خطوات على طريق محاربة الفساد الإداري

 

 د. مازن ليلو راضي / كلية القانون ـ جامعة القادسية

lilo70@maktoob.com

رغم اتفاق اغلب الباحثين حول مخاطر الفساد الإداري في المجتمعات المتقدمة والنامية إلا أنهم لم يتفقوا حول تعريف شامل له . غير إن البعض قد حصر بعض مسبباته من قبيل: التسيب والفوضى والفقر ,بينما أرجعه البعض إلى الأوضاع السياسية أو النفسية أو الاجتماعية , في حين اتجه آخرون إلى ربط الفساد بالبعد الحضاري وما فيه من قيم وتقاليد ونظم عقائديه وسياسيه وبيئيه.

 و ليس خفيا ما يتعرض له العراق اليوم من الفساد الإداري يكاد يعود إلى توافر الأسباب السابقة جميعا في الواقع العراقي اليوم والذي تمثل باستخدام رجال الاداره سلطاتهم لتحقيق أرباح ومنافع على حساب المصلحة العامة والمال العام وإذا كانت هذه الظاهرة موروثة من النظام البائد فإنها قد بلغت اليوم حدا يصعب علاجه ما لم تتكاتف جهود الجميع من رجال الدين ومثقفين ومواطنين عاديين لتحصين الفرد من خلال زرع القيم الإسلامية النبيلة في النزاهة والاستقامة ونبذ الفساد والاعتداء على المال العام .

 من المهم القول بأن الفساد الإداري مرض عانت منه الكثير من الدول في مرحلة من مراحل نشؤها و منها من نجح في استئصاله من خلال رد موظفيها إلى الطريق القويم بعد ان انحرفوا تحت تأثيرات عده واذ نجحت هذه الدول في مسعاها فأن العراق يملك مقومات النجاح إذا ما تم تحديد أسباب الفساد الإداري والمعوقات في وجه الإصلاح وتقديم المقترحات اللازمة لتذليلها

 ومن خلال التأمل في الواقع العراقي نجد ان الفساد في العراق يعود بالتحديد الى الأسباب الاتيه:

 1- أسباب اقتصاديه : تتمثل بالسياسات ألاقتصاديه غير المحسوبة في توزيع الثروة وتباين المدخولات والتفاوت الطبقي بين أفراد المجتمع والاختلال الواضح في تحقيق العد اله الاجتماعية لاسيما بعد ظهور الأحزاب السياسية كطبقه جديدة تستأثر بمعظم الثروات والنفوذ السياسي والاقتصادي في مقابل طبقه وسطى ودنيا تعاني من القصور في تلبيه احتياجاتهم الاساسيه .

 2- أسباب قانونيه: تتمثل في في قصور نظم العدالة القضائية و التشريعات الموروثة من النظام السابق عن مجابهة الفساد خاصة مع سيطرة السياسيين والسلطة التنفيذية على المؤسسة القضائية وعجز المؤسسات الجد يده كهيئة النزاهة عن سد هذا القصور .

 3- أسباب اجتماعيه : تتمثل في تأثير البيئة على سلوك موظفي ألدوله والافراد عموما واستجابة الجميع للعادات والتقاليد والانتماءات الطائفية و الاقليميه .

4- أسباب سياسيه: لعل ابرز أسباب الفساد المستشري الان في العراق هي الأسباب السياسية والتي تبرز واضحة فس سعي الأحزاب السياسية الحاكمة الى حجز المناصب الاداريه القيادية لاعضاءها البارزين دون التعويل على الكفائه والقدرة .كما ادت سياسة تسييس الوزارات والمحاصصه الشائعة في العراق اليوم الى خلق فجوه كبيره بين الاداره والمجتمع على اعتبار بأنها في خدمة الأحزاب التي تتبعها وليس في خدمة الجمهور .

  وفي ضوء ذلك لابد من إمعان النظر بهذه المسببات لمعالجتها للحد من استفحالها ونرى إن من المهم ملاحظة ما يلي:

 أولا: إن الإصلاح الإداري لا يتم إلا بالتغير الجذري للفكر والأهداف والقوانين التي كانت سائدة أبان الحكم السابق للعراق فقد اخفق النظام البائد في خلق الإنسان المؤمن بالمثل والقيم العليا واحترام المصلحة العامة والمال العام وزرع بذور الإحباط والفقر والفساد في نفوس العراقيين وعجز عن تحقيق التنمية الاقتصادية حتى اصبح الفساد الإداري والرشوة الوسيلة البديلة لتحقيق الاكتفاء الذاتي للعائلة والأسلوب الأمثل لتحقيق الثراء السريع وكان القانون عاجزا عن وضع حد لهذه الظاهرة خاصة بعد إن استشرى الفساد في أجهزة الشرطة والقضاء وغض النظام نظره عنه ما دام لايؤثر على بقائه في سدة الحكم .

 ثانيا:اعتماد برنامج إعلامي لتوعية المواطن بمخاطر الفساد الإداري على مستقبل العراق واستقراره ولعل في فتوى أية الله العظمى السيد علي السيستاني نقطة البدا في هذا المضمار لأنها لا تساهم فقط في تدارك موجة الفساد المنتشر ولكنها تخلق جو من التقبل الشعبي لعملية الإصلاح بالمعنى الشامل وتحد من طموح بعض السياسيين في جعل العراق إقطاعيات لهم ولعوائهم .

 ثالثا:إن سياسة احتكار السلطة الذي تمارسه اليوم بعض القيادات السياسية وحجزها للمناصب القيادية وانتشار المحسوبية وعدم الاهتمام بالكفاءات العلمية والإدارية والقدرات المهنية أدى إلى ظهور إداريين بكفاءات علمية وثقافية محدودة عاجزين عن التأثير الايجابي في المرؤوسين انهمكوا في الاهتمام بمستقبلهم ومصالحهم الذاتية وأهملوا المصلحة ألعامه ونعتقد إن من الضروري اعتماد الأساليب التالية في معالجة هذا الأمر :

1- تحسين اختيار الموظفين على أساس المؤهلات وتكافئ الفرص والتنافس ونبذ طريقة الاختيار العشوائي التي ابتدعها مجلس الحكم وسلطة الائتلاف المؤقتة والتي تقوم على أساس اختيار كل من أعضاء المجلس من الأشخاص ليتقلدوا بعض المناصب المهمة وقيام هؤلاء باختيار أخريين وهكذا .

2- توفير الإعداد المسبق لتولية الوظائف العامة والتدريب المتواصل لتحسين قدراتهم وتفعيل أدائهم .

3- اعتماد أسلوب التنقلات الدورية في الوظائف القيادية والتي يسبقها تقويم أداء دقيق للمدة السابقة من العمل

4- اعتماد ألرقابه الإدارية على العاملين واستخدام أسلوب الحوافز الايجابية التي تضمن أقصى جهد ممكن للموظف مع عدم التواني عن معاقبة الموظف المنحرف عملا بنظرية الثواب والعقاب .

 رابعا: ان ألرقابه الناجحة تبدأ بالرقابة الذاتية بالدرجة الأولى وتستكمل بالرقابة التي تمارسها مؤسسات المجتمع المدني والهيئات المستقلة خارج الاداره ونعتقد إن اعتماد بعض الأساليب الرقابية المتبعة في الدول المتقدمة فيها الكثير من الفائدة نؤكد في هذا المجال ان مفوضية النزاهة التي أسسها السيد بول بريمر في كانون الثاني 2003لا تملك مقومات النجاح في عملها فقانونها الصادر بالآمر 55 تكتنفه الكثير من اوجه القصور ويساهم في التهرب من طائلة القانون ولاشك في ذلك ما دام قد وضع من السيد بريمر وكان في واقعه مستنسخا من نظم قانونيه بعيده عن واقعنا ونرى إعادة النظر في صلاحيات هذه الهيئة ومنحها المزيد من الاستقلال لتتمكن من التدخل من تلقاء ذاتها أو بناء على شكوى تتلقاها من الإفراد أو بآي وسيلة أخرى تعلم من خلالها بوقوع مخالفه و يكون لها الحق بأجراء التفتيش الدوري على المؤسسات الإدارية ولها في سبيل ذلك الاطلاع على المستندات والملفات ولممثلها ان يحضر المناقشات والمداولات التي تعقدها الأجهزة الإدارية كما يملك استدعاء أي موظف ويستجوبه فيما ينسب إليه وله إقامة الدعوى على الموظفين المقصرين في أداء واجباتهم ومطالبتهم بالتعويض لمن لحقه ضرر من جراء التصرف غير الشرعي للإدارة كما يتمتع بصلاحية توجبه الإدارة إلى وجوب إتباع أسلوب معين في عملها تتدارك فيه خطاها ولو لم يكن منصوص علية في القانون الا انه يرى فيه تطبيقا لمبادئ العدالة وروح القانون وضمانا لمصلحة الفرد من جهة والمصلحة العامة ممثله بالإدارة من جهة أخرى .

اخيرا نعتقد ان اتجاه الحكومة الواضح في عرقله مسيرة مؤسسات المجتمع المدني اليوم والذي تمثل في الأعمام الصادر من الامانه العامه لمجلس الوزراء في 20/11/2005 الذي يدعو دوائر ألدوله الى عدم التعامل مع مؤسسات المجتمع المدني مباشره الا من طريق وزارة الدوله لشؤون المجتمع المدني دليل على جهل مطبق منها في معرفة الدور الذي من الممكن ان تمارسه في مراقبة الاداره ومحاربة الفساد.

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com