مشاهد فيلية .. الصراع بين أجنحة حزب البعث والضحية فيلي
بغداد نهاية الستينات
كانت تسكن تلك العائلة الفيلية في أحد المناطق الراقية من بغداد،وربطتهم بحكم الجيرة علاقة قوية بأحد العوائل العربية كعادة العراقيين في حسن الجوار، وتعمقت تلك الصلة نظراً الى ان كلا العائلتين كان أفرادها من المثقفين. لذا لم يكن غريباً ان يدخلوا في نقاشات سياسية حامية، وخاصة وان العائلة الفيلية كان ابناءها يرتبطون بالحركة التحررية الكوردية .
تتغير الظروف وتأتي الانقلابات لتحمل الجار الى سدة رئاسة الوزراء ، ولكن لم تتغير تلك العلاقة، وبقت تجمعهم الجيرة الطيبة رغم اختلاف الميول والاتجاهات والتي كانت متباينة في الكثير من الاحيان.
وبما ان كرسي السلطة لا يدوم لاحد وخاصة في وضع العراق المتقلب في تلك الفترة من الستينات. وصل البعث مجدداً الى السلطة في ذلك اليوم الاسود من تموز سنة 1968.
الحياة جرت عادية في البداية، واستمرت تلك العائلة الفيلية في حياتها الطبيعية لا تعرف ما يخبأ لها القدر. فأبناءها كانوا يعملون في التجارة ، وكانت تدر عليهم رزقاً وفيراً وكأن الخالق كان يبارك لهم عملهم النزيه الخالي من اي ربح غير مشروع. فالكورد الفيلية مشهود لهم بنزاهتهم وجدهم في العمل .
افاقت العائلة على أختفاء الاخ الاكبر، ورغم بحثهم وسعيهم لمعرفة مكانه، كانت الابواب توصد في وجوههم ، ومر 18 شهراً فشلوا خلالها في التوصل الى اي معلومات تعلمهم عن مصيره.
كان قلقاً على مصير أخوه والذي كان بمنزلة أب له، وبدأ اليأس يتسرب الى قلبه. وفقد الامل في ان يراه مجدداً. حتى فاجأه أحد الاصدقاء باقتراح. أكد له ان هو الاخر كان له مشكلة مشابهه مع اختفاء أحد أقاربه، ولكن أحدهم ارشده الى جماعة تنتمي الى السلطة، واستطاع ان يشتري منهم حياة القريب هذا، فاطلق سراحه بعد أيام.
ليلتها لم ينم، تجمعت كل الافكار في رأسه، كان يخشى ان يكون هذا كميناً، ولكن صديقه هذا كان يتمتع بثقته العالية ، و يجمعه وأياه النضال من اجل القضية الكوردية. كما ان قلقه على اخيه كان في أوجهه، وهو يعلم انه مريضاً بالقلب، وله عائلة كبيرة.
أخذ قراره ، وصمم ان يجرب حظه وليكن ما يكون، اذا كانت في النهاية ثمنها أطلاق سراح شقيقه، او معرفة اي شئ عن مصيره. وعبر الوسيط تم ترتيب اللقاء. أرادوا مساومته على السعر، فقال لا يهمني المبلغ الذي تطلبوه، المهم لدي شرطين ، الاول ان أتأكد ان أخي حي، والثاني أن اسلم المبلغ على جزئين الاول مقدماً ويسدد الباقي عند اطلاق سراحه, كان المبلغ عشرة الاف دينار عراقي وهو يعتبر مبلغا كبيرا في تلك الفترة من الستينات. ولكن فاتنا ان نذكر من هو الشخص الذي استلم المبلغ وتفاوض معه. أنه ذلك الحمل الوديع في محكمة العصر، أخو الطاغية.
كانت هناك في نفس الوقت عصابة أخرى تتنافس مع الاولى. وتلك ترتبط بأحد أشقاء صالح مهدي عماش ، وبما انهما في مجال التنافس ، لذا لم يكن غريباً ان تعمل كل منهما على ايقاع بالاخرى.
دفع صاحبنا المبلغ المقدم المتفق عليه والذي كان قدره 3 آلاف دينار كما أسلفنا، بعد ان زود بعلائم من ملابس الشقيق وخط يده ، تثبت انه على قيد الحياة. وجلس ينتظر الاسبوع المهلة التي قطعت له لتنفيذ الطلب.
لم يعد ذلك اليوم من عمله ، وقلقت الاسرة، وتمر يومان ليتفاجئوا به يعرض على شاشات التلفاز مع 3 آخرين، حليقي الرأس في عمل أستعراضي ، على انهم دفعوا الرشوة، دون ذكر من استلم الرشوة ولاي غرض دفعت؟؟؟!
تحولت قضيته الى محكمة الثورة التي تشكلت في تلك الفترة ليكون من أوائل ضحاياها، وحكم بثلاث سنوات سجن.
من مفارقات الاقدار أن يلتقي بأخوه وهويساق الى قصر النهاية بينما الاخر يغادره.
وبقيت أسباب القاء القبض على الشقيق الاكبر وأطلاق سراحه مجهولةً ، رغم أن البعض أكد انه كان بسبب صداقته لجاره ، المسؤول السابق ، ولما تأكدوا من حسن سيرته، وخلو تجارته من اي شبهه اطلق صراحه. بينما أكد البعض الاخر ان ذلك كان يعود الى أشتباههم في دعمه للثورة الكوردية. وأطلق صراحه في وقت كانت تدور هناك مباحثات تمهيداً لاعلان بيان آذار؟!