|
زلماي يجر العراق إلى حرب أهلية، وربما أبعد حمزة الجواهري على افتراض أن الولايات المتحدة الأمريكية غافلة عن سلوك زلماي خليل زادة سفيرها في العراق، وأن ما يقوم به مجرد سلوك طائفي أو سلوك غبي مبني على استنتاجات خاطئة منه، على افتراض أن المسألة هكذا، فإن هذا الرجل هو من سيجر العراق إلى حرب أهلية بسلوكه الطائفي هذا، بالرغم من أنه يبدوا مؤدبا، لكنه بعيدا عن تماما عن الرصانة الدبلوماسية الحقيقية، فالدبلوماسية لا تعني أبدا الانحياز بشكل سافر نحو طرف من أطراف صراع متفجر أصلا ولكن بلغة هادئة، سرا أو علنا، وإن كان ما يرشح علنا من هذا الرجل قليلا جدا للحد الذي تعتبره أصما أبكم. لكن في واقع الأمر أنه قد تجاوز إلى حد بعيد الخطوط التي ترسم طريقه في مهمة من أخطر المهمات التاريخية في المنطقة كسفير لدولة عظمى تعتبر محتلة لأهم بلد في الشرق الأوسط، أو الأوسط الكبير، سمه ما شئت، وكان عليه أن يقدم إلى إدارته تقارير عن معطيات حقيقية لا زيف فيها، وأن عليه أن يكون حياديا وليس طرفا من أطراف النزاع، كما أسلفنا، لأن وصف الرجل بالمنحاز لجهة ما يعتبر مجاملة له أو تخفيفا من طبيعة الدور الذي يقوم به.
ثرثرة الوزير تفضح السفير: يقول هنري كيسنجر مهندس السياسة الأمريكية في آخر مقال له نشرته الواشنطن بوست: "ان الدبلوماسية لا تعمل في فراغ. وهي تقنع ليس عن طريق بلاغة المشاركين فيها بل عن طريق تجميع توازن من الحوافز والعواقب الوخيمة". ويستشهد كيسنجر بمقولة كلوزفتش الشهيرة "بأن الحرب ما هي إلا استمرارية للدبلوماسية لكن بوسائل أخرى، وهذا ما يوضح تحديات وقيود الدبلوماسية"، بمعنى أن الدبلوماسية الخاطئة لدرء الحروب ستكون حتما سببا أكيدا لها، وهذا ما يعمل عليه زلماي بكل جد من خلال تحركاته الدبلوماسية التي تبدو ناعمة وأنيقة كما سنرى من خلال هذا التحليل المتواضع، حيث في واقع الأمر أن الأهداف الشخصية لزلماي تتفق مع الوسائل التي يقترحها، فهو من قدم التقارير لحكومته التي تطالب بتشكيل مليشيات سنية مدعومة أمريكيا من أجل كبح جماح المليشيات الشيعية على حد زعمه. هذا ما رشح عن المناقشات الدائرة خارج قبة البرلمان الأمريكي كما ورشح عنها أيضا معلومات أخرى قيمة أفادتنا كثيرا في هذا التحليل، فهو بهذا يصب الزيت فوق النار، وقد تنتهي الأمور، بل حتما، عند الحرب الأهلية التي تعمل أمريكا على درئها، كما تدعي، وهكذا نرى أن سلوك زلماي ليس عفويا بل سلوكا ينم عن قصد وسابق تصميم، لأن دعمه طرف دون طرف يعني سلوكا منحازا، وهذا ما عبرت عنه مواقف الرجل في أكثر من مناسبة، فهو بهذا ليس غافلا أيضا، بل فاعلا مباشرا بخلق أسباب الحرب.
سوء الظن من حسن الفطن: لم يكن التدهور الأمني الذي حصل في العراق بسبب تفجير المراقد الدينية في سامراء كما يعتقد الكثير من المراقبين السياسيين، ولكن يأتي مباشرة بعد أن تبنى زلماي طرفا من الأطراف، وكنا قد شخصنا هذا الأمر في مقالة سابقة صدرت في الأول من نيسان من هذا العام بعنوان "تحالف زلماي والإرهاب لا ريب فيه"(1)، أي بعد تفجير المراقد بأقل من شهرين، حيث كان سلوك هذا الرجل واضحا جدا للحد الذي لا يمكن السكوت عليه ومن قبل تفجير المراقد الشيعية المقدسة، هذا إذا لم يكن هدف الإدارة الأمريكية هو إشعال هذه الحرب فعلا، لأن حسن النوايا لا مكان له في عالم السياسة، وربما كان اختيار زلماي أصلا من أجل تحقيق هذا الهدف! حيث ما نراه يختلف تماما عن الأهداف المعروفة للولايات المتحدة، وأن هذا الأداء يؤدي لتفاقم الإرهاب، حيث ما نراه اليوم في العراق وما عكسته أيضا إفادات القادة الأمريكان أكبر دليل على ذلك.
الضوء الأخضر لانقلاب بعثي: إن المليشيات الشيعية وبالرغم من أننا من أشد المعارضين لوجودها، وقد ملئنا الصحف ومواقع الاترنت بالمقالات التي تدعوا لحلها، لكن للحقيقة والتاريخ بقيت صامتة على مدى ثلاث سنوات من العنف ضد مكونهم، ومن لا يعرف ذلك؟ ولم تنشط هذه المليشيات بالشكل الذي نراه اليوم إلا بعد أن تسلم زلماي السفارة في العراق، لأنه أعطى الضوء الأخضر للإرهابيين بالضرب في المناطق المحرمة، وحتى التهيئة لما هو أبعد، حيث تم إحباط محاولة انقلابية بعثية قبل شهر من الآن، وقد كانت تهديدا حقيقيا للعراق بالرغم من نفي وزير الداخلية لوجود هذه المحاولة، لكن الكثير من المراقبين والسياسيين الذين عرفوا بصراحتهم قد أيدوا ذلك، وشخصوا الجهة المسؤولة عن هذه المحاولة، بالرغم من عدم توجيه أصابع الإتهام إلى زلماي بالذات، لكن من حقنا السؤال: من غيره مسؤول عن تنفيذ السياسة الأمريكية في العراق؟ وهو الذي شجع الإرهاب في العراق وأعطاه الدعم المباشر وغير المباشر؟ وهو الذي دعمهم وذاد عنهم لتصل بهم الجرأة أن يحتلوا نصف بغداد تقريبا، ولم يبقى لهم سوى بضع خطوات عن المنطقة الخضراء؟
وسيلة أكيدة لتوسيع المليشيات: ما يطلبه اليوم زلماي من الإدارة الأمريكية من تبني مليشيات سنية ودعمها بزعم خلق حالة التوازن، ما هو، في الواقع، إلا محاولة لخلق الأسباب الموضوعية والقوية جدا لنشوب حرب أهلية، لأن مهما حاولت هذه المليشيات الأمريكية الزلماوية الصنع أن تكون كبيرة وفاعلة، فإن الشيعة لديهم الإمكانيات أن يخلقوا المزيد من المليشيات وأن يتوسعوا بالموجود منها، ويمكنهم تجهيزها بأحدث وأحسن الأسلحة، ذلك لأن السلاح متوفرا بكميات هائلة، كما وأن الجار الإيراني يود هو الآخر أن يصب الزيت على النار، أضف إلى ذلك، أن مسألة خلق حالة التفوق مليشويا من قبل الشيعة أمر ميسور، لأن مكونهم هو الأوسع في العراق، وأنهم الأكثر فقرا، وإن معظمهم كانوا جنودا مدربين في جيوش صدام التي لم يمضي على انهيارها قبل حلها سوى ثلاثة سنوات، وبالتالي فإن مسألة الرهان على تشكيل مليشيات سنية لخلق حالة التوازن المزعومة ما هي إلا محاولة مقصودة لخلق الأسباب القوية والحقيقية لنشوب الحرب، لأن وجود هذه الأعداد الكبيرة من المليشيات، يعني أن السيطرة عليها أمرا مستحيلا، وبالتالي سيكون التفجر مسألة وقت فقط.
دبلوماسية بلحية إرهابي: إن طلب سياسي مسؤول عن سفارة دولة عظمى من إدارته تبني مليشيات لمكون معين على حساب الطرف الآخر لا يمكن اعتباره غباء، أو جهل بالحالة، كما ولا يمكن اعتباره سلوكا طائفيا كما افترضته في مقدمة المقال، لكن يمكن اعتباره تحقيقا لسياسة الدولة التي يمثلها هذا الرجل. أعود وأسأل، فما الذي يعنيه هذا السلوك غير الانحياز لمسلحين أغرقوا العراق بالجريمة من أجل تحقيق أهداف الإرهاب العالمي؟ وذلك بعد أن عجزوا عن إشعال الحرب الطائفية عبر ثلاثة سنوات بالرغم من التراخي المتعمد من قبل الإدارة الأمريكية مع الإرهابيين، لكننا نرى وبشكل واضح أن سلوك زلماي هذا قد وضعنا الآن على مسافة مرمى حجر عن هذه الحرب، وها هما السفير البريطاني في العراق والقائد العام لقوات التحالف جون أبي زيد يؤكدان هذه الحقيقة بعد أن كانت شهاداتهم أمام سلطاتهم التشريعية وحكوماتهم تختلف عن ذلك تماما. كما ولا يخفى على المتابع دور زلماي بتعطيل العمل بقانون محاربة الإرهاب، ومنع مقترح الحكومة الأخير في اجتماع المجلس السياسي للأمن الوطني بالمباشرة بحل المليشيات الشيعية بالتزامن مع ضرب الإرهاب، لكن أزلام زلماي في هذا المجلس وبدعم منه يريدون للحكومة أن تضرب المليشيات الشيعية فقط في الوقت الذي يشكل هو مليشيات سنية لخلق حالة التوازن المزعوم، إذا علينا أن نسأل: التوازن بين من ومن مادامت الحكومة وقوات التحالف سوف تحل جميع المليشيات الشيعية؟!
