فيينا أم فينستان؟

نادية عيلبوني / كاتبة فلسطينية مقيمة في فيينا

ما عاد هناك شيء غريب  في مجتمع الجالية العربية في فيينا هذا إذا صح إطلاق صفة مجتمع على الجالية العربية في هذا البلد . لأن صفة المجتمع تطلق على أناس نالوا شيئا من الحضارة ويتسمون بسمات التفكير الحر والمستقل الأمر الذي تحاول القوى الأصولية والبعثية هنا نزعه عن أبناء الجالية ليصيروا كما الغنم التي يسوقها راعي الخراف .

  وربما لا نجانب الصواب إذا ما استنتجنا حقيقة أن الكثير من  أبناء جاليتنا يعاني من عقدة الخوف المزمنة التي تجعل  الكثير منا  يتوهمون  أنهم بصمتهم أمام من يرهبهم من أبناء جلدتهم، إنما يختارون طريق السلامة، ليصير حالهم  أقرب إلى حال جمهور الرعاع في بعض  البلدان العربية الذين لا حول لهم ولا قوة أمام من يحتقر حريتهم وكرامتهم. نحن هنا لا نريد سوى توصيف حال هذه الجالية بانقيادها الأعمى  للقوى البربرية والظلامية من بعثيين وأصوليين ممن أصروا على الالتحاق بها والصعود على أكتافها وبادعاء تمثيلها.

 نحن لا ندري حقيقة إذا كان أبناء الجالية العربية قد كفوا عن اكتشاف حقيقة أنهم ومنذ اللحظة التي غادروا فيها بلدانهم الأصلية كفوا عن أن يكونوا رهائن وكفوا عن يكونوا خرافا . ولنا أن نتساءل أمام حالة الخوف المستعصية والمرضية التي تنال من كرامة الإنسان وتقوض أبسط مقومات شخصيته إذا ما كانت الغالبية العظمى من  أبناء جاليتنا تدرك حقا أنها إنما تعيش حقا في ظل سقف الدساتير التي تكفل لها كل أنواع الحريات ؟ لا نعتقد أن هذه الغالبية  تدرك هذا الأمر أو أنها أصبحت قادرة وبسبب من إرثها على استثمار تلك الحريات كما يفعل النمساويون، وهي لا تستطيع أن تتقدم خطوة في هذا المضمار طالما بقيت متشبثة بنفايات هذا الاستبداد فوق أكتافها. أن نرمي بكل هذا الإرث ونضعه في مكب النفايات المخصص له هو أولى الخطوات على طريق التحسن والتعافي. وذلك ليصير بمقدور الجميع أن يتمتع بالحرية بما هي حق طبيعي لكل بني البشر دون استثناء ودون تمييز. ربما يلزم الكثير منا الكثير أيضا  من دورات إعادة التأهيل حتى يتوصل إلى حقيقة ان حرية الرأي وحرية التعبير المنصوص عليها في دساتير هذا البلد هي حق لجميع من يعيش في هذا البلد دون استثناء، وأن كون الإنسان آت من بلد تحكمه السلطات العربية المستبدة  لا يعني في مطلق الأحوال أن ينصاع طوعا كما تنصاع النعاج والأنعام لعصا الراعي البدوي المتخلف الذي التحق به ..وإذا كانت الصورة هي غير ما نذهب إليه ،إذن  ما معنى كل هذا الجبن المخزي وكل هذا الصمت الذي تعافه الحملان من قبل أبناء هذه الجالية لدى  تعرض أي من أفراد ها للاعتداء  على حقه في التعبير عن رأيه سواء مارس هذا الحق شفاهة أم كتابة؟ وما معنى أن يتم التهديد علنا وبكل خسة وصفاقة ووقاحة على السيدة ماري تريز كرياكي على سبيل المثال لا الحصر، ومن قبل مجموعة من البعثيين في نظام صدام حسين البائد وعلى مرأى ووسط صمت الجميع؟ ما ليس مقبولا وما هو خطير أيضا أن يتم التهديد باستخدام القوة ضد تلك المرأة  لأنها فقط نشرت مقالا موثقا في مجلة جسور التي تصدر من فيينا  تحدثت فيه  عن الاستغلال الجنسي للاجئات العراقيات في سوريا ؟ ولا ندري حقيقة تحت أي تهديد إرهابي استجاب صاحب المجلة ليقوم بإسقاط المقال من مجلته؟ ولنا أن نتساءل حقا هل نعيش في فيينا بلد الحريات حين يشن هجوما ويقوم الإرهابيون البعثيون أنفسهم إضافة إلى الأصوليين  ليهددوا بأساليبهم الإرهابية  الكاتب نادر قريط، لأنه عرض  في مجلة جسور ذاتها مؤلفا صدر حديثا في اليمن للشاعر والباحث اليمني علي المقري بعنوان "الخمر والنبيذ في الإسلام" ؟ولنا أن نتساءل إذا كان المقري استطاع أن يؤلف كتابه هذا في اليمن دون مشاكل فكيف يمكن قبول تهديد كاتب لم يفعل سوى أنه عرض الكتاب على القراء.

