|
تصرالإدارة الأمريكية فرض وجود قواتها على العراق ويطلب البعض من العراقيين تمديد بقائها من الأمم المتحدة ويعلن آخرون رفضهم لها؟ هذه هي فلسفة مشكلة العراق القاتلة وسبب نزيفه الخطير. فليس هناك إجماع على تفعيل أية دالة وطنية وآلية مقبولة يمكنها التعامل بحسم مع قضايا البلاد الخطيرة حتى المصالحة الوطنية المطروحة حاليا ستجد نفسها قريبا في طريق مسدود لأنها خارطة طريق تقف أمامها جبال من الإشكالات القائمة لتعثيرها وإسقاطها، فما لم يتم الإجماع الوطني ولا يتم إلا على أساس القدرة الفعلية التي تمنح الجميع الإطمئنان بالأمن والعدالة والحقوق من دون تمييز فإن الإستغناء من قوات الإحتلال سيكون غير واردا في قاموس معظم الأحزاب المشاركة في الحكم وبوجودها ستستمر محنة الشعب العراقي النازف. هناك من يرى بأن خروج قوات الإحتلال من العراق بشكل مفاجىء سوف يترك فراغا ستحله عصابات الجريمة من الصداميين اللذين أحسنوا إستعمال الطائفية والتكفيريين لصالحهم ولا يتحاشون عن كل الوسائل الوحشية والحقيرة لتحقيق غاياتهم في العودة الى الصدارة من جديد وهو ما قد يمهد لحرب داخلية عنيفة حسب تقديراتهم . أما الأحزاب الكردية فترى في صميمها أن وجود القوات الأمريكية في العراق يعتبر مطلبا إستراتيجيا لتحقيق حلمهم في إقامة دولتهم الكردية المستقلة حيث هي بحاجة الى مرحلة حضانة إنتداب أمريكي لنموها الجنيني الى حيث الأمان من ولادة قيصرية سليمة وعلى هذا الأساس سعت الأحزاب الكردية عقد الصفقات من وراء الكواليس والإلتقاء والتودد وال... مع كل الأطراف الداخلية والخارجية التي تسمح لهم مخططاتهم الموافقة والإعتراف لأطماعهم كما هو مشهود حول مسألة كركوك التي هي تركمانية بكل تفاصيلها ومعالمها ومعظم سكانها ولكونها مصدرا إقتصاديا مهما بمنابعها النفطية جرى التزاحم الكردي على أبوابها وإقتحامها عنوة أما الأطراف التي كانت تزعم أنها تدعوا الى رحيل القوات الأمريكية من العراق وهي جبهة التوافق وحزب البعث (المنحل) بنظر البعض والموجود بقوة في تشكيلات الدولة الحساسة بفضل الرعاية الأمريكية التي تحتفظ مع البعث بخلفيات من التعامل ذات الجذور المخابراتية المعروفة، ( وهي العلاقة السرية الخطيرة التي يعتقد بقوة أنها الساحة الخلفية لواجهة الأحداث الدامية في العراق ). فقد أكد عمر الجبوري مسؤول مكتب حقوق الإنسان في الحزب الإسلامي العراقي رغبة الأطراف السنية في العراق بقاء القوات الأمريكية لفترة أطول قائلا أنها تمثل حلقة التوازن فهم بذلك يناقضون كل ما سبق لهم من تصريحات مخالفة بهذا الشأن بل أصبحوا يرون بوجود القوات الأمريكية حلقة توازن لهم مع الأطراف الأخرى ويعبّرون بذلك عن ثقتهم العالية بها وهذه الدعوة تكشف عن ورقة التوت التي كانت تستر عورات الكثيرين اللذين بالغوا في الإدعاءات الوطنية وهم أبعد من يكونوا منها ، إنها دعوة صريحة الى تطبيع الإحتلال والتملق له بأعذار طائفية . ماذا لو طالبت الأحزاب الشيعية خروج القوات الأمريكية فورا من العراق ؟ ستنقلب الأوضاع رأسا على عقب، وسيبدأ تشكل تحالف جديد بين الكتل الكردية والتوافق والوفاق وتوابعهم يطالبون بقاء قوات الإحتلال في العراق حتى يستتب الأمن فيه وفي أثنائه ستبدأ عمليات تصفية الحسابات ومحاولة نزع وتفكيك أوصال الغرماء سيما أنهم فشلوا في تنظيم أنفسهم ميدانيا وزادت الخلافات البينية فيهم حتى وصلوا قريبا من حد الإقتتال ، وهي الحالة الخطيرة والممنوعة التي لم تشهدها ساحتهم من قبل. والمعلوم أن الخلافات الشيعية الشيعية مطلب أمريكي وبعثي صدامي مشترك وأن أي قرار صريح يعبّر عن رغبتهم الحقيقية في طلب رحيل القوات الأجنبية من العراق فورا يصعب التصريح به إلا بعد ممارسة إلتحام داخلي منظم تحت غطاء مرجعي قوي أولا وهذا غير متواجد على الأرض بشكل مطلوب لوجود رؤية سطحية للأحداث تبلورت على أساس الحساسيات وردود الأفعال أكثر من أي عامل آخر، وتتبناها شخصيات غير جديرة جاءتهم الأقدار . والفدرالية في الجنوب مثالا فهي ليست نتاج بحوث ودراسات شيعية أفرزتها مناقشاتهم الموضوعية وحاجاتهم الفعلية لها من قبل ومع متابعاتنا للأوضاع الشيعية لم نقرأ أي شعار سياسي صريح معلن في ساحتهم سبق سقوط النظام كان قد تطرق للفدرالية الجنوبية أو ما شاكلها بل حتى قبل البدء بكتابة الدستور وإنما طرحت للرأي العام فجأة بعد أن أوشكت اللجنة الدستورية من إكمال كتابة الدستور، مما يعني أنها جائت إنعكاسا وردود أفعال أو وحيا ومن وراء حجاب وليست إفرازا طبيعيا لحاجات الجنوبيين ورغباتهم التاريخية فيها . وحتى تلتحم الأطراف الشيعية في بوتقة من أقصى وجودهم في كركوك وطوز وتلعفر والموصل في الشمال الى اقصى الجنوب في البصرة وهي من الصعوبة بمكان وحتى يتعقل جميع الأطراف والعربية بالخصوص بمخاطر المخطط الأمريكي الإسرائيلي لتفتيت العراق وتقسيمه الى كانتونات طائفية وقومية وفق رؤيتهم عن الشرق الأوسط الجديد كما صرحت به داعية الحق الإلهي لإسرائيل في تقزيم الدول العربية الى حدود الكعبين كونداليزا رايس ليسهل دوسهم بالجزمة الإسرائيلية كما شاهدنا بعضهم وكيف طأطأوا رؤوسهم لليهود كي يعبروا عليه الى مشارف قرية مارون الراس اللبناني في معركة إنتشال الموقف والكرامة العربية من الحضيض سيستمر النزيف العراقي المجنون وتحصد مفخخات البعث وأحزمة قطيع بن لادن الناسفة أرواح العراقيين الأبرياء وتبقى الإرادة الأمريكية وتوصيات سفيرها زلماي خليل زاد هي الحاكمة في العراق مهما كانت الواجهات السياسية المنتخبة في ظل ديموقراطيات الإحتلال.
|
||||
© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |