طائفية العقل العربي ومآسي الأمة

 محمد سعيد المخزومي

almakhzumi2@hotmail.com

لقد كشف الواقع المر الذي تعيشه الأمة الإسلامية عن حقائق كانت خافية على السذج من هذه الأمة وإن كانت واضحة للواعين المبصرين الحق والحقائق في جنح الظلام.

من تلك الحقائق هو الصمت العربي حيال ما يجري من تدمير كامل لبلد عربي كما يزعم زعماء التعرب، وبلد إسلامي كما يزعم دعاة التأسلم، وتعاون الجميع مع إرادة دول الهيمنة على العالم.

وقد ضج بعض الإعلاميين والسياسيين وبعض قطاعات شعوب المنطقة متسائلين عن سبب الصمت العربي والمباركة العربية لهذا التدمير الكارثي لهذا البلد العربي المسلم ؟

والقوم بين غافل ومتغافل لا يريد أن يعرف حقيقة هذا الصمت والتأييد لهذا العدوان، ذلك لأن الناس بالنسبة إلى الحقائق أصناف ثلاث نسبة إلى عقولهم وتعاملهم مع ما يرون ويسمعون. فالعقلاء الذين يحكّمون عقولهم حينما يصادفون حقا أو يلقون حقيقة فانهم يدركونها بمحض عقولهم ويسلمون بها تسليما لكونهم يحترمون عقولهم التي تدلهم على الحق والحقيقة والنجاح والتطور، والناس من هذا الصنف يمثلون (طبقة العقلاء) في المجتمع.

 أما من يُغلّب هواه ويرجح عاطفته وميله على عقله فيكره الحق ويبغض الحقائق مع درايته بها، فيبرر بألف تبرير اللغة التي يتقنها، والمنطق الذي يسوّقه، والصنعة التي يروّج بضاعته بها، وعادة ما يشكل هؤلاء الطبقة المتميزة من الناس التي تعرف الحق وتحرّفه لغاية في نفسها وقناعة ببضاعتها، وهم تجار البضاعة المبطلة ويشكلون ( طبقة أئمة الضلال) وزعماء الشر، ورموز الباطل، وهي الطبقة التي تلتزم هذه الدعوة وتقاتل من أجلها ولو بخوض اللجج وسفك المهج. وفي هذه الطبقة الحكّام وأجهزتهم ومن يروج لهم ويسير في ركابهم على حساب الحق والحقائق من أئمة الباطل ووعاظ السلاطين.

وصنف ثالث لا يُعمل عقله في الحياة ويفتقر إلى إرادة محبة الخير والحق، فيميل مع القوي ويتبع الغالب، فتراه ميالا مع كل موجة عاتية ولاهثا وراء كل دعوة تفرض نفسها بالقوة، والغلبة بالبطش، وعادة ما تمثل هذه الطبقة (طبقة الهمج الرعاع) من اتباع كل ناعق، وهي الطبقة الساحقة من المجتمع.

وبعد بيان طبيعة الناس مع الحق والحقيقة لابد من ذكر الحقيقة الجريئة التي لا تروق للطبقتين الأخريين من الناس.

الحقيقة التي تستأنس بها نفوس الملايين من الشعوب المحرومة المقهورة على مدى قرون بعيدة من الزمان، تقول: (أن تخلف الأمة الإسلامية من بعد أن أسسها نبي الإسلام إلى هذا اليوم يكمن في طائفية العقل العربي).

ولكي نتبين معنى وأبعاد طائفية العقل العربي لا بد من بيان المقدمات التالية كي نصل إلى النتيجة المنطقية، والحتمية التاريخية، والحقيقة الواقعية التي لا ينكرها ذو لب سديد وعقل رشيد، وهي أن ما يجري في لبنان والعراق وغيرها من بلدان العالم الإسلامي ليس إلا من فعل الثقافة الطائفية للعقل العربي الحاكم. وهذا يستلزم منا بيان المقدمات التالية:

المقدمة الأولى: التعريف العلمي للطائفية

المقدمة الثانية: نتائج العقلية الطائفية

المقدمة الثالثة: معنى العقل العربي

المقدمة الرابعة: حجم الكوارث الدالة على طائفية العقل العربي

 

 المقدمة الأولى: التعريف العلمي للطائفية

إن معنى الطائفية في الاصطلاح العلمي هو: التعصب الأعمى تعصبا يسقط به الإنسان كل حق للطائفة الأخرى لصالح طائفته وإن كانت على باطل محض.

وقد حدد هذا المعنى حفيد رسول الله الإمام زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم الصلاة والسلام حيث: سُئل علي بن الحسين عن العصبية فقال: (العصبية التي يأثم عليها صاحبها أن يرى الرجل شرار قومه خيرا من خيار قومٍ آخرين وليس من العصبية أن يحب الرجل قومه ولكن من العصبية أن يعين قومه على الظلم ) ([1])

أما حفيد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الإمام الصادق عليه السلام فقد قال:

( من تعصّب عصبه الله بعصابة من نار) ([2])

أما لماذا بعصابة من نار ذلك لأن المتعصب الطائفي أو القومي من عصائب إبليس الذي تمنطق بمنطق العصبية الجاهلية التي التزم باطل نفسه على حساب حق غيره فعصى ربه حينما أمره بالسجود لآدم فادعى أنه أفضل منه معللا فضله الكاذب بأنه من نار وآدم من تراب، والنار في منظوره وميزانه افضل من التراب، فتكبر على الله وموازين الحق وذلك حينما قال تعالى (إنّي خالق بشراً من طين فإذا سوّيته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين فسجد الملائكة كلّهم أجمعون إلا إبليس ).

فقال أمير المؤمنين عليه السلام يعني: (إلا إبليس اعترضته الحمية فافتخر على آدم بخلقه وتعصب عليه لأصله).

ثم يبيّن الإمام عليه السلام موقع إبليس من أهل التعصب الطائفي والقومي والإقليمي وغيرها من موازين تمزيق الاجتماع الإنساني وتفتيت وحدة التجمع البشري على أسس مزيفة يضعها الإنسان لنفسه، فأوضح عن هوية إمام المتعصبين وقدوة أتباع السلف الفاسق قائلا:

( فعدو الله إمام المتعصبين وسلف المستكبرين الذي وضع أساس العصبية ونازع الله رداء الجبرية وإدرّع لباس التعزز وخلع قناع التذلل ألا ترون كيف صغره الله بتكبره ووضعه بترفعه فجعله في الدنيا مدحورا وأعد له في الآخرة سعيرا) ([3]).

فإبليس إذن هو إمام المتعصبين الطائفيين والقوميين، والسلف الطالح للسلفيين من اتباع التعصب ضد الحق، وأهله من أنبياء الله وخاتمهم والأئمة من أهل بيته عليهم السلام أجمعين.

وتلك حقيقة قد تشق على بعضهم ( وإن كانت كبيرة إلا على الذين هدى الله) ([4]) ولكنني قد بيّنت أصناف الناس بالنسبة إلى الحق (وما ذا بعد الحق إلا الضلال فأنى تٌصرفون) ([5]).

فحالة التعصب لباطل طائفته ضد الطائفة الأخرى وإن كان الحق معها، فيهظمها حقوقها ويظلمها وينتقم منها وينتقص من شأنها ويحرمها موارد الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية ويضيّق عليها مصارد العيش الكريم، ويزجها في أتون الحروب المدمرة، ويستبيح نسائها، ويهدر دمائها، ويستحيي أعراضها، ليس إلا لأنها تنتمي إلى غير طائفته، لأنه طائفته شعب الله المختار والطائفة الأخرى شعب يجب أن يحكم عليها بالدمار والهلاك والنار حسب ثقافته ونظره.

هذه العصبية الطائفية هي عين منهج إبليس الذي رأى انه أفضل من آدم لزعمه أن جنسه أفضل من الجنس الآخر حسب ما وضع من ميزان.

بالتالي فهذه الثقافة والفهم من المحرمات الشرعية ومن مصاديق التمنطق الجاهلي، ومن منطلقات مناهج القرون المتحجرة. ومن هذا يتبين أنْ ليست من الطائفية أن يحب الإنسان طائفته بل الطائفية أن يرى باطل طائفته حقا وحق الطائفة الأخرى باطلا، فيرتب عليه الآثار في مجالات الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والحيوية الأخرى.

 

المقدمة الثانية: نتائج العقلية الطائفية

بعد أن تبين التعريف العلمي للطائفية لابد من تحديد أبرز نتائج العقلية الطائفية وأبرز معالم شخصية الإنسان الطائفي. فصار ابرز معالم تلك الشخصية ما يلي:

أولا: منطق الأنانية

 ولأن الطائفي يرى أن طائفته الأفضل والطائفة الأخرى هي الأحقر بموجب ميزان يهواه هو ويحدده من عند نفسه، فقد صار الطائفي أنانيا محضا، ولأن الأناني لا يحب إلا نفسه فستكون من معالم شخصيته الأنانية الاستحواذ على موارد حياة الطائفة الأخرى لصالح طائفته.

ثانيا: ثقافة الحسد

 من ابرز معطيات شخصية الفرد الأناني والمجتمع الأناني هو الحسد حينما يرى خيرا أو تقدما من غيره، ولأن الطائفي أناني فهو يكره أن يرى خيرا أو تقدما أو تفوقا من الطائفة الأخرى سواء كان ذلك التفوق علميا أو عمليا، ثقافيا أو فكريا، اجتماعيا أو سياسيا أو غيره، وقد ذكر الله تعالى ذلك في كتابه الكريم حيث حسد قايبل أخاه هابيل لما رأى من تفوقه عليه ووجده موهوبا، صالحا تقبل الله منه تقربه إليه ولم يتقبل من قابيل ما تقرب به إليه، فحسده وكره أن يراه متقدما عليه فقتله فحكى الله هذه القصة لكي يعتبر بها بني البشر فقال: (واتلُ عليهم نبأ ابني آدم بالحق إذ قربا قربانا فتُقبل من أحدهما ولم يُتقبل من الآخر قال لأقتلنك قال إنما يتقبل الله من المتقين. لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين.إني أريد أن تبوأ بإثمي وإثمك فتكون من أصحاب النار وذلك جزاء الظالمين. فطوعت له نفسه قتل أخيه فقتله فأصبح من الخاسرين) ([6])

من هنا يتبين أن ثقافة الطائفيين هي الحسد.

ثالثا: حب الرئاسة

 لأن العصبية الطائفية من موروثات الطباع الأنانية التي يترتب عليها الحسد، ومن معطيات الحسد أن يكون صاحبه متهالكا على حب الرئاسة ولو على جماجم الناس الأمر الذي يفرز ثقافة القتل وممارسة الإبادة ول انتهاج سياسة الذبح للطائفة الأخرى التي يبغضها الطائفي الحاسد. من هنا تجد الطائفي سفاكا سفاحا دمويا مستبدا.

رابعا: ثقافة العنف

 ثم يترتب على حب الرئاسة أن يكون صاحبها متفانيا من أجلها وهذا ما يجعله رجلا عنيفا في كل شيء، ولا يقف عنفه عند حد معين ذلك أن العنيف عادة ما يبرر لعنفه، فيرسم للعنف ثقافة وللتطرف فكر وللإقصاء مناهج، وما ذلك إلا من معطيات التعصب الطائفي.

خامسا: منهج التكبر والاستكبار

 ثم يترتب على حب الرئاسة وثقافة العنف أن يحلم الطائفي بسبب أنانيته وحسده الآخرين ليصبح جبارا عتيا ومستكبرا عاليا في الأرض مفسدا فيها يهلك الحرث والنسل.

سادسا: منهج الهيمنة والاستحواذ

أضف إلى انه يتشعب على حسد الطائفيين أمرا آخرا وهو الاستحواذ على الثروة والملك، لأنهم يرون أنفسهم المالكين للنفوس والأنفاس والرقاب والمهيمنين على المال والرجال، وعليه فيحرم المتعصبون الطائفيون كل من لا ينتمي إلى طائفتهم من كافة حقوقهم في الحياة.

سابعا: ملكة الثرثرة وحب الكلام

 كذلك فيتشعب من استكبار الطائفيين صفة أخرى وهي حب الثرثرة والكلام، لما يرون في أنفسهم أنهم الأعلون في الأرض والمالكون للمال والرجال فتجدهم كثيري الكلام والسفسطة، حيث كثرة الكلام والسفسطة من نتائج قتلهم الرجال الأكفاء وحسدهم أهل العلم والمعرفة، ولأن الطائفي خالي الفكر خاوي المعرفة، ثم يريد الحكم والهيمنة، فتستفحل عنده عقدة الحقارة، فيجد نفسه أمام ضرورة خداع الناس ليوهمهم انه فيلسوف يفهم وهؤلاء هم المعرفون بالمتفيهقة الذين يريدون أن يستميلوا الناس إليهم بالكلام الفارغ والشعارات الطنانة والعبارات المنمقة الجوفاء.

ثامنا: التطبع بطابع الحمق والرعونة

لأن الطائفي أناني، مستبد، مستكبر، ثرثار، وخال من المعرفة جاهل من الناحية العلمية، وإذا اجتمعت هذه الصفات مع ولوعه بالحكم فيكون عندها الطائفي أحمقا يريد أن ينفع فيضر، ويسعى لأن يعمر فيخرب، فيتخبط تخبط الأعمى الذي يرى نفسه ابصر المبصرين، وتلك هي من أبرز نتائج التعصب عند الطائفيين، فتصبح مشاريعهم السياسية أو الاقتصادية أو الثقافية أو غيرها مشاريع نابعة عن استبداد ورعونة فلا تنتج إلا الحروب ولا يسوقون البلاد إلا إلى الخراب والدمار.

تاسعا: العمل على قتل حركة التنمية الإنسانية

 من مجمل المعطيات السابقة لشخصية الطائفيين وفكرهم فإنهم يعملون من حيث يعلمون أو يجهلون على توقيف حركة التنمية الإنسانية في المجتمع الذي يكون تحت هيمنتهم، ذلك أن أنانية الطائفيين ورعونتهم واستبدادهم وحقدهم على الإنسان وحسدهم المتفوقين تدفعهم لقتل الطاقات وإقبار الكفاءات وإماتة الإبداع وملاحقة المبادرات لأنها تصدر من الإنسان الآخر الذي لا ينتمي إلى طائفتهم. هذا فضلا عن سياسة الحروب المدمرة ومناهج الإقصاء والإبادة للمجتمع الإنساني للطائفة الأخرى الأمر الذي يؤدي إلى تدمير التركيبة السكانية أولا، وقتل التنمية الإنسانية، وما يعقب ذلك من الأمراض النفسية الفردية والاجتماعية، بسبب ما تخلفه من أرامل وأيتام وفقر ومرض وعوز وبالتالي توقف الحركة العلمية في المجتمع وما ذلك إلا بسبب سياسة الطائفيين وثقافة التعصب ومناهج الإقصاء والاستبداد.

عاشرا: الطائفية مجمع القبح الفكري ومرتكز الرذائل

قد يتعجب البعض من قولنا أن الطائفيين مقبوحين بالدرجة الثانية بعد الكفر بالله تعالى ورسوله، فنقول له لأن الطائفية تعني التعصب ضد الحق وإن كان من الطائفة الأخرى، وتعني محبة الباطل لأنه صادر من طائفة الطائفي، وكانت ثقافة الطائفيين ثقافة إبليس ولا أحد من الناس ينكر أن إبليس كان وما زال يمثل رأس الكفر على الأرض وإمام الكافرين المتمردين ضد الحق والحقيقة، وشيخ المتعصبين للباطل، من هنا صارت الطائفية مجمع الرذائل ومرتكز الخبث، لأن الطائفي لا يفكر بمصلحة الإنسان ولا ينظر إلى الامور إلا من زاوية التحزب للذات والتمحور على بغض الحق.

ومن الجدير بالذكر أن أئمة أهل البيت عليهم السلام كانوا قد بيّنوا لكل شيء في الحياة اصله وفرعه وما يتفرع منه ويترتب عليه. من هنا كانت ثقافة الإسلام الذي أصّله أهل البيت عليهم السلام هو الإسلام الذي يمثل الرسالة الكاملة التي أرادها الله تعالى من نبيه محمد صلى الله عليه وآله وسلم.

وقد سُئل الإمام زين العابدين علي بن الحسين عليهما السلام:

(أي الأعمال أفضل عند الله عز وجل ؟

فقال ما من عمل بعد معرفة الله جل وعز ومعرفة رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم ) أفضل من بغض الدنيا، وإن لذلك لشعبا كثيرة وللمعاصي شعبا:

فأول ما عصي الله به:

· الكبر: وهي معصية إبليس حين " أبى واستكبر وكان من الكافرين ".

· والحرص: وهي معصية آدم وحواء حين قال الله عز وجل لهما " فكلا من حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين " فأخذا ما لا حاجة بهما إليه، فدخل ذلك على ذريتهما إلى يوم القيامة، وذلك أن أكثر ما يطلب ابن آدم ما لا حاجة به إليه.

· ثم الحسد: وهي معصية ابن آدم حيث حسد أخاه فقتله فتشعب من ذلك حب النساء وحب الدنيا وحب الرئاسة وحب الراحة وحب الكلام وحب العلو والثروة فصرن سبع خصال فاجتمعن كلهن في حب الدنيا فقال الأنبياء والعلماء بعد معرفة ذلك حب الدنيا رأس كل خطيئة والدنيا دنياءان دنيا بلاغ ودنيا ملعونة ) ([7])

وقد بيّنا أن ثقافة الطائفيين هي ثقافة الأنانية والحرص والحسد وحب الذات فصارت ثقافية الطائفيين مجمعا للرذائل في الممارسة والفعل ومرتكزا للتصرف بأقبح ما يهين للإنسان ويشين للإنسانية.

· الخذلان والتخاذل: فالأنانية التي تهيمن على نفسية الفرد أو المجتمع الطائفي تدفعه إلى خذلان الحق، لأنه قد اعتاد خذلان الحق وممارسته بشكل عملي مع الطائفة الأخرى فتتكون عنده بالتطبع مَلَكَة الخذلان مع الحق حتى مع أبناء طائفته حينما تواجهه قوة أعتى منه ذلك لأن (الشر لجاجة) كما يقول أمير المؤمنين عليه السلام، وذلك إذا اعتاد الإنسان أو الحزب والجماعة على اللجاجة بممارسة الشر مع الطائفة الأخرى ويكثر خصامه معها فستتحول تلك اللجاجة من حيث يعلم أو لا يعلم إلى طبع شرير يخالف الطبع الإنساني المجبول عليه.

ومن تلك الطباع الشريرة هي التطبع على خذلان الحق مع الطائفة الأخرى وتحويله إلى باطل دوما، حتى يصل الأمر به إلى خذلان الحق حتى مع طائفته حينما يدور الأمر بين ضعفه وقوة غيره فيؤثر أنانية نفسه والحفاظ على مكاسبه السياسية وبقاءه على السلطة والحكم على حساب الحق حتى مع طائفته وجماعته وبني قومه.

ولذلك فقد نهى أمير المؤمنين عليه السلام عن اللجاجة في ممارسة الشر وحذر من مغبة التعود عليه فقال: ( تجنب من كل شر أسوأه وجاهد نفس على تجنبه فإن الشر لجاجة) ([8])

حادي عشر: الطائفية مبعث الجهل والتحجر

لأن الطائفية خلاصة الفكر الأناني عند البشر ومجمع العقد ومرتكز كل رذيلة تهتم في بغض الإنسان الآخر وكما عرفنا فقد كان من معطياتها قتل التنمية الإنسانية، مما يجعل من الطائفية الوجه الأبرز لأبشع مناهج الجهل وأظهر معالم بعث التحجر والتقهقر في المجتمعات الإنسانية.

وحيثما وجدت حاكمية الطائفيين في مجتمع ما تجد الجهل الفكري والتردي الثقافي والحرمان الاقتصادي، وكثرة السجون المظلمة، ومفارم لحوم البشر، والمقابر الجماعية، وحمامات الدم.

أما إذا خرجت من أيادي الطائفيين السلطة والحكم فلا يجدون من ثقافة يتعاملون بها مع الإنسان الآخر إلا ثقافة التدمير والمفخخات وشلالات الدم، وهذه هي طبيعة ثقافة الطائفيين ومناهجهم في الحياة وسبلهم في التعامل السياسي كما هو حال العراق اليوم.

 ثاني عشر: الطائفية مبعث التخلف الحضاري

بسبب الفكر الأناني الذي يحكم أدمغة الطائفيين تجد منطلقاتهم تقول (إما أنْ أكون أنا في الحكم وتكون طائفتي المهيمنة والمستحوذة على كل شيء، وإما أن أمحو البشر وأبيد الشجر وأفني الحجر) وقد قال شيخ طائفية المشروع القومي العربي في عراق القيم والمقدسات وبلاد الحضارة والتحضر (إذا أرادوا أن يأخذوا العراق منا فسوف يستلمونه أرضا بلا شعب) ومن هذا فليفهم العالم ثقافة الطائفيين.

من هنا يتبين للإنسان والتاريخ أن الطائفيين يريدون تدمير الحياة التي أمر الله تعالى بعمارتها، وباحترام الإنسان فاعتبر قتل إنسانا واحدا معادلا لقتل الإنسانية كلها. وبالتالي فإن ثقافة الطائفيين ثقافة التدمير ومنهجهم منهج التحجر بذاته ويريد للإنسانية التخلف، وللإنسان التحجر كذلك.

وهذه الصفات بأجمعها إضافة إلى غيرها مستفحلة في (طائفية العقل العربي) كما سنبين ذلك فيما بعد.

 

المقدمة الثالثة: معنى العقل العربي

قلت في مبدأ البحث أن سبب تخلف هذه الأمة الكثيرة في الموارد، المترامية في الأطراف، الوفيرة في العدد هو (طائفية العقل العربي).

 ولا أعني به عقل الشارع العربي وإن كان الشارع العربي عبارة عن أناس مغلوبين على أمرهم وأن (الناس على دين ملوكهم) ([9]) كما يقول الحديث الشريف، فهم ينساقون غالبا خلف توجيهات إرادة الحاكم السياسي، وإذا انتابتهم صحوة تمردوا على تلك الإرادة وهذه التوجهات.

وإنما أعني بالعقل العربي هو العقلية السياسية عند العرب حكاما كانوا أو أحزابا تتصارع في طريقها إلى الحكم.

فعقلية السياسي العربي عقلية طائفية، علمانيا كان ذلك السياسي أو دينيا، إسلاميا كان أو مسيحيا، من هذا الدين كان أو من ذاك الدين. إلا من كان ترفع عن أوحال الطائفية.

لأنه مولعا بذاته، محبا لطائفته حبا يعتبر كل حق من الطائفة الأخرى باطلا، ولا حق إلا ما يصدر من طائفته وإن كان مجازر وانتهاك حرمات وتدنيس مقدسات ومقابر جماعية وإبادة بشرية.

وهذا هو منطق طائفية العقل العربي السياسي، وما مجازر الطائفيين عن مسمع ومرأى العالم في العراق ببعيد، سواء خلال قرون تسلط الطائفيين، أو في زمن خروج السلطة من أيديهم.

ولكي أوضح الواضحات لمن لم يتمكن من رؤيتها في وضح النهار، لا بد من بيان الحقائق التالية الشاهدة على كارثية العقل العربي الطائفي. من خلال البحث في موضوع المقدمة التالية.

  

المقدمة الرابعة: حجم الكوارث الدالة على طائفية (جاهلية) العقل العربي

لا أريد أن اذهب بعيد إلى عمق التاريخ وإن كان البحث يستوجب ذلك ولكن اقتضاء الاختصار استدعى مني الإيجاز، فاكتفيت بالإشارة إلى بعض الكوارث التي ابتليت بها الأمة في الزمن المنظور لدى القارئ، والتي تدل على جاهلية الطائفيين ووحشيتهم، وحينما أقول جاهلية العقلية الطائفية فيجب معرفتها معرفة علمية دقيقة.

فالجاهلية من الجهل، والجهل هو عدم العلم، وبإنعدم العلم من حياة الإنسان والمجتمع يتحول إلى وحش كاسر، ويتحول المجتمع معه إلى غابة، فيرسم كل فرد وجماعة ومجتمع لنفسه موازين يحكم بها الناس بما يشتهيه من عند نفسه. فينكر الحق ويعمل بالباطل معتبرا إياه حقا وصوابا وحياةً.

ومنها تأتي الجاهلية لتعني الحالة التي يعمل فيها الإنسان والمجتمع بما ينكر الحق ويحكم بالباطل ويأمر الناس بما يرتأيه.

وقد بيّن هذه المعاني والمفاهيم علماء اللغة فقال:

الخليل بن أحمد الفراهيدي: (الجهل: نقيض العلم. وتقول: جهل فلان حقه.

والجهالة: أن تفعل فعلا بغير علم.

والجاهلية الجهلاء: زمان الفترة قبل الإسلام.

وورد في الحديث: إِنك امرؤ فيك جاهِلِيَّة؛ هي الحال التي كانت عليها العرب قبل الإِسلام من الجَهْل بالله سبحانه ورسوله وشرائع الدين والمُفاخَرَة بالأَنساب والكِبْر والتَّجَبُّر وغير ذلك. ) ([10])

وقال ابن منظور عن الإنسان الذي يتجاهل بأن معناها الذي يتظاهر بالجهل فقال: (تَجَاهَل: أَرَى من نفسه الجَهْل وليس به ) ([11])

أما في مجمع البحرين فقد قال فيما تعارف عليه المسلمون من أن الإنسان الذي إذا ما تصرف بمعصية الله تعالى اعتبروه جاهلا: (فقيل أجمعت الصحابة على أن كل ما عصي الله به فهو جهالة، وكل من عصى الله فهو جاهل. ومنه الحديث " إذا رأيتم الشيخ يتحدث يوم الجمعة بأحاديث الجاهلية فارموا رأسه بالحصى " ) ([12])

من كل ما تقدم يتبين أن الجاهلية هي العمل بمعصية الله في الحياة سواء كانت المعصية على الصعيد الفردي أو الاجتماعي، وما قولنا (بمعصية الله) إلا لأن الجاهلي يعمل بمنطلقات غير إنسانية، ويحكم البشر بموازين شخصية تنبع من عمق هواه ومَيله متبعا في ذلك هواه.

ولما كان الطائفيون أنانيين فإنهم يعملون بالباطل معتبرين إياه حقا لكونه من طائفتهم، ويحكمون على الحق بأنه عين الباطل لأنه من غير طائفتهم، فيتصرفون بما يرون ويعملون بما يشتهون، فتكون ممارساتهم ممارسة وحوش الغاب بدون أدنى شك أو ارتياب. وتتحول الحياة إلى دمار، والإنسانية إلى مجموعة بؤساء، ومجتمع تعساء، وهذه هي عين الكارثية في الفكر والممارسة والثقافة والتصرف، وهذا ما تعاني منه الأمة بسبب طائفية العقل العربي الحاكم على البلاد.

ومن ابرز الشواهد التي سنذكرها هي توقيف حركة التنمية الحضارية في العراق خصوصا والأمة عموما، حيث أن العقل الطائفي الذي عمل قرونا على توقيف حركة التحضر في العراق تطبع على خذلان الحق حتى مع قطاعات من أبناء طائفته - مثل الفلسطينيين - لما قد اكتسبه من ملكة خذلان الحق وبغض الحقيقة وهيمنة الباطل على عقلية طائفية العربية.

فالعراق كما هو المعروف يمثل مهد الفكر والحضارة والتحضر حيث المجامع العلمية والمعاهد الفكرية والحركة والأدبية إبتداءا منذ الصدر الأول للإسلام وحتى يومنا هذا، إضافة إلى رسالات السماء التي كانت في عراق الخير كرسالة نوح وإبراهيم عليهما السلام.

وقد اعتمدت طائفية العقل العربي ومن معهم من (الأتراك المستعربة) و(العرب المتتركة) الذي كانوا في بلاط الحكومات الأموية والعباسية والعثمانية حتى عهود ما بعد سقوط الهيمنة العثمانية على البلاد، وما خلفت تلك العقلية من مجازر بحق العقول العراقية المبدعة على الصُعد الحضارية المختلفة، والانتقام منهم شر انتقام، ليس إلا لتشيعهم لأهل بيت نبيهم صلى الله عليه وآله وسلم والذي أمرهم الله تعالى به.

وهذا بحث هو طويل في حد ذاته اقتضت ضرورة الاختصار إلى الإشارة إليه، إلا أن المهم الذي يجب الوصول إليه هو أن التنمية الإنسانية عادة ما تعتمد على حقيقة توفر (الحرية العامة للناس) وللتجلى في (حرية النشاط الفكري والثقافي) و(حرية الحركة العلمية) و(حرية العلماء والمفكرين) لما يؤدي ذلك إلى تطوير الحركة الحضارية في الحياة.

وقد ثبت من خلال المنطق العلمي أن (قيمة أية أمة) من الأمم (بقيمة اهتمامها واهتمام الحكام بالعلماء) و(رعايتهم للحركة العلمية) وتشجيعهم (الفكرية والأدبية). بينما حقيقة الواقع يشير إلى أن الحركة العلمية في عموم الأمة الإسلامية وبالذات فيما يخص أهل البيت عليهم السلام وشيعتهم وعلى وجه التحديد في العراق- لما يشكل كونه القاعدة العلمية والفكرية للتشيع- يشير إلى مؤشر رهيب في نشاط القمع واستفحال الاستبداد الذي كانوا وما زالوا يعانون منه حتى يومنا هذا.

