الوعد الصادق .. درس في الكرامة

سليمان الفهد / كاتب وسياسي عراقي

Sulaiman_alfahd@hotmail.com

يقول " جدعون ليفي " المحلل في صحيفة هأرتس الصهيونية " في الثلاث وثلاثين عاما الأخيرة حقق العرب ما حققوه فقط بالقوة منذ يوم الغفران في العام 1973 وحتى الآن . فإن العنف ليس فقط كان مجديا ضدّ العرب , بل أثبتنا لهم أن العنف هو السبيل الوحيد المفتوح أمامهم " ولكن يبدو أن العرب أنفسهم أو بالأحرى الحكام العرب لم يعوا هذه الحقيقة بعد أو على الأقل لم يحاولوا تنفيذها على أرض الواقع .

  حقا انه من المخزي أن يكتب احدنا مقدمة مقالته باستشهاد الكتاب الإسرائيليين حتى ولو من باب اعرف عدوك , حيث تاريخنا العربي والإسلامي فيه من الشواهد الكثيرة لإثبات الحجة المرجوة من الكتابة , لكن الذي اضطرني الكتابة ما التمسه وبشكل مفرط من غالبية العرب المتصهينين حكاما وذيولا كتابا ومفكرين , لا يقرأون الواقع أو بالأحرى يحاولون جاهدين طمس حقائق تاريخ وخزائن هذه الأمة .

  لقد طرحت المقاومة الإسلامية اللبنانية في ( وعدها الصادق ) مرة أخرى خيار استخدام القوة ضد الكيان الصهيوني ليس باعتباره الخيار الأفضل وإنما الخيار الوحيد , حيث أعطانا حزب الله نموذجا على مر تاريخ نضاله منذ التأسيس نماذج ناجحة لهذا الخيار ومستوى تأثيره على العدو الصهيوني في ساحة المعركة المفتوحة كما عبر عنها , حتى ممن كانوا يصرون دوما على التهرب من الاعتراف بهذه الحقيقة , فقد اعتبر أكثر من محلل سياسي صهيوني "انه كان يوما اسود بالنسبة للكيان الصهيوني هو اليوم الذي اسر فيه اثنان من جنوده من قلب مواقعه في الأراضي اللبنانية المحتلة" وكان تأثير ذلك كبيرا كما اتضح من خلال حركة النشاط والقلق التي سيطرت على إدارات وحكومات عدة بلدان مهمة في العالم جندها الكيان الصهيوني لحل الأزمة بما يحفظ ماء وجهه , ويضفي صيغة الجدية على التهديدات التي اطلقها رئيس الوزراء الصهيوني " اولمرت " وجاء فيها " إذا لم يفرج عن الجنود الإسرائيليين الاثنين خلال وقت معقول فأن إسرائيل ستجد نفسها حرة في العمل ضد أهداف في بيروت تعيد لبنان عشرين سنة للوراء . وكذلك قول احد محللي الكيان الغاصب عن العملية في صحيفة "يديعوت احرانوت": إن على إسرائيل أن تكون أو لا تكون , فنصر حزب الله ينهي إسرائيل والى الأبد " .

  إن حزب الله اثبت للعالم اجمع , أن الكيان الصهيوني لا يفهم إلا لغة واحدة في تعامله مع الحدث هي لغة القوة , اللغة الوحيدة التي يفهمها العدو ويرضخ لها , كما يؤكد ذلك احد المحللين الصهاينة إن :" إسرائيل ما كانت لتنسحب من كل سيناء أبدا لولا صدمة حرب يوم الغفران ( حرب تشرين 73) وهي ما كانت ستخرج أبدا من مدن الضفة لو لا الانتفاضة وهي ما كانت لتخرج من لبنان أبدا لولا بذل الدماء من حزب الله .

  أن الكيان الصهيوني لم يتنازل قط منذ تاريخ ولادته المشؤومة إلا بعد تلقيه صفعة , مهما كانت صغيرة وضئيلة . وكشفت عملية ( الوعد الصادق ) أن الشارع العربي والإسلامي بكل فئاته وشرائحه يغلي حماسا وعنفوانا . تجاوبا مع آلام إخوته المظلومين في فلسطين المحتلة ولبنان . فنحن نقرأ رسالة الشارع هكذا , عدى الحكام وأصحاب السيادة والسمو , أصحاب المواقف المشينة التي جعلتنا نخجل من أنفسنا بأن نكون حتى عربا . هذه المرة سارعوا بكل وقاحة التنديد بعملية ( الوعد الصادق) من اجل إضفاء الشرعية على كل ما يقوم به الكيان الصهيوني كردة فعل , اتفقوا جميعا عليها بما فيها الأمم المتحدة التي يقودها البيت الأسود بقيادة بوش وحتى روسيا صديقة العرب وفرنسا الأم الحنون كما يحلو للبعض تسميتها . دخلت خط العدو بكل وقاحة ووضوح للنيل من المقاومة الإسلامية في لبنان وفلسطين .

  فلم تعد القضية قضية أسرى بعد خمسة أيام من الدمار الشامل للبنية التحتية لكل المرافق في لبنان حيث يطالب الكيان الصهيوني بتطبيق القرار 1559 الذي من أهم بنوده غير المطبقة هو نزع حزب الله الذي سبب ولازال هاجس مخيف للإدارة الأمريكية والصهيونية . بعد أن انبطح كل الحكام العرب لأسيادهم بقبول الأمر الواقع بسيادة إسرائيل عليهم في المنطقة . فحزب الله هو أمل الشعوب المستضعفة لهذه اللحظة في مناطقنا العربية يحاولون جاهدين الانقضاض علية بأي ثمن حتى لو احترقت المنطقة برمتها .

  عملية ( الوعد الصادق ) أثبتت للعالم بأسره , أن هناك إرادة قوية لدى الجماهير بانتزاع حقوقها بأية طريقة ممكنة لسحب كل ذرائع السلام العادل والشامل بالمنطقة بمنظور إسرائيلي – أمريكي غربي .

  أطلق العالم يد إسرائيل دون قيود بشن حرب منظمة ضد بلد مثقل بالجراح كلبنان من اجل إخضاع إرادته حتى لو كلفهم ذلك تدمير بلد بالكامل وهذا ما نشاهده اليوم على شاشات التلفزة , لكن لم يستطيعوا حتى اللحظة من تحقيق هدفهم المنشود بانتزاع سلاح حزب الله وهذا سوف لن يكون أبدا وللسيد حسن نصر الله مقوله في هذا المجال :( ان أي يد تمتد لنزل سلاح حزب الله سنقطعها) . واثبت حزب الله حقا خلال الأيام الماضية للمعركة غير المتكافئة بأنه الرقم الصعب الوحيد في المنطقة الذي يحرم نوم الإسرائيليين وهواجسهم . فالحرب المفتوحة بين الطرفين لازالت في بدايتها , ولازال حزب الله يقود المعركة بحكمة سياسية وعسكرية عجزت عنها كل الحكومات العربية في كل حروبها مع العدو الصهيوني وأصبحت معركة حزب الله مع الكيان الصهيوني ,خارجة عن نطاقها اللبناني , معركة كل الأمة العربية والإسلامية . وقد فرضها الحزب هكذا بدقة متناهية .

  الصادق الوعد السيد حسن نصر الله ظل شامخا حتى اللحظة بكل رباطة جأش بأنه رجل يفي بوعوده وذلك باعتراف العدو الصهيوني نفسه على لسان كل قادته وكتابه ومحلليه , يرسل لهم الرسائل بأن المقاومة لم تستهدف المدنيين كما يفعلون وهي القادرة على ذلك . ولم تستهدف أماكن حساسة في العمق الإسرائيلي وهي القادرة أيضا الوصول إليها ويقصد فيها أماكن الخزين الكيماوي في الخضيرة وغيرها من مدن العمق الإسرائيلي وحتى المفاعل النووي الإسرائيلي في ديمونة سوف لن يكن في مأمن من الضربات ولكنه دعاهم باستخدام الحكمة والعقل وتنفيذ مطالب الأمة بإنهاء الاحتلال وفك قيود الأسرى اللبنانيين والعرب في سجونهم . بعد أن وعدوا بإطلاق سراحهم وفق عهود سابقة من خلال وسطاء ألمان ونقضوا العهد . لازال يصر الصهاينة لاستدراج حزب الله لضرب عمقهم لتجريب قدراته العسكرية واستنفاذ صواريخه التي احتار كبار رجال مخابراتهم بتحديد موقعها وعددها ومدى قدرتها على الضرب .

  الصادق الوعد , قال لهم كلما ضربتم موقعا سنرد بالمثل بالعمق ليثبت للعالم اجمع بأن العرب لم يعتدوا يوما وإنما هم المعتدى عليهم ويجب الدفاع عن النفس . ولكني اعتقد أن اللعبة الإسرائيلية سوف لن تدوم طويلا بسبب صبر المقاومة على الصمود والتصدي في معركة غير متكافئة عسكريا فقط . لقد جرب الصهاينة وجبروت قوتهم العسكرية باختراق الحدود اللبنانية لكنهم تكبدوا خسائر لم يعلن عنها بعد واعتقد إنها كبيرة وتقهقروا في القاطع الغربي بعد محاولات فاشلة . لازال حزب الله يحكم سيطرة على طول الجبهة الأرضية على الحدود مع العدو حيث ستتغير المعادلة آجلا أم عاجلا بعد أن تنفذ كل محاولات إسرائيل بإثارة الشارع اللبناني ضد الوعد الصادق عن طريق تدمير كل بنى لبنان التحتية.

