|
طالباني وضياع الفرصة التاريخية للمصالحة د. جرجيس كوليزادة / اربيل ـ العراق من المشاريع السياسية الجديدة التي طرحت على الساحة العراقية، إضافة لمشروع المبادرة الوطنية للمصالحة المطروحة من قبل رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي قبل أسابيع، مشروع إقامة جبهة ديمقراطية لمنع نشوب حرب أهلية طائفية في العراق، وعلى ما يبدو ان هذا المقترح لا يزال قيد العنوان وهو غير مطروحة بآلية أو تفاصيل محددة، كل ما جاء في الدعوة أنها أطلقت في رسالة للرئيس العراقي جلال طالباني بمناسبة ذكرى ثورة الرابع عشر من تموز بمناسبة إعلان الجمهورية بقيادة الزعيم الزاهد عبدالكريم قاسم، ولم تذكر في الرسالة تفاصيل بشأن المبادرة الرئاسية. ولا يخفى ان مبادرة رئيس الوزراء للمصالحة لا زالت بعيدة عن استثمار نتائج ميدانية على الساحة الأمنية، فلا زال الواقع يعاني من عمليات إرهابية وعسكرية شديدة التأثير والوقع في الخسائر البشرية والمادية التي تلحق بالعراقيين على مدار أيام الأسبوع. وبالرغم من المحاولات الوطنية لتطويق الواقع الأمني على صعيد القيادات العسكرية العراقية والسياسية، الا ان ورقة العمل الجديدة التي أطلقها السيد عبدالعزيز الحكيم رئيس الائتلاف العراقي الموحد، تبدو أنها تحمل رؤى جديدة للعملية الأمنية التي يعاني منها العراق خاصة بغداد والأطراف المحيطة بها وبعض المدن والمحافظات من المنطقة الوسطى. ولكن مع كل هذه الطروحات الوطنية، ومن خلال متابعتنا لها طيلة الفترات السابقة، تبقى بنظرنا المشاريع التي طرحناها أمام فخامة الرئيس طالباني والتي أرسلت اليه بواسطة مسؤولين في الاتحاد الوطني الكوردستاني والتي نشرت في الصحافة والمواقع العراقية والكوردستانية والعربية، من أهم المشاريع التي كانت من الممكن أن تأتي بثمارها لو تم دراستها بدقة ورؤية سياسية متمعنة ودمجها في مشروع واحد للمصالحة الوطنية العراقية، وهذه المجموعة من المشاريع التي تطرقنا اليها في مقالات سابقة سلمت الى الرئيس العراقي جلال طالباني قبل أكثر من سنة، كانت تضم مشروع التسامح الديني الوطني العراقي ومشروع البرامج الوطنية لإزالة ثقافة عسكرة المجتمع ومشروع تبني حقوق المواطنة العراقية، وكنا نأمل ان تخرج تلك المشاريع المقترحة برؤية موحدة من قبل الرئيس طالباني وطرحه من قبل فخامته أو من قبل القيادة الكردستانية للأطراف السياسية العراقية، لتبنيها كمبادرة وطنية للمصالحة العامة، ولكن يبدو ان انشغال الرئيس بترتيب البيت العراقي في حينه قد أشغله في تناول هذا الأمر. ولكن بالرغم من طرح تبرير انشغال القيادة، الا أننا يؤسفنا أن نقول ان الرئيس طالباني قد أضاع بفعل عدم تبنيه هذه المشاريع فرصة تاريخية للمصالحة بغية حل الوضع الأمني العراقي، لأن الظروف التي كانت مؤاتية في ذلك الحين، قبل أكثر من سنة وأربعة أشهر، كانت من أصلح الظروف بسبب عدم ظهور مظاهر الاحتقان الطائفي في بغداد وفي بعض مناطق العراق التي ظهرت في فترة لاحقة خاصة بعد تدمير قبة مرقد الإمامين بفعل عملية إرهابية في سامراء، وقلة العمليات الإرهابية مقارنة بما ارتكبت في الفترات اللاحقة، وفعالية نشاط الأطراف السياسية التي كانت محسوبة على الطرف السني في المعادلة العراقية للولوج في العملية السياسية الديمقراطية، ونجاح الخطوات التي كانت ممهدة للعملية الانتخابية في حينها، واستعداد الأطراف الحزبية الرئيسية للمساهمة في نجاح المبادرات الوطنية للمصالحة والتوفيق بين جميع الأطراف العراقية المشاركة وغير المشاركة في العملية السياسية، وعدم وجود كثرة وتعقيد للاوراق الدولية المتداخلة في الوضع العراقي خاصة التي برزت في الآونة الاخيرة والمتعلقة منها بالملف النووي الايراني والملف السوري والملف اللبناني في المنطقة. والجدير بالذكر أن تلك المشاريع كانت تسعى بأهدافها الى تحقيق بيئة وطنية مساعدة على المصالحة، فكانت أهداف مشروع التسامح الديني العراقي تسعى الى جمع المراجع الدينية في العراق تحت مؤسسة تنظيمية واحدة للقيام بالعمل المشترك الموحد، واتفاق المراجع على الثوابت الدينية الرئيسية و القواسم المشتركة بين الأديان التي تخدم العراق والعراقيين، وطرح وتوجيه خطاب ديني عقلاني متحضر مواكب