المقاومة الإسلامية في جبل عامل

سليمان الفهد / كاتب وسياسي عراقي

Sulaiman_alfahd@hotmail.com

المقاومة التي تقاتل إسرائيل في جبل عامل هي إسلامية و مؤمنة و وطنية . تسير في خطاب واحد متماسك لمضمونها , مضمون يرسم السمات الإسلامية التي تميزها عن كل مقاومة أخرى , سواء ذلك في منطلقاتها أو بواعث تحركها وحدود الآفاق التي تضعها لمسيرتها .

 نعم إنها تتشبث بهوية خاصة لا تحصر وظيفتها في تحديد الأرض فقط . هي تتحرك بكل الاتجاهات وبين دوائر الصراع الداخلي ومع الاحتلال الصهيوني . إذن هناك معركة في كلتا الجهتين , معركة واحدة مشدودة بسلك ديناميكي واحد لا ينفصل . مما يجعل للمقاومة بعدا داخليا يعادله البعد الخارجي .

 فالساحة الوحيدة المشرعة للصراع مع العدو الصهيوني هي في جبل عامل توفر الرغبة الجامحة لقتال عدو بربري شرس من قبل المقاومة لغرض الإمساك بمفاتيح الصراع الداخلي والإقليمي – الدولي , أكان ذلك الإمساك سلبا أو إيجابا , عرقلة أو تسهيلا . فلهذه الأبعاد في الصراع يجعل للمقاومة تأثيرا على هذين البعدين ليكون لها تأثيرا مباشرا في هذا المجال لتغذية مجرى التغيير العام في المنطقة التي اختلف الجميع تحديد هويتها باختلاف المؤثرات النابعة من ذلك الينبوع . حيث كانت هناك مشاريع تغيرية متعددة الأطراف طرحت نفسها في العالم الإسلامي عموما والعربي على وجه التحديد في إطار الصراع مع العدو الصهيوني الغاشم . ولم تسجل تلك الأطراف لنا في صراعها المستديم مع عدوها سوى هزائم متتالية وعلى كل الجبهات , وكانت تلك الهزائم انتهت في السنوات الأخيرة إلى الاعتراف بالكيان الغاصب , وحتى القوى ذات المشاريع المقاومة فرضت عليها حسابات مؤداها النهائي تكريس الاعتراف بأسلوب غير مباشر .

 فمشاريع الفكر القومي بمضامينه الغربية ومشاريع الفكر الماركسي أيضا , لم تنتج لنا سوى الكثرة , خاوية الإيديولوجيات في جميع المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية .

 ففي عام 1982 عام الاجتياح الإسرائيلي للبنان , بعث من جديد في جبل عامل فكرا إسلاميا مقاوما بكل ما تعنيه الكلمة من معنى .

 المتتبع المحلل لوجود المقاومة الإسلامية كظاهرة من خلال رصد ظروف ولادتها والاطلاع على أدبياتها ونشاطاتها وتضحياتها , لا يسعه إلا تأكيد شرائط تجذرها وسر قوتها . فالإنسان المقاوم يتمثل بوعيه لقضايا عصره وبما يريد أن يكون عليه ولا شك انه وصل أعلى حالات الوعي الشخصي . فهو يفكر في مصير مجتمعه وقضاياه المصيرية في تحرير الأرض من الاحتلال أولا والانتماء والهوية ثانيا .

 فالمقاومة الإسلامية هي رسالة ودعوة ذات مضمون فكري للتغيير . حقيقة , إن أدبيات المقاومة الإسلامية في الشعارات والخطاب السياسي ووصايا الشهداء والشعر الحسيني وبيانات المقاومة , كلها شكلت لنا سمات هذا المشروع الحضاري المقاوم .

 فحين نذكر كلمة مقاومة , نتذكر مباشرة كلمة شهيد وشهداء , فالشهيد يؤدي دورا حاضرا في نفوس الأمة عندما يعطي دمه ثمنا لقضيته ويستبدل الريشة بالسيف والجهد الذهني ببذل الجسد .

 من هنا فأن المقاوم الرسالي يجب عليه الالتزام لدرء كل نزعات الشر في داخله لتحقيق الصراحة والصدق والصفاء لتكون عنوانا لعمله . أي إخلاص لموقف حياتي مستمر يلتزم به المرء , ظاهرا وباطنا في مجمل سلوكه أو حتى ظنونه وتفكيره .

