|
عالم المخابرات – 9 قاسم محمد الكفائي / كاتب عراقي – كندا محاولة اختطافي عام 1989في كراجي عَودة الى حلقتنا الأولى من عالم المخابرات والتي ذكرنا فيها تأريخ هذه العملية الفاشلة التي كادت – لولا رعاية الله تعالى – أن تنجح وأكون أنا الضحيّة لقمة سائغة في تلك الليلة الظلماء ليتم نقلي فيها الى بغداد عبر رحلة الطائرة العراقية التي من المفروض لها أن تنطلق من كراجي في ليلة وقوع الحدث ، ( لم أكن متأكدا الى الآن من صحة وقت الرِحلة ) . هنا أرجو من القارىء الكريم أن يسع صدره ويكبر صبره معنا لو بيّنا له عدم مقدرتنا لنشر تفاصيل القصة بكل أبعادها وعناصرها وظروفها لأسباب تتعلق أولا بفضح سرّ كبير ومهم قد يجعل العناصر التي ارتكبت الجريمة تفلت من العقاب ولأن في الكشف عن ملابسات هذه الجريمة ستتكشف قصص أخرى أنا أعرفها . فالذي يستفيد من التكتم لوقت قصيرهو الضحية ( أنا ) ، ومصلحة بلدي ، كذلك أهالي الضحايا الآخرين من الذين قتلتهم المخابرات العراقية في الباكستان . فلو أعلنتُ عن إسم واحد من الأسماء المجرمة فلربما نقترف خطأ كبيرا . فها أنا ذا الضحية الذي فلت من تدابيرالجريمة أتكلم معكم وأنا خير شاهد وأبقى - . مع كل هذا سنلتف معا على بعض ثنايا الجريمة ومن بعيد جدا ، أي نبقى في ذيلها ونترك الأقسام الأخرى الى مؤسساتنا المختصة لتستفيدَ منها . في الخامس والعشرين من نوفمبر لعام 1989- كما أتذكر- وصلتُ مدينة كراجي قادما من إسلام آباد بعد رحلة طويلة وشاقة في قطار لا يتحمله إلا أهله وليس الغرباء كمثلي . وصلتُ اليها وأنا أعلم أن كراجي هي مستنقع صراع كل أجهزة – المخابرات العالمية - ، وهي واحة لتنسيق عملها من أجل ضرب الآخر – تصفية حسابات سياسية - . كراجي مدينة تلهب كالتنور بهذا الصراع المميت . كانت هناك خطة بأقامة احتفال يقضي بدعوة كافة أئمة المساجد وأساتذة الجامعات في كراجي لأحياء ذكرى فاجعة حلبجة وتقديم نشاطات أخرى من شأنها فضح دموية نظام صدام . لما وصلتُ ذهبتُ الى أماكن سياسية لغرض التنسيق والأعداد ، وذهبت الى موظف يعمل في فندق شيراتون للأتفاق معه عن ترتيب الخدمات المطلوبة كتهيئة الصالة التي يُقام عليها الحفل والعشاء لأكثر من 200 شخصية مدعوّة من قِبلنا كمعارضة عراقية في الباكستان لنظام حكم صدام حسين ألخ . كانت القضية مفبركة وأخذتني الريبة من البعض بعد حين من المتابعة والتفكيرلكنني بقيتُ صامدا أتطلّع لأعرف المزيد وأتذكر في حينها أنّ بعضهم جلب جريدة الشرق الأوسط وفيها مقالا بقلم مدير الأمن العام فاضل البراك يتحدث فيه عن المرحوم – الملا مصطفى البرزاني ، وكانت الأسئلة ُمعدَّة وأجيب عليها مع تقييمي للظرف ولأني أحس بجهاز التسجيل في مكان ما ، ومع ذلك فما قصّرت بالردود . حتى صباح ذلك اليوم بدأت اللعبة واخذ كلٌّ من المجرمين دورَه ، عراقيون – لاجئون - ، وعراقيون من أصول باكستانية أو طلاب عرب أو باكستانيون . المسلسل يجري في مكان للرزق وصاحبه – شيطان – تلقيتُ دعوة لشرب الشاي فقبلتها ومازال كلّ يؤدي دوره حتى من طرف العنصر النسائي وقد حان وقت المساء ، بينما يشغلني عنصر آخر بمشاهدة كرة القدم في التلفاز قام الآخر بوضع مادّة في فنجان الشاي الذي أعطاني إياه ووضع فيه حبّة هيل . بعد دقائق قام الجميع ليبقى معي عنصر آخر على الطاولة . لكن في الحقيقة كلهم موجودون في الشارع