حلفاء أعداء: إذا نحن أمام حالة جديدة تبلورت كنتيجة لسياسة معينة انتهجها زلماي، ربما، متجاوزا بذلك على سياسة حكومته وسلطته التشريعية، وعلينا أن نسأل أيضا: ما الذي ستؤول إليه الأمور فيما لو حققت الإدارة الأمريكية طلب زلماي بتشكيل مليشيات سنية ودعمها أمريكيا، خصوصا نحن نعرف الصلة بين المسلحين الذين يدعون أنهم سنة وتنظيم القاعدة؟ ومن لا يعرف أنهم تحالف البعثيين مع السلفيين التكفيريين من فلول القاعدة من أجل خلق الحرب الأهلية؟ وهذه النوايا أو الأهداف لم تعد سرا، بل هي أهداف معلنة على الجميع، لذا فإن تشكيل مليشيا سنية من خلال أحد الأحزاب الطائفية المعروفة، الذي أصبح أحد واجهات البعث السياسية بعد عزل زعيمه السابق، يعني بلا أدنى شك أن زلماي ينوي تقديم الدعم الأمريكي بشكل رسمي ومباشر للعناصر الإرهابية المسلحة التي بقيت تقاتل المدنيين العزل وتذيقهم أقسى أنواع الموت والهوان مدة ثلاثة سنوات متواصلة مسمية نفسها بالمقاومة الشريفة.
تدويل الحرب: لقد بقيت الواجهات السياسية البعثية تناضل خلال الأعوام المنصرمة من أجل الاعتراف بهذه العصابات المسلحة وتسميتها بالمقاومة، وقد فشلت بذلك فشلا ذريعا، حيث تصدى لهم السياسيون العراقيون بكل قوة مشخصين المقاومة المزعومة بشكل دقيق، لكن ما هو غريب حقا أن زلماي يريد لها أكثر من ذلك بكثير! فإنه يريد لها أن تكون هي القوة الضاربة للولايات المتحدة الأمريكية بشكل رسمي في العراق! وهذا لا يعني فقط تحول أمريكا كطرف فاعل بنشر الإرهاب في العراق، ولكن التدويل الرسمي للحرب الأهلية لتكون حربا إقليمية وذلك بإشراك إيران فيها بشكل غير مباشر، بحيث سيتحارب الأمريكان والإيرانيين بدماء العراقيين على أنها حربا أهلية، وقتها سنقول ليتها كانت حربا أهلية وحسب، عندها سنحاول عبثا إقناع العالم أنها حربا بين إيران وأمريكا على أرض العراق لكن بدماء العراقيين. وفي حال بدأت الحرب الإيرانية-الأمريكية حقا على أرض العراق، هل سيكون الجوار الإقليمي بمنأى عنها؟ هذا ما أجابت عنه السعودية، حيث تعاقدت على زيادة تسليحها بما قيمته اثنين وسبعين مليار دولار فوق ما تملكه من سلاح، لمن هذا السلاح يا ترى؟ فهل للسعودية على علم بما تنوي الولايات المتحدة فعله حقا؟ لأن هذه الصفقة لشراء الأسلحة تعد الأكبر عالميا وتاريخيا، وإذا كان الأمر كذلك، فإن هذا التصرف يعتبر معقول جدا منها كدولة تريد أن تحمي نفسها من سعير الحرب القادمة التي لا محالة من وقوعها فيما لو استمرت هذه السياسة في العراق.
تعلمنا رغم تخلفنا: إذا كانت هذه هي الأهداف الحقيقية من هذا السلوك الزلماوي، على أمريكا أن تكون أكثر صراحة، فنحن شعوب العالم الثالث لم نعد مغفلين يفعلون بنا ما يشاؤون دون أن نعلم كما كان الأمر سابقا، فما تحدثنا به لا علاقة له بنظرية المؤامرة التي طالما اتهموا عقليتنا بها، لأن اللعب قد أصبح على المكشوف، ولا حاجة بنا لتخيل سيناريوهات قد تحدث أو لا تحدث، فنحن وبعلمنا المتواضع نضع النقاط على الحروف، وعلى الولايات المتحدة الأمريكية أن تجيب على تساؤلاتنا أو أن تعزل زلماي عن منصبه في العراق من أجل حقن دماء شعب العراق وشعوب المنطقة. (1)- يمكن الرجوع إلى هذا المقال من خلال الرابط التالي: http://www.rezgar.com/debat/show.art.asp?aid=61082
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |