خرافة الحرب اللبنانية الثانية
أمير تيبون / محلل سياسي اسرائيلي
http://news.walla.co.il/?w=/2952/949495
أحقًا أزاء حرب عادلة وأخلاقية نحن كما يزعمون؟ لأجل هذه الفرية قام بتحليل الدعاوى التي يتعكز عليها دعاة توسيع الحرب.
هم البادىء
تزعم الحكومة بأن الحرب قد نشبت بسبب تحرشات حزب الله على الحدود الشمالية، حيث قام محاربو هذا التنظيم في الثاني عشر من تموز بمهاجمة دورية لجيش الدفاع، فقتلوا ثمانية جنود وأسروا اثنين آخرين. قرّرت إسرائيل أن هذه العملية تشكل مسوّغا للحرب، وقد حظيت بدعم الولايات المتحدة وبريطانيا اللتين أعلنتا أن عملية حزب الله هي "خرق سافر للقانون الدولي".
يبدو أن الرئيس بوش والرئيس بلير قد نسيا المرات العديدة التي أقدمت فيها إسرائيل على خرق القانون الدولي على الحدود الشمالية:
في تموز عام 1989 اختطفت إسرائيل الشيخ عبيد من داخل الأراضي اللبنانية. وفي أيار 1994 تم اختطاف مصطفى ديراني، وشأن هذين الاثنين لا يختلف عن شأن الجنديين الإسرائيليين، إذ أن اختطافهما تم ليكونا "ورقة مساومة" في المحادثات بشأن تحرير الأسرى. وبحسب المنطق الإسرائيلي-الأميركي فقد كان من حق حكومة لبنان آنذاك إعلان الحرب على إسرائيل!
ومنذ انسحاب جيش الدفاع من لبنان، قامت الطائرات الإسرائيلية بالتحليق في الأجواء اللبنانية من أجل جمع المعلومات. ولم تكتفِ إسرائيل باختراق حرمة السيادة اللبنانية، بل إنها أرسلت طائراتها الحربية لتخترق الأجواء السورية. وقد أشارت عدة صحف عالمية في السنوات الأخيرة إلى تورط إسرائيل في اغتيال "إرهابيين" على أرض لبنان. إن كل هذه الأعمال تشكل تحرّشًا واستفزازًا وخرقًا للقانون الدولي.
لا يمكن الوقوف مكتوفي الأيدي
إن الوقت الذي تم فيه تحرّش حزب الله لم يكن من قبيل المصادفة: أيام معدودات قبل انعقاد لجنة الثمانية في روسيا، التي كان في مقدمة جدول أعمالها وضع سياسة غربية شاملة لمواجهة البرنامج الذري الإيراني
عقيفا إلدار، محلل السياسي لصحيفة "هآرتس"، كتب يقول: إن الحرب الحالية هي انتصار كبير للنظام الإيراني، الذي استطاع بهذا أن يوقع إسرائيل في الفخ، فبدل التباحث في عملية ضد إيران راح قادة العالم يبحثون في سبل وقف القتال في لبنان.
كان على إسرائيل أن تنشط في المجال الدباوماسي في سبيل عملية ضد النظام الإيراني المعادي، لكن أولمرت وبيرتس كان ردهما يبطن: "لا بد من تحرير الجنديين المختطفين"، هكذا كان تفسيرهما.
وكلما مرّ الوقت، فإن الجنديين المختطفين يختفيان من جدول الأعمال اليومي... بعد 48 ساعة من بدء الإشتباكات بدا جليا أن لا مجال لفكّ أسرهما بحملة عسكرية. فإن كان الهدف الأساس من الحملة إعادة إلداد وجولدفاسر إلى البيت، فقد حان الوقت للإعتراف بأن الوسيلة العسكرية قد فشلت، والبدء بالمفاوضات.
الحرب لحماية الوطن
في اليوم الثاني للحرب، أطلق حزب الله صاروخًا باتجاه مدينة حيفا. ليصيب منطقة خالية مسببا ضرر بسياج فقط. كان هذا الصاروخ ذريعة جديدة للحرب التي انقلبت لتوها من حملة لإعادة الجنديين إلى حرب "لحماية الوطن".
في قاموس الاصطلاحات لدى دولة إسرائيل فإن "الحرب لحماية الوطن" تكون حين يتعرّض كيان الدولة للخطر. ومع كل التقدير لتنظيم حزب الله، إلا أنه ليس الجواب لهذا التعريف. فصواريخ حزب الله قد تقتل أو تسبب التشويش في الحياة اليومية والإقتصاد، بيد أن إسرائيل لا تزول نتيجة عمليات تنظيم الغريلا اللبناني.
إنهم يقتلون المدنيين عمدا، ونحن نمتنع عن إيذاء الأبرياء!
منذ بدء الحرب قُتل في لبنان حوالي 500 إنسان، كانت غالبيتهم من المدنيين. إن عدد الضحايا غير دقيق حيث أن عشرات الجثث ما زالت تحت الأنقاض.
في مدينة صور تم حفر خندق واسع دُفنت فيه 100 جثة. وفي قرية مروحين قُصفت حافلة كانت تقل النازحين من القرية بموجب تعليمات جيش الدفاع. فقُتل معظم من في الحافلة، بينما تمكّن بعض الجرحى من الوصول إلى المستشفى القريب الذي يعاني من نقص في الأدوية وانقطاع التيار الكهربائي. وفي بلدة النبطية لاقت أسرة مكونة من 7 أفراد حتفها نتيجة خطأ سلاح الجو!
وبين القتلى اللبنانيين ثمة ما يربو على 100 طفل ورضيع (هذي إحصائية سبقت حادثة "قانا" الثانية،
الأولى قبل عقد من الزمن 1996م). أحقاً تبذل
إسرائيل ما بوسعها لأجل عدم إيذاء المدنيين؟!
ستؤدي الحرب إلى قيام المواطنون بالضغط على حزب الله
إن فرضية ما وراء هذه الجملة إرهابا بذاته. أول من قالها في خضم هذا النزاع كان حسن نصرالله الأمين العام لحزب الله، حيث شرح لأتباعه بأن المجتمع الإسرائيلي ما هو إلا "خيوط عنكبوت" وأن الطريق للتأثير على الحكومة هو في إرهاب المواطنين.
لقد اعتقد نصر الله أن إطلاق الصواريخ سيؤدي إلى تغيير في السياسة الإسرائيلية. وكما يتضح لنا الآن، فقد أخطأ التقدير. إن قتل المدنيين، ومعظمهم من الأطفال، لا يؤدي إلى موقف متسامح، والعكس صحيح: فالعمليات الإرهابية تستحث شهية الانتقام والقتل والإبادة والمسح.
كذلك فإن تحويل نصف مليون لبناني إلى لاجئين لن تؤدي إلى ضغط المواطنين على حزب الله، بل إلى مزيد من الكراهية لإسرائيل وإلى مزيد من سنوات العداء والحرب.
ربما تقوم إسرائيل باغتيال نصرالله وتقتل قادة حزب الله وتقضي على حركته. لكن الذي يحدث في اليوم التالي ما بعد الحرب، تحول هذا النصر إلى نصر بيروزي* (نصر آخر كهذا وانتهينا) حيث يتحوّل لبنان إلى دولة محطمة، ممزقة، آلاف القتلى والجرحى، وقرابة مليون نازح.
نصر عظيم للأصولية الإسلامية في الدولة!
---------------
* بيروز ملك أبيروس اليوناني (301 ق.م.) هبّ عام 280 ق.م. لنجدة تارنتوم في إيطاليا واستطاع أن يدحر جيش الروم. لكنه، بعد " أن هُزمت الروم في أدنى الأرض" (قرآن)، وبعد أن بقي بدون جيش تقريبًا، قال جملته الشهيرة: نصر آخر كهذا وانتهينا! (أي يُقضي علينا).
العودة الى الصفحة الرئيسية