طالبان قد تستفيد مما يجري في الشرق الأوسط

 

د. عبدالله المدني / باحث ومحاضر أكاديمي في الشئون الآسيوية

elmadani@batelco.com.bh

وفق مقولة "مصائب قوم عند قوم فوائد" تتأهب حركة طالبان الأفغانية المدحورة للاستفادة من الأجواء الحالية المضطربة في منطقة الشرق الأوسط وتداعياتها المتمثلة في انشغال المجتمع الدولي بحرب إسرائيل على لبنان وزيادة حنق الشارعين العربي والإسلامي على واشنطون  والغرب في استعادة نفوذها وخلق شعبية لها. ففي مثل الأجواء الحالية، يكفي أن يقوم أتباع الحركة بالضرب في أي مكان حتى تلتهب أكف وحناجر العرب والمسلمين، بما فيهم أولئك المختلفين فكريا مع طالبان، بالتصفيق لها وإغداق الثناء عليها. وقد رأينا شيئا من هذا أثناء حرب إسقاط نظام صدام حسين، حينما تبرع الكثيرون من العرب المصنفين في خانة الليبراليين واليساريين  والتقدميين بالتصفيق لعمليات قام بها الطالبانيون بالتزامن ضد منشآت وأفراد قوات التحالف في أفغانستان.

 والمعروف أن الطالبانيين نشطوا خلال اشهر ابريل ومايو ويونيو في ضرب بعض الأهداف الحكومية وتلك التابعة لقوات التحالف في ما سمي بحملة الربيع التي تجاوزت كل عمليات الحركة منذ إخراجها من السلطة في شتاء عام 2001، ثم تراجعوا خلال الشهر الحالي مكتفين بهجمات ميليشاوية صغيرة ومتفرقة، حتى أن القوات البريطانية الجديدة التي أرسلت إلى مناطق الجنوب الأفغاني حيث معقل الحركة لم تواجه صعوبة في التمركز والانتشار.  ويعزو احد كبار المتخصصين في شئون طالبان ( سيد سليم شاهزاد) هذا إلى احتمال أن يكون الطالبانيون قد قرروا تحين فرص تكون فيها عملياتهم الهجومية متزامنة مع تدهور اكبر إن لجهة المواجهة الإيرانية – الغربية حول ملف طهران النووي ولجهة الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، كي تكون لتلك العمليات وقعا مدويا في نفوس شارع عربي وإسلامي يبحث عن أي انتصار ضد الغرب، حتى لو كانت في صورة تدمير مركبة عسكرية وقتل مجند.

 مثل هذا التحليل يحمل قدرا كبيرا من الصحة، خاصة وأن حركة طالبان لها سوابق كثيرة في استغلال بعض الأحداث الخارجية في تجييش العواطف الدينية وتحريض النفوس ضد حكومة كابول  وقوات التحالف، كسبا للتعاطف والتأييد. فإذا كانت الحركة لم تتأخر في استغلال حوادث مثل حادثة ابوغريب في العراق وحادثة الرسوم الكاريكاتيرية المسيئة للرسول في الدانمارك وحادثة إهانة القرآن الكريم في سجون غوانتانامو، فمن باب أولى توظيف ما يجري اليوم في لبنان وغزة لتلميع صورتها وإظهار نفسها كمن يقف في الخندق ذاته نصيرا للإسلام والمسلمين.

 في السياق ذاته أيضا يقال أن ميليشيات طالبان التي كانت تقدر في عز أيامها بنحو ثلاثمائة ألف مسلح تمني النفس بأن تشهد أفغانستان موجة من التذمر الشعبي في الأسابيع القادمة على خلفية نقص المؤن الغذائية، فتستغل ذلك في تأليب الأفغان ضد حكومتهم وجذبهم إلى صفوفها. حيث لم يعد خافيا طبقا لبعض التقارير أن نحو مليوني ونصف المليون من الأفغان قد يواجهون المجاعة بسبب حالة الجفاف هذا العام التي قلصت محصول الحبوب إلى النصف، معطوفا على تخبط السياسات الزراعية والتموينية لحكومة الرئيس حامد كارزاي، وأن عشرات الآلاف من هؤلاء قد اضطروا بالفعل إلى الانتقال إلى أماكن أكثر وفرة في الغذاء والمياه، ولاسيما الولايات الجنوبية حيث تنشط طالبان وأعوانها.

 وتتقاطع هذه التحليلات مع ما صرح به " الملا غل محمد جانغفي "، احد القادة الميدانيين العشرة الكبار في ما يسمى بالمجلس القيادي لحركة طالبان، من أن الحركة نجحت عن طريق تكثيف عملياتها ضد قوات التحالف في ولاية هيلماند في رفع الروح المعنوية في صفوف أتباعها، وأنها الآن تخطط لعمليات نوعية أكثر صدى، وتحديدا ضد المطارات والقواعد العسكرية. وطبقا للقائد الطالباني، فان حركته تحاول عبر هذه العمليات والخطط  إيصال رسالة إلى كل المسلمين بأن الجهاد ضد الكفار في أفغانستان قد استعاد زخمه، وبالتالي فان من واجبهم الديني الالتحاق به.

 غير أن ما لم يقله الرجل هو أن حركته لئن استطاعت خلال الأشهر الثلاثة الماضية في إيقاع نحو مائة إصابة في صفوف قوات الحكومة والتحالف، فان عملياتها والعمليات المضادة قتلت وأصابت أكثر من ألفي مدني أفغاني في المناطق الجنوبية والغربية وحدها، حيث غالبية السكان من العرق البشتوني الذي تدعي طالبان تمثيله، ولم تؤثر هجماتها كثيرا في معنويات قوات التحالف وآلتها الحربية المتفوقة. وهذا يجعل الطالبانيون في مقام واحد مع ما يسمى بالمقاومة المسلحة في العراق لجهة التسبب في قتل عشرات المدنيين الأبرياء وتدمير عدد من منشآت الوطن وبنيته التحتية في كل عملية مقابل إصابة فرد واثنين من الفريق الخصم.

 وما لم يتحدث عنه الملا جانغفي أيضا هو المصادر التي تعتمد عليها حركته في التسليح والتجنيد  وإعاشة المقاتلين الذين يقدر عددهم بأكثر من ثلاثة آلاف عنصر بحسب احد التقارير. ففي ظل القيود الدولية المشددة والعيون الاستخباراتية المفتوحة على مدار الساعة للحيلولة دون تحويل الأموال إلى الطالبانيين وأنصارهم ، لا يوجد لدى الحركة من المصادر المالية سوى زراعة المخدرات  وتصديرها من الولايات الجنوبية غير الخاضعة لسلطة الحكومة.  وهذا المصدر بطبيعة الحال مدر لأموال ضخمة، وبما يجعل الحركة صاحبة ذراع مالي أقوى من الحكومة المركزية التى لا تتجاوز ميزانيتها العامة 600 مليون دولار، ولا تستطيع الاعتماد على زراعة المخدرات في التمويل العام مثلما كانت تفعل معظم حكومات أفغانستان السابقة بسبب ضغوط الدول الغربية الحليفة.

 ومن هنا أشار أحد التقارير الصحفية الأخيرة إلى وجود ضغوط داخلية من جهات عديدة، ولا سيما من لوردات الحرب السابقين المتحالفين مع حكومة كابول الحالية، لتأجيل عملية حظر زراعة المخدرات في أفغانستان إلى ما بعد القضاء المبرم على طالبان وتنظيم القاعدة، كيلا تتسبب العملية في قطع مورد هام من موارد الدولة المالية في وقت هي أحوج ما تكون إليه لتحسين أحوال مواطنيها ونيل دعمهم لبسط سلطتها على كل أقاليم البلاد.

 لكن من المسئول عن هذا الخلل الذي أعاد حركة طالبان إلى الواجهة ومكنها من استعادة جزء من قواها المنهارة؟ المسئولية تتقاسمها أربع جهات: أولاها الولايات المتحدة التي انشغلت بملفات خارجية ساخنة أخرى بعدما أخرجت طالبان بالقوة من السلطة وضخت أكثر من بليون ونصف البليون من الدولارات في عملية إعادة بناء أفغانستان خلال السنوات الأربع الماضية. وثانيتها الحكومة الأفغانية التي لم تستطع حتى الآن من بناء قوة أمنية محلية قادرة على بسط سيادتها على كامل التراب الأفغاني بسبب المماحاكات الاثنية والجهوية والقبلية، بدليل أن قواتها لا تزال متخلفة بثلاث سنوات عن خطط التدريب والإعداد والتسليح التي وضعها لها الأمريكيون. وثالثها الدول المانحة التي لم يوف معظمها بما تعهدت به من مساعدات اقتصادية معتبرة لانتشال الأفغان من مصيدة الوقوع في الإحباط المعيشي الدافع إلى الفوضى والخروج على الدولة. ورابعها فشل باكستان في بسط سيطرتها الكاملة على المناطق الحدودية المتاخمة لأفغانستان، رغم نشرها لتسعين ألف من عناصر جيشها في المنطقة، الأمر الذي منح طالبان فرصة إعادة جمع قواها وسهل لها عمليات الكر والفر والاختباء.

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com