أعلم تماماً حالة المغص، والغثيان، والنفخة التي ستصيبكم، جميعاً، حال سماعكم، أية أنباء، عن أية طبخة أمريكية جديدة، يتم الإعداد لها في مطابخ العم سام، أو حين تشتمون أية روائح "شايطة"، تخرج من تحت جنازير دبابات الاحتلال، ومخابر الموساد، أو حين تبتلعون مرغمين كل تلك السموم الخبيثة من أبواق العار وصحف التخاذل الصفراء.لا سيما، وأن كل الطبخات السابقة، كانت مصدراً لحالات من الإبادة، والتسمم الجماعي، وسوء التغذية، والبؤس العام، والتشنج المعوي الحاد، والإمساك السياسي المستعصي، الذي لم تفلح معه أية مسهلات ديبلوماسية، أو مساعدات سخية، أو أفكار تطبيعية، أو فبركات إعلامية لكتبة، ومنافقي السلاطين الكبار.
ولكن طالما أن "الشغلة" صارت "زيطة وزنبليطة"، و"خرطبيطة"، وخبيصة، وشوربة، ومعجوقة، والطاسة ضايعة في حمّام المنطقة الدموي، فلا مانع من أن نقدم لكم طبق اليوم، غير الشهي، وهو لـ"الشيفة"، وليس "السيفة" رايس، الذي يعني بالعربي المشرمحي الأرز، وهي إضافة لعملها هذا، تقوم في وقت الفراغ بوظيفة وزيرة خارجية، فقط لاغير، لدولة عظمى أي "أوفر تايم" هذه بالإنكليزي، ومن عندي والله يا شباب. ولا مانع من أن نفتتح وجبتنا هذه بمختارات شعرية كصحن مقبلات، لأحد أولاد البلد الحلال، الذي يكره كل الأطباق الأجنبية، ويصر ليباس في رأسه، وتناحة في عقله، على تناول الوجبات البلدية. فلا يحب مثلاً، سوى المجدرة بالبرغل، وليس بالرايس، مع فحل البصل، والفجل والمخلل، أو المتبل، وجميع أنواع المفرّكات، بما فيها الجظ مظ، ومطبق الباذنجان. وقد قال هذه الأبيات في ملحمته الغذائية المشهورة "يا ما أحلى ليالي المفرّكة"، والتي غناها فيما بعد أبو لسان طويل في أوبرا الجياع. فأرجو أن يهضم معكم، ويجد طريقه الطبيعي بدون اية حاجة لقراءة كتابات أبواق الخزي والعار، أو لأي موجز أخبار من فضائيات البترول، والدولار، والفضيحة، والعار، التي صارت توصف هذه الأيام، كمسهل عام، بدل زيت الخروع أيام زمان.
يقول شاعرنا البلدي أبو كفكير الحمقان، الملقب أيضاً، أبو بصلة محروقة:
ولقد كرهتك يا "رزة"، والخاشوقة في يدي تعلو وتهبط فوق صحن البرغل
ولقد ذكرتك وأبواق الهزيمة نواهل مني وغاز الفاصولياء يقرقع في معدتي
فوددت تقبيل كاتيوشا حزب الله لأنها أعادت البسمة، لشعبي، ولأمتي
(الخاشوقة كلمة تركية تعني الملعقة، وهذا شعر حديث يعني مثل أدونيس بالضبط، ولا فرق، وما حدا أحسن من حدا، لذلك القافية، خبيصة ولا تواخذونا يا...........شباب, و"رزة" في الأبيات، هي إشارة واضحة للشيفة رايس، ما غيرها، أم شعر منكوش).
العجوز المتصابية الآنسة رايس أو "رز بالعربي"، تحاول اليوم أن تقدم لنا طبقاً جديداً، قديماً، اجترته ألسنة الأعراب طويلاً، وعلكوه كثيراً، واسمه الشر الأوسخ الجديد. هذه الطبخة "البايتة"، لا فكاهة، ولا مازية لها على حد قول أبو عنتر شيخ الشباب، وقد "خمّت" وانتهت صلاحيتها وتسبب المغص، والوجع، والإسهال. كما أنها ليست بحاجة للرايس (الرز)، ولا لتوابل البدو الأعراب، أوللمنكهات الأخرى، لأن رائحة الدماء، وأشلاء أجساد الأطفال، طاغية فيها على كل المكونات أخرى. كما أن رائحة البارود، وأحذية جنرالات الاحتلال، تملأ كل الأرجاء، وأياديهم الملطخة بالدماء، ظاهرة، وبوضوح تام، في رأس قائمة الطعام.
ويضيف الشيف "كوشري"، معلقاً "الكبشة" وراء الباب، وهو يشغل منصب كبير مُمَلـِّحي الطبخ بالفرن الأسود، ورئيس قسم المسالخ البشرية، والمختص بشؤون شوي لحوم الأطفال في غزة، والعراق، وجنوب لبنان، إن وجود الآنسة "رزة" يوحي بأن هناك طبخة دسمة تطهى في مطابخ المنطقة، وقد أعدت بالتنسيق مع "كويزين" الموساد. كما اوفد الفرن الأسود واحداً من كبار اللحامين حاملاً معه ساطوراً، ومغرفة إلى المنطقة لاستمزاج الذوق العام. إلا أن ناطقاً رسمياً باسم الآنسة رزة، ومُقرّباً، بآن، من جرّة الغاز، قال بأن هذه الطبخة قديمة، و"شايطة"، و"بايتة"، وريحتها فايحة وطالعة، ولا يعتقد أن سكان المنطقة سيقبلون على تناولها، بنفس الشراهة، والمتعة، والشهية، التي يقبلون فيها على طبخة حزب الله، والتي فيها من رائحة الأرض، وتراب الأجداد، ونكهة العز، والمجد، والإباء، الشيء الكثير، والتي استهوتهم أكثر من جميع طبخات الدكتورة رايس، ومن لف لفها من العفـّيسة، والخبّيصة.، واللغبيصة.
لقد شبعت شعوب هذه المنطقة من الطبخات المجبولة بالدماء، والمطهوة بلحوم الأطفال، يا شيف رايس. وأي طبخات جديدة لا تفتح شهيتهم