|
الدور السياسي للمعممين اسوء داء.. وحكمة المرجعية اصوب دواء (القسم الاول) فاتح منصور السعيد اسوء داء يمكن ان يصاب به اي مجتمع هو ان يلعب من يتزيى بلباس رجال الدين دورا سياسيا ..فالسياسة تفسدهم..ويفسدونها..لانهم يتصورون ان في ايديهم اسلحة سماوية تهبهم القوة والنفوذ وتمنحهم السلطة والسلطان ومباركة بالقدسية والجلالة..ولذلك قال الامام علي والله ما معاوية بادهى مني ولاكن يغدر ويفجر..اي ان السياسة لها مكرها والاعيبها وفنونها التي لاتستقيم مع الدين والاستقامة والتقوى وهي فن له عالمه وخبراته واختصاصاته ولا يقوى عليها الا من يملك ملكاتها وصقلته مباشرتها وضرسته تجاربها..وللعل الامام علي يعنى بعض رجال الدين الذين ينزلقون في ميادين السياسة وهم لايحكمون طرأقهاولم يغبروا اسرارها ولم يعرفوا مبادئها قال: رب عالم قتله جهله وعلمه معه لا ينفعه.. عنما تحدث ازمة على غرار ما نراه الان ينقسم رجال الدين فريقين:الأول يحاول ان يطفىء النار بكلام لايقدم ولا يؤخر عن المحبة والتسامح والاخوة بين المسلمين والثاني يشعلها بالتعصب والتطرف والاحتقان واثارة النعرات..وكلاهما لا يصلح ان يدير ازمة ؛فهم من صنعوها..وشحنوا أجواء الوطن بالغضب والتشنج. كان طبيعيا ان يحدث الاحتقان لعدة اسباب: أولا:تخصيص مساحات واسعة في وسائل الاعلام المسموعة والمقروءة والمرئية لرجال الدين..قنوات فضائية دينية اسلامية..صحف ومجلات ونشرات وكأن المسألة تباري وتنافس وابراز عضلات..لقد اصبح تاثير الاعلام من الناحية الدينية ايضا على الناس تاثيرا كبيرا حيث يلاحظ ان الجهاز الاعلامي اصبح ملغما بالبرامج الدينية وليست كلها مفيدة..وليس كل من يتحدث في هذه البرامج مؤهلا تاهيلا سليما..علما ان بعض الفضائيات تختار حلقات شائكة وتستضيف لها من هم ليسوا باهل ولامن ناحية لغة الخطاب ولامن ناحية المعرفة والخبرة لاجل اثارة الفتنة او التحريض على العنف او لغايات مرسومة ومعدة سلفا للايقاع والوقيعة.. ثانيا: اصبح رجال الدين نجوما مشهورين يتنافسون الدنيا وينافسون نجوم السينما.. وشعبية بعض المعممين والشيوخ الدعاة والخطباء تقترب من شعبية الممثلين الكبار والبعض حقق شهرة اكثر من نجمات الشباك أعرفُ جيداً كم هي أمتنا مولعة ومفتونة بحفنة من قادة الإسلام السياسي ، الذين يجيدون ارتكاب الحماقات والكوارث فقط ، ويعشقون المغامرات الكبرى ومتيمون بالشعارات حد الهوس، ويمجدون الموت المجاني ويعبثون بإنسانية الإنسان، ولا يعرفون العيش إلا بين التوترات ولهب النيران وعتاد الخطب الصوتية، ومغرمون أبداً ودائماً بحماسيات التراث البلاغي العكاظي، ومهووسون باستحضار البلاغيات الشعرية والمنبرية والدينية اللاهبة للمشاعر والعواطف.. وقودهم دائماً في الحروب الخاسرة والرهانات الفاشلة الشعوب المغيّبة الهتافة الراضية لاستبدادهم الديني وشهوانيتهم التسلطية، ما دام أولئك القادة والملهمون من السماء يأخذونهم سريعاً إلى جنات الخلد والنعيم الأبدي وأحضان الحور العين ومهم ارتكبوا من جرائم الارهاب وسفك الدماء.. لم تعد هناك كلمة دخلت قاموس السخف الثقافي والابتذال السلوكي ككلمة (المقاومة)و(الجهاد)..وذلك للحشود الهائلة من الكلمات والخطب والمقالات والصيحات والنداءة المزيفة التي تتخذ من هذه المفردات وسائل للشهرة والتكسب والعبور الى المارب ولو على جثث الضحايا ودماء الضعفاء وهي الاخرى الجسر الذي امتطاه الكثيرون من أرباب القتل والتفجير وحولوها إلى مفردة تتسكع عارية متهتكة متفسخة في دروب أعمالهم الإجرامية التفجيرية حتى أسبغوا على الزرقاوي وبقية المجرمين والقتلة لقب (امير المؤمنين ) او (الامام ) واخير (شهيد الامة). ثالثا:كل فريق اصبح الان يبحث عن زعماء دينيين يحشدون وراءهم الانصاروالاتباع والمؤيدين ويلوذون بهم ويجعلونهم يافطات اعلاميه ومتاريس ودروع شرعيه. رابعا:لم يعد دور المعممين مقصورا على المساجد بل امتد نشاطهم الى المؤسسات والتنظيمات الحزبية والتكتلات السياسية والبرلمان والاندية والمنتديات والمدارس والجامعات وامكن العمل ودوائر الدوله ومجالس المحافظات.. خامسا:اتسع نشاط دور العبادة الى ممارساة انشطة طائفية والتحريض على شق الصف والعب بالنار كان من الواجب عدم العب بها سادسا:وهو الاخطر ان تلعب المساجد دورا مثل الاحزاب السياسية فتكون بؤرا لتخطيط المؤامرات وتنفيذ مأرب الارهاب ومتاريس عسكرية او قلاع حربية..فيحتشد المصلون في المساجد والجوامع وغيرها بعد صلاة الجمعة او المناسبات الدينية الاخرى للتظاهر والتجمهرورفع الشعارات الحماسية المعادية..وكإأننا نخلق مؤسسات بديلة يديرها المشايخ والخطباء على أهوائهم بعيدا عن المصالح العليا للبلد بدلا من السياسيين والحكام ورجال السلطة العامة ومؤسسات..علما بان اؤل من ابتدع هذه البدعة في الاسلام هو (عبد الله بن الزبير)عندما اتخذ البيت الحرام في (مكة)وكرا لحكرته السياسية لسحب الشرعية عليها وتلبيس السياسة بكل ما هو ديني وله تأثير على مشاعر الناس للفوز بالمغانم والحصول على المكاسب..وقد اتخذ عكس هذا الموقف الامام الحسين في نهظته المباركة عندما علم بان الطغيان الاموي دس من يغتاله حتى لو كان متعلقا باستار الكعبه فخرج من البت الحرام الذي جعله الله مثابا وامنا وعبادتا للناس.. ! والجانب الاخر من المشكلة ان رجل الدين سواء الاسلامي او المسيحى يرى انه صاحب القول الفصل وهذا سبب الفوضى الموجودة الحالية لهذ فمن الضروى الفصل بين السياسة والاجهزة السياسية ان رجل الدين يستطيع ان يدلى برايه في اي شىء لكن تنتهى فتواه بعبارة(الله اعلم) لان الافتاء ليس مهنة بل هو قائم على المعرفة وهذا ما يدفع ان يتهم رجل الدين بانه رجل سلطة وظهرمنهم من يفتى بما ادى بنا الى الهلاك ويؤكد البعض انه ضد وجود حزب دينى او حزب قائم على الدين..لانه سيخلط بين الدين المقدس والراى في الدين ويسحبه عليه وخير دليل على ذلك ما وضعه (حسن البنا) وغيره من برنامج وقال ان هذا كله من الاسلام فمعنى ذلك انه إذا انتقداحد ا اي فقرة فيه فهذا يعنى انتقادا للاسلام وبهذا يصادر الدين لمصلحته ولان الحزب القائم على الدين يفترض انه وحده هو ذاتالدين سابعا:تركهم للدرس ومواصلة التحصيل العلمي في مجال اختصاصهم من الدراسات الفقهية والاصولية وعلوم الحديث والتفسير واللغة والادب والفلسفة وغيرها من الوازم..وتيههم بالالقاب الفضفاضة والمسميات الطنانة والتبجيل الممجموج والمدح المذموم..ونسلاخهم عن دورهم الحقيقي في الموعظة والهداية والنصيحة..طبعا لان فاقد الشيء لايعطيه.. ثامنا:دور رجل الدين الحيوى في المجتمع ان يكون سندا روحيا للناس وبلسما شافيا يعينهم على مواجهة صعوبات الحياة اليومية والاجتماعية ولكي يؤدى هذا الدور ينبغى عليه ان يفهم الانسان مواطن ضعفه وقوته حتى يتمكن من دعمه وحثه على تقوية مواهبه واستزادة طاقاته ومقاومة ضعفه وهذا لايحدث خلال الخطب النارية والصراخ ولا بالتانيب والتقريع ولوم الناس واتهامهم بالرذائل والقبائح وتهديدهم بمصير مروع في جهنم وإنما باسداء النصح والحوار واحترام الضعف البشرى نفسه والتحلى بالتامح وروح المحبة ونظرة الاب الذي يرعى ابناءه والاخ الكبير الذي يدعم اخوانه تاسعا:لقد تحول بعض رجال الدين الى خبراء في في شتى انواع العلوم فاق كثيرا الافذاذ الكبار امثال ابن سينا وارسطو والفرابي.. فهم علماء في الاقتصاد والاجتماع والكيمياء والفيزياء والجيلوجيا ووالذرة والصناعة والتجارة وسياسيين لهم رؤى ومواقف يلزمون الناس بأن يتبعوا اراءهم على انها فتاوى..الالتزام بها من طاعة الله والخروج عنها خروج عن الشريعة ففي المجتمعات المتقدمة هناك حدود فاصلة وواضحة بين ادوار كل طرف..علما بان رجل الدين صاحب اختصاص والاية القرانية الكريمة تقول (فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين والينذروا قومهم اذا رجعوا اليهم لعلهم يحذرون) فالاية حددت الاختصاص وهو ان رجل الدين يتخصص في الدين اي يتمكن من الدين بكل مايشتمل عليه والاختصاص وهي مرحلة غير متوفرة لكل فرد ولذلك من الشىء الغريب والمستهجن ان نجد كل من تعمم ممن هب ودب يتحدث في الدين.