|
حتميـة (فرمتت) الثقافـة السياسية رياض البصير كان من سوء حظ اهل العراق , أن اسلافه اللذين تربعوا على المسرح الزعاماتي للعراق بعد الحرب العالمية الاولى 1918, لم يدركوا أو يهظموا قانون حركـة التاريخ البشري المؤكدة على أن العمليات والفعاليات البشرية ليست دائما علـى ثبات , والتغير والتغيير والتشكل والتشكيل , واحدة من سمات سلطة التاريـخ النافذة باستمرار . وأن جغرافية الاوطان , تتسع حينا وتنقبض احيانا اخرى بفعل المحرك العسكري للتاريخ . وكذلك عدم قدرتهم قراءة تاريخ الامم, قراءة مجردة من لبوس الاهواء والعواطف والامجاد الغابرة .فليس هنالك على وجه البسيطـة ومنذ فجر الخليقة , أمة بقيت في ارض محددة بعينها ولا ظل نسيجها السكانـي متماسكا , لكنها كانت كالارض السياسية متحركة بفعل غريزة البقاء , تذوب فـي كم بشري أيا كان اتجاهه, مرات , أو تذيب فيها اخرين ... وكان من نتائج الصراعات البشرية المستمرة ,قيام الحرب العالمية الاولـى (1914ـ1918) وما تمخض عنها من نتائج سياسية رسمت الخارطة الجغرافيـة والبشرية في كوكب الارض ,جعلتها تأخذ ملامحا جديدة , مازال اكثرها قائمـا لحد الان وبعض تعديلات جزئية في العقد الاخير من القرن العشرين . علـى انها في كل الاحوال تبدو تللك البـنى السياسية المستحدثة وفـق رغبات القوى العسكرية المنتصرة في الحربين العالميتين , أقرب للثبات الطويل منها الـى المتحول . واعطت رئـة واسعة , لتنفس الشعوب في اوطانها الجديدة , أكثـر بكثير مما منحته الدول والامبراطوريات ذات الالة العسكرية المتفوقة ,قبـل تلك الحربين . ومن تحت اقلام قرارات الاقوياء المنتصرين , خرج الكيان السياسي العراقـي ولاول مرة في تاريخه الطويل والموغل في القدم , معروفا بحدود معينة وموثقـة في عصبة الامم المتحدة , ليكونا وطنا لسكانه , الجياع والضعفاء والمستباحيـن في ارض ممتدة من زاخو نحت خط بروكسل الى الفاو طولا ومابين ايـران واطراف الجزيرة العربية عرضا . ثرية بثرواتها الطبيعية وغنية بشريا وفـكريا معبئة بالاخلاق والسلام , وهموم الماضي ايظا . ولان التاريخ البشري , ما انفك متوحشا , يجري بلا اشرعة , باتجاه التصـارع البشري والتصادم السياسي , تأسيسا على قانون الفعل ورد الفعل . اضحـى العراق الجديد وللاسف , صاخبا بالمؤامرات , هائجا ببقايا الافكار التـي ترعرت ونمت في ( الجايخانات ) العثمانية الاسطنبولية . وبينما كان مـن الطبيعي أن يمضي العراق وهو في مقتبل مسيرته الحضارية ,صوب لملمة اّهات مساكين شعبه , كان بعض الزعماء من الذين فرضت عليهم ,عراقيتهم الحديثة مابرحوا رافضين فكرة دولة العراق العصرية , صاخبون , مشاكسون , معاكسون غيـر مبالين أو مهتمين بحياة ومشاعر واحلام الوجوه الهزيلة , المتجهمـة مرارة وذلا حيث كانت تترقب مصيرها من تحت قبو دنياها والذي لم يشق ضياء الشمـس الانسانية , منذ قرون طويلة , ظلمـاتـه !!!!. واذا كنا لاننكر على اولئك الصاخبون صدق حماستهم وعظمة افكارهم , فأننـا ننكر عليهم , نقل ثقافتهم من الليل التركي البارد الرطب الى الصبح العراقـي الجديد بضيق افق نظرهم الى الامور, ومحدودية المعرفة . وبما ان الافكـار البشرية المولودة في ظروف عابرة , والتي لم يكتب لها النجاح في وقتها , هـي وبلا ادنى سبيل للشك , افكار مدمرة فيما اذا اطلق عنانها , للتداول مرة اخرى , وفي غير ظروفها ومناخاتها السياسية حيث كانت ولادتها ونموها ورعرتـه. ويقيني تظل تلك الافكار ناشطة بالتدمير , ان اصر من يصر على اذكائهـا في غير زمانها , حتى وان كانت تلك الافكار عظيمة وراقية ,, في ظروفـها العابرة تلك .... وقد ترتب على رفض قيام الدولة العصرية , احياء ثقافات سياسية قديمة , واحتضان افكار قادمة من خارج الوطن الجديد وتنميتها . بدون التمعن بقصدياتها وغاياتهـا التي كانت يقينا تصب لصالح مصالح امم اخرى , تختلف اطماعها وطمـوحاتها وهواجسها ولكنها تلتقي جميعا باخراج الانكليز من هذا الكيان الجديد , اولا وقبل كل شئ كونه الحاجز امام رغبات تركيا الاتاتوركية والزحف البلشفي واحلام الخلافـة العربية, قابلها في ذلك خلق ثقافات سياسية بريطانية داخلية مستحدثة لمقاومـة التغلغل الثقافي القادم برياح تلك القوى الثلاث . ليتسنى لها ولسطوتها بقاءا فـي الشرق الاوسط , طويـلا. وبذا بنيت الثقافة العراقية ,سياسيا واجتماعيا على هذا الاساس وتراكمت وتطورت اساليبها وطرائقها التكنيكية والتكتيكية مدفوعة بشهوات امرائها , لعرقلة الكيـان السياسي العراقي الجديد , من التقدم والتحضر , بقصد او بدونه , ولقـد استطاعت فعلا ادخال البلاد والعباد الى دهاليز ليلكية مرات واخراجه من دهاليزه ورميـه في مستنقعات من الماّزق , مرات اخرى كثيرة . واذا كنا بمحل لايسمح لنـا مناقشة وتحليل ونقد تلك الثقافات , فاننا نكتفي بما حققته تلك الثقافات السياسيـة من نتائج حركتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية , بعد حوالي تسعة عقـود من نشاطها المستمر والداائب , نجد العرا ق وهو في منتصف عام 2003 بلـدا مدمرا خاضعا لسيادة الدول المتعددة الجنسية . متطاحنا تعمه الفوضى بكـل الوانها . مهددا بقطع اوصاله والناس عادوا مرة ثانية لقبوهم المظلم يترفبـون ضياء شمس تخترق ظلمات دنياهم . ولهذا أمام اهل العراق فرصة وظني انها اخيرة , فرصة ترتكز على طرح الثقافات المدمرة تلك خرج عقولها ورميها مكيسة في سراديب لتاريخ المهملة وبناء ثقافة سياسية , لاادري مضامينها , ولكنها بلاشك تنأى بعيدا عن فكر القومويون الكرد والعرب المحرض على تقزيم عرب العراق وكورده فـي دولة قومية كبرى , لم تولد ولم يحبل بها بعد . ثقافة تزيل الغمام عن عـيون العرب السنة شركاء الوطن العراقي , المتوهمين ان السلطة حق مكتسـب لهم دائما . وتحريرهم من تصديق تلك الكذبة البريطانية الانفعالية . ثقافـة تغسل قلوب الشيعة من الثأر وتزيح عن كاهلهم عقدة الاضطهاد . ثقافـة تعيش بكنفها الطوائف الاخرى حياة كريمة وعزيزة . ثقافة تحرر الانسـان العراقي من كراهية العراقي الاخر التي صنعتها ثقافات الرافضين للدولـة المعاصرة يومذاك . وادري ان في ارض العراق عرق رباني سقتـه دماء الانبياء والاولياء المقدسة, عرق محرض على التقدم والتحضر والرقي تسري فيه الاخلاق والسلام, نمضي به قدما , لنصنع الحياة التي تليق باهل العراق ....
|
||||
© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |