أزمة المفاعل النووي الأيراني

قاسم محمد الكفائي / كاتب عراقي - كندا

canadainsummer@yahoo.com

canadainwinter@yahoo.com

تزعم حكومة أيران أن مشروعَها المُقام على أراضيها لأنتاج المفاعل النووي هو مشروع لأغراض السلم وليس ضد أحد من الدول حتى إسرائيل (الدلوّعة) والمُحصَّنة بعهدة الشرَفين، الأمريكي والأوروبي. إيران تمارس حقها المشروع كما تمارسه إسرائيل التي تعلن عن مشروعِها صراحه أنه في خدمة الأغراض العسكرية، وتغيير خارطة الشرق الأوسط عندما يكون هناك مبرِرا كبيرا يستوجبه ذلك. في كل الأحوال والمبررات والتلميعات الأيرانية فأن أمريكا أولا وأوروبا ثانية لا يوافقان هذا المبدأ الذي بموجبهِ تتقلّد دولة أيران هذا الدور النووي الخطير لتصبح أكبر دولة نووية في جزء كبير من العالم. لكن أمريكا والغرب يتذرّعان بكلمة توازن القوى في المنطقة أي أنهما يخشان الخطر القادم من أيران على حلفائهما كالمملكة السعودية وتوابعها. ومن طرائف مصائبنا التي إبْتُلينا بها يُقال أن من آخر ابتكارات مملكة آل سعود العلمية والنووية أنها أنشأت على مواقع سريّة أكبرالمفاعلات النووية وقد تشكل خطرا لاحقا وأكيدا على (مفاعلات ديمونه) الأسرائيلي. هذه المفاعلات السرية الضخمة هي في طور النجاح التجريبي الأبتدائي وإسمها (مفاعلات الروث السعودي المُخصّب). أجل، هكذا تريد أمريكا أن تنعم الشعوب بهذا اللون من التطور والرقي والأنفلات. الذي تريده أمريكا هو أن تبقى الشعوب والدول كالطير مقطوع الجناحَين، وكلما حاولَ القفز الى الأعلى تصفعه على يافوخه فيَخرّ تحت قدميها ذليلا، صاغرا وهو حسير. أمريكا تعمل من أجل مصالح شعبها أولا، وللهيمنه المرتبطة بتلك المصالح ثانيا، فالمُجدي أن تتفهم أيران لغة أمريكا في الحوار، ودهاليز ذكائها، وقوتها، وموقعها حتى يمكنها أن تقف عكس التيار الأمريكي في حال رفضها لطروحاتها وهيمنتها. هنا لا ندعو للخنوع مثلما ندعو لوضع صيغة ملائمة لحل النزاع الأمريكي الأيراني بهذا الخصوص. فليس دائما يُحرَز النصر بتشديد المواقف، ولا يُهزَم طرف ما في الصراع بأسباب الرصاص. الذي يريد أن يوصِل أفكارَه الى الأنسان الآخر عليه أن يجيد لغة المخاطبة أولا. فكلُّ شيىء يجب أن يتحرك وفق ضوابط صحيحة، سياسية كانت أم عسكرية وهكذا كل العلوم. فأمريكا اليوم لا يهزمها أو يردعها أو ينتصر عليها غير العقل، فمثلما تتحرك بحيلها ذات الشفافية والرشاقة والتهذيب لأقتناص فريستها فعلى الآخر أن يجد الحيلة المناسبة جدا في المواجهة. وهذه الحيلة يمكن لها أن تحمل نفس السمات التي حملتها الحيلة الأمريكية، وتتلون وفق منطق لا يخرج الى المواجهة العسكرية سوى أن يضع أمريكا وأهدافها محرجةً في دوائر الدبلوماسية العالمية. إيران (وبهذه القوة) الدولة الوحيدة في العالم لا تجد أمريكا لها مسلكا فيها وقد ينحسر هذا الأمر بعدم الثقة ما بين الطرفين وخصوصا أيران كون السياسة الأمريكية وفي دبلوماسيتها المعروفة تتلون كالحرباء، وتتلوى كالأخطبوط، وتنتشر كالأميبيا، ومع كل هذا فليس من ضير بالأنفتاح ما دام عدوك عاقل وليس بجاهل. لا أعتقد أن أمريكا ترتجف من المشروع النووي الأيراني إذ ليس من المعقول ولا المنطق أن تحارب أيران دول العالم بهذا السلاح لو إمتلكته، وبالأحرى كما تزعم لا تريد إمتلاكه لأن أكبرَ رصيد لها هو شعبها المتماسك والواعي الذي قهر بتجاربه في حرب الخليج الأولى كل المخططات الدولية والأقليمية. بكل تأكيد هذا اللغط وهذا الصراع على المشروع النووي المزعوم تحركه وتأجِّجُه وتخمده يدُ المخابرات الأمريكية للضغط على أيران في مواقع كثيرة، أهمها موقفها من القضية الفلسطينية، وفي العراق. فلو وصلت أيران الى الحل الأمثل مع أمريكا في هذين القضيتين ستكون قد كسبت الرهان ولو بنسبة مقبولة. هنا يجب أن نشير بأشارة سريعة الى جارتنا أيران فقط من أجل التذكير لأمرين هامين أن أمريكا وأعني بالضبط (المخابرات) عندما تريد أن تتحرك عسكريا على هدفها المطلوب تطلق إشارات إعلامية من خلال مؤسساتها أو المؤسسات الأعلامية في أوروبا وخصوصا بريطانية بأن أمريكا لا تنوي شن الحرب على إيران وتستبعدها حتى تطمأن أيران نسبيا وتتشدّد في مواقفها حيال قضيتها ليبدأ دور مجلس الأمن الدولي في إتخاذ الخطوات الملائمة مع تلك المواقف وجوهر الأزمة بينما التحضيرات العسكرية جارية وبشكل سريع. أيضا، من الخطأ الفادح والعظيم أن يكون العراق هو محطة الصراع على اعتبار أن شعبه متعاطف إقليميا ودينيا مع هذا الطرف ضد الآخر. الوضع العراقي سيَىء بكل تفاصيله لا يتحمل أن يكون ساحة صراع، كذلك الشعب العراقي لا يتحمل أخلاقيا أن يبسط أرضَه وأجوائه في خدمة الأمريكان لضرب أيران وهذا شأن يجب أن تحترمه أمريكا. ولو تفهمنا هذه النقطة فيمكننا إثارة نقطة أخرى وهامة جدا هي وجود عناصر من مجاهدي خلق الأرهابية على الأراضي العراقية وبرعاية أمريكية، فأيّ مبرر أخلاقي تفرضه السياسة الأمريكية على العراقيين لتحمي هؤلاء في عمق أراضينا بينما السعودية لا تمانع أن تستقبلهم في حالة طلب أمريكا منها، ولا الأردن أو قطر ؟ فلو أرادت أمريكا أن تجد حلاّ لائقا لمصير هؤلاء الأرهابيين عليها أن تبادر أولا بحسن نيتها بأعادتهم الى وطنهم الأم (أيران) مع مراعاة سلامتهم بالتنسيق مع حكومتهم. لهذا ندعو دائما حكومتنا لو تعثرت الحلول طرد عناصر الشر والأرهاب (مجاهدي خلق) من وطننا وعدم السماح للآخرين بفرض أوامرهم وإملائاتهم على الشعب العراقي كأستقبال مجاهدي خلق المجرمين وغيرهم. السياسة الأمريكية لا تخضع للحياء السياسي لأن القاعدة التي تستند عليها مصالحها هي الحيل. فكيف تسَمّي أمريكا بالأمس مجاهدي خلق بالأرهابيين واليوم ترعاهم وتنميهم على أراضي الغير ؟ من هذا المنبر المحترم ندعو أمريكا للتعرف على مفهوم الحياء حتى تستفيد منه ويستفيد الآخرون َمن هم في حَضيرتِها. إنّ من مصلحة أيران كدولة جارة وكذلك الدول الأخرى أن ينعم العراق بالأمن والسلام. أما المصلحة الأمريكية فلا نجد لها ذيلا ولا رأس، وكما قلنا لا يربطها رابط أخلاقي ولا أنساني. ولكن نقول كلمتنا وبصدق، التوافق السلمي الذي يتَّسم بأخلاق الشعبين الأيراني والأمريكي لأنهاء الأزمة القائمة سيكون ضامنا أكيدا للحفاظ على مصلحة الطرفين والآخرِين، وندعو أيران بأبعاد العراق عن هذه الأزمة والأنفتاح والتجاوب ضمن سياق منفعة شعبها (والعافية بالتداريج).

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com