لوائح التعليم العالي العراقية .. تساؤلات وتطلعات؟

الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي

أكاديمي ومحلّل سياسي \ ناشط في حقوق الإنسان

tayseer54@hotmail.com

تخيِّم على العراق بعض غمامة جراء غبار التفاعلات التي أعقبت انهيار طغيان الاستبداد الدكتاتوري الذي مسخ كلَّ شيء فيه بما في ذلك مؤسسات الدولة المدنية التي تحولت بالقوة البوليسية إلى مؤسسات خدمة الطاغية لوحده! وبعامة فإنَّ هذه الغمامة لن يطول بها الزمن حتى ترحل منقشعة عن شمس وعي أهل البلاد وثقافتهم الأصيلة التي تنتمي إلى آلاف أعوام الحضارة التي شادوها مؤسسين للبشرية قيم الدولة المدنية..

 فلقد كانت أول دولة مدينة وكان فيها أول مدرسة وأول لوح للكتابة والمعرفة وأول أبجدية فكانت سومر مهد الإنسانية وتراثها المعرفي الثرّ.

. وجاءت بابل وأكد وآشور ومنجزات شعوب وادي النماء التي بقيت شعاعا حتى صارت قوانين المدن السومرية فقوانين مسلة حمورابي أساسا ومقدمة لقوانين البشرية.. وصارت لوائح المؤسسة المدينية تقعيدا للوائح لاحقة وتأسيسا لها...

 وتأتي دار الحكمة ثم الجامعة المستنصرية لتطلق لوائح للعمل المعرفي العلمي وتتأسس الجامعة العراقية الحديثة بناء على خبرات رصينة وإبداعات مشرِّفة لحكماء العراق ولعقله العلمي الجديد..

 فتبدأ رحلة معاصرة للصراع بين بيت المعرفة وعقل العراق العلمي من جهة وسلطات الدولة العراقية التي ظلت في أغلب مراحلها المعاصرة تبغي التخلص من تأثير أهل الحكمة والعقل! وكانت لوائح الجامعة العراقية والتعليم العالي قد سُنَّت في ظروف التوازنات التي خضعت لسطوة دكتاتورية الدولة والحكّام الذين عادة ما كانوا من جهلاء القوم أي من معاديّ العلم وأهله.

 فكانوا بتعمدون استيزار [جَهلة] لا ترقى شهاداتهم أو خبراتهم لما يؤهل لإدارة مراكز البحث والجامعات والأكاديميات..

 لقد حاول أكاديميو العراق في فسحة زمن ثورة الرابع عشر من تموز أنْ يطوروا في لوائح رحلة التأسيس ولكن ذلك سرعان ما غار بعيدا في مجاهل زمن دموي بشع استلب حتى أوليات التأسيس واليوم لا ينبغي الانشغال في مجريات الأجواء وغبار معركة التحولات الجذرية.. فمهمة كل فئة من مجتمعنا العراقي يلزم أنْ تنصبّ في مجالها.

 ومجال عمل الجامعة العراقية والأستاذ العراقي يكمن في تعديل لوائحه المشوَّهة التي خلَّفها زمن التخلف والعبث بكل مفردات الحياة العراقية... وسيكون من غير المعقول أنْ تستمر تلك اللوائح والقوانين التي سنَّها زمن الاستلاب والقسر والإكراه، زمن التخلف ومعاداة العلم وأهله.

 ليس من الصحيح ولا من الصحي الصائب أنْ نتعامل على وفق منطق ما سنَّه أزلام الظلمة والتضليل تحت يافطات احترامروح وطني أو قومي [مزيف] أو قدسيةروح ديني أو اعتقادي [مدَّعاة].

 فكل شيء اليوم متاح لأكاديميينا لكي يراجعوه ويُعمِلوا عقولهم النيِّرة لتغييره بكنس ضلالات الماضي المهزوم..

 ومن هنا وجب على مؤسسة التعليم العالي العراقية من مراكز بحثية ومعاهد علمية وجامعات أنْ تنهض بمهمة تنظيف أجوائها تماما وكتابة لوائحها الإدارية والأكاديمية بما يخدم مسيرة العلم وأهله ويصبّ في مصالح إعادة بناء الروح العراقي الوطني ويفتح آفاق التعليم العالي والبحث العلمي على أوسع مصاريع بواباته بلا تضييق وبلا تشويه وبلا مصادرة لحرية البحث ولحرية اكتساب نور العلم لبناء البلاد وقبلها نقاهة العباد وصحتهم المعرفية الروحية..

 ومن أجل ذلك نجد أنَّ بعضا من بقايا عهد المحافظة والتقليد ممن يخشون كل تغيير وممن يرون في التمسك بعهود ومواثيق الماضوية المندثرة صحة لهم وممن يرفضون كل جديد وكل رأي علمي مصيب؛ نجد هؤلاء ما زالوا يمسكون بخيوط القرار في بعض مفاصل التعليم العالي وليس لنا مع مثل هؤلاء المعرقلين الضلاليين الظلاميين مناقشة ولكننا نحاور ونجادل ونناقش فيما بين أهل العقل والرشاد والحكمة لكي نصل إلى البدائل المعرفية العلمية المشرقة المشرّفة التي تقوم على أحدث ما توصلت إليه البشرية من قوانين ولوائح وتشكيلات إدارية وأساليب تعليمية محدثة تتناسب ومستوى التطورات العاصفة التي حدثت في عالمنا المعاصر..

 فهل لزمن صناعة الورق أنْ يمضي في استخدام لوح طيني في الكتابة المدرسية؟ لقد مضى زمن السؤال بإجابة أنهت ألواح الطين وشرعت بجديد الزمن..

 وصرنا نسأل اليوم هل لنا أن نمضي بالورقة والكتاب المطبوع في زمن الإنترنت والرقائق الرقمية؟ وهل سنمضي في استخدام الرياضيات التقليدية أمام الرياضيات الحديثة؟ وهل سنمضي في استخدام آليات التعليم التقليدية من دون أية إفادة من آليات التعليم الحديث؟ هل سنمضي من دون أن نفيد من الكومبيوتر والإنترنت؟ هل سنلزم جانب التعليم التقليدي بحدوده وشروطه ومستلزماته التي كادت تمّحي من معاجم التعليم الحديث عالميا؟ هل سنمضي بآليات دول التخلف ولا نرفع أعيننا متطلعين لهضم واستيعاب ما توصلت إليه دول التقنيات الحديثة؟ هل سنطبق قوانين ولوائح التعليم في دول الظلمة, دول ذيل قوائم الحياة المعاصرة ونغض الطرف عن النظر إلى دول المعرفة والعلوم الحديثة؟ هل يناسبنا البقاء في مؤخرة ركب الحضارة ونحن أهل العقل والحكمة والسداد؟ هل نقبل أنْ تدخل إلينا تقنيات العصر من شبابيك استخدامها السلبي الخطير بدلا من أنْ نُدخِلها نحن من بوابات المعرفة الإيجابية بما يتيح لنا تسريع البناء وإعادة الإعمار بوساطتها بدلا من تخدير شبيبتنا بخزعبلات توظيفات رخيصة لها؟ لماذا لا يكون الكومبيوتر أداة بحثية في جامعاتنا وفي مسيرة التعليم لا مرآة تخديرية رخيصة خطيرة؟ أليس الاعتراف بلوائح جديدة في التعليم العالي، بالتحديد تغيير مفاهيم حصر التعليم بالتقليدي من وسائله، أمرا مجديا ومهما لملاحقة أفضل وسائل تسريع التغيير ومعالجة مشكلات سباق الزمن الذي تأخرنا عنه طويلا؟ لقد نهض الأستاذ والأكاديمي العراقي بمهماته في افتتاح مشروعات مراكز البحث والأكاديميات والجامعات الأهلية التي تستخدم طريقة التعليم المفتوح والتعليم الألكتروني، التعليم عن بُعد بتوظيف آليات التعليم الحديثة فيما بقينا نسمع بسلطة لوائح التعليم التقليدي بوسائله التقليدية الثابتة التي تكلست وتجمدت وتشوّهت بسياسات ماضوية..

 وما يُنتظر أنْ يحصل هو فسح المجال لتغيير تلك اللوائح التقليدية بما يتيح معالجة التشوهات في تلك اللوائح وما يتيح تحديثها وتطويرها وتقويمها فضلا عن فتح فرص الإفادة الأوسع من أساليب التعليم الحديثة سواء منها التعليم المفتوح أم التعليم الألكتروني بما يؤدي إلى أفضل نتائج المردود من تلك الأساليب المتطورة الحديثة..

 هل سننتظر طويلا لأي سبب مثل هكذا تغيير وكل أعمدة التعليم الأهلي من مفتوح وألكتروني قد شرعت بالعمل الميداني؟ هذا يعود للإرادة السياسية للحكومة وللقرار الإداري الخاص بوزارة التعليم العالي والبحث العلمي..

 وهو يعود لمصادقية التوجه الذي أعلنه وزراء التعليم الذين تعاقبوا على الوزارة خلال السنوات الثلاث فقد تقرر بحث مثل هذه التغييرات واتخاذ الإجراءات المناسبة لتنفيذ الجديد من التصورات الإيجابية وأعلن السيد وزير التعليم العالي قبيل مدة قصيرة توجها جديا مسؤولا لافتتاح الجامعة الألكترونية ولاهتمام مميز منتظر بالتعليم المفتوح والتعليم عن بُعد وبالتعليم الأهلي ...

 كل ذلك يشكل تأسيسا يُؤمَّل فيه حشد قوى التغيير العلمية الصادقة في خدمة العراق الجديد المتجهة لأفضل أساليب التعليم ولأرقاه ما يجعلنا نقول لن ننتظر طويلا مع تضافر جهود الجميع والدخول في محادثات مسؤولة عن أشكال استثمار التعليم الأكتروني سببا في مراجعة شاملة للوائحنا بما يتيح إزالة رواسب ماضي الأنظمة الاستبدادية الغاشمة ولوائحها التي كرست التخلف وخدمة الفرد الطاغية وأمراضه..

 هذه رسالة موجهة إلى معالي وزير التعليم العالي وإلى إدارات الوزارة والمراكز البحثية كما تشكل نداء لمجموع أكاديميينا وأولهم الجامعة المستنصرية التي شرعت بتوظيف التعليم الألكتروني من أجل عقد مؤتمر التغيير في التعليم العالي العراقي لنكون أسبق من غيرنا بعد أن وضعنا قزم التخلف والجهل الدكتاتور المهزوم في خانق وشرنقة الظلام وأساليب التقليد المريضة لنتحول إلى أفضل لوائح العمل الجامعي والأكاديمي الحديث.. ولدينا نحن العراقيين كل الطاقات الكافية للنهوض بمشروع التحديث.. وسيكتب التاريخ لجيل التغيير كلمته..

 وثقتي أن أسئلتي هذه لن تبقى مجرد أسئلة وتذهب أدراج المكاتب وريح التقليد المرضي المحافظ بل ستجد إجابتها في غضون عام التحول العلمي المعرفي والتغيير في لوائح الماضي البغيض لنسابق الزمن ولنسابق أجواء تتربص بنا لتركيز رخيص الأمور ومريضها بدل مشرق الغايات وكبير الأهداف والمطامح وتحية سلفا لكل رأي نبيل وصاحب حكمة وقول رشيد وقرار سديد.

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com