قراءة سياسية في مفهوم "الدولــة الفيدراليــــة"

رياض البصير

basseree@yahoo.com

تعد قصةالتوطن لدى الانسان ,, منذ فجر فعالياته الحضاريه ,, بأنها محاولات متواصــــــلة ومتصلة,شائكة ودامية, لايجاد أفضل الحلول لمشكلات " الخوف من الغد" و " شهوة التملك العدوانية " و" نزعة الاسترقاق ",,, المعقدة والمستمرة, ومن الجائز اعتبار تلك المحاولات الغائرة في القدم , هي مهد البداية لنشوء فكرة مفهــوم الدولة بمعناها المتداول , اليوم. التي

لم تبلغ اشدها , ولا نضوجها حتى الآن.

 فحينما انتابت ذلك الانسان البدائي وقومه, لذه الاستقرار. لاول مرة. بدأ يفكر جديا وعمليـــــا بكيفية حماية واستمرار نشوة تلك اللذة. من خطري العدوانات الخارجية والداخلية , التي مـا برحت تنتهك ستر سكينته. وبمحاولات حثيثة استطاع أن يلجأ الى حيلة , تحل مشكلته تـــلك فاختار ,,, منهج الحكومة المخولة لادارة سلامة حياته ,,,معتقدا ان ذلك الحل هو الطريــــــق الامين لاستمرار سعادته. وان كان حلا مكلفا.

 وبذا نما مفهوم الدولة,,, فكان في مبدأ أمره حكما على النمط( الثيوقراطي) اذ يخول اكبــــر الكهان (رجال الدين) ادارة السلطه العليا وتمشية امور الجماعة داخليا وخارجيا. حتى بـــدا واضحا ,,مذهب (( الطاعة الجبرية)) للجماعة , أمرا مسلما به ولا عصيان فيه.. ومـــن ثم  تواصلت الانسانية بصراعات مستمرة على كل الاصعدة ,, بما وفرته الحيـــاة الحضارية من تصورات فكرية وصناعية وحتى قتالية , لذلك ظهرت على ظهر البسيطة انظمة حـــــــــــكم جديدة للدولة ومفاهيم سياسية على اشكال متنوعة فكانت الدولة الملكية بالوانــها المتعددة والدولة الجمهورية بطرائقها المتنوعة وكذلك الـــــــــدول الديمقراطية والارستقراطية ودول الدكتاتوريات , وأنظمة الخلافة الدينية السياسية والسلطنات ,,,وبذاعرفت الانسانية فلسفات سياسية,,عديدة ومختلفة , بفظل رجالات الفكر والفأس و,,,,,,,,,السيف.

 ومع ذالك ظل مفهوم الدولة,,, موضع خلاف فقهاء العلوم والمعارف البشرية ,,,المشتغلــين بالدراسات السياسية ,القانونية ,التاريخية ,الاقتصادية ,الاجتماعية... فذهب كل فريق باتجاه اختصاصه يحاول ان يعطي تعريفا لمعنى الدولة علــــى وفق معطياته المتراكمة واستنباطاته الاجتهادية,,فاصحاب المذهب الاجتماعي يراها (... نمط من انماط التنظيم للجماعة السياسية باعتبارها ظاهرة اجتماعية نشأت تلقائيا بفعل التطور الانساني) بينما عرفتهــــــــــا المدرسة  القانونية, على ( انها مجموعة من الافراد مستقرة على اقليم معين ولها من التنظيم ما يجعل للجماعة سلطة اّمرة قاهرة في مواجهة الافراد ) أما مفكرو المنهج الانثروبولوجي فيصفون الدولة بأنها: ( علاقات ما بين الافراد وشكل لسكن مشترك وروابط معنوية معينة ) على أن الماركسية أنكرتها كونها( لجنة تنفيذية للبرجوازية ) أو أنهـــــــا ( أداة ظلم وطغيان ) حسب معتقدأنجلز. على ان كتابنا المعاصرين كانت لهم رؤاهم التي تكاد تقترب مــن تلك التعريفات ومنهم بطرس غالي أذ يقول عن مفهوم الدولة: ( هي مجموعة من الافراد يقيمون بصــــفة دائمة في اقليم معين , تسيطر عليه هيئة منظمة استقر الناس على تسميتها ,, الحكومة).

 وتأسيسا على ذلك,, فأنني اعتقد ــ على اساس المعنى الاخلاقي العام للدولةــــ أن مفهوم الدولة أيا كانت هويتها,, لايخرج على كونه غاية حتمية , القصد منها سعادة الانسان, اولا وثانيا الا من خلال القيام بجملة من العمليات والفعاليات والتنظيمات الضرورية , ترتكز عــــــــلى مبدأ المشاركة الوطنية للجماعة المعينة بذاتها على ارض ذات حدود جغرافية واضــــــحة المعالم وترتبط تلك الجماعة بالروحية الواحدة المنسقة وبالاهداف الاقتصادية والاجتماعية المشتركة وبلغة تفاهمية. على ان تتفق تلك الجماعة على اختيار نخبة تقود حكومتهم لمدة معلومــــة و ممثلين ثقاة , لتنظيم شؤونهم القضائية والاقتصادية وامن الداخل والخارج وعلاقاتهم الدولية وتلبية واشباع احتياجاتهم التعليمية والصحية والثقافية والانسانية...

 أما الفدرالية فهي دلالة لنظام اتحادي مابين جماعة سياسية ذات سيادة وأخرى او جــماعات عدة, وعادة ما تكون الجماعة السياسية المقصودة بهذا التعريف تتمتع بمواصفات الدولة كــالارض واللغة المشتركة والسيادة والسكان وغيرها من الصفات المساعدة. بمـــــعنى اخر وحسب الواقع التطبيقي لتجارب الدول الاتحادية التي قامت وشكلت حضورا داخل حــركة التاريخ قديمه ووسيطه وحديثه كالتجربة السويسرية والسوفيتية والالمانية والهندية والاميركية والكندية وغيرها.

 نستطيع القول: ان مفهوم الدول الاتحادية ( الفيدرالية) يدل على اتحاد مقاطعات او اقاليم او دول متلاصقة جغرافيا وتتسم بالسيادة المستقلة على اراضيها وذات نمط حكومي. بشرط أن تتنــــازل الحكومة الاقليمية عن سياستها الخارجية الدبلوماسية والاقتصادية والدفاعية العسكرية بمـا فيها اعلان الحرب وعقد الهدنة وابرام الصلح لصالح حكومة الاتحاد المركزية. كمـــــــــا تعد ثرواتها الطبيعية جزءا من الثروات الطبيعية الكلية لخزينة الدولة الاتحادية. كما تلتزم بالتنازل عن جـزء من سلطاتها الداخلية وحسبما يتفق عليه الدستور الاتحادي للحكومة المركزية ومن اهمها سـلطة منح الجنسية وحق التوطن وقد يكون من حق الحـــكومة الاقليمية وضع دستور خاص للاقليم في نطاق ما يجوز لها القيام به بمقتضى التكوين والدستور الاتحادي. وكذلك من حق الحـــــــــكومة الاقليمية ان يكون لها تمثيل برلماني في البرلمان الاتحادي على اساس نسبـــــــــة عدد السكان. وتكون اختصاصات السلطتين الاتــــــحادية والاقليمية حسب محددات الدستور. وعادة ما تتمثل بالفصل بينهما في امور,, والمشاركة معا في امور اخرى,, ويعد البرلمان الاتحادي مصـــــــــدر التشريع فضلا على ذلك فقد بينت التجارب الاتحادية السياسية ,, أن تشكيل محكمةعليا مستقــلة لفض النزاعات ما بين السلطات ,, بالغ الاهمية في الحفاظ على الدستور والاتحاد. 

 ومن المحقق قوله: ان لاقيمة للدولة الفدرالية من الناحية القانونية اذا لم يتوفر فيها عنصري القبول والرضا الشعبي باغلبيته الواضحة على ان يقرن هذا القبول بوجود تعددية حــــــــــزبية ومؤسسات سياسية شرعية ومنظمات مدنية في حكومة الاقليم وحكومة الاتحاد المـركزية معا,.

ومن واقع التجربة,, يمكن تسجيل عديدا من الفوائد اهمها:ـــ (( أنها تحافظ على الجـــــــــذور التاريخية والثقافية واللغوية لكل جماعة سياسية )) بما يولد حالة الانتماء الوطني. وتفيد ايظا (( بتبادل الخبرات والتجارب من خلال المشاركة في المسائل العامة )) ,, كمــــــــا (( أنها تمنع الانهيار الفجائي للحكومة المركزية بسبب الضغط الخارجي أو الداخلي )) ,,,.. وفوق كــــل تلك الفوائد ستضمن الدولة الاتحادية استقرارا أكبر كتحصيل حاصل لتحررها مـــــــــن أعباء وعقد تاريخية كثيرة.. كذلك ستوفر فرصا ذهبية لشعوب دولة الاتحاد بابعاد نظام الحكــــــــــم الفردي المزمن , والاستبدادي,, أكثر الاحيان. نهائيــــــــــــا.

وبذلك يبين لنا تاريخ الملف البشري ,,,بأن الحياة الانسانية , والحياة العامة ليست عـــــــلى مر العصور ,, الا محاولة متواصلة لايجاد حل نهائي ,, لمشكلة معقدة ,,و........ مستمرة.

 

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com