اهتم العرب، كثيراً، بالسلالات والانتماء للأجداد، وتسلسل الأنساب، وافتخروا بالأصل، واهتموا بالأعراق، وتكنـّوا بالآباء. حتى أن منهم من استطاع أن يرد حسبه ونسبه، وبلا قافية، وما شاء الله، وعين الله عليه، لسيدنا آدم عليه السلام، بكل ما يحيط وجود هذا الشخص نفسه، أو عدم وجوده، من أسئلة، وعلامات تعجب، واستفهامات. وهناك قبائل كبيرة، وقبائل ذات عدد صغير، وقبائل، أخرى، لا في العير، ولا في النفير، بفضل الله. ولها جميعاً تفرعات، وبطون، وأفخاذ. وهناك من يتباهيى بانتمائه إلى تلك القبيلة، التي انقضّت، مثلاً، ذات يوم، على قبيلة أخرى، وهبشتها هبشاً، وأبادتها عن بكرة أبيها، لأن "تيساً" من هذه القبيلة، "نط" على "معيزة" من تلك القبيلة، وهتك عرضها، ونشبت من يومها صراعات، ودارت معارك، وتجذّرت أحقاد، يعجز عن حلها، والتوفيق بينها، الداهية كيسينجر، أوالعمة رايس. وبالمناسبة، هناك بعض من الأعراب "الماجدة"، حالياً، من يتباهى بقرابته، وصلته بفخيذة هذه الحيزبون القرعاء رايس. وهناك، أيضاً، من العرب الماجدة، من يقطن، ويستوطن في مرابع، وسجون الأمريكان، ويعيش على فتاتهم، في المنطقة الخضراء، وسط بغداد.
ونتيجة لكون معظم الأعراب في التاريخ بدو، ورُحّلٌ، يتعيشون على "القنص"، والصيد، والرعي، والغزوات ويتنقلون، مع بعيرهم، وعبيدهم، حيث الكلأ والماء، فقد كانوا يتعرضون، بين الفينة والأخرى، لكوارث طبيعية، تقضي عليهم جميعهم، وعن بكرة أمهم، هذه المرة. وسمّي من انقرض من هؤلاء، بالعرب البائدة، الذين راحوا، وأراحو، وارتاحت البشرية جمعاء، من مشاكلهم، وقصصهم، وتخلفهم، والحمد لله، الذي لا يحمد على مكروه سواه( والمكروه هنا ليس الأعراب طبعاً، ومنعاً لسوء الظن، ووسع الخيال). وبسبب شظف العيش، وقلة الموارد، أيضاً، نشأت ثقافة الغزو، والغزو المضاد، بين القبائل، والعشائر، والبطون، والأفخاذ، والسيقان، وأبناء العمومة والخال، وساد السبي، والسرقات، وسمي هؤلاء في التاريخ بالعرب الغازية، ويقابلهم في العصر الحديث، العرب الشبّيحة، أو الشفيطة، حسب المؤرخ الكبير أبو برنيطة.
وحين انهار سد مأرب، الذي قوّضته الفئران، ضاق حالهم، وانقطع باب رزقهم، ومصدر عيشهم، وهاجرت كثير من قبائلهم، واستوطنت في الجزيرة العربية، والعراق، وبلاد الشام، بشكل رئيسي. ولذلك ترى ارتباطات عشائرية، وعلاقات قبلية، ووشائج قربى بين هذه القبائل، في مختلف هذه البلدان. ومنهم من لم يستطع التكيف مع التطور، والحياة بشكل عام فانقرض تماماً، كما أسلفنا، وسموا بالعرب البائدة. ولا يعلم في الحقيقة، ماذا كان سيفعل أولئك العرب البائدة، من مآثر، وإنجازات، يقدمونها للبشرية، اللهم، إلاّ على غرار تلك الحرب الشهيرة، في التاريخ العربي، والتي سميت حرب البسوس، أو داحس والغبراء المأثورة. ومع تقدم التاريخ، صار لهم الكثير من التسميات، والأوصاف، ولاسيما في العصر الحديث، فقد كانوا يميلون حيث يميل، بهم، الهواء السياسي العام، وتأخذ الرياح أشرعتهم حيث يذهب بها الأغيار. فظهرت من سلالاتهم، في القرن الماضي، مثلاً، قبائل العرب "المتمركسة"، الذين ينتهون بنسبهم إلى جدهم، ماركس، واتبعوا مذهبه (رحمه الله)، ومن أشهر عشائر، وأفخاذ هذه القبيلة، هم العرب "المتسفيتة"، وفي رواية أخرى ألعرب المتزفتة، هذا والله أعلم.
كما ظهر منهم، في أواسط القرن الفائت، العرب المتقومجة، الذين تميزوا بكثرة الكلام الفارغ، وأكل الهواء، والزعيق، والصراخ، بمناسبة، ولا مناسبة، في الإذاعات، والمنابر، والفضائيات. وقد انقرض معظمهم الآن، والحمد لله، إلا أننا لانزال نرى، بعضاً من أحفادهم، وسلالتهم يفرخون، ويزعقون هنا، وهناك، ومن أهم فخيذاتهم العرب المجعجعة، كما ذكر ذلك المؤرخ الكبير أبو لسان طويل، في مؤلفه البديع جعجعة بلا سميد. إلاّ أن أحد أكبر سلالات الأعراب، التي تتباهى بنسبها الجديد، في هذه الأيام، هم العرب المتأمركة، ومن عشائرهم، وبطونهم، وأفخاذهم المعروفة العرب المتأسرلة، والمتسربلة، والمتصهينة، والمستسلمة، والمنهزمة. وهناك فرع هام منهم، وهم العرب المستفشرة، الذين صاروا يعلنون مذهبهم الانهزامي على الملأ. إلاّ أن أقوى افخاذهم هذه الأيام، هي العرب النافطة، ولهم أتباع كثيرون من الجواري، والصبيان، والغلمان، ومحامي الشيطان. ويعيش هؤلاء في جزر معزولة من النفط، في الصحراء، ويسخّرون كل مواردهم للهو، وكازينوهات القمار، والسمسرة، وتكديس السلاح الذي يصدأ في المستودعات. وهناك العرب المتلبرلة، والمتفذلكة، وهم أحد أهم سلالات العربان السياسية هذه الأيام، ومن أهم صفاتهم الديموغرافية الزئبقية، والعنظزة، والتلون، والانبطاح.
إلا أن أهم عشائر الأعراب الحالية، بعد العرب العاربة، والمستعربة، والبائدة، فهم العرب الحاقدة. وهذه الفصيلة البشرية النوعية هي التي تروج للحقد والكراهية، وتحاول أن تزرع الفتن، والحروب، وتثير القلاقل بين أعراق العرب المختلفة. وتتميز بحقدها، وكراهيتها، لكل ما هو شريف، ونظيف، وعفيف، وتكره، وتعادي الحب، والفن، والجمال، وتعشق التخلف، والهمجية، والبداوة، والانحطاط، وتحارب كل ما هو مبدع، وجدي،د، وخلاق.غير أن المؤسف لهم أن عشيرة العرب المقاومة، والتي ما زالت تتمتع بشيء من الكرامة، هي أقلية ونادرة في هذه الأأيام، و"يناصبها" الجميع العداء، وتتعرض لحملات شديدة من فخيذة العرب الحاقدة. وهناك العرب الهاربة، وهم من العرب العاربة اصلاً، ويتميزون بالجبن، والتخاذل، والفرار عند أول نزال، ويحقدون على العرب المقاومة، وينعتون المجاهدين، والأبطال، بأقذع النعوت، والأوصاف، وقد رايناهم يفرّون كالأرانب، وكالفئران المذعورة من بيروت، في آخر نزال، بينما يدعون من مضاربهم الصحراوية، للجهاد، والقتال، ضد الصليبيين والكفار، ويتمرجلون من على منابر وفضائيات "هشك بشك وشخلعني يا واد"، ويرسلون الناس للجنة والنار. وكان معظمهم يتركز في كازينوهات، وكباريهات، وبارات، بيروت، حيث يكثر "الرعي والحش" الحلال، وذلك قبيل اندلاع المواجهات الأخيرة، بين إسرائيل، وحزب الله. ومنهم أيضا فخيذة العرب "الشاربة"، وهم يتمركزون حالياً، في مواخير وكازينوهات، ومضارب أوروبا، وكفى الله العرب الهاربة شرف المقاومة، والنضال.
ومن أهم العشائر العربية في العصر الحديث، هم العرب المتأسلة، وخلطوا فيما بين الأشياء، وقد اتخذوا من دين الإسلام الحنيف، هذا الدين الذي "أنزله الله هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان"، ستاراً للوصول إلى كراسي الحكم، والتحكم برقاب العباد، وإعادة جميع الأعراب، وبكل قبائلهم وكالقطعان، وبحد السيف، والساطور، قروناً، ضوئية إلى الوراء.
غير أن أحد أهم، وأكبر قبائل العرب، حالياً، هم العرب الراقدة، ويسكن هؤلاء في المنطقة الممتدة، من المحيط الجامد، إلى الخليج الراكد، ويتميزون بالأدمغة المغسولة، والمنوّمة غيبياً، ولم توقظهم جميع صرخات وامعتصماه، ولا تكبيرات الله أكبر، أومشاهد الضحايا والشهداء، ولا قصف الأطفال، ولا حتى صواريخ حزب الله.
*دراسة مقاربة، أو مقارنة (متل "المسئفين"، والمتفلسفين المتمركسين يعني) أُعِدَّت خصيصاً لمواسم الهزيمة، و"حيى على الجهاد".