عبد الأمير الورد جبل عراقي آخر تبتلعه المحاصصة

بروفيسور دكتور .عبد الاله الصائغ / مشيغن المحروسة

assalam94@hotmail.com

 ان جنائنكم طلل من بقايا ثمود وعاد

 واحياء لوط القديمة

زودوني بأطهر ما تأكلونْ

 لحوم الكلام

واملأوا قربتي من محيض البغايا العقيمة

ودعوني اشر الى الوادي اللهيب

 لعلي اذوق جحيمه

ودعوني بلا دمعة واقيموا ولائمكم فرحاً

 بانتقالي عنكم لوادي تطهره النار من عاهة مستديمة

دبروا لي طريق الهزيمة

ان جميع البغايا لديكم تنادي بحق البغاء

 في الحياة الكريمة

فيا لضياء الدماء في زمن للجريمة

دبروا لي طريق الهزيمة

أيها المثقفون  العراقيون لقد رحل زميلكم  النبيل عبد الأمير الورد ! الذي مخضته الدنيا  في بيت بمحلة  محلة البحارنة بالكاظمية في واحد من صباحات  1933 ! وأدبته  اسرة آل الورد العلمية المناضلة  ومنحته  كلية الآداب في جامعة بغداد العريقة دكتوراه فلسفة بتقدير امتياز عام 1978  فنذر مهجته للعلم ولاشيء سوى العلم ! فأهدى الى الثقافة العراقية دون مقابل منهج الاخفش الاوسط في الدراسة النحوية ، معاني القران للاخفش ، المدارس النحوية ، السؤال الكبير، مقدمة في ادب الوالدين، العروض للجميع.  كان الورد كوفي الهوى  كدأب شيخيه الكسائي والفراء  وسلفه المتنبي ولكنه يحترم الهوى البصري وربتما فكر بجبهة وطنية بين مدرستي البصرة والكوفة النحويتين ! إذن  ايها الأكاديميون العرب والكورد لقد رحل الأكاديمي المشاكس البروفسور عبد الأمير الورد الذي عرفته اروقة جامعة السليمانية في اقليم كوردستان وجامعة بغداد في العراق كما عرفته جامعة درمة في ليبيا  وجامعة صنعاء في اليمن صوتا هادرا وقلبا عامرا وفكرا ثائرا وعقلا متنورا متحررا فلا فرق لديه بين عربي وكوردي ولا عراقي وليبي او يمني  !  أيها المسرحيون  العراقيون المجددون القوا النظرة الأخيرة على جثمان الممثل الهميم  الذي  كان يمثل كل الأدوار المطلوبة منه دون ان يتخلى عن اثنتين : تلقائيته ولحيته !  الكاتب المسرحي الذي كتب العديد من النصوص الدرامية للمسرح  واسهم  والفنان الكبير جعفر السعدي  في شهرة  الفرقة الشعبية فضلا عن التأسيس ! ولم يدخر جهدا مع فرقة المسرح الفني الحديث فمنحها احب ادواره اليه !  أيها الشعراء غاب صاحبكم الصاخب عبد الأمير الورد غيبته الأخيرة  اثر وعكة قلبية لم تمهله طويلا ! ياسجل الموت  في العراق الحداثوي سجل فجر يوم الخميس ! والرقم المشؤوم 13  والشهر الدموي الساخن تموز والسنة العراقية الذبيحة 2006  ففي هذا التاريخ اختبأ عبد الأمير الورد كعادته حين يمل من الناس والمجاملة  ! وانت ياعبد الاله الصائغ لماذا انتظرت الى ان مات صديقك ؟ اليس من الاجدى للناس والورد والوفاء لو انك تحدثت عنه حياً ؟؟! لا تتعلل بالمرض ولا الغربة ولا الخيبة القاتلة ولا التهميش ولا الفاقة ! فهذه حالات متوقعة لمن هم في عمرك وظرفك وكبريائك ! اعترف ولو بعد فوات الأوان انك قصرت مع عبد الأمير الورد ومع كثير من اعلام العراق الكبار الممتحنين بما آلت اليه امور العراق والعراقيين ! فقد كانت   حياة العلامة والفنان والإنسان البروفسور د. عبد الأمير الورد بيننا فرصة ثمينة وجب  علينا أن نهتبلها ولانفرط فيها ! لكننا واضيعتاه شغلنا بموتنا عن دائنا ! وبدائنا عن انفسنا ! وبانفسنا عن رفاق المحنة والحلم ! نعم  العراقيون ومنذ فجر التاريخ ينزفون دما عبيطا ! منذ فجر التاريخ واجه العراقيون المؤامرات والاغتيالات والاختطافات ! ونظرة غير عابرة الى ملاحمنا تمنحنا اضاءة مناسبة ! فمردوك غدر بتياما وقتلها بسلاح غير نظيف ! وبرسفون ارسلت حمايتها واختطفت دموزي وحجرته في اقبية سرية تحت الأرض ! كيف لنا ان يهتم العراقيون بعلمائهم وهم  لا  يجدون  الكساء ولا السكن ولا الأمان ولا الدواء ! كان الخليل بن احمد الفراهيدي الأزدي البصري فقيرا يسكن وزوجه كوخا من الخوص بينا اثرى الناس بعلمه وامتلكت الأطيان والذهب الأبريز ! وامير البيان العربي الجاحظ اشتغل صحافا في سوق البصرة ليسد رمقه ورمق عياله ! واعظم الفلاسفة ابو حيان التوحيدي يضطر للاستجداء كي يطعم صغاره ويحرق مخطوطاته لكي يتدفأ اولاده ! وبشار بن برد قتله امير المؤمنين المهدي دون ذنب اقترفه اللهم الا خدماته التي اسداها للغة العربية ! ويعقوب بن السكيت صاحب اصلاح المنطق كان جزاؤه من امير المؤمنين المتوكل الذي تتلمذ ولداه عليه أن  استل لسانه من قفاه ! وفي عصرنا الحديث حورب كبير علماء اللغة العلامة الأكبر مهدي المخزومي ! فقد سجن شباط 1963 ووضع وجهه الى الحائط ثم اطلق عليه  الرصاص  من فوق رأسه  لكي يضحك الرفاق البعثيون من هلع آخر عمالقة اللغة ! ! وطرد في زمن صدام حسين من جامعة بغداد ! والعلامة عبد الجبار عبد الله يتلقى صفعة من كف تلميذه البعثي ! وقد اصدر مكتب صدام حسين قرارا بطرد كبار علماء العربية من نحو  دكتور علي جواد الطاهر ومهدي المخزومي وصلاح خالص وابراهيم حرج الوائلي ! وحجبت من قبل  الترقية العلمية عن كبار علماء جامعة بغداد  : عبد الجبار المطلبي وعناد غزوان وهادي الحمداني وطه باقر   ونوري جعفر ! اما حكاية سجن العلامة الافرد علي الوردي وعوزه ايضا  والتلاعب بمشاعره فهي حكاية لاتشرف حكومة ولا شعبا  ! اذن هناك  لعنة كلعنة الفراعنة تطارد علماء العراق ومبدعيه  في اوطانهم وفي منافيهم ! تعالوا معي نستذكر : ...  تخلص العراق من السلطة البعثية منذ 9  ابريل نيسان  2003  وعادت عائدات النفط الى الخزينة العراقية كما يفترض ! وواردات النفط العراقي  فلكية لاتتسع لها البنوك لكن جيوب اللصوص الجدد في زمن مابعد اللصوصية البعثية  اتسعت ونادت هل من مزيد ؟  ولكن آه من لكنَّ شبنا أيها الزمن ! لم يمتد اي جسر رحيم بين علماء العراق وبين المسؤولين العراقيين ! لم نسمع بصرف استحقاقات العلماء الذين اضطرهم الجور الى مغادرة طلبتهم  وجامعتهم والتطواف في ارجاء الوطن العربي الممزق المهان ! وها هو الاستاذ جلال الطالباني يعين أكاديميي الجامعات مستشارين له والسؤال البسيط هو ما الذي استثمره اولئك المستشارون لزملائهم علماء الجامعات العراقية الذين يمضون خريف اعمارهم في صقيع  الغربة والحاجة والمرض  ! ولتكن هذه رسالة اخرى للصديق القديم الدكتور عدنان محمد سلمان الدليمي مستشار السيد رئيس الجمهورية لكي يولي زملاءه  اهتماما يبضارع اهتمامه باللعبة السياسية وهو الجدير بمثل هذا الدور !!  وكان العزيز الدكتور ابراهيم الجعفري رئيس وزراء العراق السابق قد جعل مستشاريه من صفوة الأكاديميين وهذه رسالة جديدة لمدير مكتب السيد الجعفري الدكتور  الصديق سليم الحسني كي ينفذ الوعود التي سمعتها منه بأذني هاتين وهي على اي حال لا تبعد عن رعاية العلم والعلماء والابداع والمبدعين ! أرأيتم كيف انستني مصائب الأساتذة الكبار مسألة رحيل العلامة والأكاديمي والفنان والانسان البروف عبد الأمير الورد ! هذا  الشاهد التاريخي الفذ ! انهم يرحلون بعد ان استشرى اليأس  وغيمت سماء العراق ثانية وربما الى الأبد ! عبد الأمير الورد كان شعلة لاتنطفيء من الحماسة ! لايتعب من الإصغاء بكل جوارحه ولا يتعب من الكلام الذي يشبه الصراخ بكل جوارحه ! لايمل من النقاش والمجادلة ولا من التقويم والتصويب ! من اين له كل هذا الوقت لكي يلتهم امهات الكتب ويستظهر اكثر ما يقرأ ! من اين له كل هذا الوقت ليكون في خلال عشرة ايام مشاركا ببحث في جامعتي الموصل والبصرة على بعد المسافة بينهما ! اين يجد الوقت لكي يمثل على خشبة المسرح ويقوم اللغة وراء الكواليس ويعقد صداقات وخصومات مع الاساتذة والطلبة دون ان تغيره الايام وتبدله الذرائع !

عام 1968 كنت معلما سعيدا في اجمل مدارس العراق واعني المدرسة الغربية النموذجية في الحلة ! فقد جعل منها  مديرها المرحوم مجيد عبود الحميد جنينة بكل معنى كلمة جنينة وقد يمنحني الزمن اجازة لاكتب عنها يوما ما ! اخبرنا الاستاذ مجيد عبود الحميد ان وفدا فلسطينيا رفيع المستوى سيلتقي بمثقفي الحلة في قاعة المدرسة الغربية النموذجية وطلب الينا نحن المعلمين الاشراف على تنظيم الاحتفالية الكبرى  ! وجاء الوفد والقيت الكلمات المملة وبعدها اعلن عريف الحفل ان الشاعر عبد الامير الورد كتب قصيدة داخل القاعة بما يشبه الارتجال وقرر ان يحيي بها الوفد الفلسطيني ! وكعادة محترفي المنابر تاخر قليلا الورد كي يحصر الانتباه بنهوضه وكان له كما اراد ! رأيته للمرة الاولى طويل القامة فارعها ابيض البشرة ذهبيها بشعر كثيف مخصّل فيه شقرة وعينين صفراوين تتوقدان رغبة عارمة ! يرتدي بنطالا رمادي اللون بقميص رمادي يشاكل البنطال وفوقه جاكيت ازرق مشع فيه طول يناسب طول الورد ! لم ارتح لشكله فمثل هذه الاشكال لايستهويني فضلا عن انه قام بمبادرة سلطت الاضواء عليه وكان الاجدر بي انا ان ارتجل القصيدة وان احفر في  الذاكرة موقفا جميلا لي ! عموما سألت ابن عمي الاستاذ حمادي رسول الشرع هل تعرف هذا الشاعر ؟ فهز راسه وقال لي اي هو من اسرة علم وادب وتلميذ العلامة حسين علي محفوظ ! وقف عبد الامير الورد وسط المسرح وبدأ يحدق في الناس كمن ينتظر منهم شيئا ! ووجم  وقتا اضافيا ثم ركل المايكروفون برجله فاطاره بعيدا وواجهنا وهو يصرخ بصوت رهيب جعلنا نتسمر على مقاعدنا : اضرب اضرب اضرب وكان الجمهور المسحور يردد مع عبد الأمير الورد اضرب اضرب اضرب ! لو كنت ابن حرة لم تأكل الرغيف بالثديين اضرب اضرب اضرب ! لو كنت عتالا بلا بيت ولا قوت ولا صوت ولا حنين اضرب اضرب اضرب ! لو كنت حقا يافتى الغضبة ابن السيد الحسين اضرب اضرب اضرب ! من اجلنا من اجلها من اجل قدس الله يا ابن النخل  والنهرين اضرب اضرب اضرب ! كان يحفظ القصيدة ويتلوها ويغنيها ويمثلها ويرقِّصُها ويسددها ! واقسم انني نسيت حساسيتي كشاعر مع هذا النصر السريع الذي حققه عبد الامير الورد فانتقل من شاعر مغمور الى نجم تتحدث عنه المدينة لايام طويلة ! وحين نزل الورد صافحه وعانقه الجميع وكنت من بين المعانقين والمصافحين ! بعدها علمت انه مدرس ثانوية وانه يعرف نشاطاتي في تأسيس ندوتي عشتار ثم عبقر ففيه ميل لمعرفة كل شيء ! وكدت انساه في زحمة الحياة ! وفي شباط  1969  شاهدت عبد الامير الورد وكان منهمكا بالدراسات العليا ! شاهدته على رصيف جسر الشهداء يمشي متثاقلا  ولم يأبه بملابسه وقد طالت لحيته بشكل مبالغ فما كدت استبينه ! لكنه سلم علي وبادرني بالقول ان الدراسات العليا مضيعة للعمر والطاقة ! الدراسات العليا لا تسد نقصا معرفيا في خزين الانسان ولا ولا  ثم عفط بشكل جلب انتباه المارة وغادرني دون وداع ! كان مذهولا وواضح انه ارتطم بأسطوانة أكاديمية جعلته  يلعن الساعة التي قبل فيها ضمن صفوة الدراسات العليا ! مساء يوم حلي جميل من 1969كنت في مقهى الحاج حمود هجول المشهورة والمرحوم حمود هجول  والد صديقي الحبيبين   جعفر هجول ( الشيوعي السابق )  وجاسم هجول ( البعثي الراحل ) وكانا معي في المقهى  وسمعت من اذاعة بغداد اسماء الوفد العراقي لمؤتمر الأدباء العرب وكان الوفد برياسة الشاعر الكبير محمد مهدي الجواهري وكم شعرت بالفرح حين ذكرت  المذيعة  اسم عبد الاله الصائغ ضمن الوفد العراقي ! هناني اصدقائي  وطلبوا الي التهيؤ للسفر الى بغداد للالتحاق بالوفد فقررت من باب الادب ان ازور الشاعر مولود عبد الستار الدوري وكان مدير التربية العام في بابل اي انني كمعلم تابع الى قبضته الفولاذية ! ولا ادري من سوغ لي هذه الحماقة ! فذهبت وطلبت مقابلته فعطلني قرابة الثلاث ساعات ولم انتبه الى دلالة ذلك وقتها وحين سمح السكرتير لي بالدخول سلمت عليه وكان يجلس الى جانبه شاعر آخر اسمه حسن العاني ويشغل معاون المدير العام وكان جوابه فاترا واسلمني يدا باردة وهو يشيح بوجهه عني كأنه يتم حديثا مع معاونه ! وحين فتحت فمي لاقول له انني  سالتحق بالوفد العراقي وجئت لالقاء التحية عليك فنهرني حسن العاني  وقال لي بلهجة الآمر : اسمع لن تسافر الى بغداد دون موافقة المدير العام ! فأجابه المدير العام : مستحيل ان يعصي معلم اوامري وانا غير موافق ثم ضرب الجرس وقال للسكرتير ادخل  من جاء دوره فدخل السكرتير ودفعني بيده وقال الزيارة انتهت ! انا عنيد جدا ! ايقنت ان الدوري والعاني وهما موظفان رفيعان وشاعران  متوسطا الموهبة ومغموران زعلا لأنهما لم يكونا ضمن الوفد العراقي بينا يكون خلكَـ معلم اسمه عبد الاله الصائغ ضمن الوفد !! ولأني عنيدا حقا  قررت ان اذهب الى بغداد والتحق بالوفد وبخاصة ان الشاعر شفيق الكمالي خابرني واستحثني بالحضور دون اخذ اية اجازة رسمية  فالوفد مجاز من لدو رئيس الجمهورية احمد حسن البكر ! ذهبت الى بغداد ونزلت في بيت صديق العمر الاستاذ ثابت عباس الشوك وفي الصباح كنت في قاعة الخلد وياللمفاجأة السارة هذا هو الشاعر عبد الامير الورد ببنطاله الرمادي وجاكيته الازرق وكانه لم يستبدل ملابسه من العام الماضي ! كان انيقا وواثقا وحميما فعانقني ثم قدمني لاستاذه وصديق عمره العلامة الكبير البروف حسين علي محفوظ والغريب ان حبل المودة انعقد بيننا نحن الثلاثة الكبير حسين علي محفوظ وكان وقتها على مشارف السبعين والشاعر عبد الامير الورد الذي يكبرني بثماني سنوات ! حقا كانا نجمين لامعين وكنت غشيما انظر اليهما واتصرف ! وان انسى فلن انسى قصيدة عبد الامير الورد التي القاها في روع الادباء العرب الذين صفقوا له طويلا ووقوفا ! ولا اتذكر القصيدة وكانت تقليدية ( عمودية ) والمعنى الذي اثار اللغط والتصفيق يدور حول ان الشاعر يكفر بالشرائع كلها ( كذا ) الا شريعة الفدائي الفلسطيني والبعض لم يفهم الدلالة فظن في المعنى مروقا عن الدين وعبد الامير كان ومات وهو على دين قويم ويربط كل تصرف منه بالدين ! وقد نهض الاستاذ الكبير حسين علي محفوظ وكان نجم المؤتمر وشرح المعاني الثواني في قول الورد : إني لأكفر بالشرائع كلها إلا شريعة ... فقال ان هناك منطوق النص وهناك المسكوت عنه ومعنى قول الشاعر عبد الامير الورد : إني لأكفر بأية شريعة لاتجيز وتساند الفدائيين الفلسطينيين ! وبما ان الشرائع السماوية كلها تجيز وتساند الفدائيين فيكون التقابل الدلالي محمولا على اني أؤمن بكل الشرائع التي تجيز وتساند العمل الفدائي ! عندها تكون الصياغة من جنس الفكرة وصفق الجمهور لفتوحات الاستاذ حسين علي محفوظ في علم تحليل النص وكان علم تحليل النص السيمانتك عهدها مندغما غلطا بعلم المنطق ! ايام المؤتمر كلها لم نتفارق وشعرت بميل اشد نحو محفوظ الذي كان عالي التهذيب مع من هم اقل منه شأنا او علما أو اصغر منه سنا ! ....   الأيام تترى بأعمارنا ! ثم في السبعينات تسنمت مديرية الشؤون الثقافية لتلفزيون بغداد بعد تخلي الاستاذ سعد البزاز عن منصبه لظرف خاص به  !  ! وكان عدد كبير من الادباء والمفكرين المصريين يعمل في  المديرية  ! واذا كان لدينا برنامج ساطع اسمه السينما والناس فقد كنا نضطر الى مهاتفة الاديبة المصرية الجميلة صافيناز كاظم  وهي التي لم تنتسب لمؤسسة الاذاعة والتلفزيون اقول نضطر لان الاستاذة صافيناز موسوعية وذات قدرة على فهم روح الموضوع وروح المشاهد بحيث تشد الجميع الى اطروحاتها الموضوعية ! وكثيرا ما كان يرد على تلفوني زوجها الطيب ! واعني الدكتور عبد الأمير الورد ! وكان زواجه منها حدثا مهما ! فقد تزوجها بعد أن كسرت زوجه الأولى روحه وهي ابنة عمه  ربما  وتركته لأنه بلا خلفة  لقد خبا الوردي جروحا عميقة تحت جلده وحملها معه الى القبر بسبب فشل زواجه الأول ! لكن العلاقة بين الورد وصافيناز كانت تتدهور بسرعة وا اسفاه رغم كثافة الاحترامات بينهما  ! مرة طلبت مني الأستاذة صافيناز وهي محرجة جدا  ان اسمح لزوجها بالمجيء معها الى الستوديو وفهمت مرامها فانقذتها من الحرج حين قلت لها ان الاستاذ عبد الامير الورد صديقي وحبيبي ! وحقا كان يجيء معها وقد غادرته الابتسامة ولم يعد صوته مجلجلا ! كان يهمس الكلام همسا ولم يجد في الكلام معي او مع الراحلة لمى سعيد  ما يغريه ! وربما اخذته الاغفاءة وهو ينتظر السيدة صافيناز كاظم  ! وصدق حدسي فقد كانت صافيناز مختنقة وكان الورد حزينا ! وانفصمت العرى بينهما  بصمت القديسين ويا للهول  والأسف ! لكنني كنت اراى الجميل عبد الامير الورد في كثير من برامجنا التلفزيونية الثقافية  نحو : المجلة الثقافية ودنيا المسرح والبرنامج اللغوي ! وبعد  هذه التجربة تهيأ لي انه استعاد حيويته ومشاكساته مرة اخرى ! ... الأيام تعدو بنا رغمنا ....  واستقيل او اطرد من عملي في تلفزيون بغداد بسبب ضيق الراحل العسكري سهيل نجم النباري مدير المؤسسة من اعتدادي بقراري وعدم  السماح له بالتدخل في عملي ! اخترت  العمل استاذا  في جامعة الموصل بعد ان ربطتني صداقة حميمة برئيس جامعتها الدكتور المؤرخ الاريب هاشم الملاح  خلال عملي في التلفزيون ! وإن هي إلا فترة يسيرة حتى احتزت العضوية في ادارة المركز الثقافي الاجتماعي الذي كان هاجعا بعماراته وموتيلاته وساحاته وحدائقه ومسابحه ومسارحه وسينماته فوق تلة عالية كمثل مسطبة سندسية  شاهقة كان ذلك قبل ان يستولي عليه قصي صدام حسين ويطردنا منه شر طرده ! وقتها بات بمقدوري ان اعطي مفتاح الموتيل الى اي ضيف دون اذن مسبق من رئيس الجامعة فكنت ادعو ادباء العراق والأساتذة الكبار ليحاضروا او ينشدوا بين الطلاب والطالبات ! وكان اكثر الوجوه التي يتكرر حضورها الشاعر والبروفسور الدكتور عبد الامير الورد والدكتور مالك المطلبي والدكتور علي جعفر العلاق وقد اصبح للورد جمهور عريض في الموصل وفي جامعتها تحديدا فهو كلما جاء دوره للكلام يقرأ خطبة دينية طويلة فيحمد الله الذي لايحمد على مكروه سواه على ما منع وما منح !ولا يكل ولا يمل  لكن الجمهور كان يستعذب طريقته في الدعاء والحمد وكم من مرة ردد الجمهور معه ذات الخطبة لانه حفظها لطول تكرارها ! واكتشفت شيئا بل اشياء لدى الاستاذ عبد الامير الورد ! فهو يكره معشر الأكاديميين! ولا يمازجهم لأن صوته المجلجل يجعل البعض متذمرا سرا مرة وجهارا مرات ثم جاءت فجيعة 1991 واصاب الجامعات العراقية ما اصاب الاصالة والمعرفة العراقيتين  فغادرت اسراب العلماء والمبدعين بحثا عن الهواء النقي وحفاظا على موضع الرأس من الجسد وتعلة بلقمة عيش غير ملوث ! وعلمت ان الاستاذ الورد جاب الاقطار العربية وقد نال منه العمر والتعب ومرة علمت ان هذا العراقي الكبير عمل في اليمن وكان الشاعر والباحث اليمني الكبير الصديق  الدكتور عبد العزيز المقالح  قلبا يتسع لكل العلماء والمبدعين العراقيين ولا ادري بعد سقوط النظام البعثي اين كان هذا العالم اللغوي النادر المثيل وانستنا فجيعة العراق الجديدة وخيبته الحديثة واجب السؤال عن كثير من الاساتذة الكبار الأحياء  الدكتور خديجة الحديثي والدكتور طارق الخفاجي والدكتور احمد مطلوب والدكتور عبد الواحد لؤلؤة والدكتور جميل نصيف التكريتي وووو ..  واخيرا اذهب الى بيتك الذي لايطردك احد منه ولايستحثك على الايجار صاحبه بيتك المضاء العبق رغم العتمة ليس فيه تلفزيون لكي يرتفع ضغط الدم عندك او السكرين حين ترى شاشة التلفزيون ولا هم لها سوى  عرض جثث العراقيين الممزقة بالمروءتين العربية والاسلامية وكأن القدر استكثر على العراقيين فرحة وهمية بزوال الصنم فإذا هم وجها لوجه امام آلاف الأصنام الكالحة ! اذهب الى بيتك الجديد ياصاحبي عبد الامير الورد وستجد امامك العلماء الذين احببتهم واحبوك جلال الخياط ومحسن غياض ومحسن اطيمش وعناد غزوان  وهادي الحمداني ونوري جعفر وصلاح خالص ومهدي المخزومي وعلي جواد الطاهر  وابراهيم حرج الوائلي انهم هناك مظلومون احياءا ومظلومون موتى ! وسعيد من نذرف عليه الدموع ولاشيء سوى الدموع  !  ولكن املي عميق وشاسع بالصديق الناقد فاضل ثامر رئيس اتحاد الادباء العراقيين كي ينهد للامر فتطبع اعمال اولئك الصفوة النادرة من العلماء وتطلق اسماؤهم على قاعات الدرس الثقافي والجامعي وتصرف رواتبهم لعوائلهم بالتعاون مع وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والمجمع العلمي العراقي ودار الشؤون الثقافية ولننتظر أفول نجم كبير آخر فالذي اراه ان اليأس من الوضع السياسي العراقي مسوغ كبير لرحيل العمالقة وأباة الضيم ! دمث مكانا للصائغ يا ابن الورد فالمزار قريب فآخر شيء يخسره الانسان قبيل الموت هو القدرة على الحلم وقد خسرنا الحلم في سراديب و أقبية المحاصصة  العراقية  فما حاجتنا بعدها  لالقدرة على الحلم  ؟

ياجرح الجديد الفززت نوحي   بعد مالك مكان بزحمة جروحي

شوفت عينك آنه مطرز اجروح  وإذا عن البجي تسالني والنوح

بقت بس دمعة وحدة وضامها لروحي

يا جرح الجديد اشلون وياك اجيت بوكت بي ما يلتكَة دواك

اطيبك بيش والكَبلك بعدهن جديدات اشأكَولن هذا حدهن

بكَت بس دمعة وحدة وضامها لروحي

5 آب 1991  الشاعر طالب عاصي

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com