من الذي شبك سيار الجميل..؟؟

هادي فريد التكريتي/ عضو اتحاد الكتاب العراقيين في السويد

hadifarid@maktoob.com

إنشغل، الأستاذ الدكتور سيار الجميل، بالهم العراقي منذ أمد طويل، فكانت كتاباته التاريخية والسياسية والنقدية، وآراؤه، جريئة وصائبة عن مجتمعاتنا وأنظمة الحكم فيها، لذا حظيت أفكاره، وتحظى، باهتمام ومتابعة الكثير من السياسيين والمثقفين العراقيين، والعرب والأجانب، وبما عرف عنه من جرأة في الطرح والمعالجة، تعرض لهجوم من عناصر متطرفة ورجعية، قومية ـ شوفينية ودينية ـ طائفية، فكلاهما ينهجان، باتجاه إقامة أنظمة قمعية استبدادية وشمولية، لا يعترفان بحرية الرأي والديموقراطية وحقوق الإنسان، وسيبقى قلم الأستاذ الجميل ملاحقا ومهددا بالكسر، طالما بقي راهنا قلمه لكشف حقيقة المتاجرين بالدين والقومية، وداحضا نهج وفكر القائمين على تزييف التاريخ والواقع.

طمس الأسباب والدوافع لحقيقة الصراع الدائر بين مكونات المجتمع العراقي، لا يخدم الحلول المنطقية والواقعية السليمة التي يسعى إليها الشعب العراقي، كما لا يخدم مسعى المخلصين من القادة الوطنيين، والحريصين على وحدة وسلامة العراق أرضا وشعبا، وتخليصه من مآسي القتل والتهجير والتدمير، الذي طال دون تفريق كل الطوائف والقوميات، فرد أسباب هذا الصراع، كما يحلو للعنصريين والطائفيين، على التنوع لمكونات الشعب العراقي، أمر مفتعل، خدمة لأغراض تقسيمية، سعت وتسعى إليه منذ وقت طويل، دول الجوار، والدول الكبرى، الطامعة في السيطرة على موقع العراق الجغرافي، ولما يتمتع به من ثروات طبيعية مختلفة، ولماله من أهمية إقتصادية وعسكرية، ولا أعتقد أن الأستاذ الجميل، يجهل أجوبة التساؤلات التي أوردها في مقالته الموسومة \" واللي شبكنا ايخلصنا..\" فتساؤلاته تحمل دلالات على خلل وطني، تفشى في المجتمع العراقي، بعد سقوط النظام وسيطرة قوات الاحتلال الأمريكي على كل مرافق الحياة، فالحرب كانت الوسيلة الوحيدة لتحقيق أهداف السياسة الأمريكية، المرسومة سلفا، ونجاح إدارة قوات الاحتلال في مهمتها بعد سقوط النظام، تقتضي إلغاء وتعطيل الوعي الوطني للشعب العراقي، وإحلال صراع مفتعل بين كل الطوائف الدينية والمكونات القومية، وهذا ما حصل، فما يتساءل عنه السيد سيار الجميل من قيم ل \".. الوطنية وعلاقات المحبة والروابط التي ربطت بين العراقيين على مختلف العهود... \" هي قيم أصيلة، بين مكونات هذا الشعب، رسختها صروف الدهر ومحنه، ووثقت عراها منازلات وطنية، لم تفرقها تعدد طوائف ومذاهب المساهمين فيها، على طول مدى سني النضال، منذ ثورة العشرين، ومرورا بما يسمى بالحكم الوطني، وحتى بعد أن تسلم القوميون الفاشست مقاليد الحكم، كانت المنازلة قائمة بين قوى وطنية ونظام حكم فاشي وعميل للدولة التي أسقطته جيوشها، وحصيلة هذا الحكم الذي دام أربعين عاما، تشويه للحياة الاجتماعية العراقية، طال حتى حقائق التاريخ والجغرافيا، وأفرز علاقات هجينة، غير أصيلة، بين مكونات الشعب العراقي، نتيجة لغياب قسري للقوى التي تمثله فكريا وسياسيا، في ظل هذا الواقع، وليس بعيدا عن إرادة ورغبة الاحتلال وإدارته، جرت انتخابات لدورتين، غير نزيهة وغير متكافئة، وسط مظاهر افتعال وتجييش لمشاعر طائفية وعنصرية، أسس لها النظام الساقط، واستغلتها بشكل بشع قوى طائفية، لم تتردد عن ارتكاب كل المحرمات والسفالات التي تأباها قيم الإنسان السوي، ناهيك عن الدين الذي حرم ما هو دونها، وهذا هو حقيقة السر الذي أفرز عناصر حكم وممثلي شعب، كان المواطن البسيط، أكثر شجاعة منهم في تحديه للإرهاب، أثناء التصويت لهؤلاء الذين تساءل عنهم الأستاذ سيار الجميل في مقالته \"..كيف يأتي كل هؤلاء النواب ورجال الحكومة بمثل هذه النسبة العالية من إرادة العراقيين..وهم ليسوا باستطاعتهم أن يمشوا طلقاء لخمس دقائق في شوارع بغداد..\" لا أعتقد أن السيد الجميل يجهل أسباب هذا التردي المؤسف لحالة النواب، ممثلي الشعب، المحصنين بالحماية البشرية والحديدية، فالمفروض بهؤلاء النواب والحكومة المنبثقة منهم، أن يوفروا الحرية والحماية لعامة الشعب العراقي، المستباح دمه من قبل قوى تكفيرية إرهابية متعددة الولاءات، وميليشيات مختلفة تمثل أحزاب الحكم الطائفي، فقادة الحكم وعناصره ونواب (الشعب)، على مختلف انتماءاتهم، تحتمي بالمنطقة الخضراء وحراب المحتل، ألا أنهم لم يسلموا من قتل وخطف المليشيات لمختلف أجنحة الحكم، وفي كل الأحوال، يبقى المواطن العادي والبسيط، ضحية صراعات اللاهثين وراء الجاه والسلطة، التي تحركها إرادات أجنبية في كل الاتجاهات، وهي السبب في تدهور الأوضاع الأمنية والسياسية، التي يعاني منها الشعب ويفتقدها من حكومته، فالأمن وسلامة العامة والخاصة، هي مسؤولية الحكم بالدرجة الأولى، قوات احتلال أم حكم وطني، والشعب العراقي في كلا الحالين، لم يكن مسؤولا عما حصل ويحصل الآن، فالخلل ليس في قيم الشعب الوطنية، بل في الحكم نفسه، الذي يمثل أهداف ومصالح المحتل بالدرجة الأولى، والمحتل نفسه هو وراء كل الخراب الذي يعيشه العراق، فكل الخطوات التي نفذتها إدارة الاحتلال، مع ما يمارسه السفير الأمريكي، منذ سقوط النظام، هي تدخل سافر في الشان الداخلي العراقي، تتناقض كليا ومبادئ الديموقراطية، التي ترغب إقامتها الإدارة الأمريكية في العراق. الحصيلة للسياسة الأمريكية، في العراق وفي المنطقة، تؤكد تردي في الأوضاع التي نعيشها ونشاهدها، عندنا، وفي فلسطين وسوريا، وأخيرا الحرب الإسرائيلية على لبنان، كل هذا نتيجة لمخطط دموي تمارسه أمريكا في المنطقة، بدعمها الصريح لإسرائيل وإطلاق يدها، في السر والعلن، لتخريب كل جهد وطني في العراق وغيره، وهذا لم يعد سرا، أو خافيا حتى على المواطن البسيط.

