عتاب هه وليري الى الرئيس مسعود بارزاني

د. جرجيس كوليزادة / اربيل ـ العراق

jarjeismh@yahoo.com

هه ولير هذه المدينة العريقة، وهذه الملة الأصيلة التي تفتخر بانتمائها الى الوطن كوردستان والى شعبها الأبي، تحتل مكانة عزيزة في قلوب أهاليها الذين توالوا فيها في ولاداتهم ومماتهم على أرض هذه المدينة الجليلة، الغائرة في عمق التاريخ القديم، والعزيزة على قلوب مواطنيها الذين توافدوا عليها من ضواحيها ومن قراها ومن مدنها وقصباتها ومجمعاتها لأسباب شتى من أجل الإستطباب بهواء ونسمات زقاقاتها وحلاوة محلاتها لحاجة في تأمين عيش كريم يستظل بها في إدامة الحياة، أو لكسب في رزق مبارك تبارك عليه كل صالح وولي ترقد مقامه على هذه الأرض الطيبة.

هذه المدينة الهادئة ترتاح اليها نفوس الكردستانيين والعراقيين على السواء، وتشعر بمحبة أهلها وطهارة إيمانها ومودة أصحابها ورحابة استقبالها وسخاء ضيافتها وبراءة نفوسها وسكينة طبعها وطيبة أكلاتها وحلاوة مشروباتها ونظافة مساكنها.

هذه المدينة الكريمة المباركة ونتيجة لموقعها ودورها السياسي والنضالي الذي لعبته هه ولير اختيرت عاصمة لإقليم كوردستان ومقرا للحكومة الكوردستانية ولرئاسة الإقليم، ومقرا للقيادات الكوردية السياسية منها المقر الرئاسي لرئيس الإقليم السيد مسعود بارزاني.

لكن مما يؤسف لها أن أهالي هذه المدينة الباسلة لم تأخذ الاهتمام الكافي من لدن قيادتي الحزبين الرئيسين، الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني، خاصة من قبل الرئيس مسعود بارزاني، في حين أخذت كل من مدينة دهوك الاهتمام الكافي والرعاية اللائقة من قبل إدارة الديمقراطي الكردستاني ومدينة السليمانية الاهتمام الكافي والرعاية الكاملة من قبل إدارة الاتحاد الوطني، لأسباب متعلقة بالتنافس الحزبي في السابق وبالحرب الأهلية التي دارت رحى معاركها على أبواب هه لير وبأسباب أخرى متعلقة بالرؤية الضيقة وعدم وجود الكادر المؤهل مهنيا ووظيفيا وعمليا للإدارة التي سيطرت المدينة في السنوات السابقة، وأسباب أخرى مرتبطة بالفساد العام الذي يسود القطاعات الحكومية والحزبية والعسكرية للحزبين الرئيسين والأحزاب الكردستانية الأخرى.

وبمناسبة كتابة هذا العتاب بخصوص هه ولير لا بد لي أن أشير الى واقعة طيبة نبيلة، وهي أنه كثيرا ما أسمع من الهه وليرين أن المدينة شهدت في كل مراحلها الإدارية فقط رجلين سياسيين وطنيين أرتاح لهما الأهالي وعملا بكل جدية من أجل خدمتها وتلبية مطالب أهاليها وهما الشهيد القيادي فرانسوا حريري من الديمقراطي الكردستاني والقيادي من الاتحاد الوطني كوسرت رسول علي.

امام بخصوص عتابنا الهه وليري ولكي يكون طرحنا محايدا وموضوعيا لبيان حالة عدم الإهتمام الذي تطرقنا اليها فإننا نمر بجملة أمور وحالات ومظاهر أحذت طريقها الى الواقع لكي تكون شاهدا على ما ذهبنا اليه في مقالنا هذا، والأمور هي:

1. عدم حصول أهالي هه ولير على رعاية كافية من قبل السيد رئيس الاقليم مسعود بارزاني وندرة زياراتها الى هذه المدينة والتجول فيها للتعرف على مشاكلها وأزماتها خلال فترة رئاستها الحالية وخلال السنوات السابقة، وما يقوم به من زيارات الى البرلمان أو لأشغال رسمية وحزبية لا يدخل ضمن هذا السياق.

2. اهتمام فوق العادي لزيارة الرئيس بارزاني الى السليمانية واجتماعه مع أغلب شرائح المجتمع السليماني للتعرف على مشاكلهم وأزماتهم، في حين لم تحدث أية لقاءات بهذه الصورة في أربيل، بالرغم من اعتزازنا بالزيارة المميزة للسيد الرئيس الى السليمانية واستحقاق أهلها بهذه الزيارة الكريمة.

3. زيارة المدن والقصبات في السليمانية، وهي حالة جديدة ضمن السياق العام لعمل الرئاسة، وهي تشكر عليها ويرتجى استمرارية هذا السياق ضمن البرنامج العام للعمل، ولكن هذه الزيارات ليست لها نظير في أربيل، وقد تكون لها نظير في دهوك، وهذا يعني حرمان قصبات ومدن ونواحي العاصمة من هذا الاهتمام الذي يمكن من خلاله التعرف على المشاكل والأزمات الميدانية وإيجاد الحلول لها.

4. وجود احساس بالتمايز في الاهتمام من قبل الرئيس مسعود بارزاني بين محافظة دهوك ومحافظة هه ولير في جميع المجالات بدليل الزيارات الكثيرة لهذه المدينة في السنوات الماضية وكثرة لقاءاتهما وتواصلها بأهاليها وبنخبها الاجتماعية والإدارية والاقتصادية، وغياب هذا التواصل مع أهالي هه ولير.

5. سيطرة الوزارات والهيئات الحكومية على أمور إدارة العاصمة كمحافظة وكوحدة إدارية والتدخل فيها وسيطرة أكثر من مرجع على أمور المحافظة مع غياب هذا الوجود والسيطرة في دهوك والسليمانية.

6. تسليم أمور مدينة أربيل كعاصمة وكمحافظة الى جهات لا تعرف لها مصدر ولا واجهة خاصة في مجال التجارة وعقد الصفقات مع شركات تدار من قبل مسؤولين وحزبيين وتجار كبار، ووجود صبغة احتكارية على مستويات تجارتها وأعمال مقاولاتها، وإشارة الرئيس بارزاني الى السوء الرهيب في تنفيذ أعمال الطرق والمواصلات إشارة قوية من أعلى هرم حكومي بسوء أعمال المقاولات التي تنفذ وفق صفقات لا تضع مصلحة الوطن ولا المواطن وفق أي اعتبار ووفق أي حساب وطني، وتسليم الشبكات الوطنية للهاتف الى جهات معنية خاصة وفق صفقات خاصة قد تكون بعيدة عن المنافسة الحقيقية القانونية مؤشر آخر على الاستغلالية والاحتكارية.

7. عدم ظهور بوادر اهتمام من قبل الرئيس بارزاني بالأمور المعيشية والصحية والسكنية والاجتماعية لمواطني اربيل، خاصة فيما يخص السكن وأزمة المحروقات، وعدم أعطاء أي اهتمام بهذه الجوانب الحساسة والمهمة في حياة المواطن، ففي حين تعرض شاشات التلفزيون إعلانات تجارية عن مدينة الأحلام والشقق السكنية المبنية للبيع بعشرات ومئات الدفاتر من الدولارات وفق أهواء المسؤولين الحزبيين والحكوميين والأغنياء والارستقراطيين والبرجوازيين الكبار وأصحاب الرأسمال الفرهودي الذين حصلوا عليه بين ليلة وضحاها وما زالوا، تشعر كأن مساحات صغيرة من هذه المدينة انتقلت بين ظهرية وعصريتها الى فضاء الخيال الفردوسي الذي لا تجد صور لها حتى في سماء أوربا، في حين يقبع أعداد كبيرة من نفوس المدينة تحت خط الفقر الذي لا يتجاوز خمسة دولارات في اليوم الواحد فكيف يؤمن هذا المواطن لنفسه ولعائلته المعيشة والسكن والكساء والدواء، بالتأكيد ان الله رب العالمين لا غيره يدري بالحال المزري لهذا العبد الفقير.

8. سيطرة مجموعة من المسؤولين والحزبيين والحكوميين الكبار على العقارات في أربيل، واختلاق أزمة أسعار عالية تجاوزت كل حدود المنطق، وخرجت من كل توقعات المراقبين حتى وصلت سعر قطعة الأرض السكنية الى مستويات منافسة في أرقى مدن العالم، ولا يعقل ان تجري أمور هذا القطاع ببعيد عن علم من الرئيس بارزاني ورئيس الحكومة نيجيرفان بارزاني، والمتضرر الأول والأخير هو المواطن، حتى بات حلم الحصول على قطعة سكنية من باب الخيال المستحيل، فلا يقدر أعداد كبيرة من مواطني هه ولير تحقيق هذا الحلم الا عندما تمنح لهم تأشيرة سفر الرحيل الى العالم الآخر قسرا وقهرا وإجبارا لسياسة التمايز المتبعة جهرا وعلانية في حقوق المواطنة المثبتة في الدستور الدائم، في وقت دخل فيه أصحاب المساكن والعقارات الى نادي الفراعنة في كوردستان التي جاءت تسميتها في أحدى الصحف الكردستانية المستقلة في هذا العصر الإصلاحي الذي نحيا فيه بهضم كبير لحقوق المواطنة وشطب كثير للمساواة والعدل الاجتماعي والتوزيع العادل للثروة المحتكرة من قبل الأقلية وكأنها ملكية شخصية وهي بالحقيقة ملكية للدولة وللشعب، هذا العصر الذي شهد ارتفاع سعر قطعة ارض سكنية بين صبحية وظهيرتها بنسبة 5000% من 500 دولار الى 25000 دولار، أية قفزة هذه نشهدها وهي تحصل في قطاع العقارات والسكن في كوردستان في البلد الذي بات متألقا في تسجيل أرقام خيالية في رأسمال الأقلية والمتصاعد في تسجيل أرقام قياسية في فقر الأغلبية؟.

 باختصار هذه مجموعة من الهموم التي يبحر فيها المواطن الكوردستاني في هه ولير في مجالات عدة مستنبطة من حياته ومستقبله وبنسبة كبيرة تتجاوز نصف السكان بلا مبالغة، فهو يعاني في معيشته وفي تأمين مفردات حياته وفي إيجار سكنه وعدم استقراره وحاجة عائلته بسبب الفقر وضآلة الدخل في تأمين المقومات الحياتية، فمن يصدق أن الاف من العوائل موجودة في اربيل لا تقدر على دفع استحقاقات الكهرباء المنتجة من المولدات الأهلية وهي تعيش في فترات الظلام وحرارة الصيف الساخن ولديهم أطفال وكبار سن؟ ومن يصدق أن عوائل تقدر بالآلاف في مناطق متفرقة من أربيل تعيش في بيوت وأكواخ تتصور أنها من مجاهل أفريقيا لا تتوفر فيها أبسط مقومات العيش والصحة؟ ومن يصدق أن في اربيل مواطنون بأعداد كبيرة لا تتجاوز دخلهم اليومي 2-3 دولار، ومن يتصور ان في أربيل عوائل تقدر أعداد أفرادهم 5-8 لا يتمتع أي منهم بوظيفة حكومية ولا بمورد صغير ثابت في حين هناك بالآلاف لنصف أفراد العائلة مورد رسمي ثابت وإن للبعض كفرد أكثر من 3-4 مورد شهري رسمي؟ ومن يصدق أن ربة العوائل في السليمانية تمنح لها راتب شهري في حين في اربيل تمنح لها لا شيء؟ ومن يصدق ان في اربيل حصل مواطنون من غير المدينة على 2-3 وأكثر من قطعة سكنية كما يقال في حين بقي الكثير من الهه وليرين بلا ارض سكنى؟ وغيرها وغيرها؟

أجل هذه هي صورة الحياة للأغلبية الفقيرة لمواطني في اربيل، لا كما تنقلها عدسات الإعلانات عن مدينة الأحلام وشقق البرجوازيين الكبار الذين تسلقوا واجهات الحياة السياسية والحكومية والحزبية على الساحة الكردستانية في غمرة الأحداث وتوزيع الغنائم على المسؤولين والحزبيين بالمنسوبية والمحسوبية لملء الجيوب الخاوية دوما التي لا تملئها لا الدولارات والبريمرات ولا اوقيات الذهب وولا أثقال المجوهرات ولا بلوكات الأراضي السكنية التي تدخل في جيوب لا تعرف أصحابها لا الرحمة ولا الشفقة وكأنها كائنات معدنية لا تماس لها مع وجدان وضمير الانسان.

أجل يا فخامة الرئيس مسعود بارزاني، هذا عتابي إليكم من مواطن صاحب قلم له وجدان وله ضمير نابع من ضمائر المواطنين ومن أحاسيسهم ومن مشاعرهم التي أحس بها كلما ركبت باصا صغيرا للنقل وكلما صعدت سيارة تكسي للاجرة، وكلما مشيت في دروب وشوراع المدينة، وكلما استمعت الى حوارات الآخرين في المضايف والمقاهي والدوائر، وكلما استعت الى دردشات الامهات من بعيد والنساء في الاسواق. أجل يا فخامة الرئيس أرجو أن يكون عتابي هذا في محله وان تكون هذه المبادرة المتواضعة مقبولة لخير نترجاها لأهالي العاصمة اربيل الأصلاء ولشعبنا الكوردستاني العظيم الذي قدم كل النفائس وكل ما هو غالي من أرواح ومن نفائس من أجل أن يشهد اليوم الذي انبثق فيه برلمان بعلم كوردستاني ليرفرف في كل أرجاء الاقليم بفضل النضال العسير للشعب وتضحياته النفيسة، وأرجو ان تكون مساحة الحرية التي نتمتع بها في اقليم كوردستان بكل فخر واعتزاز سند لي كستار واقي ومساعدا لي في قبول هذا العتاب من قبل الرئيس بارزاني وأن يكون صدركم الكريم رحبا وكبيرا لقبول عتابي هذا، وفي حال نزول سيادتكم الى راي الشارع في هه ولير ستجدون صدى واقعيا للمفردات والحقائق التي تطرقت اليها في مقالي هذا، وما مسعانا هذا الا لخير هذا الشعب ولخير إقليم كوردستان ولخير مدينة هه ولير وأهاليها المتميزين بالطيبة والنبل والأصالة.

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com