هل عاد قرقوش للحياة؟

حمزة الجواهري

hjawahri@yahoo.com

تحت عنوان "المحكمـة الجنائيـة تصـدر أحكاما بالإعدام والسـجن بحق 19 إرهابيا" قرأت تقريارا على صحيفة الصباح يوم 26تموز الجاري، كانت قد أعدته صحفية تعمل في الصحيفة تقول فيه، "قال مصدر مسؤول في مجلس القضاء الاعلى ان المحكمة الجنائية المركزية ببغداد ادانت امس 19 ارهابيا وحكمت عليهم بالاعدام شنقا والسجن لمدد تراوحت بين عشرة وخمسة عشر عاما لا رتباكهم جرائم استهدفت امن البلد واستقراره. وتنفيذ عمليات تفجير في مناطق متفرقة من البلاد". واضاف المصدر للصحيفة "ان اربعة احكام بالاعدام شنقا حتى الموت اصدرتها المحكمة الجنائية بحق 9 ارهابيين استنادا لاحكام قانون مكافحة الارهاب وقانون العقوبات المعدلة لارتكابهم جرائم خطف وقتل والانضمام الى عصابات ارهابية مسلحة في البصرة. وتنفيذ عمليات تفجير في ابو غريب"، ولكن ما جلب انتباهي أن هناك أيضا أحكاما أخرى اشار إليها المصدر وهي حكما بالسجن لمدة عشر سنوات اصدرتها المحكمة بحق سبعة متهمين أخرين لارتكابهم جرائم ذبح وقتل والانضمام الى عصابات مسلحة ارهابية وحيازة اسلحة محظورة، تم فيها اصدار الحكم استنادا الى قانون العقوبات والامر(3) الصادر عن سلطة الائتلاف المؤقتة المنحلة لسنة 2003."

لاحظوا معي، أن أحكاما تصدر وفق قانون مكافحة الإرهاب وأخرى تصدر إستنادا إلى قانون العقوبات وأوامر سلطة الاحتلال التي يبدو أنها مازالت سارية المفعول لحد الآن!!! أي أن هناك أكثر من قانون أمام القاضي يختار منها ما يشاء ليحكم به على المتهم! وهذا ما لم تعرفه شرائع البشر، بل وحتى أنه لم يكن سائدا أيام المرحوم الحاج قرقوش، حيث نستطيع بسهولة أن نفهم أن الأحكام التي استندت إلى قانون مكافحة الإرهاب قد حكمت على المتهمين بالإعدام بعد ثبوت جريمة القتل والخطف والانضمام إلى عصابات إرهابية، وهذا الحكم يمكن أن نفهمه لأنه منطقي ويقبله العقل السليم، أما وأن تصدر أحكام بالسجن لمدة عشرة سنوات فقط على متهمين بعد إدانتهم بأعمال قتل وذبح، ها..... رجاءا انتبهوا، ذبح وقتل والانضمام إلى عصابات إرهابية وحيازة أسلحة محظورة!!!! وهي أيضا نفس الجرائم السابقة، فهذا ما لا يقبله عقل ولا منطق ولا أخلاق ولا عرف ولا يوجد قضاء في العالم يحكم بهذه الطريقة، ولا أدري ماذا فعلوا غير هذه الجرائم ولم تستطع المحكمة إثباته. وهنا نريد أن نسأل القاضي الذي حكم بالسجن عشرة سنوات على هؤلاء المجرمين وكذلك هيئة القضاء العليا وكل من هم في البرلمان وحتى مجانين الشماعية، أن هل كان الذين تم ذبحهم أو قتلهم يستحقون الذبح والقتل؟ أم أن القتل هنا يختلف عن القتل هناك؟ أم أن عمليات الخطف والقتل هنا، فضلا عن باقي الجرائم، كانت شرعية للحد الذي لا يمكن اعتبارها كافية للحكم بالإعدام على هؤلاء المجرمين؟! وهل من فرق من حيث الإنتماء بين المجرمين التسعة الأوائل المحكومين بالإعدام والآخرين المحكومين بعشرة سنوات على تهمة مشابهة؟ ألا يحق للمجرمين الذين حكم عيهم بالإعدام الطعن بالإحكام لأنهم لم يتساووا بغيرهم من المجرمين وفق الدستور العراقي الجديد الذي يساوي بين المجرمين كما يساوي بين الناس؟ ألا يحق للمجرمين الخروج من سجنهم والانطلاق في الشارع ليشيعوا الجريمة وفق مشيئتهم؟ وأن يقتلوا ويخطفوا من يشاؤون؟ ألا يحق لهم أن يبصقوا بوجه القاضي الذي حكم بالإعدام؟ كما ويمكن أن نسأل، ألا يحق للعراقيين الأبرياء المغدورين أن يبصقوا بوجه أعضاء هيئة القضاء العليا في العراق والقاضي الذي حكم بعشرة سنوات؟ ألا يحق للناس أن يبصقوا بوجوه كل المسؤولين وحتى الرؤساء في البلد؟ لسبب بسيط وهو أن الحكم المخفف جدا جدا يشجع على إشاعة الجريمة وإن الضحية هو العراقي البريء سواء كان متسولا في السوق الشعبي أو مسؤولا في المنطقة الخضراء، وهل هناك حكما أخف من هذا على من يختطف ويقتل وينتمي إلى عصابات إرهابية ويستحوذ على أسلحة محظورة، ثم بعد كل هذه الجرائم، يحكم عليه بعشرة سنوات، فإن من يبصق بوجه من يشاء لا يمكن محاسبته، ربما يستحق هدية على فعلته وفق النظرية النسبية للأخ انشتاين، والطبطبة على ظهره مع بوسة على الخد الأسيل إستنادا إلى بعض القضاء العراقي الجديد في العرق الجديد! لكن وصيتي لمن يشعروا برغبة في البصاق، عليهم أن يجدوا الوسيلة المناسبة للوقوف أمام القضاء المناسب، وأظن أن الوسيلة موجودة في العراق المستباح.

أعود وأسأل، هل قبلت هيئة القضاء العليا هذه الأحكام؟ ولماذا لم يخطر على بال مراسلة الصحيفة توجيهه هذا السؤال بالذات إلى المتحدث عن الهيئة؟ ولا السؤال عن السبب في التباين بين الأحكام ؟ ربما كانت قد ارتعبت من هول ما سمعت، أو ربما أصابلها الذهول، وربما وربما.......، وربما كان قد هددها المصدر المسؤول والمتحدثق بإسم هيئة القضاء العليا أن تلتزم الصمت وتمتنع عن التعليق، وإلا فإنها ستواجه ما لا تحمد عقباه، وما عليها سوى نقل الخبر كما هو، وربما كان المسؤول مدججا بالسلاح هو الآخر، إذ من الممكن أن يكون المتحدث، أو المصدر المسؤول، إرهابيا هو الآخر؟ لأن من يحكم بهذه الطريقة يمكن أن يقوم بأفعال من هذا القبيل، وليس صعبا الاستدلال على هذا الأمر سوى الرجوع لهذه الأحكام وقرائتها بتمعن.

فهل القاضي الذي حكم بعشرة سنوات كان بعثيا وإن هدفه تمكين الإرهابيين من الناس، ويقول لهم بشكل غير مباشر "أن أمضوا في غيكم ونحن هنا نذود عنكم"؟ أم هل القضاء العراقي مشلول كنتيجة للتهديدات الإرهابية؟ وربما كان القاضي العراقي مرتشيا؟ أو إنه متواطئ لأسباب طائفية أو عشائرية أو مناطقية؟ أو إنه كان مجرد جبان وقد تحسب لكل تلك الاحتمالات؟ وقد لا يكون أيا من تلك الأسباب رغم موضوعيتها وشيوعها في الوسط القضائي كما يقال، فربما يعود السبب إلى حقيقة يذكرها دائما أحد الأصدقاء المظللين للرأي العام من أن القضاء لعبة بيد السياسيين، وخصوصا ألائك الذين دخلوا العملية السياسية متأخرين.

في جميع الحالات التي وردت يمكن أن يعتبر فيها القضاء العراقي حاليا بعيدا تمام البعد عن العدل ومفهوم العدالة الفقهي، ولا يحقق الوظيفته الاجتماعية للقضاء كرادع للمسيء، لأن لا يمكن احترام القضاء المزدوج المرجعية والذي يكيل بألف مكيال، ولا يمكن احترام القانون أيضا مادام من يقتل ويرتكب أبشع الجرائم يحكم عليه في نهاية المطاف بعشرة سنوات فقط، ربما تخفف بعد حين لحسن السيرة والسلوك. وهذا يعني إشاعة للجريمة والفوضى في البلد. وهل هذا الاسلوب مقصود أمريكيا في إشاعة الفوضى وفق نظرية الفوضى المنظمة؟

وهنا تنشأ أسألة اخرى، أهمها دور المشرع، فهل حقا لم ينتبه المشرع العراقي أن هناك فوضى قوانين كنتيجته لعودة قرقوش للحياة من جديد؟ أم أن للمحاصصة الطائفية دور بهذه الأحكام وفوضى القوانين؟ وهل للعراقي الحق، إن بقي ثمه حق، أن يحاسب القضاة والقضاء والرئاسات؟

منذ اليوم الأول الذي قبل به البعثين المشاركة في العملية السياسية، قلنا، كما قال غيرنا، إن هدف هؤلاء الأوغاد هو العبث بالعملية السياسية وشلها وتعطيلها وإيقاف أي عجلة بدأت بالدوران، لأنهم لم يكونوا مهمشين كما يدعون، ولم يكونوا بعيدين عنها إن أرادوا الدخول بها كشريك يأخذ ما يستحقه من الأصوات في العملية الانتخابية، بل وكان بإمكانهم أن يكونوا في وضع أفضل مما هم عليه الآن بكثير فيما لو تجاوبوا مع المعلية السياسية، لكن هدفهم معروف للقاصي والدني وهو إعادة السلطة كاملة بأيديهم، والعملية السياسية تجعل منهم مشاركين فقط مهما حاولوا. لذا كان دخولهم من أجل شل جميع السلطات في البلد، التنفيذية والتشريعية والقضائية، لذا، ومن قبل دخولهم بالعملية السياسية، وتحت مسميات طائفية ومحاصصاتية متنوعة، كان القضاء أول ضحاياهم لأسباب يعرفها القضاة قبل الآخرين.

في واقع الأمر إن السبب وراء هذه الملاحظات هو أن هناك خطة أمنية فشلت، وكان قبلها خطط قد فشلت، بل كانت نتائجها كارثية، وإن العراق على عتبة الحرب الأهلية والتقسيم ما لم تنجح الخطط الأمنية في تحقيق أهدافها بعودة الأمن والاستقرار في البلد، ونحن بعلمنا المتواضع نعرف أن لا يمكن أن يسود الأمن والأمان ما لم يكون هناك عقاب، فمن سلم العقاب، أساء الأدب كما يقول المأثور الاجتماعي الذي تتفق عليه جميع الثقافات والأعراف الإنسانية في العالم، فهل نشذ نحن العراقين عن باقي البشر؟ ألم تعلمنا تجارب السنوات الثلاثة الماضية وما ذاقه أبناء شعبا من موت، كان الأبشع والأكثر تنوعا؟

لعل الحل الوحيد الذي بقي لم يجرب لاحد الآن هو عودة القانون والقضاء العادل الذي يحكم وفق قانون واحد، وليس هذا وحسب، ولكن من خلال تطبيق أقسى الأحكام على مدى عشرين سنة قادمة لكي نتأكد من أن البعثيين الجبناء قد أنتهوا تماما أو كفوا عن غييهم وخبثهم، وإن كان هذا الأمر مستحيلا عليهم، حيث كل مياه الأرض لا تستطيع أن تطهر هذا النوع من الخبثاء.

كلمة أخيرة أجدها مناسبة في زمن المصالحة الوطنية، أن تصالحوا كما تشاؤون، ولكن عليكم بتفعيل القضاء العادل بعد عزل جميع أحفاد قرقوش عن سلك القضاء، وتنفيذ الأحكام التي يجب أن تكون صارمة، ومن ثم الإعلان عن تنفيذ تلك الأحكام. هكذا فقط نستطيع أن نعيد الأمن والأمان للعراق، لأن من يستهتر بالقانون هم الجبناء فقط.

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com