 المقاوم , لا يكون إلا مخلصا , ملتزما , مهما بلغت التضحيات لينتقل إلى مرحلة حب الشهادة , التي يبذل فيها نفسه التي هي أقصى غاية الجود . القيم الرسالية والالتزام والإخلاص هي من القيم الرئيسية في الإسلام وتدخل ضمن عملية التغيير الداخلي للإنسان . فالمقاومة الإسلامية تمتلك هذا السلاح لتختصر مضمون الشهادة . ليس هذا فحسب , فالمقاوم يجب عليه استحضار الماضي في حياة هذه الأمة . فمثلا لا حصرا " خيبر " ," كربلاء " ," بدر " هي محطات فاصلة في تاريخنا لا يمكن تجاوزها , كونها تقدم لنا موقفا في قضايا جوهرية . " خيبر " معركة فاصلة مع اليهود وما احوجنا إلى خيبر جديدة في أيامنا هذه . و" بدر " مرحلة فاصلة بين الضعف والانكفاء بالدفاع ومرحلة القوة والشروع بالهجوم. لتقطع ضعفنا إلى الأبد . أما " كربلاء " معركة ضد الانحراف لتصويب مسار الأمة من السلطة الغاشمة . وما أكثر السلطات الغاشمة المستبدة الضعيفة الخانعة في عالمنا الإسلامي اليوم . فكربلاء فصلت بين طريقين لا ثالث بينهما, خيار الموت الجماعي على الاستمرار المذل.

 إذن فاستلهام الماضي لم يكن نوعا من التقهقر للخلف كما يحلو للبعض وصفه . بل نوعا من اكتشاف الذات .

 المقاومة الإسلامية في جبل عامل من خلال صلتها بالماضي واشتباكها بالحاضر المعاصر لعبت دورا ناهضا في حياة الأمة . وهنا نقطة يجب الإشارة إليها .

 من المعروف إن العدو الصهيوني الغاشم يمتلك ارث ثقافي غربي واحدث وسائل التكنولوجيا المعاصرة . في الجانب الآخر تملك المقاومة الإسلامية في جنوب لبنان جزء بسيط لا يقاس مما يملكه عدوها في الجانب التكنولوجي , وهذا يعني في حسابات المواجهة تميل بالمطلق لصالح العدو الصهيوني . لكن بالرغم من ذلك فأن هذه المقاومة حققت انتصارات نوعية في مواجهتها مع هذا العدو . وهذا ما يطرح التساؤل عن سر هذه الانتصارات . في الحقيقة إن كلمة السر تكمن في مفهوم " الشهادة " الذي اختزل عقول المقاومين وتشرب في دماؤهم .

 فالتكنولوجيا الغربية دفعت الإنسان الغربي إلى الشعور بأنه مدير الكون , وفي النهاية بإمكانه أن يأخذ على عاتقه مصير العالم ومن ثم مصيره الخاص . قد تصل أحيانا لامتيازات الآلهة . هذا هو إنسان التقنية الغربي , فحياته ضيقة تقف عند حدود ما تطال سيطرته الفعلية , وما موته يعدو أكثر من تحطيم نهائي للحياة.

 إذن , أين يقف الشهيد بشهادته من كل هذا .

 إذا كان الغربي أنسانا سطحيا لا يملك إلا بعدين في حياته هما البعد المادي والبعد العقلي . فالإنسان الشرقي ذو الثقافة الإسلامية , إنسان يملك ثلاثة أبعاد : البعد المادي والبعد العقلي والبعد الميتافيزيقي . وهذا الأخير يميز بين الاثنين . فالحياة لا تختصر بحياة واحدة يصبح الإنسان مجرد آلة توقفت عن العمل . ولا الميت مجرد شيء لا يصلح إلا ليوضع في خزائن الآلات المعطلة, بل يصبح الموت فعل إنقاذ للإنسان من حياة إلى أخرى . جسر للعبور من عالم المشاهدة إلى عالم الغيب ليصبح بذلك الميت إنسانا آخر لعالم آخر .

 من هنا فالتضحية بالنفس لا تغدو مجازفة , بل تغدو قرارا واعيا مسئولا وعاقلا بنفس الوقت يتجلى فيه الخيار بأسمى تحليلاته , عكس ما ينبثق نفس القرار بالموت عن لا عقلانية فجة في حياة الغربيين .

 فالشهيد الذي يتخذ القرار بالموت هو إنسان على يقين في الآخرة . واليقين علاقة معرفية إرادية في الإنسان لها فعل الإرادة . وهنا يبرز مغزى المواجهة التي تحدث بين سلاح الشهادة وسلاح التقنية والتكنولوجيا . مغزى انتصار المقاومة على المغتصب المعتدي كونه يتجاوزه في عملية تسامي نحو الأعلى من خلال البعد " الميتافيزيقي " الذي يملكه , وحتى في اللحظات التي يسقط فيها الشهيد على الأرض بقوة التقنية المتطورة .

 فالبعد الميتافيزيقي يبقى باعتباره الحقيقة التي لا تفسد . أي بمعنى " انتصار الدم على السيف " وهي مواجهة مستمرة بين المقاوم الشهيد والتقنية الحديثة . فالدم هو رمز تحرر من قيود المادة . أي قيود الزمان والمكان , وإطلاقه على مستوى التاريخ .

 ففي جبل عامل مقاومون , شهداء أحياء , منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا , بذلوا أرواحهم من اجل قضية حقه يجب أن تنتصر . لأنها تمثل الحق كله . فحياة الشهداء التي ينشدونها سواء في الدنيا أو في الآخرة ما دامت هي الحق فستفوز.

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com