ابكوا لبنان الآن، كما بكيتم فلسطين وتبكون العراق

إيفان تيسير

ivanof.87@hotmail.com

مشيت شوارع هذا البلد العظيم الجميل المليء بالفن و الثقافة و التاريخ. حلقت فوق بنيان لبنان الذي سوته  الصواريخ و القنابل الغدّارة بالأرض فأحنت قامتها السامقة مع الجبل.

رأيت في هذه البلد الجميل عروس البحار، بيت الفينيق، أطفال يُحرَقون، شيوخ يختفون، ورود تذبل وأشجار  الأرز تشتعل! بيوت تهدم و شوارع ينتهي بها الأفق في بعد نظر شيخ رأى نهاية عمره.  دموع غسلت وجه طفلة صغيرة من دماء أبويها التي غطت وجنتيها و دموع أمطرت وشرايين دم  تفجرت  لأمّ  تحاول انتشال ابنها من تحت انقاض بيتها. دموع ملأت قلمي و هو ينزف حبر هذه الكلمات. آه يا لبنان، يريدون أنْ نفتقدك يا بيروت يريدون محو نجمتك  من عُلا هذه السماء؛ آه يا بيروت ضموكِ إلى فلسطين و العراق في قوائم بلاد الخير المدمرة المسروقة.

في الأيام الماضية لم يكفَّ عقلي و لا عيني و لا يداي عن المحاولة: كتبت أكثر من بداية و أكثر من فكرة لمقال حول ما يحصل في بلد عزيز عليّ كما هو عزيز على كل عربي حق. قلبي و أفكاري تجمّدت لهول المصاب و لم استطع إيجاد الكلمات الوافية لكي أعبِّر عما أحس به؛ و لم أجد لغة تصف الجريمة. فما يحصل في العراق و الآن في لبنان لا يدع للكلمات مكان في نار الأحاسيس و المشاعر المحروقة المؤلمة.. لم أجد كلمات تفي التعبير عن كل هذا الالم الذي نحس به.. لست أنا وحدي، متأكد من أحاسيس إنسانية لابد أن تعلو يوما بغير بالكلمة الفعل. هذا النص مجرد خط في لوحة رسمتها الآلام من بيروت وحتى بغداد.

أيقظني أخي منذ بضعة أيام صارخا و هو منحنٍ قرب سريري أن إسرائيل دخلت جنوب لبنان. لم أستطع التصديق فقلت له إنه يكذب لإيقاظي من نومي بعد سهر الأمس. و لكن فاجعتي كانت مذهلة عندما شاهدت الأخبار ذلك اليوم. لم أستطع أن أقول شيئا؛ فوقفت أمام التلفاز جامدا! في الساعات التي تلت قلت لأخي ونحن نناقش ما يحصل إن إسرائيل لن تقف عند الحدود الجنوبية للبنان. فهل لإسرائيل أن توقف تقدمها في هذه المرحلة!؟ آملا أن أكون مخطئا!

تابعنا الأخبار في الأيام التي تلت و لكن خذلتني رغبتي و غدرتني أمنياتي فإسرائيل لم تتوقف. ما سبب هذا الهجوم المفاجئ ، إن كان مفاجئا!ِ؟ جنديان اسرائيليان احتجزهما حزب الله؟ جنديان!  هل هذه ذريعة! أم خطة تقدم على الحدود! أم لعبة من عدة أطراف منها إسرائيل و آخرون مِن داخل هذا البلد الجميل!؟ هجوم على بلد كلبنان جريمة أخرى، بلى أخرى، فالعراق يعاني  منذ سنوات ولا من منقذ من جرائم الأشرار الدخلاء وفلسطين واستهتار الآلة العسكرية الإسرائيلية وأيضا قوى الإرهاب وها هي لبنان تشتعل من همجية إسرئيلية ومن إرهاب مقتع بمقارعة الغزو .

لبنان تـُدمَّر من أجل ذريعة خلقت من قبل أطراف "عدوة". لم يُترَك هذا البلد بسلام منذ سنين، هوجم كثيرا و لكنه تقدم و قدم أشياء وهو يتقدم حتى الآن وكاد أن يعيد عافيته لولا؟؟  لبنان ضحية صراعات ليس من خاسر فيها و من خلالها غير شعب ذي تاريخ عظيم. حتى الآن ضحايا التفجيرات و الهجوم بالصواريخ البرية، البحرية و الجوية هم أطفال، نساء و شيوخ، أناس أبرياء. ما ذنب بيروت في هذه المناورات السياسية و هذا "المارش" العسكري ومشهديهما الدمويين. وهل سيكفي ان يكون جنديان اُحتُجزا فيها للشروع بهذي الحرب؟ الحرب التي لن تكون غير تدمير لمجتمع من محبي السلم والحرية في الشرق الأوسط، هذه التدميرات من كلا الطرفين لا يمكن أن تكون مبررا لاستفزازات ولتدمير و لإنهاء الحياة الجميلة في المنطقة.

لبنان نزفت دموع أطفالها و دماء بُناتُها و روح محبيها، فليست هي وحدها جُرحت بل جُرح كل من عزَّ هذا البلد، كل "عربي" قال إنه مناضل في سبيل منطقة هادئة و حياة طويلة مستقرة لأبناء الشرق، وكان من بُناة مستقبل حلمنا  وما زلنا نحلم به ونتطلع إليه.

اكتب هذه الكلمات صرخة احتجاج لأضمَّ صوتي إلى صوت كل من كتب و عمل و فكر في حرية لبنان وأمان لبنان و العراق وفلسطين؛ هذه البلدان كلها تتطلع كما بقية بلدان الشرق الأوسط إلى الاستقرار والهدوء لتضمن مسيرة بنائها  وتطورها ولتكون  مفتاحا آخر  لتحسين أوضاع  شعوب الشرق الاوسط. لست متخصصا سياسيا و لا احتاج ان اكون في قولي ان هذه البلدان هي التي تصحح التوازنات  السياسية في المنطقة كلها ففي قوة العراق و هدوئه ما يفضي إلى التقدم الاقتصادي و السياسي ويجعل سيطرة قوى التخريب والإرهاب على المنطقة عملا صعب التحقق. وفي استقرار بيروت استقرار لساحل جميل يبعد تدخلات خارجية يمكن ان يؤثر على ليس  لبنان حسب بل الساحل كله.

لا احكي  من جديد فهناك من السياسيين مَن سبقني بسنين في الحديث عن هذه الأمور. و لكن أقول باسم جالية من الشباب العربي من كل أنحاء هذا الوطن الواسع، أقول إن لبنان ينزف و ينادي الآن كما عراقنا وكما فلسطين؛ فما العمل الآن يا أهل الخبرة و التخطيط!! أدعو لإعلاء الصوت تضامنا ولنضع النقاط على الحروف في مسارنا في أوسع جبهة شعبية ضد مخططات الدم والحرب والموت ولنكن دعاة السلام والبناء ولنوقف أدوات الجريمة  بعمل موحد للقوى الديموقراطية وقوى السلام والحرية...

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com