الكورد الفيلية.. والمحكمة الجنائية العراقية العليا..!

هادي فريد التكريتي / عضو اتحاد الكتاب العراقيين في السويد

hadifaria@maktoob.com

أُكلت للمحكمة الجنايات الأولى، المتفرعة عن المحكمة الجنائية العراقية العليا، أمر النظر في أول قضية جنائية ضد أقطاب النظام الفاشي ُأطلق عليها أسم \" قضية الدجيل \"، وهذه القضية عُرضت بالتزامن مع تسمية الدكتور الجعفري، رئيسا للوزراء، ممثلا لحزب الدعوة الإسلامية، في قائمة الائتلاف الشيعي. لا يخلو أمر افتتاح أول محكمة جنائية لمحاكمة أقطاب النظام الفاشي، بقضية كقضية الدجيل، من دعاية وترويج لمبادئ طائفية صرفة، بإظهار المتصدين للنظام، بغض النظر عن عددهم أو حزبيتهم، أن الشيعة فقط هم المقاومون، وهذا مخالف للواقع، الغرض منه تسويق موضوعات طائفية وتاريخية، يراد ترسيخها طائفيا، والبناء عليها في أحقية الحكم، دون أهمية للبرنامج السياسي، أو الأخذ بالإعتبار لكفاءة الأشخاص وإخلاصهم وفق معايير المصلحة القومية والوطنية.. جريمة الدجيل التي ارتكبها النظام الساقط، بحق بشر وبيئة، بشكل متسرع، ودون تدقيق في معطيات القضية وملابساتها، أدت بالنتيجة إلى إعدام 148 إنسانا، وفق إجراءات مستعجلة لمحكمة صورية، خلال بضعة أيام، بعض الضحايا، كان بريئا باعتراف أجهزة الحكم آنذاك، والبعض الآخر مات تحت التعذيب، و مورست قسوة بحق عوائل بريئة لم تكن لهم أية علاقة بحادث محاولة الاغتيال، تم نفيها إلى صحراء \" ليا \"، حصيلة هذه الجريمة بكل مفرداتها، تعتبر من جرائم الإبادة الجماعية المقصودة، لتبرير التنكيل الذي تمارسه الفاشية البعثية ضد المعارضة العراقية وقواها السياسية، ولإخافة وإرهاب الشعب العراقي، وفرض خنوع وإستسلام مطلقين، على كل إجراء لاحق يقدم عليه الحكم الفاشي، بحق الشعب والوطن، إلا أن ما يثير التساؤل : الأسباب الكامنة وراء دفع قضية الدجيل للواجهة، ولأن تتصدر الدعاوى التي ستنظر فيها لاحقا مثل هذه \" محكمة الجنايات الأولى \"، فعلى الرغم من أن إجراءات هذه المحكمة منذ بدايتها، حاولت إن تظهر أن القضية جنائية وليست سياسية، إلا أن مجريات المحكمة، من شهود وأدلة ووثائق، عكست الجانب السياسي المخفي للمحاكمة، وأظهرت جلساتها، الغرض الحقيقي الذي أريد توظيفه من هذه القضية دون غيرها، من أن تتصدر محاكمة النظام ورموزه، ذات مغزى، كون القائمين والمنفذين المتصدين لموكب رئيس الحكم الفاشي آنذاك، هم من حزب الدعوة الأسلامي ـ الشيعي، لاضفاء صبغة الطائفية على الحكم، وبأنه حارب طائفة بعينها، وليس كل القوى الوطنية والديموقراطية، التي تنازعه إصلاح الحكم وتثبيت حقوق الشعب، ووفق هذا التحليل الخاطئ نستنج، أن كل من تم التنكيل بهم من معارضة، سواء قبل أو بعد، المحاولة الفاشلة للإغتيال، هم من الشيعة، وكأن باقي القوى الوطنية والديموقراطية، التي ناضلت وحملت السلاح ضد النظام الفاشي، هم جزء تابع لهذا الفهم، هذا ما أراد أن يقوله القائمون على الحكم حاليا، بمختلف توجهاتهم الإسلامية ـ الطائفية، وهذا أمر ينطوي على مخاطر كثيرة محدقة لاحقة.

الواقع الفعلي، يشير إلى أن هناك جرائم جنائية، أكثر دموية وأكثر وحشية، ارتكبها النظام ضد شرائح وطنية و قومية وطائفية كثيرة، أبرزهذه الجرائم، وأكثرها عنصرية وشوفينية كانت بحق الكورد الفيلية، وهي تقدم حججا وبراهين أكثر، وأقوى مما ُقدم في محاكمة الدجيل، إلا أن الجرائم المرتكبة بحق الكورد الفيلية، قد تم تجاهلها عن قصد، والتجاهل هذا لا يخلو من كره لموقف وطني قديم، وهو بحد ذاته تمييز طائفي، على الرغم من ضحايا هذه الشريحة هم أيضا من الشيعة، إلا أن شيعيتهم ما كانت وفق التقسيم الطائفي الحديث، بحيث لم تطغِ على توجهاتهم الوطنية التي عرفوا بها إبان النضال ضد الإستعمار البريطاني والنظام الملكي، والتي لا زالت، حتى عند البعض الذي تنكر لها، يحن لها، وتسري في دمائه بهدوء ورفق.الضحايا الذين يتم تجاهلهم، وتغييب الجرائم التي ارتكبها النظام بحقهم، كما أسلفت، هم من الكورد، الشيعة، الفيلية، وأهلهم وذويهم هم من تلقى المأساة رغم عمقها، بصمت وصبر، من دون محكمة، كمحكمة الثورة، أو حاكم مسخ، كعواد البندر..!

المصائب التي تعرض لها الكورد الفيلية والجرائم المرتكبة بحقهم، طيلة سنوات الحكم الفاشي، تشكل دليلا صارخا لإدانة النظام وأركانه، لوضوح الجريمة والفاعل معا، ليس للعراقيين وحدهم، بل وللعرب والعالم أجمع، لما لهذه الجرائم من شهادة موثقة، ومعترف بها على كل مستويات الدولة البعثية الساقطة، ومؤسساتها، العسكرية والأمنية والتعليمية والتجارية والإقتصادية، إضافة لأرشيف النظام الحزبي البعثي، كل هذه المؤسسات تقر : من أن النظام الفاشي قد ارتكب مجازر فاقت باساليب مرتكبيها كل الجرائم الموصوفة بالإبادة الجماعية، أو الجرائم الموسومة بضد الإنسانية، ولم يكن لها من نضير، حتى في جرائم الحرب، هذه الجرائم ارُتكبت بحق الفيلية الشيعة، أو الفيلية الكورد، أو الفيلية الوطنيين، فهم في النهاية، عراقيون، وما ارتكبه النظام الساقط، بحقهم من جرائم فاقت ما ارتكبته الفاشية النازية ضد أبناء شعبها، لا لكونهم من طائفة شيعية، حسبما يريد البعض أن يلوي حقائق التاريخ، وإنما، وفق ما تقول وتعترف به مؤسسة (شفق ) للأبحاث \"..الهوية العامة تاريخيا لأبناء شريحتنا الفيلية، هي الهوية القومية الوطنية، فلا يخفى على احد مشاركة الكرد \" الفيليون \" في مجمل نضالات الحركة الوطنية العراقية، ودفاعهم عن الخط الوطني العراقي وما وقفه الكورد \" الفيليون \" في وجه فاشية حزب البعث عام 1963 إبان ملحمة عكد الأكراد دفاعا عن مكاسب ثورة تموز دليل واضح على عمق وعيهم الديموقراطي الوطني..\" وهذا الإعتراف هو بعض حقيقة أدت إلى استبعاد الملف الفيلي من أعمال أول محكمة، تحاكم تاريخيا نظام حكم فاشي، على جرائمه، إلا أن ما تحاكم عليه حاليا، لا يرتقي إلى عمق وسعة الجريمة ن التي ارتكبها النظام الفاشي، بحق فئة قومية ووطنية، واكبت نضال الشعب الوطني والديموقراطي، طيلة سني نضاله ضد القمع، ومن أجل ترسيخ حريات دستورية في العراق، وضمان لحقوق الإنسان، فالإنسان المنصف المتابع لمجريات الإضطهاد الفاشي االبعثي سيجد أن ما تعرض له الكورد الفيلية من جرائم مرتكبة بحقهم، منذ بداية الحرب العراقية الإيرانية وحتى سقوطه، سيجد حصيلتها كما روتها \" مؤسسة شفق المار ذكرها، على موقع، وطن للجميع \" ليوم 25 /6 \"

1 تسفير المواطنين ( الفيليون ) وحجز أبنائهم ممن كانوا في الخدمة العسكرية، لدى دوائر الأمن.

2 إعدام جميع الشباب ( الفيليون ) المحتجزين في سجون ومعتقلات البعث وكان عددهم حوالي 12000 شاب.

3 إعدام 2500 شاب عن طريق الخطأ...\" وأمور أخرى تتعلق بنهب وسلب ممتلكاتهم، والتضييق على كافة أفراد هذه الشريحة، في كل مجالات الحياة.

من هذا الواقع، تتجلى بوضوح جرائم التميز القومي والوطني التي لحقت بالكورد الفيلية، وهي شريحة عراقية أصيلة في منبتها وامتداد جذورها، كانت تتطلب الصدارة في أول قضية تنظر بها محكمة بعد سقوط النظام، لاسترداد حقوق مسلوبة، وحريات منتهكة، فمن حيث الشكل والمضمون، تجسدت في هذه الشريحة ما كانت تعانيه كل القوى السياسية الوطنية والديموقراطية العراقية، على مختلف عهود الدكتاتورية القومية والفاشية، من تمييز عنصري وانتهاك حقوق وحريات. وفي الظرف الراهن، تتعرض شريحة الكورد الفيلية، حاليا أيضا، إلى تجاهل لمطاليبها، بعدم جدية استرداد حقوقها المهدورة، وأملاكها المصادرة وأموالها لمنهوبة، من مواقف حكم، يدعي احتضانه لهذه الشريحة طائفيا وقوميا، إلا أنه لم يرد لها حتى وثيقة عراقيتها، التي هي تحصيل حاصل بعد أن سقط النظام.

ستبقى هذه الشريحة الوطنية، الكورد الفيلية، وباقي الشرائح العراقية، العريقة في وطنيتها، أسوة بباقي شرائح المجتمع العراقي، تخوض النضال، ضد التمييز القومي والطائفي، وتقاسي ما يقاسيه كل أبناء العراق الوطني، من أجل بناء عراق آمن، فيدرالي، وطني، متحرر، وديموقراطي.

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com