فضرب الحزب عمق إسرائيل وصل حيفا والقادم أعظم واحرق بارجة من أصل ثلاثة فقط تملكهم إسرائيل بهذه المواصفات , لم يستطع العرب جميعا حرق واحده في كل حروبهم مع العدو في أول يومين من المعركة , وكذلك ادخل الشارع الإسرائيلي في كل أراضيه في الملاجئ أيضا وشن حربا نفسية مؤثرة في العمق .

  حكام عرب متخاذلون دون استثناء.

 جامعة عربية معطلة حد الصمت .

 شعب عربي يغلي يبحث عن رد اعتبار للكرامة العربية المفقودة.

 مرتزقة من الكتاب المحليين يدفعون بالشارع نحو الانهيار النفسي.

 قلة من الكتاب والمنصفين العرب يدفعون بالشارع نحو المصداقية والأمل.

  بين كل هذه المتناقضات غير المتكافئة وخاصة المحيط العربي والإسلامي بكل تشكيلاته الحكومية والشعبية التي لا حول لها ولا قوة . ذهبت بعيدا لاستقراء الشارع الإسرائيلي بما يجري واخترت لكم بعض النماذج .

  في لقاء مع والد احد الأسرى الإسرائيليين لدى حزب الله يقول بالحرف الواحد :" إذا كان كل هذا الدمار بسبب ولدي فيجب أن يتوقف دون إراقة دماء" ويكتب احد اليهود في الصحف الإسرائيلية أيضا قائلا : " أن ما أراه من دمار للبنان حقا عار علينا كيهود واني بريء من ذلك " ويضيف آخر في صحيفة أخرى :" إنها النازية الجديدة " وفي بيان للحزب الاشتراكي الإسرائيلي كذلك أدان العمل البربري الغير منطقي ضد المدنيين وعدم قيام إسرائيل بجهود حقيقية نحو السلام " . هذا جزء يسير من مما قاله المنصفين اليهود هنا وهناك يدل على أن الشارع الإسرائيلي منقسم على نفسه وقد يحدث بركانا بتقدم أيام التدمير المنظم . كما إننا نجد في الجانب الآخر من الشارع من يطالب بحرق المنطقة حقدا وتدميرا من اجل الحلم الصهيوني وأرضه الموعودة من النيل إلى الفرات . واقتبس كلاما لرئيس حزب – شاس – " عودفايا يوسف " يصف العرب بأنهم ثعابين نجسة . واعتبر اليهود الذين قتلوا على يد النازيين أواسط القرن الماضي ما هم إلا أرواح يهود قدماء تلبست بأجساد هؤلاء , ليقوم النازيون بإبادتهم لذلك , فأنه برأي " يوسف " : أن العرب ما هم إلا أرواح شريرة من بني إسماعيل تناسخت في أجساد عرب اليوم يتوجب على اليهود إبادتهم دون رحمة .

  انظر عزيزي القارئ هكذا فكر متعفن عنصري حاقد على كل ما هو عربي من قيادات حزبية تحرك الشارع الإسرائيلي الذي يؤثرون ويتأثرون به .

  نعود للوعد الصادق الذي أكده الصادق في خطابه الأخير حيث يقول : لقد حاولنا التصرف بهدوء وحكمة لكن العدو الصهيوني هو الذي دفع بكل شيء نحو الاسوأ نتيجة غطرسته وبربريته المعهودة . وأكد إن قوتنا نابعة من إيماننا بالله ونحن نحدد الزمان والمكان ولا يجرنا العدو إلى أهدافه حيث انه أي العدو لا يستطيع فرض المعركة وتوجيهها بطريقته , وأكد بأن المقاومة قدمت القليل ولازالت ستقدم الكثير الكثير بدعم الجماهير العربية والإسلامية المعنوي ليس إلا . فنحن لا نطلب مالا ولا سلاحا ولا بشرا عندنا ما يكفي لخوض المعركة حتى النهاية .

  هكذا كان الصادق يتحدث بثبات ولكننا نجد اصواتا مبحوحة من أقصى المشرق العربي إلى تخوم مغربه تتحدث عن إحباط المعنويات ولكن هذه المرة يقود هذا الإحباط حلف صهاينة العرب من السعودية والأردن والبحرين ومصر ومن لم يصرخ علنا بعد خوفا أو حياء من شعبه الذي سيثأر للكرامة العربية المفقودة في زمن عاهر يقوده أولاد ..... القدس عروس عروبتكم . كما يقول شاعرنا المبدع مظفر النواب في قصيدة المشهورة .

 وكما يؤكد دعبل بن علي الخزاعي أيضا :

 ما كنت إلا كغيث خاب امله - وجاد يوما على قوم بلا أمل

  إن ما يثير الاستغراب حقا من مأجوري الكيان الصهيوني – الأمريكي ومروجي فكره والخانعين بدأوا يكتبون من دون تردد حول ما تمليه عليه ذاكرتهم المتعفنة في تشويه الحقائق التاريخية ومن المؤسف حقا أن بعض وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة نشرت ولا زالت تنشر لهذه الأبواق واني أتنزه من تسميتها . تصوروا احد المواقع التي أثبتت صهيونيتها بلا منازع"ايلاف" السعودية . حاولت أن أشارك الناس بالرأي في أكثر من خمسين مقالة نشرت في موقعهم تخص الحدث اللبناني العربي المقاوم , لكني لم أر أي نشر لتلك الأفكار إطلاقا وحتى وصلت الحالة أن أخاطب رئيس التحرير عثمان العميري وآخرين ولم يردوا على رسالتي ولا حتى تبيان الأسباب بعدم النشر ويعلموا هم جيدا نحن ليس من النوع القارئ الساب الشاتم أبدا ولكن لنقدم تحليلا منطقيا من وجهة نظرنا , تصورا حتى حاولوا حصار هكذا أفكار من اجل تمرير سياسة السعودية الصهيونية واني اعتب على كل الكتاب الشرفاء في الموقع من عدم اتخاذ موقف مشرف من هذه المسألة المخزية . انه الزمن العربي الصهيوني المقيت .

  وان ما يثير استغرابي أيضا الحركة الإسلامية العراقية التي تشارك أمريكا احتلالها للعراق . لم أجد إلا بيانات يتيمة لا تغني ولا تسمن جوع وهي التي أبهرتنا على مدى الأربعين سنة الماضية متشدقة بفكر الشهيد الصدر الأول الذي أبى أن يكون مطية للفكر الأعمى المتسلط داخليا وخارجيا وأعطى ثمن ذلك حياته ابتغاء مرضاة الله لا غير .

  وان ما يثير الاستغراب أيضا ذباحوا القاعدة من زرقاوين وخضراوين وصفراوين ولم ولن استغرب ذلك أبدا . ادعاءات فلولها المجرمة التي أبدعت بذبح العراقيين على الهوية ولم تمس المحتلين إلا بالنذر القليل جدا حينما قالوا وعربدوا طورا إن حزب الله يشكل مانعا رئيسيا لهم من الوصول إلى جبهات القتال في فلسطين . فالآن أصبحت المعركة مفتوحة وحدود لبنان مشرعة على كل اتجاهاتها . فأين هم ليرونا كذبتهم الكبرى بتحرير فلسطين ومقاتلة إسرائيل وأمريكا .

  وما يثير اشمئزازي حتى التقيؤ من بعثيي العراق المقاومين للشعب العراقي وليس الأمريكي الصهيوني , بعد أن وقف حزب الله وقيادته بجانبهم لمقاتلة الاحتلال الأمريكي ولم نسمع منهم صوتا أو عبرة مخنوقة .

  حقا إننا في زمن كاذب , في عصر الخيانة , في أيام العالم العربي الصهيوني .

 لقد سقطت كل تلك الادعاءات في كل الاتجاهات من أدبيات تلك الحركات والأحزاب التي تتشدق بفلسطين والعرب والعروبة والإسلام والمسلمين . لكن رهان صادق الوعد على الشعوب في النهاية . واني في شك من ذلك الرهان . حيث أقول لا تراهن سيدي الغالي على هؤلاء أبدا , وعلى العراقيين غفران خطأ في استراجية حزب الله لموقفه من النظام ألصدامي 2003 لنفتح صفحة جديدة لأبناء الحسين لملاقاة المنقذ بعد أن عبث الظلم مبعثه في الأرض .

 نعم يا صادق العهد أنها معركة الكرامة والنصر قريب من عند الله وحده وليس من عرب بني صهيون . وعندها سيلاحق العار كل الذين انضموا لقتالك بالسلاح والكلمة والموقف .

 لقد جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا .

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com