للعصر ولتتطور العلوم، ووضع برامج وطنية مشتركة لإزالة ثقافة العنف وعسكرة المجتمع التي غرزها النظام البائد في أوساط أبناء المجتمع العراقي خاصة في المنطقة الوسطى من العراق، ووضع وطرح برنامج وطني لتبني ثقافة التسامح والأخاء، وغرز ثقافة السلام واللاعنف في أوساط العراقيين من خلال منابر المساجد والحسينيات والكنائس ودور العبادة، ووضع ميثاق شرف كدستور دائم لفصل الدين عن الدولة. بينما كانت الأهداف من مشروع البرامج الوطنية لإزالة ثقافة عسكرة المجتمع هي تبني برامج تدريبية طموحة في مجال المهن الصغيرة ممولة من خزينة الدولة والدول المانحة للمساعدات، وبتنفيذ مباشر من منظمات المجتمع المدني، وتمويل قطاع المهن الصغيرة المساهمة بفعالية في الحياة اليومية بقروض صغيرة لتطويرها وتحسنيها وتغذيتها للتوجه العام نحو البناء المدني والسلمي، وتبني برامج إرساء حقوق الانسان والتعامل المدني المتحضر في صفوف أجهزة الشرطة العراقية والجيش، وتنظيم برامج تخريج قادة مرشدين ميدانيين ليكونوا قدوة في التصرف والسلوك والتعامل الحضاري في المجتمع العراقي، وتبني برامج تعريفية بالحقوق المدنية والاقتصادية والثقافية للانسان في دوائر الدولة والمدارس والمساجد والكنائس من قبل منظمات وحركات المجتمع المدني مع رجال الدين في المساجد والحسينيات والكنائس العراقية، وتوسيع دائرة الحوار والإقناع مع جميع القوى الرافضة للمشاركة في الحياة السياسية الجديدة الغير مساندة لقوى الإرهاب، لتوسيع الحريات والمساهمات الوطنية في سن التشريعات الديمقراطية والدستورية، وتبني برامج سريعة التنفيذ لتنشيط قطاع المشاريع الصغيرة في الحلقات الاقتصادية والتجارية والصناعية والزراعية والثقافية العراقية، وتوفير التمويل الدائم لهذا المشاريع من خزينة الدولة ومن المساعدات المالية الدولية، لأن هذه المشاريع تساعد على تكوين شخصيات سوية جديرة وقديرة تساعد على المساهمة في التفاعل مع المفاصل الحياتية للمجتمع بايجابية شديدة. في حين كانت الأهداف من مشروع تبني ثوابت المواطنة العراقية هي طرح الخصوصية العراقية ضمن البرنامج الوطني العراقي، واتفاق المراجع السياسية على تحقيق الثوابت الحقوقية للعراقيين بصورة ملموسة، وطرح وتوجيه خطاب عراقي معاصر ومواكب لرغبات وأمنيات العراقيين، ووضع برامج وطنية مشتركة في مجالات الصحة والمرأة والطفولة والسكن لتأمين حياة مناسبة لكل عراقي، ووضع وطرح برنامج وطني لتبني ثقافة اللاعنف والتسامح لغرز ثقافة السلام واللاعنف في أوساط العراقيين من خلال تحديث نظام التربية وتجديد أساليب النظام الديني في العراق. عندما نمعن النظر في تلك الاهداف الوطنية نجد ان تحقيقها كانت من العوامل الرئيسية لحل الأزمة الأمنية في العراق وتحقيق المصالحة على مستوى جميع الأطراف السياسية والعسكرية العراقية، وهذا ما وددنا طرحها من مشاريع تملك رؤى متسمة بالتطبيق العملي من وجهة نظر عملية مستندة الى قراءة الوقائع والأحداث برؤى عراقية حقيقية، للمساهمة في طرح أفكار وطروحات متواضعة، من شانها ان تساهم في إسقاط أركان العنف والارهاب في بلدنا ومنطقتنا، وأن نشارك بوضع لمسات إضافية لتطوير وتحسين البرنامج الوطني للمصالحة العراقية المطروحة من قبل الحكومة أمام البرلمان لإرساء الأمن والاستقرار في ربوع العراق والبدء بمرحلة الإعمار والتنمية، ولكن الأسباب والعوامل الأمنية التي ساعدت على استمرار العمليات الإرهابية بوتيرتها المتواصلة، ما زالت بعيدة في قدرتها على حل الوضع الأمني لتحقيق الاستقرار في العراق خاصة في بغداد والمناطق القريبة منها، خاصة بعد التعقيدات الحاصلة في الوضع السياسي للدول المجاورة للعراق خاصة منها الملف الايراني والملف اللبناني، لكن مع هذا نأمل ان تسعى كل الجهات القادرة على دفع مبادرة رئيس الوزراء نوري المالكي ومبادرة الرئيس جلال طالباني الى الأمام لتحقيق الأمن على ان تكون مقتدرة وموفقة من قبل العراقيين ومباركة انشاءالله من قبل الرحمن الرحيم في مسعاهما لتحقيق الاستقرار الذي يحن اليه العراقيون في بغداد بكل شوق وبكل آمال عريضة تساعد على ضمان حاضر مستقر ومستقبل مشرق للعراقيين.
|
||||
© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |