تحرير أم تدعير المراه العربية

مهند حبيب السماوي

Muhaned_alsemawee@yahoo.co.uk

من ينظر إلى الطريقة التي يتعامل بها دعاة تحرير المراة في الغرب عموماً و مقلديهم من العرب خصوصاً ويتأمل أرائهم بعضها في بعض,  ويحاول قراءه مسكوتات خطابهم واليات تفكيرهم وما ورائيات نصوصهم  سوف يتبين له بما لا يدع مجالا للشك حجم التناقض الصارخ والتضاد الشاسع التي تزخر به هذه الدعاوى والخطابات التي تدعي الموضوعية وتزعم الحياد وتمارس التضليل  بأسلوب مموه.

ففي الحقيقة هنالك فجوه كبيرة وهوة سحيقة بين أقوالهم المنمقة وممارساتهم السوقية ,بين خطابهم الرسمي واجرائاتهم المبتذلة , بين كتاباتهم الدبلوماسية وتطبيقاتهم الرعاعية, بين ما تقوله وما تعلنه وما تصرح به نصوصهم وبين ما يكبته وما لا يقوله ويخفيه روح النص الذي يمارسون به الحجب والتضليل المتقن إذا جاز لي هنا إن استخدم  مصطلحات المنهج ألتفكيكي المعاصر...

فما اصل شعار تحرير المراة وماهي جذوره؟

ما حقيقته وماهيته؟

ما معناه ودلالته؟       

إنني اعتقد إن الاسئله التي تشتعل في هذه المقالة سوف لن تطفئها الاجوبه مالم  أمارس مسحاً اركيولوجيا للجوانب الثلاثة المتعلقة بالموضوع .وهي الجانب الانتلجنسي( الفكري) من جهة أولى ,وللناحية الجسدية من جهة ثانيه, وللبعد التاريخي للمسالة من الناحية الثالثة حيث إن إدراك ماهية المحاور الثلاثة المذكورة أنفاً  يضعنا على عتبة فهم هذا المصطلح الذين أقاموا الدنيا وأقعدوها وتشدقوا به أناء أليل وإطراف النهار دعاة تحرير المرأه...

فمن الناحية الفكرية يرتبط خطاب تحرير المراة بالفضاء الفكري لمرحله ما بعد الحداثة التي تمر بها المجتمعات الغربية.حيث تميزت الحداثة الغربية بخصوصيتها الزمانية والمكانية من ناحية أولى، وبطبيعة التيارات الفكرية والفنية التي تشتمل عليها، من ناحية ثانية، إذ تبدأ الحداثة ـ زمانياً ـ في أواخر القرن التاسع عشر، وتبلغ ذروتها في الربع الأول من القرن العشرين. وتمتد مكانياً من روسيا إلى الولايات المتحدة وأمريكا اللاتينية،  ثم جاءت بعدها مرحله ما بعد الحداثة حيث ظهرت في هذه المرحلة في حضارة الغرب ستة تيارات مهمة في سياق تطور نظرياتهم الفلسفية والسوسيولوجيه والسايكولوجيه,وهي الماركسية الغربية الجديدة ومنهجيه العلوم ألاجتماعيه والبنيوية والتفكيكيه والتحليل السيكولوجي وأخيرا الخطاب النسائي أو حسب ما تسميه الكاتبة اليزابث غروس نظريه نسائيه,حيث كان للميراث الغربي السابق لهذه المرحلة ضرباً من التعامل البربري مع النساء الذي لم يرى المرأة كإنسانية تشترك مع الرجل في صفات المنطق والعقل ويمكن أن تكتسب الفضائل التي يكسبها , بل رآها شيئاً دون هذا الأمر. ومن الطريف أن نقرأ في التاريخ انّه في عام 586م عقد في فرنسا مؤتمر للبحث في أنّ «المرأة إنسانة أم لا» ، وبعد مباحثات طويلة قرّر المؤتمرون أنّ المرأة إنسانة ولكنّها خلقت لخدمة الرجال ... ونجد هناك عده أمثله لهذه الأمور , ففي القانون الإنجليزي القديم  نجد أمثلة لذلك , ومنها أنّ «المرأة ملك للرجل» وهي «أحطّ طبيعياً من الرجل» كما ينسب إلى أفلاطون، ولذلك كانت الأمثال في أوربا خير ما يعبر عن هذه النظرة الدونية للمراه فالمثال الفرنسي يقول:«المرأة الجيدة تعني الخادمة الجيدة» والأخر الروسي يوكد على إن: «الزوجة الجـيِّدة تكون سـيِّدة أكثر كلّما كانت أكثر عبودية للرجل » والثالث الألماني ينص على إن: «المرأة والمدفأة كلاهما يجب أن يتعبا في البيت» وإما الأسباني فانه يقول «المرأة بلا زوج مثل سفينة بلا سكّان» إلى غير ذلك من الأمثال المثيرة للجدل!!!!!!

فالكابته جوديث ألين وطبقاً للمعطيات التي تراكمت لديها من ذلك التاريخ الغربي ألرعاعي في التعامل مع المراه تصف الخطاب الغربي بأنه خطاب مهيمن فيه يتسلط الرجل على المراه والغربي على اللاغربي ودعت إلى إظهار تهافت هذا الخطاب وألازمه التي يعيشها من اجل فتح المجال إمام خطاب جديد قادر على تجاوز الأخطاء التي وقع فيها سلفه , وقد تأثرت كتّاب ودعاة تحرير المراه رجالاً ونساءاً بهذه الصرخات فظهرت لدينا نساء حاولن حمل نفس الهاجس والدعوة , فهاهي نوال السعداوي(مع ما نختلف فيه معها) توكد على إن المراه عقل وتفكير وليس موضع اشتهاء للرجال فقط ....والتحرير لديها لا يقوم على الحرية الجنسية كما حدث في الغرب وإنما يقوم على الانعتاق السياسي وهو جزء لايتجزأ من قضيه تحرير المجتمع ككل, كما تسعى كاتبه أخرى وهي فاطمة المرنيسي الى تخليص المراه من شتى أنواع الاستغلال الجنسي والجسدي الذي يمارس بصوره فاضحه....

ومن الناحية الجسدية يسعى هذا الخطاب إذا ما فحصنا بنيته الحقيقية إلى تحرير جسد المراه واختزال الكينونة الانثويه إلى جسد فحسب طارحاً كل المعايير القيميه الأخرى جانباً ,وضارباً جميع المقاييس الاعتبارية عرض الحائط محاولين خلق ثقافة جسديه ورسم بناء اجتماعي موسس على صوره الجسد الأنثوي متجاهلاً حقيقة إن الجسد الأنثوي لا يجد أساسه في ذاته أبداً  وإنما يجد تلك الذات في الروح التي يسعى البحث عنها في خارجه عبر امتدادها العمودي ولايتم ذلك مطلقاً عبر الجسد الذي يسيطر على الكيان الأنثوي الذي تحمله المراه كما نلاحظ ذلك مثلاً بصوره جلية في رواية سيمون دي بيفوار  المراه المجربة(La femme rompue) حيث تقول الشخصية الرئيسية في الرواية بعد تردي حالها وبؤس أفعالها وابتذال تصرفاتها ونزولها إلى مستوى حيواني خالص, تقول نادمه (لقد استسلمت لجسدي )...

وهذا يعني أنها قد أصبحت أسيره شهواتها وسجينه أهوائها وحبيسة  ماديتها (بالمعنى الانطولوجي للكلمة)خارقه حجب الثقافة والعقل والقيم فتكون آله أو وسيله بيد الرجل الباحث عن متعته الحسيه, فتفقد حينها وجه الهوية البشرية عموماً والصورة الانثويه خصوصاً وترتهن المراه إلى ذلك الجسد الخاضع لتقلبات الزمن مما ينتج عن ذلك إن تكون المراه وجود بلا معنى ... كيان بلا ماهية... فيتبين حينها المدى التي تبلغه المراة في عريها وصفاقتها و خوائها ...مما يعني ذلك سقوطها في هاوية الفوضى و بؤره اللاعقلانية وحضيض الانحطاط....

ومن الناحية التاريخية فان هذه المسالة يمكن إن نرجع بها إلى الإغريق الذين كانوا يمارسون عباده ألهه عارية يقومون بتصويرها ونحتها على هذا الشكل المنافي للذوق والموصوف في مسرحيه "عابدات باخوس" للكاتب اليوناني يوربيديوس , وعندما نستقرى الواقع في الجاهلية قبل الإسلام نلاحظ إن النساء الذين كانوا يأتين إلى الحج يخلعن ملابسهن بصوره مثيره للاشمئزاز لايمكن إن تقبله الحضارة المعاصرة التي تسامت على الموقف الإغريقي والجاهلي حيث إن معيار التقدم إذا ما قيست به ظاهرة التحرير الجسدي فان الموقف المعاصر سوف يدينها على اعتباراها اقرب لعصور التخلف والتقهقر والارتكاس منها الى حضارتنا ألمعاصره الالكترونية التي لا يمكن ان يقبل ذوقها القيمي العري الجسدي ....

ولذلك فاني اعتقد ان قضيه تحرير المراة يجب ان لاتوخذ من خطابات ونصوص  وكتابات هولاء المتخرصين(وانأ اعي مااقول) ...وإنما توخذ من ممارساتهم على ارض الواقع وما تخفيه سطورهم من دلالات وما تستبعده تصريحاتهم من إشارات , فالحرية الكاملة التي يطالبون بها اشد فضاعه من العبودية كما يقول جورج لوكاش لما تجره من عبودية وابتذال وأتباع لنزوات لن تقود المراه إلا الى الهاوية.

 واذا  كانت منظمات ودعاه تحرير المراه صادقة في دعواهم فلماذا لايستنكروا ويدينوا ما تفعله بعض النساء في الفضائيات الخليجية الغنائية( التي يتزايد إعدادها بشكل مثير للاستغراب) من ابتذال وصفاقة وتعري منافي لكل الأذواق الفنية والجمالية والدينية التي يمكن إن تحكم على العمل الفني, ولماذا لاتنتقد منظمات حقوق المراة والمطبلون معها ما تقوم به المراه نفسها التي تتحول من كيان عقلاني الى جسد لاعقلاني ومن ذات محترمه الى شي تافه ومن أنثى نفيسة إلى عهر رخيص..

فإذا ما كانت دعوتهم صادقه فليحاربوا المراه التي تقهقر مسيره المراة وترتد بصورتها الراقية الى عصور التخلف ألسابقه وترتكس بالبنية الانثويه التي تخترق صميم وجوهر الوجود الإنساني الى حاله عرضيه هامشيه في حياه المجتمع المعاصر وتمارس التشييئ الجسدي على كيان يعد الجسد جزءاً منه يتعشق مع الروح والعقل والقيم في سبيل تشكيل البنية والكيان والوجود الأنثوي...

ولعل تشخيص هانس كاستروف لحبيبته كلوديا شوسا في رواية الحبل السري لتوماس مور كان بغاية الدقة حينما قال لها ( إنا رأيت صورتك الشخصية الخارجية لكني كثيرا أفضل صورتك الداخلية)...

ولذلك ونتيجة لإيماني بذكاء المراة ونباهتها فاني أحدس ان دعوه هولاء سوف لن تجد لها إذنا صاغية من النساء قبل الرجال ولن تنطلي عليهم وهم تحرير المراة, وحينها سوف يتخلى هولاء عن أفكارهم كما تتخلى الفئران عن سفينة توشك على الغرق.

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com