|
الــكـوبــونـات الأنـتخــابيــة الدكتور فلاح اسماعيل حاجم استاذ جامعي متخصص بالقانون الدستوري / موسكو لم يمض وقت طويل على اول انتخابات لبرلمان دولتنا الدائم, ولم يجف حبر تقارير فرق الرقابة الدولية حول التزوير والخروقات الكثيرة والتي كادت تعصف بتجربتنا الديمقراطية, وربما بكامل العملية السياسية الجارية في بلادنا بعد, ولم يتسن لمجلس نوابنا بعد سن تشريع لتنظيم عمل الجهاز الانتخابي الاهم في بلادنا. لم يمض كل ذلك حتى تواترت الانباء عن اعتقال المدير العام التنفيذي للمفوضية العليا للانتخابات في العراق ومجموعة من كبار موظفي المفوضية بتهمة الفساد و الاختلاس وهدر المال العام. ان احالة هذا العدد من كبار موظفي الجهاز الانتخابي الاهم في بلادنا اضافة الى كونه يؤشر,في حالة ثبوت الاتهام ضدهم طبعا, الى توفر فعل يكاد يرقى الى مستوى الجريمة المنظمة, فأنه يؤسس ايضا لسابقة بالغة الخطورة في الحياة السياسية العراقيةالمعاصرة. ينبغي التوقف عندها ومعالجتها بمسؤولية عالية. على ان واحدا من اكثر اسباب اكتشاف الجريمة المنظمة انتشارا هو اختلاف المساهمين فيها حول اقتسام (الغنيمة), ما يفسر زيادة وتيرة الاتهامات المتبادلة بين موظفين رفيعي المستوى في الايام التي سبقت احالة بعض موظفي المفوضية الى التحقيق. ان المقالة التي كنت قد نشرتها قبيل الانتخابات بفترة قصيرة (والتي اعيد نشرها الآن), تضمنت الكثير مما كنت اضنه نموذجا للخروقات التي عادة ما ترافق اجراء العملية الانتخابية في الظروف السياسية الاستثنائية. واذا كان الدافع من وراء نشري لتلك المقالة هو تفعيل ممارسة الحق الانتخابي بالنسبة للناخبين العراقيين خارج الوطن, فانها (المقالة) لا تخلو ايضا من التحذير مما يمكنه ان يوفر الارضية المناسبة لبروز ضاهرة الفساد بشكل عام, والمالي على وجه الخصوص. وربما كان للخبرة التي اكتسيتها على مدى اكثر من عشرة سنوات في الاشراف على الدورات التدريبية لطلبة كلية الحقوق في اللجان الانتخابية المحلية منها والمناطقية , وحتى المركزية, اثرها ايضا في تنمية نوع من الحساسية تجاه الانشطة التي يكون للفساد المالي فيها ثمة متسع من المجال. على ان ما يجعل شكنا مبررا هو التجربة المريرة لبلدنا مع المنظمات الدولية, حيث العقود الوهمية لمفوضية الانتخابات, كما اوردته مصادر قضائية, تدفع الى الذاكرة فضيحة الكوبونات النفطية والتي استخدمها النظام البائد لتوزيع الرشى وشراء الذمم. ان احالة موظفين كبار الى العدالة مع انه يمثل حالة ايجابية وخطوة هامة في طريق تفعيل المؤسسات الرقابية والقضائية, وتلك من سمات دولة الحق الاساسية, الأ ان الاهم, باعتقادنا, هو ردم الفراغ القانوني الذي كان السبب في توفير الارضية المناسبة للفساد الاداري والمالي. من هنا تكون خطوة تعديل التشريع الانتخابي المهمة الاكثر الحاحا في الوقت الراهن.
الـناخــبـون العـراقـيـون فـي الـخارج بيـن مـبدأ الاقتراع العام والموانع الانتخابـية ( انني اتمنى ان لا يكون صوتي كوبونا انتخابيا )
تثير مسألة الانتخابات العراقية المقبلة بشكل عام وتأمين ممارسة الحق الانتخابي لعراقيي المهجر على وجه الخصوص نقاشا متزايداً في اوساط العراقيين الموزعين على بلدان مختلفة في مشارق الارض ومغاربها. ويبدو ان واحداً من فصول هذه العملية قد بدأ بالفعل وذلك من خلال الاعلان الرسمي للمفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق والقاضي بشمول العراقيين في الخارج بممارسة الحق الانتخابي وتعيين مراكز انتخابية في 14 دولة لتمكين الناخبين العراقيين من البدء باولى تجاربهم الديمقراطية على الاطلاق؛ ومن هنا يمكننا تفهم القلق المشروع الذي ينتاب عشرات الآلاف من المغتربين العراقيين في البلدان التي لا يشملها قرار المفوضية؛ سيما وانهم كانوا يتطلعون الى الاسهام في بناء مؤسسات دولتهم التي غُيبوا عن المشاركة في تشكيلها ومراقبة ادائها خلال عقود كثيرة من الحكم الشمولي القمعي المقبور. ويلعب مثقفونا في الخارج في الوقت الحاضر دوراً ملموساً في نشر الوعي الانتخابي ويحاولوا قدر استطاعتهم الاسهام في انجاح هذه التجربة الوليدة و ذلك على الاقل من خلال المطالبة بالمشاركة ودفع الآخرين للمشاركة في الانتخابات المرتقبة ايمانا منهم بأن العزوف عن المساهمة في هذا الحدث المهم سيكون تنفيذا لرغبة اؤلئك الساعين لافشال التجربة الديمقراطية في العراق. ومما يثير الارتياح حقاً هذا التحرك الكبير والجهد اللا محدود الذي تقوم به لجان تنسيق المنظمات السياسية ومؤسسات المجتمع المدني العراقية في الخارج على اختلاف مشاربها وتوجهاتها لانتزاع الحق الانتخابي واستعداد الكثيرين للعطاء في سبيل انجاح تجربتنا الديمقراطية الوليدة؛ وربما كان من الافضل لجهازنا الانتخابي المركزي (المفوضية العليا) الاستفادة من الطاقات العراقية الكثيرة اذ ان من غير المعقول الاستعانة بخبرات اجنبية في حين تعج بلدان المهجر بكوادر عراقية نادرة وبجميع المجالات. واذا كان هدف المفوضية هو تأمين نزاهة الانتخابات وشفافيتها فان هناك آليات كثيرة لتأمين ذلك دون اللجوء الى المنظمات الدولية (وحتى المستقلة منها) والتي لشعبنا معها تجارب مريرة لا زالت فضائحها تطفوا على السطح. فما المانع من تشكيل مكاتب انتخابية في الخارج تابعة للمفوضية العليا كما هو الحال بالنسبة لمكاتب المفوضية في المحافظات؛ ام ان هناك اعتبارات اخرى تجعل من عراقيي المهجر غير جديرين بالثقة. واذا كان ثمة ما يمكن الاتفاق بصدده مع المفوضية العليا فهو صيانة العملية الانتخابية من تأثير السفارات العراقية؛ ذلك ليس لان سفارات بلدنا تشكل جزءاً من الجهاز الحكومي الذي لا ينبغي له التدخل بالعملية الانتخابية؛ وانما لان الغالبية العظمى من تلك السفارات لا زالت مشغولة من قبل مخبري الاجهزة القمعية للنظام البعثي البائد وملحقياته الامنية. ان مراجعة بسيطة لتأريخ القانون الدستوري والتراث البشري في مجال الانتخابات تبين بوضوح ان تثبيت مبدأ الاقتراع العام (شمولية الانتخابات) جاء تتويجاً لنضال طويل ضد الاقتراع المقيد الذي كان واحداً من اساليب الطبقة البرجوازية للاحتفاظ بالسلطة؛ ومن هنا جاء تأكيد منظروا الثورة الفرنسية على اعتبار الاقتراع المقيّد بمثابة المزاوجة ما بين الديمقراطية والآهلية في تمثيل مصالح الدولة. ان قراءة التشريعات العراقية مثل قانون ادارة الدولة للفترة الانتقالية وقانون الانتخابات تبين ان تلك التشريعات كانت الاكثر ديمقراطية بين مثيلاتها في الدوّل النامية وحتى في البلدان الاكثر تقدماً؛ اذ انها ذهبت الى وضع ما متعارف عليه من شروط بالنسبة لحق التصويت وهي شرطي المواطنة و الآهلية الانتخابية (الفقرة الاولى/ القسم 5 من قانون الانتخابات). اما بالنسبة لحق الترشيح فقد كان من بين اهم منجزات التشريع الانتخابي العراقي هو تضمينه للمانع الاخلاقي المتمثل في استثناء البعثيين بدرجة عضو فرقة او اعلى وكذلك منتسبي الاجهزة القمعية السابقة بالاضافة الى المحكوم عليهم بجرائم مخلة بالشرف (المادة الحادية والثلاثون من قانون ادارة الدولة للفترة الانتخابية). انني ارى ان المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق جعلت بعضاً من قواعد انظمتها من المرونة بحيث تجعل من ممارسة الحق الانتخابي امراً ثانوياً ومستحباً؛ مما لا يتماشى مع التوجه العام للدولة العراقية الجديدة التي يراد لها ان تكون دولة الحق والمؤسسات؛ فمنح عراقيي المهجر حق التصويت وسلب ذلك الحق في آن واحد من خلال التنصل عن توفير آليات ممارسته بالشكل الذي يضمن تنفيذ مبدأ شمولية الاقتراع سيؤسس لبداية غير سليمة وغير دستورية وسيدفعنا للقبول ( وان على مضض) باطروحة تأجيل الانتخابات لحين توفر امكانيات افضل لتحقيق شموليتها. ان نصيحة المفوضية العليا للعراقيين بالسفر الى الدول الاخرى؛ حيث تتوفر المراكز الانتخابية؛ تبدو غير مفهومة للمواطن العراقي المقيم في روسيا ودول الرابطة المستقلة؛ على سبيل المثال؛ اذ ان منح تأشيرة الدخول لأي من تلك الدول تكون مستحيلة دون استلام طلبية (دعوة) من احد مواطني الدولة المضيّفة او مؤسساتها؛ فهل لدى المفوضية العليا والجهة الدولية المتعاقدة معها تلك الامكانية؟ ولو افترضنا جدلاً ان هذه المعضلة قد حُلت بشكل ما, فكيف لنا تأمين الحق الانتخابي لذوي الدخل المحدود وهم الغالبية هنا؟. وهذا ما سيعيدنا الى البدايات الاولى من القرن الثامن عشر والتاسع عشر عندما كانت التشريعات الانتخابية تعتبر حق الاقتراع وظيفة يمكن مزاولتها للمؤهلين فقط, وعندما كان النصاب المالي واحداً من الموانع الانتخابية الاكثر شيوعا؛ حيث رُبط حق الاقتراع بمقدار الدخل السنوي للفرد ومقدار ما بحوزته من اموال و عقارات. ان الحديث عن حق المساهمة في الانتخابات القادمة وامكانية مشاركة عراقيي المهجر فيها لابد وان يقودنا الى الخوض في المبادئ القانونية الاساسية والبديهية ومن ضمنها مبدأ المساواة في الحقوق والواجبات؛ اذ ان منح هذا الحق وتوفير مستلزمات ممارسته للبعض من ابناء بلدنا واستثناء البعض الآخر منه؛ مهما كان عددهم؛ سيُعَدُ خرقا واضحاً لمبدأ المساواة الذي كفلته المادة الثانية عشرة من قانون ادرة الدولة العراقية للفترة الانتقالية؛ وسيجعل من الممكن الطعن بدستورية تلك الانتخابات وسيكون التشكيك بمصداقية القائمين عليها؛ مهما صدقت نواياهم؛ امراً مشروعاً ووارداً. انني اعتقد ان دراسة متأنية ومستفيضة لمجمل المسائل المطروحة بشأن تأمين ممارسة الحق الانتخابي للعراقيين في الخارج سيكون له اثر بالغ الاهمية على مجمل العملية السياسية في بلادنا؛ واعتقد ايضاً ان على المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق نشر الاتفاقيات المعقودة مع المنظمة الدولية للهجرة والمنظمات الاخرى حول كيفية صرف المبالغ المحوّلة لتلك المنظمات اخذاً بمبدأ شفافية العمل وتأميناً لمستقبل الرقابةالشعبيةٍ والتي لابد وان تكون حاضرة في كافة مجالات العمل لاجهزة الدولة في العراق الجديد.
|
||||
© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |