوراً بروتوكولياً، وشكلياً لوزارات، من نوع "هات إيدك ولحقني" أو "أي كلام"، وغير سيادية، ولا تتطلب اتخاذ أي قرار، كوزارت الدولة، ووزارة معرض الزهور، أوالوزارت التي ما أنزل الله بها سلطان، كوزارة شؤون مجلس النواب مثلاً، في دول لا دور لمجلس النواب نفسه أصلاً. كما أن الطبيعة الاستبدادية لهذه الدول لا تتيح لأي رجل، ومهما كان ثخن شواربه، وعرض أكتافه، وباستثناء الزعيم الأوحد، أن يتخذ أي قرار ومهما بدا صغيراً، فما بالك بالنساء الضعيفات، مهيضات الجناح، ناقصات العقل، والأديان، ومفسدات الصلوات؟ وحيث لا زالت هذه النساء تذبح كالنعاج، وعلى الشبهة، ولمجرد الوشاية، أو ظن بانحراف، وتحت ستار قوانين الشرف التي يعمل بها بالكثير من هذه البلدان، ويستغلها الذكور الأبطال، لتنفيذ أحكامهم بالإعدام، دون وازع أو رحمة أو رادع ما، وبغطرسة، وتيه وخيلاء، وسادية مريضة لا مثيل لها على الإطلاق، ضد النساء، تقابل عموماً بتهليل، ومدح، وحتى دفاع، وتبرير، من كهنة السلطان.
وكنوع من الديكور التجميلي، وفي محاولة للظهور كالبشر الأسوياء، أمام خلق الله، والعالم يتم الإيحاء، وعبر إعلام ضحل، وهزيل، وحركات مسرحيات مفبركات خرقاء، بأن للمرأة وضعاً طبيعياً اعتيادياً، عبر تصويرها مبتسمة، مثلاً، في مكان العمل، أو وهي جالسة، وبعيون ناعسة حالمة، على مقاعد الدراسة، أو وهي تقص شريطاً حريريأ لأحد دور الرعاية، أو الحضانات، أو في تطور ملحوظ، وتصعيد أنثوي آخر، بإشراكها، في نهاية المطاف، مثلاً، بانتخابات. أو حين يتم مجرد التفكير بالسماح لها، وفي أحسن الأحوال، بقيادة السيارات. تحصل كل هذه الإنجازات الثورية الرائدة في عالم الذكورة والرجال، بعد أن أصبحت المرأة في أماكن أخرى من العالم، مستشارة، ورئيسة, ووزيرة أولى تقود الوزارات، ومكوكات الفضاء، وعتاولة الرجال.
والسياسة العربية التي تخلفت هي الأخرى كثيراً، عن باقي سياسات العالم، وتظهر كالأيتام على موائد اللئام، تحاول الآن، وبعد أن فاتها القطار، أن تطعّم ذكوريتها الفاقعة، وأياديها الخشنة المدماة، بالأنوثة الناعمة، والأنامل الرقيقة الملساء. وقد جرى الكثير من الاستعراضات السياسية لإبراز هذا الواقع الزائف للعيان. إلا أن حساب الحقل السياسي لم يكن، دائماً، كحساب البيدر الشرعي، وخيالات، وتصورات الذكورة على الدوام، في هذا المقام الأنثوي الحيوي، والهام. فللذكورة الطاغية، الكلمة الأخيرة، ورأيها النهائي في آخر النهار، الذي يرجح هو وحده كفة الميزان. ويلاحظ من خلاله، أن هناك قطاعات عريضة، وشرائح اجتماعية واسعة، لم تزل ضد خروج المرأة من عتبة بيتها، فما بالك بخروجها لتلج، ومن باب أوسع، قطاع السياسة ومناكفة الرجال في أعمالهم وشؤونهم، فيما المفروض أن تبقى المناكفات، والمناوشات مقتصرة على قطاع البيت فقط، ولا تخرج من "باب الدار".
فبعد نضال مرير شابه الكثير من الأخذ، والرد، والجدل الكبير، حصلت المرأة الكويتية على حق الترشيح والانتخاب. وصار بمقدورها أن تدخل، بموجب ذلك، معاقل الرجال الحصينة في البرلمان، والتي ظلت، ولوقت طويل، حكراً على الذكور الرجال. إلا أنه، وعلى المدى المنظور، تبين أن هذا الأمر وحده قد لا يكفي. إذ أن الظروف الموضوعية لم تنضج بعد كلياً، لتقبل هذا الأمر الخارج عن سياق الإجماع، والتفكير الجمعي العام. ومن هنا، فلقد شكلت الانتخابات الكويتية، مثلاً، صدمة حقيقة وكبرى لآمال، وتطلعات المرأة للعب دور أكبر في الحياة، في هذا الجزء من العالم العربي الذي لا يزال يحتفظ، ويستحوذ وبقوة، أظهرتها نتائج الانتخابات الأخيرة، على تلك النظرة التقليدية المحافظة للمرأة، ومكانتها في الحياة، وحيث لا تزال جماعات، وأحزاب، ونظم سياسية تتبنى جهاراً، ونهاراً هذا الخيار. ومع ذلك، وبرغم قساوة الخروج من التنافس والسباق، فستبقى هذه خطوة هامة، وضربة قوية على جدار المنع والإقصاء، ستعقبه ضربات أخريات لا بد ستشكل إحداها فجوة في ذاك الجدار الذي سينهار، كلياً، يوماً ما.
والمرجح هنا، أن تلك القفزات السياسية المباغتة، وغير المدروسة، والمحسوبة، أحياناً، لن يكتب لها النجاح ما لم تقترن أصلاً بإصدار جملة من القوانين، والتشريعات تعيد للمرأة وضعها ووزنها الطبيعي في الحياة على أن يقترن ذلك بممارسة سلوكية يومية طويلة، وتربية، وثقافة سائدة تعزز من دور المرأة وتحترمها، وتصحح النظرة الدونية لها كـ"ضلع قاصر"، وتعطيها حقوقها كاملة، وغير منقوصة، وتساويها تماماً بالرجال. لقد كانت خيبة الأمل بالمرصاد، لكل من سولت له نفسه أن تخرج المرأة، ولو لمرة واحدة، من قوقعتها التاريخية إلى عالم النور، والمشاركة الفعلية في الحياة.
لم يزل الوقت، وحسب الكثير من الدلائل والمعطيات، بعيداً جداً لتصحيح كل تلك الصور المكللة بالسواد، وعودة الجميع للمسار الطبيعي. فإن السياسات الفاشلة التي قادها أشاوس الذكور الأسياد و"المتحررون" تاريخياً، وكلياً، من قيود "فرمانات" الكبت والحرمان، في هذا الجزء المنكوب من العالم، والتي لم تجلب سوى الفقر، والكوارث، والخراب، والهوان، وأدت بالتالي إلى الهزائم، وضياع أجزاء عزيزة من الأوطان، هي التي قادت، أيضاً، إلى هذا الوضع القاتم، الذي تشكل المرأة حيزاً هاماً منه. فهل إن مجرد دخول المرأة العربية مجال السياسة، وتمركزها في سدة القرار، سيحسن، ويغير أحوال هؤلاء الأقوام؟ وهل إن هذا الدخول سيكون نقلة نوعية، ومن غير أية أكلاف، أم سيكون شكلياً، كما هو الحال، ليبقى الجميع يلف، ويدور، ويتخبط في دوائر الفراغ؟ أم أن الأمر بشكله الحالي محض عبث، و يتطلب أشياءً أخرى كثيرة، وأثماناً غالية جداً، ليست البتة، في وارد، أوسع خيال لصناع القرار؟

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com