وسيارتان واقفتان أمام المكان . بفضل الله تعالى أمتلك وما زلت نقاط قوّة تبدد كل ما من شأنه ضربي والنيل مني . كنتُ أبحثُ عن أمرٍ قد يقع لكنني لا أعرف بالضبط ما هو الأمر . بينما أنا أتحسّس وأفكر أخذتُ جرعة قليلة جدا من الشاي وأعدت القدحَ الى مكانه لأتحدث مع العنصر الذي بجانبي تقريبا . ولما انشغلتُ بمشاهدة الرياضة وأخذ مني التفكير مأخذه طلب مني ذلك العنصر أن أشرب الشاي بينما كنت أترقبه وعرفتُ ملامحا عن وقوع مصيبة مُحققة . ( أخي العراقي ، لو عندك قصة مشابهة وتريد كشفها لا تجرأ وتفشي نقاط قوتك أو نقاط ضعف عدوك بتاتا ) . بينما أنا كذلك شعرتُ بضربات متلاحقة في قلبي ( خفقان ) وأخذ يزداد ، كذلك ثقل في أفخاذي أولا وصرتُ أرى الذي أمامي أصفرا . نظرتُ الى قدح الشاي فرأيت على سطح الشاي مادة على شكل - صدف – كأنه بقعا زيتية . مسكتُ الملعقة الصغيرة وغرفتُ بها صوب قعر القدح فحَمَلت إليّ شيئا غريبا علىّ – مادة بيضاء مخلوطة بلون بني – هكذا رأيتها في تلك اللحظات . أخذني الصداع وأخذني الدوار والنعاس حتى كنت أحس أن رأسي إنتفخ وصار حجمه أكبر من المكان نفسه . نهضتُ بينما الخبيث طلب مني الجلوس فأخرجت من جيبي سكينا حادّا وقاتل – قاطع ورق – كنتُ أحملها معي أينما أذهب .. مرة أفقدُ لأنام وأخرى أستيقظ وقد راجعت نفسي ومشاعري ورجولتي في تلك اللحظات – عملت خطة نفسية فأنقذني الله بها من شر الجريمة - . أحاول الخروج من المكان فلا أستطيع لأني أحس برجلي بحجم رجل الفيل عشرة أضعاف ، وعيوني بحجم كرة القدم . عَصَفَت بي الخيالات ودمرت أحوالي .. المادة هذه تجعل الضحية إذا تناول الكمية المطلوبه أن ينام لثلاثة أيام متتالية ، ولو فلت منها فتصيبه هذه الأعراض التي لا ترحم في وصفها أبدا . جائني بعض أفراد العصابة وسألوني عن صحتي لكنني كنت أهددهم بالقتل المستميت حال تقربهم اليّ وصوّرتُ لهم أني بصحة ممتازة وما عندي أي مشكلة ، ولحد الآن لا أعرف كيف فهموا مني ما أنطق به لأني كنت أحس حجم وطول لساني أضعاف . في كل الأحوال خرجت من المكان وبيدي السكين ، وتابعني أحدهم . رميتُ نفسي في – رَكشَه ، دراجة بخارية مسقوفه يستخدمونها لنقل شخصين - ، وطلبت من سائقها الذهاب الى المستشفى القريب منّا . أكملتُ الأجراءات وخرجت على الفور وما زلت في نفس الأعراض .. في ركشة أخرى حاولت الذهاب الى مكتب الأمم المتحدة إلا أنه تغير مكانه السابق ولا أعرفه بالضبط . طلبتُ الأنتقال الى القنصلية الأيرانية فأوصلني السائق في الحال . رميت بنفسي على الباب وصاح بي الشرطي الحرس فقلت له مريض وأريد الدخول الى القنصلية . نادا على الحارس الذي بداخلها فتكلمت معه وتعاطف معي كثيرا فأدخلني وأجلسني خلف الباب وذهب الى الهاتف واتصل . حتى دقائق معدودات جاءا إثنان من موظفي القنصلية أحدهما أسمه ابراهيمي ، سئلاني عن مشكلتي فأخبرتهما وعلى الفور، قدّما لي الحليب الطازج وشربتُ كثيرا .. سألاني مرة أخرى عن حاجتي فطلبت منهما مرافقتي وبتصميم الى مكتب الأمم المتحدة وافقاني بالرأي وجلبا لي سيارة أشبه بسيارة نقل الأزبال أو علب الكارتون . صعدتُ معهما وأنا في أحسن وعي من السابق . نزلنا في باب المكتب وكان مقفلا فاتصل الحارس بضابط أمن المكتب وفي ذلك الحين أخذت تتردد على باب المكتب عصابات خصوصا من النساء بسيارات مختلفة وبعد دقائق غادرا الأيرانيين باب الأمم المتحدة وشكرتهما كثيرا. وصل ضابط أمن المكتب فسألني بينما أنا متكأ على الحائط ومرعوب قال، لماذا تذهب الى القنصلية الأيرانية ؟ أجبته حفاظا على حياتي ، فردّ وليس المفروض أن تفعل ذلك … أجبته بأن المقاييس السياسية في هذا الظرف تدعوني للذهاب ، كذلك أنا أعرف المكان السابق لمكتبكم وليس الجديد .. فردّ علىّ إمشي من هنا ليس لك عندي شيء . وآخر ما طلبته من هذا الوغد هو أن يأخذني الى منطقة آهلة بالسكان فرفض وطردني واستقلّ سيارته مغادرا . غادرتُ المكان قرابة منتصف الليل بحالة لا يحددها وصف ولا حديث على ورقة . إستضافني رجل دين إسمه غوث اللغوثي إمام مسجد سلطان آباد ، ما كنت أعرف النوم سوى أني خائف من المضيٍّف ومن الغطاء الذي على جسمي وأخاف من الوسادة . زارني عنصر قذر وأخبرني بأنه كذلك قد تعرض للتخدير وقد راجع الطبيب وأظهر لي ورقة عليها أسماء أدوية . وفي الصباح نقلني اللغوثي الى مسجد شيعي ومن هناك ذهبت الى مسجد آخر مكثت فيه ليلة واحدة وكنت مازلتُ مرعوبا خائفا من حجة الأسلام الشيخ يوسف ، كنت أفكر بأنه سيقتلني أو يدس لي نفس المادة بالعشاء اللطيف الذي قدمه لي وهذا الشيخ ينتسب الى الخط الذي يحارب الوهابية وصدام . هكذا عوارض هذه المادة التي استوردها صدام من مخابرات الدول المتقدمة في الديمقراطية وحقوق الأنسان . غادرت في أول الصباح مسجد الأيمان متوجها الى حيدر آباد ومنها الى اسلام آباد فأخبرت مكتب الأمم المتحدة وطلبتُ فحصي طبيا والطريف أرسلوني الى المختبر ما بعد عشرة أيام أو أكثر بحجج سخيفة ومخابراتية . طبعا يعرفون أن لا يظهر في الفحص شيىء ما بعد هذا التعطيل . نشرت جريدة العمل الأسلامي الصادرة في طهران خبر محاولة أختطافي الفاشلة ، وكذلك أذاعها لمرتين راديو صوت الثورة الأسلامية لتحرير العراق . علاوة على ما جرى بقيت في الباكستان بترتيب من مكتب الأمم المتحدة لأعطاء الضوء الأخضر لكل أعدائي من الصداميين والرجعيين لضربي والخلاص مني . لكن الله تعالى بالمرصاد وخرجت من هناك بعد أكثر من ستة سنين مختمرا في قنينة مكتب الأمم المتحدة بينما بعض اللاجئين يسافر بعد وصوله بأربعة أشهر أو عام أو عامين . أما إذا كان يهوديا إيرانيا فتستقبله مثلا طائرة هلوكبتر على الحدود ولا يراه أحد يبقى ثلاثة أيام في أرقى الفنادق العالمية ويسافر بسريّة تامة . من هذا المنبر أسجل شكوى رسمية لدى الدوائر المختصة في بلدي العراق على كل العناصر التي اشتركت في عملية اختطافي هذه وأستثني منهم الموظفين الرسميين في القنصلية العراقية في كراجي . كذلك أطالب بالشكوى ضد ضابط أمن مكتب الأمم المتحدة في كراجي وأطلب التحقيق ومقاضاته . إن مسألة لجوئي الى القنصلية الأيرانية هناك وأنا في وضع مأساوي ومثير مع جلب موظفي القنصلية الى مكتب الأمم المتحدة في ذلك الظرف السياسي الذي كان يدعم نظام صدام ضد الجمهورية الأسلامية في إيران كان قد جلب علىّ مساوىءَ أكبر من هول هذه الجريمة بأضعاف في دولة كندا . فكانت مسألة تسفيري اليها مسألة تسليم موقوف . لقد ذقتُ الأمرّين من مخابراتها ، وذقتُ أصناف الموت المحقق … إنتظروا الحلقة القادمة كما نطلب من دوائرنا المعنية في بغداد ومكاتب المراجع العظام متابعة كتاباتنا وتسجيلها لديهم والأحتفاظ بها حتى حين .
|
||||
© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |