بأي حق يغتصب تمثيل الجالية العربية والإسلامية في النمسا؟

نادية عيلبوني / كاتبة فلسطينية مقيمة في فيينا

هل تستطيع أية جهة عربية أو إسلامية أن تدّعي أنها تمثل الجالية العربية أو الإسلامية القادمة من البلدان العربية في النمسا? وإذا كان هناك من يجيز لنفسه وتحت يافطات إسلامية أو عروبية اغتصاب مثل هذا التمثيل والادعاء به، فما هو موقف بقية أبناء الجالية القادمة من تلك البلدان من مثل هذا الاغتصاب?

ولعل ما يدعونا إلى فتح هذا الموضوع للنقاش هو تململ الكثير من أبناء الجاليات العربية من الطريقة التي يتم تقديمهم فيها كجالية ممن يدعون تمثيلهم، هذا التذمر الذي لم يصل بعد حد المجاهرة به رسميا إلا بالحدود الدنيا. ولهؤلاء المتذمرون بالطبع كل الحق وأيضا الكثير من الاعتبارات التي تجعلهم يرفضون ادعاءات من نصبوا أنفسهم أوصياء عليهم لدى الجهات النمساوية الرسمية.

 ولعل أول هذه الاعتبارات هي، أنه ليس كل الجالية القادمة من البلدان العربية هي من المسلمين حتى يقال أن هؤلاء يمثلونهم. والجالية القادمة من تلك البلدان تحمل بالتأكيد سمة التنوع الديني والإثني والقومي الذي لا يجيز لأحد تغييبه أو اختزاله بصيغة العرب والمسلمين. ولكي لا تغيب صورة التنوع تلك علينا أن نذّكر أن هذه الجاليات تضم في ثناياها قوميات متعددة مثل العرب والكرد والبربر والكلدان والآشوريين والسريان، إلخ... وهناك بالطبع كافة ألوان الطيف الديني التي تعتبر ثروة لدى الشعوب والأمم المتحضرة وليس كما ينظر إليها في بلدان الاستبداد على أنها عيب ينبغي إخفائه تحت سوط المذهب أو الدين الواحد. فنحن لا نستطيع أن نفعل كما تفعل بعض الأنظمة القهرية والموتورة إلغاء أصحاب الديانات المختلفة في بلادنا مثل المسيحيين واليهود والصابئة المندائيين، إضافة إلى العلمانيين الذين لا يريدون أن يحسبوا على أية جهة دينية.

 الاعتبار الثاني هو في كون هؤلاء عندما ينصبون أنفسهم كممثلين للجالية الإسلامية لا يعيّنون الإسلام أو المسلمين الذين يمثلونهم، فالإسلام كما المسلمون ، يحملون أيضا صفة التنوع والتعدد المتجسدة في عديد المذاهب مثل الشيعة والعلويين والدروز والبهائيين والاسماعيليين إلى ما هنالك من ملل المسلمين .. فهل يمثل من يدعي تمثيل المسلمين طيفا واحدا أم أنهم فضلوا إقصاء كل هذا التنوع ليقتصر الإسلام وبحسبهم على أبناء مذهب واحد هو المذهب السني?

الاعتبار الثالث هو ما بدأ بعض الأخوة من أتباع المذهب السني طرحه وهم يوجهون النقد إلى من اغتصب تمثيل الجميع عنوة وعلى طريقة الأنظمة العربية الديكتاتورية والمستبدة ليبدوا اعتراضاتهم على طريقة تقديم الإسلام وتقديمهم هم بالذات للمجتمع النمساوي بتلك الطريقة التي توحي بالتعصب والتشدد كما تفعل بعض تلك الرموز المحسوبة على أهل هذا المذهب.

ولنا بدورنا أن نتساءل أليس هناك بين الأخوة من الطائفة السنية التي تعيش في فيينا أيضا حال من التنوع الفكري والفهم الآخر للدين غير ذاك الذي يتم تقديمهم بهم من قبل من اغتصبوا تمثيلهم؟ الإجابة عن هذا السؤال بدأ هو الآخر في الظهور من خلال حال التذمر التي يبديها أصحاب الفكر التنويري من السنة على الأسلوب والطريقة التي يتم التعبير عن أبناء هذا المذهب بهما.

 ولنا أن نثني على تلك الأصوات التي باتت ترتفع وهي تعلن رفضها لحالة الاغتصاب القائمة والمسكوت عنها في أوساط الجالية القادمة من البلدان العربية على اختلاف منابتها المذهبية والدينية والقومية، وهذه الأصوات تؤكد لنا أن هناك من بدأ يتحسس الخطر المحيق بالاستفراد في تقديم أبناء الجالية، تحت شعارات دينية، على تلك الصورة المتحجرة التي تحتقر حقوق الإنسان وتحتقر المرأة والطفل وكافة أشكال الحريات. أصحاب هذه الأصوات يريدون القول وبصحيح العبارة لكل من يحاول أن ينصب نفسه كناطق باسمهم بأنهم يرفضون الدفاع عن الإرهاب المتواري وراء بعض الشعارات الفضفاضة سواء كانت هذه الشعارات عروبية أو تحمل يافطة الإسلام، وأنه إذا وجد بعض البسطاء والسذج والمنافقين أو الذين تصطك ركبهم خوفاً واستجابوا لفكر الإرهاب تحت طائلة التكفير والتخوين والاتهام بالعمالة، فإن هذا لا يعني في مطلق الأحوال أن هناك بيننا من يرفض ويمقت هذا الأسلوب الرخيص والإرهابي الذي يذّكر بأساليب أجهزة المخابرات في بعض الدول العربية.

 علينا، إذن، كجالية أن نتصدى بكل جرأة وقوة لكل من يحاول اختزال تنوع جالياتنا المشروع والمحمي بموجب الشرعة الدولية لحقوق الإنسان، فليس عيبا أو منقصة لنا أن نظهر تنوعنا الذي نعتز به للعلن بل هو حق وواجب. الخوف الذي يلاحقنا به بعض الإرهابيين لن يتبدد ولن نستطيع أن نضع له حدا ما لم نواجه كل من يحاول إقصائنا واغتصاب تمثيلنا ، ونحن على أية حال ومن حسن حظنا قد غادرنا دونما أسف تلك المضارب الصحراوية التي يحجز فيها على الإنسان حقه في التعبير عن نفسه دون تدخل أو إكراه. ويجب التذكير مرة تلو الأخرى أننا هنا مواطنون نمساويون من أصول متعددة لا نعيش وفق شريعة الغاب، بل نعيش تحت مظلة الحريات التي تكفلها القوانين الدستورية في جمهورية النمسا الاتحادية، وأنه من العار علينا الاستجابة لشريعة الغاب المعمول بها في جمهوريات الخوف التي خلفناها وراءنا والتي يريد البعض أن يلحقها بنا قصرا.

كما نود أن نلفت نظر البعض الذي لا زال ينظر لنا كقطيع أن ليس جميعنا من البسطاء والسذج أو من المستفيدين لكي نصمت أو نستسلم لأسلوب التكفير الإجرامي، وأنه ليس جميعنا من يخشى أسلوب التخوين والاتهام بالعمالة الذي يطلقه الإرهابيون على كل ما لا يقبل بتفكيرهم الإرهابي. كما لا نعتقد أن جميع أهل السنة القادمين من البلدان العربية يرضون بأن يتم التعامل معهم ككتلة صماء يمثلها هذا الشخص أو ذاك، فالجميع هنا حر في إبداء رأيه ورفض السياسات التي لا تتوافق وتطلعاته أو مبادئه أو رؤيته.

 من هذا المنطلق لا نرى انه من العيب أن نعترف أو أن نقر بحقيقة أن هناك من يريد قيادنا إلى التهلكة، وأن عدداً ممن يحتكرون دون وجه حق تمثيل جالياتنا يتبنون سياسة تنسجم مع منطلقات الإرهاب البن - لادنية والزرقاوية، وأنه بات من الضروري الآن وأكثر من أي وقت مضى تمييز هؤلاء وتعريفهم والفصل بيننا وبينهم كي نتمكن من تمييز أنفسنا نحن الذين لا نقبل دعم الإرهابيين والقتلة بحجة مقاومة الاحتلال. كما يجب أن نقر دونما مواربة أو لف أو دوران، أن تحرير العراق من الاحتلال ليس شأنا يخصنا بقدر ما يخص الحكومة العراقية التي انتخبها الشعب العراقي، ونحن لا نقبل أن نكون أوصياء على خيارات هذا الشعب ومصادرة حق وخيار الحكومة الشرعية والوحيدة المنتخبة في العالم العربي. هذا التدخل من المفترض أن لا نرتضيه لأنفسنا إذا أردنا رفض أية وصاية من أي أحد على القرارات التي تهم مستقبل وجودنا هنا. . أن تمييز أنفسنا ومنذ الآن عن نهج الإرهاب هو جد هام إذا أردنا أن نتبصر ونتحسب جيدا للمستقبل في هذا الوطن (النمسا) الذي وفر لنا كل ما عجزت عن توفيره حكومات بلداننا الأصلية. وإذا لم نفعل هذا ومنذ الآن فإن موقفنا في حال ارتكب الإرهابيون في فيينا ما ارتكبوه من أعمال في مدريد ولندن، سيكون صعبا للغاية، ذلك أن التماهي كما التحريض الذي ينطلق من منابر من يدعون تمثيلنا وبانسجامه مع فكر الإرهاب ودفاعه عن الأنظمة الديكتاتورية والفاشية يجب أن لا يلزمنا بشيء سوى ضرورة فضح هذا النهج الظلامي والأسود، وبالتالي من حقنا أن نحتاط منذ الآن ونميز أنفسنا ونعبر عن رفضنا لكافة أشكال العنف مهما كانت مبرراتها وأسبابها وذلك لكي لا نأخذ بجريرة شذاذ الآفاق والمجرمين.

 ليس في الإعلان عن رفضنا مناصرة ودعم هذا الطاغية أو ذاك من بعض الحكام العرب، ما يعيبنا. كما أننا لسنا مجبرون كائنا ما تكون الشعارات المرفوعة، على دعم الإرهاب تحت يافطة دعم المقاومة العراقية فلا أحد يمتلك علينا أية سلطة في هذا الأمر. وإذا كان لأوطاننا الأصلية حق علينا، فالأولى بنا أن ندعم نشر ثقافة الديمقراطية التي أدى انتهاكها من قبل الديكتاتوريات العربية إلى تفشي البطالة والأمية والعنف والهجرة من الوطن. واجبنا نحن من يعيش في مجتمع الحرية أن نفضح تلك الغيرة والحمية الكاذبة التي يتشدق بها تجار الدين والسياسة هؤلاء الذين ابتلعوا ألسنتهم ولم يفتحوا أفواههم ببنت شفة عندما انتهكت كرامة شعوب المنطقة العربية على يد جلادييها. هؤلاء الذين لا يتحفوننا بفتاويهم وشعاراتهم الكاذبة والمدعية إلا في مناسبة واحدة ألا وهي عندما يتعرض نظام فاشي للتهديد.

 من حقنا أن نساءل هؤلاء ونتهمهم بالمراوغة والكذب لماذا لم تصبهم الحمية على قتل وتشريد الملايين من أبناء السودان على يد الحكومة السودانية التي ترفع يافطات الإسلام لإخفاء عنصريتها وتعطشها للدم. ترى ألا يعتبر هؤلاء المدعون أن سكان دارفور من فئة البشر؟ أليسوا هؤلاء الضحايا التي يتم قتلهم واغتصابهم وتشريدهم على يد قوات الجنجويد شديدة الفتك المدعومة من الحكومة السودانية من المسلمين؟ لماذا تصمتون على ارتكاب عديد الأنظمة العربية للمجازر بحق شعوبها? لم نسمع أن غيرتكم المزعومة وحميتكم قد اهتزت يوما هنا إلى الحد الذي يدعوكم فيه للإعلان عن الاستنكار لا في تدبيج بيان إدانة ولا حتى القيام بتظاهرة للاستنكار بحق مئات ألآلاف من الشبان العرب الذين يقبعون خلف القضبان في الكثير من السجون العربية من أجل قضية الحرية، فلم تنبسوا ببنت شفة أمام اغتصاب رجال صدام حسين للآلاف من نسوة العراق، فهل لنا أن نصدق الآن غيرتكم الكاذبة والمفتعلة على شرف نسائنا? وما سر هذا التمييز بين ضحية يودي بحياتها احتلال وبين ضحية تموت على يد جلاد عربي حاكم؟ ولا ندري حقيقة والحال هذه إذا ما كان التمييز العنصري صار يطال حتى الضحايا؟ كيف تطلبون منا أن نصمت ونبارك جرائم هذا الجلاد فقط لأنه من أبناء جلدتنا وتدعوننا إلى دعمه وانتم تكيلون له آيات الثناء والمديح على كل ما ارتكبه من جرائم، في الوقت الذي تدعوننا فيه إلى إدانة جلاد آخر ارتكب جرائم مماثلة؟ نحن على أية حال لم نسمع بعد بأن ألم الضحية يختلف بناء على هوية الفاعل!!!

 "من ثمارهم تعرفونهم"، فهؤلاء صرنا نعرفهم من ثمارهم، ولا نعتقد أنهم إنما يفعلون كل ذلك لوجه الله أو لأنهم لا يعرفون ما الذي يجري في بلادنا الأصلية من انتهاكات وجرائم بحق ابسط حق من حقوق الإنسان ألا وهو حقه في الحياة. علينا أن نعرّي إذن هؤلاء ونكيل لهم بنفس المكيال الذي يكيلون به لغيرهم "ازدواجية المعايير". ليس هناك لدينا من تفسير آخر لهذا العهر السياسي غير هذا التوصيف لتفسير ظاهرة تبرير الجريمة في مكان وجوازها في مكان آخر.

 وربما كان على بعض الذين صادروا العمل الإسلامي بحسب طرائقهم المتخلفة قبل التصدي بالدفاع الأعمى الذي لا يمتلك الحجج والبراهين لوزيرة الداخلية النمساوية على إثر إعلانها عن نتائج تلك إحصائية تشير أن 45% من المسلمين لا تريد الاندماج في المجتمع النمساوي، كان عليهم أن يتوقفوا ليراجعوا سياستهم، وليحاسبوا أنفسهم عن المسؤولية التي يتحملونها هم أنفسهم دون غيرهم والتي أدت إلى تلك العزلة وهذا التقوقع الذي أدى بدوره إلى ارتفاع النسبة من المسلمين الذين يرفضون الاندماج. كان عليهم مراجعة برامجهم التعليمية التي تحرض على كراهية أصحاب الديانات الأخرى وتسمهم بالكفر والقردة والخنازير وتبيح سرقتهم والاعتداء على ممتلكاتهم. نحن متأكدون أن أمثال هؤلاء يعرفون جيدا الجهات المتطرفة التي تتستر ببعض المساجد والجمعيات الخيرية لتبث من خلالها فكر الكراهية والتحريض على العنف وتمويل الإرهاب كذلك، إلا أنهم يريدون على ما يبدو تغطية كل مناحي قصورهم وسياستهم المدمرة بحق أبناء الجاليات القادمة من الدول العربية.

لكل هؤلاء نقول: كفى فقد فاض بنا ولا نستطيع بعد تحمل أو مجاراة هذا الفكر القروسطي الذي يريد قيادتنا إلى الهاوية.

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com