وبما ان مجالات الحياة واسعة إذن لابد ان يكون هناك اختصاص في كل جوانب الحياة حتى يمكن ان تتكامل هذه الاختصاصات وتفيد المجتمع وكلا من زاوية اختصاصه ومجال خبرته....ثم على رجل الدين ان يبلغ ذلك للناس واسلوب الدعوة موضح ايضا في القران الكريم ومنصوص عليه للرسول (ص)هو (ادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتى هي احسن)..وبالنسبة لدور رجل الدين في الامور السياسية فاذا كان لديه خبرة سياسية فله ان يتدخل في مثل هذه الامور لكن إذا لم يكن لديه خبره فلا يجب ان يتحدث فيها والقران الكريم نفسه يقول لنا (فاسألوا اهل الذكر غن كنتم لا تعلمون )وليس معنى ان رجل الدين الذي يتحدث عن الدين انه يعرف كل شىء..لانستطيع ان نطلب من رجل الدين ان يكون متخصصا في كل ذلك..وإذا كان رجل الدين لديه فهم وإدراك في شئون الدولة فله ان يقدم النصيحة فالدين النصيحة فاذا كان لديه معرفة في مجال ووجد ان هذا المجال في حاجة الى النصح لابد ان يبادر بالنصح في حدود الدين والنصح بالحسنى.. وسوف يلاحظ ايضا ان الذي خلق هذا المناخ هو التطرف في كل الاتجاهات..فعند افتتاح مصنع للالبسة الجاهزة يرتقى المنصة رجل الدين ويعط ارائه وكانه مصمم ازياء ويعرف بالذواق واجناس الاقمشة وماهو مرغوب ومطلوب والطريقة المثلى في تشغيل المكائن ونصب الالة والاستفادة من الطاقات وينتهى حديثه بتغليف البضاعة واخراج الانتاج..واذا وضع حجر الاساس لمعمل بترو كيمياويات يعطي توجيهاته التقنيه والفنيه وو وكانه عالم الكيمياء (الافوازية ).. واذا كسد انتاج مؤسسة استثمارية اعطى توجيهاته بحلها وتذليل عقباتها..وتبقى نظرياته وراه قدس الاقداس لاياتيها الباطل وكانها كتاب منزل وطبعا بركاته تسبق كل واردة وشاردة.. قد حلت المشاكل بما لايستطيع اكبر الخبراء ان يرتقى اليها انها خوارق رجل الدين وقس ذلك على الاعلام والامن والاعماروالتنمية والزراعة..والعجيب انهم بينما يتدخلون في كل شىء لايفعلون ذلك لحل مشكلات المجتمع وانما لتعقيدها وبدلا من التدخل في هذه الامور كان الاجدر بهم ان يعترض شيوخنا على ما تعج به كتب التراث تفسير عقائد حديث من الخرافات والاساطير والاسرائيليات او اية محاولة اخرى لتجديد الفكر الاسلامي وتنقية التراث واصلاح المؤسسات الدينية والمناهج الدينية الدراسية..التي تهتم بالاستنجاء اكثر من اهتمامها بتطوير الفتاوى واحلال الاجتهاد والخروج من ربقة الماضى لتتناسب واحوال ومعيشة الناس والتقدم البشرى وظروف الزمن الراهن..وخصوصا ان المعممين الذين يخوضون في كل مجالات الحياة هم في الواقع لايحسنوا تربية عوائلهم ولاتقويم اولادهم ولا نصح جيرانهم ولا هدايةاتباعهم !.. عاشرا:الجماعات الدينية المتطرفة (المتأسلمة) والتنظيمات والتيارات الاسلامية المتشدده لعبت ايضا دورا في تحريف دور رجل الدين لانه دفعته في اتجاهاتها ونزواتها السياسية المبطنة برداء لدين فاوردتهم والامة المهالك ولم تصدرهم بعد..كما ودفعته الى محاولة اللحاق بها حتى لايبدوا في اعين الناس متخاذلا وهذه التنظيمات والجماعات والتيارات في غياب المرجعية وغياب حضور المشروع الوطنى الفراغ المدنى واختلال العمل الديمقراطى والحاجة الماسة لنظام سياسي جامع وشامل بحيث يشعر كل مواطن من خلاله بانه جزء من هذا النظام وانه يمثله..لكننا وصلنا اليوم الى مرحلة الانظمة السياسية فيها غير شاملة للمجتمع ككل وبالتالى اصبحنا كافراد وجماعات نعمل لانفسنا واطماعنا وغاياتنا وننفذ مايطلبه الاخرين منا فقط واختفى الانتماء وظهر التطرف والطائفية والارهاب..! ويبقى الدور السياسي للمعممين اسوء داء..وحكمة المرجعية اصوب دواء..!
|
||||
© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |