ثلاثية الانتقام .. التأميم والسمُ الأسود والسحت الحرام (5)

 كفاح محمود كريم

Kmk_info@yahoo.com

 منذ البدء استحوذ الخبثاء على نفط كوردستان واغتالوا وطنا وغيبوا شعبا في لوزان حيث اجتمع تجار الشعوب والعقارات في مؤتمر لوزان ليوزعوا الغنائم فيما بينهم ويجروا صلحا تدفع الشعوب ثمنه دماءً ودموعا عبر عقود من الزمن في فلسطين وكوردستان.

 لقد استبعد الكورد منذ اللحضات الأولى لإنتاج نفط كوردستان المستلب من التقرب من منه أو العمل فيه حتى كعمال في مراحل إنتاجه واستقدموا آخرين من قوميات أخرى ومناطق خارج إقليم كوردستان للعمل والاستيطان ومن ثم غلق الطريق أمام أي بادرة لتطور هذا الإقليم اقتصاديا وسياسيا.

 يقول الكاتب والمفكر العراقي المعروف( د. كاظم حبيب) في هذا الصدد:

 ( إن النزاع الراهن حول كركوك أو خانقين أو غيرها هو ليس بالأمر الجديد, بل بدأ من عقود حين بدأت الحكومات العراقية بترحيل عشائر عربية إلى منطقة حويزة (الحويجة) في كركوك, وإلى رفض شركة نفط العراق بتعيين عمال كرد من أصل أهل المنطقة بل تعيين عرب أو كلدان بشكل خاص أو حتى أجانب من خارج العراق).

 لقد أدرك الخبثاء أن أقصر طريق لؤد كوردستان هي تقطيع أوصالها ومن ثم إذابتها في بودقات عروبية وطورانية وفارسية والاستحواذ على مصادر طاقتها وثروتها وتفقير شعبها وتجهيله تارة بالفهم الخاطئ للدين وتارة أخرى بالعشائرية المقيتة والأمية اللغوية من خلال منع التعليم بلغة ألام وآدابها.

 وكانت كركوك الهدف الأول لأولئك المستعمرين ومن جاء بعدهم يعزف على أوتارهم وسحتهم الحرام من ما أنتجته ارض كوردستان منذ اكتشاف النفط فيها، وفي هذا الصدد يحدد الدكتور كاظم حبيب مستويات الإنتاج من حقول كوردستان في كركوك مقارنة مع ما كان ينتجه العراق خارج الإقليم منذ 1927 ولغاية 1989:

 (عوائد العراق النفطية ومساهمة كردستان العراق فيها بآلاف الدولارات الأمريكية:

 

الفترة الزمنية

إجمالي العراق

مساهمة كردستان العراق

نسبة المساهمة %

1927-1958

1.473.100

1.168.200

79,30

1959-1973

9.097.545

6.665.771

73,27

1974-1989

193.722.331

141.804.720

73,2

المجموع

204.292.976

149.638.720

73,25

بلغت مشاركة حقول كركوك 73,25 % من إجمالي إيرادات العراق النفطية, في حين كانت حقول البصرة تساهم بالباقي 26,75 % فقط خلال الفترة بين 1927و1989.

ومنذ صدور قرار رقم 986 لسنة 1995 "النفط مقابل الغذاء" عن مجلس الأمن الدولي بدأت كوردستان تحصل على نسبة 13 % من إيرادات العراق النفطية بعد استقطاعات الأمم المتحدة وما هو مفروض على العراق دفعه للمتضررين من غزو النظام للكويت وحرب الخليج الثانية. وخلال الفترة الواقعة بين كانون الثاني/يناير 1997 و1/6/1999 تحقق لكوردستان العراق مبلغاً قدره 1,4 مليار دولار أمريكي تقريباً. أما حصة الحكومة المركزية في بغداد فكانت 10,8 مليار دولار أمريكي تقريباً خلال ذات الفترة. أي بنسبة قدرها 11,4% من إجمالي إيرادات العراق من النفط فقط )

 من هنا ندرك مؤامرة الخبثاء في لوزان وعنصرية النظم التي حكمت العراق منذ تأسيسه وحتى سقوطها في نيسان 2003 والتي كان يجمعها ثابت واحد وهو تجريد كوردستان وشعبها من مصادر الحياة والتطور الاقتصادي وهذا ما تم فعلا طيلة أكثر من ثمان عقود.

 وإذا كان المال المسروق أو المغتصب لا يحل بسرقته أو اغتصابه من قبل شخص آخر حسبما جاء في الأعراف و الشرائع و القوانين، فأن تأميم النفط في 1972 لم يك أكثر من تحويل تلك الأموال من سارق إلى سارق أكثر دموية في التعامل مع أصحاب المال الحقيقيين، إذ تحولت تلك الأموال خلال سنوات قلائل إلى وبالٍ وحروب راح ضحيتها الملايين من البشر في كوردستان والعراق وإيران والكويت، من قتلى ومعاقين جسديا ونفسيا، وتهجير مئات الآلاف من الكورد وتدمير الآلاف من القرى الكوردستانية وإبادة وجرف مئات الآلاف من بساتين النخيل في جنوب العراق وتجفيف الاهوار وتهجير سكانها، إضافة إلى ما كان يحيكه النظام من مؤامرات وعمليات مخابراتيه خارج العراق بما لا ينفع شعوبه وأمنهم الوطني. مقابل تبليطه لعدة ألاف من الكيلومترات ومنحه الامتيازات لأزلامه وعملائه وإنشائه لبعض المصانع والمعامل والمجمعات التي كانت تخدم توجهاته العسكرية وغيرها التي أحرقها خلال مسيرته المنحرفة عبر ما يناهز الأربعين عاما من تسلطه واستحواذه على العراق.

 لقد أنتجت كوردستان نفطا بما قيمته 184.9 مليار دولار أمريكي من عام 1927 ولغاية عام 2000 من إجمالي إيرادات العراق البالغة لنفس الفترة 252.5 مليار دولار أي بنسبة قدرها 72.2 بالمئة من إيرادات العراق بأكمله.

 وبزيارة ميدانية إلى كوردستان ندرك مدى المأساة التي تعرض لها هذا البلد في كل نواحي الحياة في البنية التحتية والتنمية البشرية والاقتصادية والحضارية والصناعية. واستخدمت أموال ذلك السم الأسود بعد سرقته من سارق آخر في تدمير وحرق وأنفلة كوردستان وتعريب مدنها واستقدام مئات الآلاف من سكان محافظات جنوبية ووسطى وما تعنيه هذه العمليات من تهجير مئات الآلاف من الكورد إلى الجحيم أو إلى مهاجر أخرى، كما حصل في كركوك والموصل وسنجار وربيعة وزمار وخانقين ومخمور ومندلي بعد عام 1975. وزرع ما لا يقل عن عشرة ملايين لغم في أرض كوردستان لوحدها.

 والطامة الكبرى أن الكثير ممن أتوا بعد سقوط النظام يغرسون رؤوسهم في رمال وعقلية وسلوك النظام السابق في موقفهم من موضوع كركوك والموصل وسنجار وربيعة وزمار وخانقين ومخمور ومندلي، وموضوعة النفط في الإقليم ويتعالون على مآسي ثمانين عاما من السرقة والسحت الحرام وبحور من الدماء التي سالت نتيجة لتلك العقلية المتخلفة والشوفينية المقيتة وفرص التقدم والازدهار التي اغتيلت على أيديهم، ويتناسون ما جرى بعد مؤامرة 1975 ضد شعب كوردستان الأعزل لكل من ساهم فيها أو سهل تنفيذها، ولعلني أستذكر فقط أن ما حدث لإيران والعراق والجزائر والاتحاد السوفييتي بعد هذه السنة لم يكن ( ربما ) محض صدفة، أن تغرق إيران والعراق والجزائر في بحور من الدماء وتتفتت الإمبراطورية السوفييتية إلى دويلات عاجزة ينخر فيها الفقر والذل.

 إن فرصة ذهبية أمامنا في إنجاز عراق جديد نتعايش فيه جميعا يضمن حقوقنا السياسية والاقتصادية والثقافية والديمقراطية، ويعوضنا عن ما فاتنا طيلة ثمانين عاما، بعيدا عن الثقافة الشوفينية أو المذهبية الضيقة أو العنصرية المقيتة، والتعامل مع ثوابت الدستور بما ينميها ويطورها في التطبيق والسلوك. والتوجه إلى كوردستان بما ينميها ويعوض خسارتها طيلة أكثر من سبعين عاما من ثروتها المسروقة وفرصها في التطور والتقدم خصوصا مع تجربتها خلال السنوات الخمسة عشر الماضية التي تمتعت فيها بقسط من الأمان والسلام، حيث أنجزت تطورا كبيرا وملحوضا في كل مناحي الحياة وبإمكانيات بسيطة قياسا لحصتها الطبيعية في الثروة الاتحادية. إن كوردستانا قوية ومزدهرة وآمنة ستكون سندا قويا لعراق اتحادي وان أي تطور في أي جزءٍ من العراق الاتحادي هو تطور وقوة لكل هذا الاتحاد.

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com