خصوصا إذا اخذ الباحث العلمي النزيه بنظر الاعتبار أن أهل بيت نبي الإسلام وشيعتهم يمثلون قادة الحياة، والرواد لكل علم، والمنبع لكل معرفة ليست على صعيد هذه الأمة بل لهم الفضل على الإنسانية في هذا الكوكب وهذا ما قد بحثناه مفصلا بكتابنا (إنقاذ العالم بالتحضر لا بالمدنية )، مما يشير إلى أن طائفية العقل العربي كانت وما زالت بالمرصاد للحركة العلمية والفكرية وقمع العلماء والمفكرين وملاحقة الشاب المبدعين ومطاردة الشعب المتدينين.

وهنا لا بد من نأتي على ذكر بعض الشواهد الدالة على طائفية العقل العربي:

 الشاهد الأول: القضاء على حضارية التشيع أبرز أولويات طائفية المشروع القومي العربي عام 1969/2003

 وهذا يتمثل بحزب البعث الذي جاء بشعارات براقةٍ ما زلت بعض شعوب الطائفية العربية منخدعة بها وكثير منهم مظللون الناس بها، وحينما اسميها شعوب الطائفية العربية لأنها لا تنطلق في فهم الحقائق المزورة إلا من خلال المنظار الطائفي ضد التشيع الحضاري. كما كان هذا الحزب وما زال يحضى بتأييد دول وحكومات وأحزاب الطائفية العربية. رغم ما قد كشر عن أنيابه ووحشيته في فترة حكمه وما بعد حكمه أسفر عن عوراته كما تسفر ماجدات الحزب عن قذارتها.

وكشاهد واحد اذكره على لسان ابرز القادة الأوائل لهذه الحزب ومشروعه التحرري الكاذب هو الحدث التالي:

يقول حردان عبد الغفار التكريتي بعد حديث طويل له مع احمد حسن البكر أول رئيس بعثي قومي عروبي طائفي قائلا (: ثم اخرج من فتحة الطاولة التي كان يضع فيها مسدسه الخاص ذا اللون الأسود، رسالة جوابية من عفلق حيث يظهر أنها كانت بشأن المرجعية الشيعية التي بدأت تقلق بال الحكومة، وتثير في وجهها بعض الصعوبات وقد قرأ الرسالة التي ذكر فيها عفلق انه سيصل إلى بغداد قريبا، ليبحث الموضوع في كافة جوانبه.

وفعلا فقد وصل بعد أقل من أسبوع من تاريخ الرسالة، واستقبلناه استقبالا دافئا اشتركنا فيه جميعا – سوى الرئيس – ولكنا لم نعلن عن وروده إلا بعد يومين، لان ذلك كان ضروريا للحفاظ على حياته نظرا لسمعته غير الطيبة لدى العراقيين، الذين كانوا يحملونه مسؤولية إجراءات الحكومة العنيفة.

وقد بقي في العراق ثمانية أيام سافر بعدها الى لبنان لقضاء فترة الصيف، بعد أن حصل على جواز سفر دبلوماسي من الدرجة الأولى.. كما حصل على مثل ذلك لإبنته البالغة من العمر إحدى عشرة سنة فقط وخلال وجوده في العراق جرى مناقشة الخطة التي وضعها كل من: طه الجزراوي وناظم كزار وعبد الوهاب كريم، وشبلي العيسمي، وصالح مهدي عماش، واتفق على الخطوات التالية:

(الخطوة الأولى:) استمرار الحملة ضد رجال الدين، واعتقال اكبر عدد ممكن منهم، والإعلان عنهم كجواسيس يعملون لحساب إيران، بدل إسرائيل ذلك لان عمالة رجال الدين لإسرائيل أمر لا يمكن تصديقه، ولكن ما دامت إيران دولة شيعية فإن من المحتمل تصديق عمالتهم لإيران. وقد تم في تنفيذ ذلك:

1- أعتقال اكثر من مأتي رجل دين في النجف وكربلاء (وهذه الإحصائية خلال الأشهر الأولى من مجيء البعث للحكم تعد كبيرة).

2- انتزاع اعترافات من بعض السياسيين بشأن تعاون رجال الدين معهم في التجسس.

(الخطوة الثانية):التسلسل إلى صفوف رجال الدين الشيعة في محاولة لاحتوائهم، وضرب بعضهم ببعض..

(الخطوة الثالثة): اختلاق مجموعة رجال دين مزورين، وفرضهم على الشعب باعتبار انهم الذين يمثلون رجال الدين الواقعيين والتعامل معهم كممثلين وحيدين عن التشيع. وقد تم في تنفيذ ذلك:

1- أدخلنا ما يقرب من 150 شاب بعثي في صفوف رجال الدين.

2- فرضنا على الناس التعامل مع الذين تعينهم الحكومة، وليس رجال الدين الحقيقيين، ولذلك فقد تقرر إلغاء شهادة رجال الدين كلهم إلا إذا تجددت من قبل رجال الدين الذين عينّاهم نحن.

3- حاولنا اغتيال موسى الصدر في بيروت بعد أن قام بتحركات ضدنا – تمهيدا لتعين أحد عملائنا خلفا له كرئيس للمجلس الشيعي الأعلى )

ثم يتحدث حردان عن انهم أرسلوا عميلا لهم كرجل دين ليكون بديلا للمرجعية الدينية و يروجوا له في بيروت وصرفوا عليه الاموال الطائلة ومع ذلك فقد فشلوا في ذلك، بعدها يتابع حردان في مذكراته قوله.

(الخطوة الرابعة): القيام باغتيالات فردية في صفوف رجال الدين القاطنين في إيران.. لبنان..الهند.. باكستان.. أفغانستان.. وفي تنفيذ ذلك قمنا بمحاولتين فاشلتين:

الأولى – تتعلق باغتيال الشيخ محمد شريعتي في باكستان.

والثانية – تتعلق باغتيال الشيخ رجب احمد في الهند، ولكننا نجحنا في اغتيال الشيخ عبد الأمين الصالح في الهند.

(الخطوة الخامسة): تقليص نشاطات رجال الدين وحصرها في إقامة الصلوات وإعطاء المسائل الشرعية وذلك بإلغاء إجازات مدارسهم، ومستشفياتهم ومكاتبهم العامة.. سواء التي حصلوا عليها من حكومات سابقة أو من حكومتنا، ومصادرة أموالها أو تجميد أرصدتها.

اولا – إن الشعب زاده من تمسكه برجال الدين في أول بيان أصدرناه عن عمالة رجال الدين. فقد إلتفَّ الشعب أكثر حول الشيخ (السيد) محسن الحكيم عند ما اتهمنا ابنه الأكبر الشيخ (السيد) مهدي بالتجسس لحساب الملا مصطفى البرزاني، الذي اتهمناه بدوره بالعمالة لحساب الصهيونية العالمية والاستخبارات المركزية.

ثانيا – لم يعترف أي رجل دين بالعمالة رغم ثقل التعذيب الذي تحملوه، وقد مات عدد منهم في مستشفى اليرموك بفعل التعذيب من دون أن يعترف بالمسرحية التي طالبناه بالاعتراف بها..

ثالثا – لم يتجاوب الشعب مع الذين زورناهم من رجال الدين، بل انهم أخذوا يواجهون التحقير والازدراء من قبله. ذلك لان تكوين الشعب العراقي لا يسمح بنجاح التزوير في رجال الدين خاصة الشيعة الذين لا يرتبط رجال دينهم بالدولة إطلاقا، لأنهم لا يعيشون على أموال الدولة.

ربعا – طوينا خطة اغتيال موسى الصدر في لبنان بعد أن نصحنا الكثيرون من أصدقائنا بذلك. باعتبار أن الأمر في بيروت يختلف عنه في بغداد، وأن القضية هناك لا بد أن تنكشف مما سيثير غالبية اللبنانين ضد حكمنا نظرا للشعبية التي يتمتع بها موسى الصدر بينهم، والصفة الرسمية التي يحملها.. وأظن أن إمكانية إعادة الخطة أمر وارد في حساب أبو هيثم ).

ثم يقول حردان في مذكراته:

(أن ما فعلناه كان نسخة طبق الأصل لما فعله ستالين، وكان نجاحه في تصفية مناوئيه يغرينا بذلك ولكن رجال الدين عندنا لم يعترفوا بشيء مما كنا نطالب به بالرغم من كل أساليب التعذيب المختلفة التي مارسناها معهم،والتي كانت من ابسطها التعليق بالمروحة منكوسا لمدة 24 ساعة كاملة... كما أن تعذيب واحد آخر منهم وهو الشيخ (السيد) حسن الشيرازي أثار كل شيعة العالم تقريبا، فوصلت إلى مقر قيادة الثورة ما يقرب من بعضة آلآف برقية استنكار بشأنه من داخل العراق وخارجه كما قامت ضدنا مظاهرات في الهند وباكستان وإيران)

ثم يتابع حردان بقوله: (وبالرغم من كل هذا الفشل الذريع، فقد أصر – ولا يزال طبعا – أبو هيثم ((يعني أحمد حسن البكر التكريتي)) أن نمضي قدما في حرب المرجعية الشيعية.. ) ([13]) وبالطبع فإن هذه هي البوادر الأولى لطائفية العقلية العربية المتمثلة بالبعث، والتي أقبلت على العراق بكل الكوارث والدواهي التي لم يتخلص منها لحد الآن، ذلك المشروع الذي أجمعت على مباركته كل حكومات الطائفية العربية حتى صار العراقي مشردا بين بلدان العرب خائفا على نفسه من أن تتخطفه تلك الحكومات فترمي به وراء الحدود ليكون ضحية سائغة للاستبداد الطائفي الأسود الذي كان مهيمنا على العراق.

وبالطبع فان مشروع هذه العقلية الطائفية له من المخلفات التي لم يسلط عليها الضوء الدارسون لحد الآن بشكل علمي مستفيض مثل توقف حركة الحيوية للإنسان والمجتمع العراقي، ابتداءا من الأمية ومرورا بالتخلف الاقتصادي والتوقف العلمي والتردي الاقتصادي والأزمات الاجتماعية، عطفا على تفشي الأمراض النفسية الناتجة من سياسة الإرهاب ومناهج الإرعاب والفقر والحرمان والاضطهاد فضلا عن الأمراض الصحية، ومرورا بمشكلة الأرامل والأيتام والثكالى وما يتبعها من أزمات الزواج وغيرها، وكل هذه من معطيات سياسة العقلية الطائفية التي كانت حاكمة وما زالت تضع أعوادها في الحياة الجديدة للعراق.

 الشاهد الثاني: إجماع طائفية العقل العربي على سحق العراقيين بحرب على إيران عام 1980/1988

وهذا أمر لم يعد خافيا على كل أعمى بصيرة من أمم العالم حتى أجمعت كافة حكومات طائفية العقل العربي على دعم نظام البعث بأنواع الدعم المالي والإرهابي المعروف (بالاستخباري) والحربي والإعلامي والفكري والثقافي وغيره، أما طائفية النظام الغربي فحدّث ولا حرج.

كما أن من الواضح المشين دعم طائفية العقل العربي في الخليج والأردن ومصر وغيرها، حتى أن ما من مرة يشن البعث الطائفي هجوما على إيران إلا ويأتي بنفسه ملك الأردن السابق ليكون أول من يرمى فتيل الهجوم وليتبارك بهذه المبادرة العرب في هجومهم على بلد تفانى من أجل قضاياهم العربية- كما يسمونها ويزعمون - والتي لم يتفانى العرب بمثلها وهذه حقيقة علمية تاريخية في البحث ولا دفاعا. ودامت هذه المطحنة التي أريد منها سحق الشيعة في العراق وإيران معا، كما أعلن واقع الحال وصرحت به حقيقة المقال التي كانت على لسان خال المشروع العربي الطائفي - طلفاح- الذي قال ( نهد جلابهم عليهم) يعني: نرمي كلاب شيعة العراق على شيعة إيران، فأية طائفية وأية همجية ووحشية وجاهلية أخس من ضحالة هذه العقلية التي حكمت العراق وآزرتها عقول الطائفية العربية والتي كانت تسمي العراقيين بالكلاب. ومع ذلك فقد كانت النتيجة تدمير قرابة المليون وأكثر منها من المعوقين وأكثر منها من مخلفات الأمراض النفسية، وأضعافها من مخلفات التدمير في البنية الاجتماعية وما خلّف من أرامل وأيتام وثكالا، هذه المشاكل لم يكن ليحسبها العرب لأنهم (أميّون لا يقرأون) كما قالها عدوهم الذي قرأهم خير قراءة (مناحيم بيكن )؟

أما لماذا هذه الحروب والدمار وتدمير البنية الاجتماعية للعراق؟ السبب هو شفاء غليل الحقد الطائفي العربي.

 

الشاهد الثالث: تظافر طائفية العقل العربي على تدمير الشيعة في الانتفاضة الشعبانية عام 1991

وما أنْ هب الشعب العراقي بشيعته وأكراده في انتفاضة شعبية عارمة مطالبا بتغيير نظام الاستبداد والقمع الطائفي الذي كان حاكما في العراق وأوشكت طائفية نظام البعث تتهاوى، وجدنا حكومات طائفية العقل العربي وقد هبّت مرة أخرى لتنقذ الظلم والاستبداد ليس حبًا به بل بغضا لشيعة أهل البيت عليهم السلام، وانتقاما منهم كما أعلنها وزير خارجية السعودية في ذلك الحين. وهنا يقع الشيعة أهل الحضارة والعلم والأدب وأصحاب العلوم الجمة والمبادئ الإنسانية ليكونوا ضحية الحقد الطائفي لحكومات العقل العربي. فتمخضت هذه الإرادة والعقلية عن المقابر الجماعية التي سمع بها الأعمى والمبصر على حد سواء... وفي ذلك نكسة أخرى (طائفية العقل العربي) لو كانوا يعقلون.

 

الشاهد الرابع: إجماع طائفية العقل العربي على تدمير الشيعة حينما تهاوى نظام البعث عام 2003 حتى اليوم

وعلى أثر زج الإجماع التام (لطائفية العقل العربي) بلاد الرافدين في حروب طوال أكثر من ثلاثة عقود من الزمن، بعد أن جاءت نظم تلك الطائفية بأساطيل العالم لتسكنها في بلاد العرب المجاورة للعراق، أجمعت هذه المرة على أن تأتي بجيوش الاستعمار لتقدم العراق طعما سائغا له بسبب تاريخ الممارسات القمعية لعقول الطائفيين العرب التي تركت شيعة العراق أسرى استبداد دام عقودا أن لم نقل قرونا طويلة، بعد أن انهزم نظام العقلية الطائفية في العراق من مواجهة الاحتلال.

وجد الشيعة الذين كانوا بالأمس القريب أسرى سجون ومقابر نظام (طائفية العقل العربي) أنفسهم إمام أمر واقع بعد سقوط استبداده، فتسارع الضحية المنهوك لينفض عن نفسه غبار السجون والمقابر الجماعية ساعيا أن ينتزع من قوى الاحتلال حقه ليحكم نفسه بنفسه متناسيا كون أهل السنة هم الطائفة المدللة في نظام (طائفية العقل العربي) السابق فشاركوهم معهم الحكم.

ومع ذلك كله لم يرق لأنظمة العقول الطائفية العربية هذا الأمر، فتعاوروا على العراق من كل صوب وحدب فهذا ملك الأردن تصايح مخوفا أهل السنة مما أسماه (الهلال الشيعي)، ولم ينس الزعيم الطائفي العربي في مصر ينسب الشيعة إلى ولاءآت لغير أوطانهم، فهبت الأجهزة الرسمية وغير الرسمية لطائفية العقل العربي في الخليج لتدعم الإرهابيين وسياسة المفخخات، ناهيك عن وسائل الإعلام لطائفية حكومات العقل العربي التي كانت تغذي شلالات الدم المراق في بلد العراق وما ذلك كله إلا بسبب تشيّع العراق وولاءه لأهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. وما يشاهده العالم من أمور منظورة فإن ما خفي اكثر واكثر من المجازر وما ذلك كله إلا بمباركة نظام العقل العربي الداعم لتدمير العراق.

 

الشاهد الخامس: مباركة طائفية العقل العربي لتدمير العالم للبنان اليوم

وهذا شاهد جديد يطل على العالم والبائس بمجازر يندى لها جبين الإنسانية في لبنان، حيث نسمع الشعوب العربية تتسائل عن أسباب الصمت العربي فتتعالى صيحاتهم أين الحكومات العربية؟ أين حكام العرب؟ أين. أين. ؟

فأقول لهم يا اخوتنا من هذه الأمة المرحومة والمحرومة، المرحومة بحضارية دينها والمحرومة من منابع التحضر فيها، فحرمتم يوم وضعتم أئمة الحضارة والتحضر وراء ظهوركم وتخاذلتم عن أهل بيت نبيكم فأضعتموهم وضعتم في تيه دام قرونا وانتم في غفلة ساهون.

أقول لكم: هل قرأتم التاريخ ؟ وهل عرفتم الحق؟ وهل أبصرتم الحقائق.

إن ما يجري اليوم من صمت عربي حيال جرائم العدوان الوحشي على لبنان إنما هو جزء من مشروع كبير ذاك هو تحالف (مشروع طائفية العقل العربي) الحاكم مع (مشروع الهيمنة العالمية) على هذه الأمة.

فقد اعتاد العقل العربي مناهج التعنصر الطائفي ضد الشيعة فتطبع عليها حتى صار متخاذلا ضد الحق وان كان مع بلد سني مثل فلسطين، ذلك لأن شدة حذلانه الحق أفقدته طعم الحق، فلم يعد للحق في فهمه وثقافته طعم ولا مصداق، فأكسبته وهن الارتماء في أحضان (قوى الباطل العالمي) وهذا هو سر تحالف طائفية العقل العربي مع قوى الشر العالمي ضد الإنسان والإنسانية.

ولذلك فقد وجدنا منذ اليوم الأول للهجوم الشرس على لبنان وإبادة أهلها الآمنين إنما كان بمباركة (العقل العربي الطائفي) المنطلق من السعودية حيث قال إنما يجري في لبنان هو من فعل مغامرين وسمى الشعب الذي يدافع عن بلده مغامرا ليكون المسالم في نظره كل خانع متخاذل لا يؤمن بيوم الحساب، فسمع (العقل العربي الطائفي) الآخر من الأردن فكررها وتسارع مجتمعا بأخيه (العقل العربي الطائفي) الآخر من مصر ليرددوا ذات الشي ونفس النغمة ومطحنة بني إسرائيل تطن في شعب مسلم أن كان العقل العربي مسلما، وعلى عرب أن كان العقل العربي عربيا كما يزعمون.

وبعد هذه المدة الطويلة من العدوان الشرس على شعب لبنان لم نجد من (طائفية العقل العربي) أية مبادرة تتناسب والموقف، فوجدنا تعاون أحلاف العدوان على لبنان من البريطانيين والأمريكان يشدون على سواعد إسرائيل في تدمير لبنان وإبادة أهله ويجهزونهم بالقنابل الذكية وكأنما كانت تلك القنابل التي أهلكت الحرث والنسل كانت غبية، ولم يتحرك من ضمير (العقل العربي الطائفي) قيد أنملة.

وهم القادرون على اضعف الإيمان ومنه:

أولا: المقاطعة الدبلوماسية، ومع ذلك فإن غالبية حكومات (طائفية العقل العربي) ما زالت تحتفظ بالتمثيل الدبلوماسي مع بلد العدوان الإسرائيلي.

ثانيا: المقاطعة النفطية مع الدول الظهيرة للعدوان، في حين أن حكومات (طائفية العقل العربي) تمتلك سلاح النفط وبقوة.

ثالثا: المقاطعة السياسية مع البلدان الداعمة للحرب على لبنان.

رابعا: القيام بحركة دبلوماسية مؤثرة مع بلدان العالم الرافض لهذا لعدوان والضغط على إسرائيل وأمريكا وبريطانيا.

خامسا: القيام بالدور الإعلامي المؤثر في قضية الشعب اللبناني، بينما الدور الإعلامي لحكومات (طائفية العقل العربي) تسمي العدوان الكاسح (عملية إطلاق نار)، وبعضها طالب خجلا بإيقاف إطلاق النار، وكأنما هذه الحرب الطاحنة من طرف واحد لجيش عات (إطلاقَ نارْ) على الحدود بين بلدين، وكأن لم تكن حربا دخل فيها الطيران الحربي بكل ما أوتي من حول وقوة بما فيها الأسلحة المحرمة دوليا.

بل والأنكى من ذلك تجد حكومات (طائفية العقل العربي) من بلد النفط وحماية الحرمين الشريفين تصرح بأنها على ثقة تامة أن أمريكا قادرة على حل الأزمة في لبنان وبهذا التصريح ( صمت دهرا ونطق كفرا).

 

المطلوب من الشارع العربي

اما المطلوب من (عقل الشارع العربي) فهو ما نوجزه بالواجبات التالية:

أولا: أن يعي (عقل الشارع العربي) أن ما أنجزه لبنان بصمود أهله وتضحيات أبناءه يفوق معشار ما قد أنجزته قدرات حكومات (طائفية العقل العربي) ، منذ عام 1948 حتى هذا اليوم، وهذا يكشف عن زيف مزاعم (طائفية العقل العربي) وشعاراته ونواياه.

ثانيا: أن يعي (عقل الشارع العربي) أن سبب سكوت حكومات (العقل العربي) وتخاذلها هو حقده الطائفي ضد شيعة أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وما دوره في تدمير العراق عنا ببعيد.