  لا يبدو أننا نعيش في بلد الحريات على أية حال وربما يريد بعض من أرادوا حكمنا على طريقة السلطات العربية الديكتاتورية والبربرية أن لا ننعم بأي من تلك الحريات التي يوفرها لها القانون. وهذا البعض الذي يمقت الحرية ، يريد أن يبني لنا هنا كهوفا على شاكلة كهوف تورا بورا في أفغانستان. طالبان فيينا الذين ينمون بيننا مثل الجرذان باتوا لا يتورعون عن التهديد  بالويل والثبور لكل من يحاول من استخدام عقله وحريته. .والذنب على ما يبدو ليس فقط ذنب بلد الحريات وقوانينها التي تتيح لهؤلاء الإرهابيون التحرك والنشاط لكسب الدعم المعنوي والمادي للطاغية صدام حسين ونظامه المقبور،ولكل الطغاة من العرب . الذنب أيضا هو ذنب أبناء جاليتنا الذين يدفنون رؤوسهم في الرمال وفي ظنهم أن هؤلاء الإرهابيون هم من يحكم البلد. الذنب هو ذنب الحزب الاشتراكي الذي يغض النظر عن أهل الكهوف  التي تنمو كالفطر بيننا . هؤلاء يصمتون بلا شك لحسابات انتهازية وصغيرة وضيقة وفي ظنهم أنهم بأسلوب التغاضي هذا يكسبون أصوات الجاليات العربية في النمسا .كما أن  الذنب هو ذنب هؤلاء الذين لا يوصلون ما يتعرضون له من تهديدات إلى السلطات المختصة ليحموا حريتهم وكرامتهم . أجل فالجالية العربية ستبقى مطعونة في كرامتها وشرفها في هذا البلد، طالما ارتضت لنفسها أن تقاد كما القطيع لفكر الاستبداد.

 لا ندري حقيقة ما سبب كل هذا التردد وها الخوف وعدم التقدم  لفضح أصحاب المصالح الانتهازية والدنيئة والذين يتاجرون بالدين وبالأوطان لحساب أسيادهم من الطغاة ولحساب زيادة أرصدتهم في البنوك. لقد آن الأوان ومنذ زمن بعيد لمحاسبة ومساءلة هؤلاء الذين يمارسون الوصاية على خيارات وحريات أبناء الجالية القادمة من الدول العربية. لنقول وبالصوت الذي يمكن أن يسمعه الجميع : أن هؤلاء لا يمثلوننا وهم ليسوا منا. ليس منا كل من يحاول إرهابنا كائنا من كائن وبغض النظر عن ما يطرحه من شعارات زائفة وكاذبة. ولنا أن نذّكر أن أمثال هؤلاء هو من يجب أن يخاف ويحسب جيدا خطواته لأنه هو المتهم قبل غيره، هو من يمارس الإرهاب ويهيأ من خلال الدفاع عنه ودعمه وتمويله. ونحن المدعون قبل غيرنا إلى كشف حقيقة كل  المتاجرين باسم الوطن والدين لحساب أسيادهم من الجلادين والطغاة ولحساب أرصدتهم التي تنمو جراء تطاولهم وإرهابهم  ودفاعهم المستميت عن القتلة والمجرمين. نحن أبناء الجالية، قبل غيرنا، من يجب أن يتصدى لهؤلاء من أجل كشف الجهات الإجرامية التي يعملون لصالحها.  وهذا كله ليس صعبا طالما وجدت القوانين التي تتيح لنا ذلك ،وقبل كل هذا علينا أن لا نخشى أن نواجه ونتهم صراحة وعنوة بالإرهاب  كل من يحاول إخراس أصحاب الكلمة الحرة سواء باستخدام التهديد أو حتى بالتلويح  فإن هذا  وربي  لأضعف الإيمان.

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com