أمريكا هي من \" شبك \" الكثير من كتابنا ومثقفينا، وأسر لبهم، باعتقادهم أن أمريكا هي المنقذ من عسف واضطهاد أنظمة الحكم الرجعية، وهي من سيؤسس لنا حكما ديموقراطيا بديلا، نستظل الفيء بظلاله، وإذا به حكما طائفيا، معمدا بالخوف والرعب والدماء النازفة على مدار الساعة، ولسان حالنا يتمثل المثل الشائع: (كالمستجير من الرمضاء بالنار) هذا الواقع لا أعتقد إن السيد سيار الجميل، لا يعرف حقيقته، وهو من سبق له في مناسبات عديدة ومتكررة، أن شخص الداء والدواء، فهو إذ يعلن في مقالته \" اللي شبكنا يخلصنا \" ويقول \"..كم دعونا إلى ترسيخ الثقة بين العراقيين، كم دعوناكم إلى تأسيس حكومة طوارئ والمرور بفترة نقاهة تاريخية..\" السيد سيار الجميل قطعا لم يوجه نداءه للبسطاء من الناس أو لعامتهم، فهؤلاء في شغل همومهم الأمنية والمعاشية، تشغلهم عن قراءة الصحيفة أو متابعة ما يكتب على الأنترنيت، إنما المعني بخطابه هم الصفوة، من سياسيين ومثقفين وقادة أحزاب، ورجال دين مسيسين، وتكنوقراط حاصلين على شهادات عالية، تقود سلطة الدولة بكل فروعها وأقسامها، والمفروض ابتداء، أن تتوفر بكل هؤلاء صفات التفاني لخدمة شعبهم، متحلين بالصراحة مع من انتخبوهم، وبالصدق والنزاهة والأمانة والاخلاص والعدالة والترفع عن الابتزاز والمتاجرة، بالقومية والعنصرية، وبالدين والطائفية وبالعواطف والمشاعر، واقع حال الكثير من هؤلاء، تنقصهم كل، أو بعض، هذه الصفات، وتأيد هذا المذهب نتائج التحقيقات التي توصلت إليها المفوضية العليا للنزاهة.النخب السياسية هي من يتحمل المسؤولية، افتراضا، في قيادة وحكم الشعب العراقي، ولهم يوجه الخطاب، إلا أنهم في واقع الحال غير قادرين على معارضة نهج إدارة الإحتلال، فهي من جاءت بهم، ولا قرار يعلو على قرارات سلطة الاحتلال، وهي من أراد أن تجري مظاهر ديموقراطية زائفة، تبطن الفرقة بدلا عن الوحدة، بتشريع دستور سلقت مواده سلقا، يلغي ويعلق، كل نهج ديموقراطي، و يحول دون ممارسة أي حق عام أو خاص، يتعارض مع حكم الإسلام، هذه هي الديموقراطية التي ترضي الطائفية وتوافق عليها أمريكا.. من يقرأ مقالة \" اللي شبكنا يخلصنا \" ويتمعن في مفرداتها ومدلولات جملها وما تعنيه، يتوصل إلى أن السيد الجميل يريد الحديث بصدق وبصراحة، إلا إنه كمن يجد في فيه ماء، فهو غير قادر على قول الحقيقة، لسبب لم يفصح عنه، وإن كان عنوان المقالة \"اللي شبكنا يخلصنا \" يشير إلى أن المتسبب هي أمريكا، في كل المصائب التي حاقت، والمحيقة بالشعب العراقي، من قتل وتفجير وتفخيخ، وتهجير للطوائف والاقليات الاثنية والقومية، وربما القادم أدهى وأقسى. كل ممارسات الجرائم تؤكد دلالاتها لصناعة أمريكية، تنفذها أيادي منظمات، عميلة ومأجورة، تتعامل بالجملة والمفرد، مع من يدفع أكثر. أمريكا وليس هناك غيرها من \" شبكنا \" وأوقعنا في أسر شباكها، وبالتالي يحق للمرء أن يتساءل: هل أمريكا قادرة على خلاصنا، بعد أن َعَقدت علينا، وعلى نفسها، طريق الخروج من شباكها..؟

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com