ثالثا: على (عقل الشارع العربي) أن يميز بين (طائفية العقل العربي) المتحكمة في مقدراته وبين العقلية المتحضرة التي تؤمن بالله ورسوله وأهل بيته وتحترم الإنسان، وتعتز بالأوطان، وتتعشق الاستقلال والاستقرار، وترفض التبعية والخنوع. لما في ذلك من الفارق الكبير بين ثقافة العقليتين حيث الأولى أنانية متخلفة بدوية جاهلية وإن درست في جامعات العالم. والثانية عقلية متحضرة تؤمن بمبادئ السماء وتعاليم رسول الإنسانية ومبادئ أهل بيته عليهم السلام.

ثالثا: إن التفاف (عقل الشارع العربي) حول عقول طائفية بدوية متحجرة يعني المزيد من الارتماء بأحضان مشاريع الهيمنة العالمية، فلتحذر الأمة من هذا الالتفاف وهذا الاصطفاف.

رابعا: ليعلم (عقل الشارع العربي) أن (طائفية العقل العربي) الحاكم قد عجزت عن أن تدفع عن الفلسطينيين شرا، وما جلبت لهم يوما خيرا ، ولا أماطت عنهم في أزمة ضرا، ولم يظهر منهم غير المساومات والخلافات وسياسة التخاذل وثقافة تسليم الفلسطينيين للمطاحن البشرية طوال الأعوام المنصرمة.

خامسا: ليدرك (عقل الشارع العربي) أن سبب تخاذل الحكومات العربية هو (طائفية العقل العربي) الخانع المتخاذل عن الحق وقول الصدق وفعل الصادقين، بينما ثقافة العقل المتحضر- الذي يقع في الطرف الثاني من نزاع البدوية الجاهلية ضد تيار الحياة- هي ثقافة الحياة، ومنطق الثبات، ومبدأ التعشق للحق، والتطلع نحو الإنسان، ومسلكها احترام الإنسانية، ومنهجها ينبع من معين السيادة الحقيقية، حيث السيد الحقيقي هو العبد الحقيقي لله تعالى بينما العبد (القن) هو المتمرد على الله ورسوله والمنتقم من أهل بيته الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا.

 

خلاصة البحث

يمكننا أن نوجز خلاصة البحث بالأمور التالية:

الأمر الأول: الطائفية تعني تعصب الإنسان لطائفته تعصبا يعتبر حق الطائفة الأخرى باطلا مطلقا، وباطل طائفته وظلمها الآخرين حقا مطلقا.

الأمر الثاني: الطائفية تعني الأنانية وهي مرتكز لمعاني العصبية الجاهلية، ومجمع لكل رذيلة أيسرها الظلم والاستبداد مرورا بالحرمان والقهر للطائفة الأخرى لتنتهي بالقتل والإبادة والتحالف مع كل قوى الشر في الأرض من اجل الإطاحة بالطائفة الأخرى.

الأمر الثالث: العقل العربي الحاكم عقل متخلف يمثل قمة التعصب الطائفي ويجسد اسوأ معاني الجاهلية التي تنكر الحق وتتجهم له مهما كان لأنه من الطائفة الأخرى، أو لها، أو معها. كما هو موقف هذه العقلية من الشيعة في العراق وأفغانستان وبلاد الخليج والشام واليمن ومصر وكل بلاد الإسلام.

وما سكوت العقل العربي عن مجازر لبنان وإعطائه الضوء الأخضر للعدوان الوحشي على لبنان إلا من (معطيات طائفية العقل العربي) هذا.

الأمر الرابع: بسبب من أنانية العقل العربي وتعصبه الجاهلي فانه اعتاد على نكران الحق بعد أن تمرس عليه ضد الطائفة الأخرى، وبهذا فإن ما نراه من مآس في فلسطين التي اقتاتت عليها الأنظمة العربية هو من معطيات العقل العربي الطائفي الذي تحول إلى عقل مأجور للأجنبي.

الأمر الخامس: على الشعوب العربية أن تعيد حساباتها الطائفية وتراجع الثقافة الطائفية التي تلقتها من حكام الطائفية العربية وأحزاب الطائفيين السائرين في ركاب حكومات العقل العربي الطائفي.

 

النتيجة النهاية لمعطيات طائفية العقل العربي

إن كوارث الصمت العربي والسكوت والتراجع القومي والتخاذل الطائفي، الإتيان بأساطيل العالم لتحتل بلادنا وتفسد الحرث والنسل، وكلها من معطيات الفكر والممارسة القمعية التي عملت عليها (طائفية العقل العربي) الحاكم، بالتعاون مع المحور الثلاثي (البريطاني الأمريكي الإسرائيلي) للهيمنة على الإنسان واستعمار الأوطان الذي مزقته الإرادة الطائفية (للعقل العربي الحاكم) التي تعاضدت مع محور الهيمنة والاستعمار ضد إرادة الإنسان الحر الذي يتمتع بثقافة التحرر من التبعية والتخدير (التشيع).

ثقافة التحرر التي يتمتع بها الإنسان الذي تتلمذ على رسول الله وعلي والحسن والحسين والأئمة من أهل بيته.

وفي الختام

رأيت أن أبين هذه القصة التي تكشف عن عبودية طائفية العقل العربي الحاكم وحرية من يتربى على مبدأ الأحرار وثقافة التحضر:

لقد مر الإمام الكاظم عليه السلام باحدى الطرقات فسمع عند دار من دور الحي اصوات طرب وغناء ومجون... وفي الأثناء خرجت جارية لترمي قمامة القوم الثملين، فسألها الإمام لمن هذا البيت ؟

اجابت لسيد.

قال: سيدك سيد أم عبد ؟ فتعجبت الجارية هي تقول لسيدي ويسألها سيدك سيد أم عبد...

فقالت: بل سيدي سيد.

قال عليه السلام: صدقت لو كان عبدا لله لاستحى من الله.

فاستبطأها سيدها صاحب المنزل... سألها عن سبب تأخيرها؟

قالت: صادفني رجل وسألني كذا وكذا.. وأجبته بكذا وكذا.

فقال لها: صفي لي الرجل. فوصفته. فضرب على رأسه وقال لها هذه صفات العبد الصالح موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام.

فهرع وراءه حافيا يبحث عنه... وقع على قدميه مستغفرا مما قد صنع.. معلنا توبته....ثم رجع إلى المنزل وكسر زجاجات الخمر وأعواد الموسيقى، وطرد الماجدات الماجنات مع جموع المغنيين والعازفات.. وعاد زاهدا عابدا إنسانا صالحا.. حتى عرفه التاريخ (بشر الحافي).

وبعد هذا... فمن أين لزعماء العرب مثل هذه السيادة التي لا تتجسد إلا بالعبودية لله تعالى..

أجل...

إن (طائفية العقل العربي) لا تتمتع إلا بثقافة العبودية للشيطان وأعوانه في الأرض. لافتقار هذه العقلية لثقافة أهل البيت عليهم السلام التي تعني الحرية... والسيادة...والكرامة.

 


[1] - الكافي ج: 2 ص: 309

[2] - الكافي ج: 2 ص: 2308

[3] - نهج البلاغة

[4] - سورة البقرة / آية 143

[5] - سورة يونس / آية 32

[6] ‑ سورة المائدة / 27-30

[7] - الكافي ج: 2 ص: 131

[8] - غرر الحكم ودرر الكلم ص242

[9] - كشف الغمة ج2 ص2

[10] - كتاب ‏العين ج: 3 ص: 390

[11] - ‏لسان ‏العرب ج: 11 ص: 129

[12] - مجمع ‏البحرين ج: 5 ص: 345

[13] - مذكرات حردان عبد الغفار التكريتي

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com